تاريخ العلاقة القطرية الإخوانية: توزيع الأدوار

الإخوان المسلمون

تاريخ العلاقة القطرية الإخوانية: توزيع الأدوار


21/10/2017

لقطر والإخوان تاريخ طويل ممتد من العلاقات، والتزام الدوحة الثابت بدعم الجماعة، حتى الآن، يؤكد هذه الحقيقة، لدرجة أنّها من أجل ذلك عرّضت علاقتها للخطر مع دول الخليج، وهو ما يكشفه الاستعراض التاريخي لهذه العلاقة، وتوغّل الإخوان في المؤسسات القطرية وعلى رأسها قناة الجزيرة.

موجات الهجرة الإخوانية إلى الدوحة

عقب محاولة الإخوان اغتيال جمال عبدالناصر وبدء ملاحقتهم، توسط وزير الأوقاف في عهد عبدالناصر الشيخ أحمد حسن الباقوري، للإفراج عن بعض عناصر الإخوان؛ إذ كان هو أحد أعضاء الجماعة قبل أن يجبروه على الاستقالة، لقبوله الوزارة، وكان من هؤلاء الشيخ الأزهري عبد البديع صقر، الذي اشترطت عليه السلطة المصرية، عدم التدخل في الشؤون المصرية للسماح له بالهجرة، بعد القبض عليه بشهور، وهو ما وافق عليه.
وصل صقر إلى قطر في العام 1954، وعمل على إنشاء مديرية للتربية والتعليم بالدوحة، فحاز ثقة حاكم قطر آنذاك الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني، الذي فتح له أوسع الأبواب للإشراف على المؤسسات التعليمية القطرية، وبعدها عينه مستشاراً ثقافياً له.


استقدم صقر، مجموعة من رفاقه في الجماعة، فعملوا بالمؤسسات التعليمية، وكان المجتمع القطري في هذا الوقت لم يتعدَّ أفراده عشرات الآلاف من المواطنين، وشهدت الفترة من 1960– 1975 حركة سلفية وعظيّة ساهم فيها الإخوان الذين وصلوا إلى الدوحة، بعد الإفراج عنهم من سجون عبدالناصر العام 1965، ومنهم يوسف القرضاوي، الذي أنشأ كلية الشريعة، وحسن المعايرجي، الذي وصل إلى أرفع المناصب في وزارة التعليم حتى أنّه تولّى تدريس الشيخ حمد بن خليفة، وأحمد العسال الذي عمل في قطر طوال فترة الستينيات، وعبدالحليم أبوشقة الذي ألّف الكثير من الكتب المتعلقة بالمرأة في قطر، وكمال ناجي، وعز الدين إبراهيم، الذي أصبح مسؤول الإخوان بالخليج، وعبدالمعز عبدالستار.

ركز رموز الإخوان على التوغل في المؤسسات القطرية والتواصل مع القيادات السياسية، كما وجهوا أفراد الجماعة للانخراط بالمؤسسات التعليمية

في العام 1975 أعلن عن تشكيل الإخوان بقطر، وفي الفترة ما بين العامين 1982و1995، ساهم الإخوان السوريون في انتشار الجماعة عقب فرارهم من بلدهم إثر أحداث حماة العام 1982، وكان القرضاوي في هذه الفترة أيضاً قد ساهم هو والجماعة في تأسيس وزارة التربية والتعليم، ومعهد الدراسات الدينية، ثم أنشأ مشروعاً فكرياً وصحفياً يتمثل في مجلة "الأمة القطرية" التي صدر منها 72 عدداً قبل أن تتوقف عن الصدور، ثم تولّى تأسيس وعمادة كلية الشريعة الإسلامية في جامعة قطر، كما أصبح مديراً لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر.
في أعقاب أحداث 11 سبتمبر وصلت موجة إخوانية جديدة من السعودية، كما استقبلت الدوحة موجة أخرى من قادة حماس، وعلى رأسها خالد مشعل الذي قدم من الأردن، وفرّ إلى الدوحة إخوانيّون مصريّون جدد عقب سقوط الجماعة وعزل محمد مرسي.

 

توغّل الإخوان في المؤسسات القطرية

في العام 1995 تولّى حمد بن خليفة الإمارة، وأنشأ قناة "الجزيرة"، وبدأت الدوحة تبحث عن دورٍ إقليمي، وربما دولي، واستغلت ورقة الإخوان، لتغدو الجماعة موظّفة رسمية لدى جهات قطرية.
وبدورهم ركز رموز الإخوان على التوغل في المؤسسات القطرية، والتواصل مع القيادات السياسية، كما وجهوا أفراد الجماعة للانخراط في العمل بالمؤسسات التعليمية، ومارست الجماعة أدوارها في التربية والإغاثة والعمل الخيري، عن طريق الجمعيات والأندية والمؤسسات واللجان الخيرية، وهو ما أثر بالفعل في تغلغل الجماعة في كل مؤسسات قطر فيما بعد.

الدعم القطري للإخوان كان يقضي بمصاحبتهم لحين الفوز بالانتخابات داخل البلدان التي تعتمد صناديق الاقتراع أو دعمهم في البلدان التي يتعذر فيها ذلك

اختار الإخوان المصري عزّ الدين إبراهيم، مسؤولاً لهم، ووصل الدوحة بعد طرده من الإمارات إثر مؤامراته هو والجماعة هناك، وبعدها جاء كمال ناجي، وعلي شحاتة من السودان، وعبد الحليم أبوشقة، ومحمد مصطفي الأعظمي، كما أصبح للقطري جاسم سلطان، الذي زامل عبدالمنعم أبو الفتوح، وعصام العريان، في كلية الطب بجامعة القاهرة، دور كبير، لكنّه قرر فجأة إجراء مراجعات على تجربة "الإخوان" في مصر وخارجها.
نشر سلطان مراجعاته تحت عنوان "حول أساسيات المشروع الإسلامي لنهضة الأمة.. قراءة في فكر الإمام الشهيد حسن البنا"، ما أدى إلى انقسام جسم الجماعة القطري، إلى تيارين: الأول ركز على الأمور الدعوية والعلمية، أما الثاني فتعاون مع التنظيم العالمي للجماعة.

حلّ الجماعة.. حقّ يراد به باطل

خلال تلك الفترة قدم المفكر الإخواني الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي إلى الدوحة؛ حيث استدعته مجموعة من القيادات الإخوانية، واقترحت حلّ الجماعة، وأقنعته بالفكرة، فخرج من ذلك المجلس وكتب مقالته الشهيرة عن الإخوان في قطر، أيّد فيها قرار الحلّ أو التفكيك، ودعا لأن يكون مثالاً يحتذى.
استمر الجدل الداخلي في الجماعة القطرية، وانتهى إلى قرار حاسم اتّخذه مجلس شورى التنظيم بحلّ الجماعة لنفسها، واندماج أفرادها في مؤسسات المجتمع المدني القائمة وتكوين تيار إسلامي آخر، إلا أن القرضاوي رفض ذلك، وتم الاتّفاق على إنشاء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بتمويل من الدوحة، وحلّت الجماعة نفسها العام 1999، ليتبيّن فيما بعد أنّ ذلك كان ضمن اتفاق بين الدوحة والإخوان بحلّ الجماعة داخلياً في مقابل تحركها خارجياً ودولياً بحرية، وأن تقوم قناة الجزيرة بدعم الإخوان وحركات الإسلام السياسي، بما فيها القاعدة؛ إذ ورد في تقرير استقصائي نشرته صحيفة "الكريستيان ساينس مونيتور"، الأمريكية، أنّ قناة الجزيرة "مكرسة لتنفيذ السياسة الخارجية للدوحة، ومنها دعم الإخوان".

تبين أن حل جماعة الإخوان في قطر كان ضمن اتفاق مع الدوحة لضمان تحرك الجماعة خارجياً ودولياً بحريّة

وذكر التقرير أنّه في مطلع شهر شباط (فبراير) العام 2006 عقد في الدوحة منتدى تحت عنوان "منتدى المستقبل"، وبعد انتهائه خرج ما يطلق عليه "مشروع مستقبل التغيير في العالم العربي"، وتم توزيع المهام: قطر تتبنّى الإسلاميين، وأمريكا تتبنى الشباب الليبرالي المنفتح، وهذا التعاون أثمر كثيراً في تحفيز الشباب على قيادة التغيير، باستعمال أدوات الإعلام الحديث والاتصال الإلكتروني، من؛ فيسبوك وتويتر ويوتيوب.

تضمنت المهمة القطرية مشروعين؛ مشروع "النهضة"، يديره القطري الدكتور جاسم سلطان، الذي قام بالمراجعات الإخوانية، و"أكاديمية التغيير"، عبر زوج ابنة القرضاوي، وهو منفَّذ مهمّ لما ينظر له ويضعه جاسم سلطان من خطوط فكرية ومنهج للتغيير والنهضة.
في هذا الإطار، يشار إلى أنّه في سبيل هذا المشروع، المموّل من قطر، بالتعاون مع الإخوان، يتم تنظيم تدريبات وبرامج إعداد عبر الإنترنت، تتضمن تعريف المتدربين بما هو المجتمع الناهض، وأطوار حركة النهضة ومسارات النهضة، ومتطلبات النهضة، ومن أين تبدأ النهضة، وما هي مفاتيح الوصول للسلطة في الدول العربية.
الدعم القطري للإخوان ظلّ مفتوحاً، يقضي بمصاحبة الجماعة إلى حين الفوز في الانتخابات داخل البلدان التي تعتمد صناديق الاقتراع قاعدة للتداول على الحكم، أو دعمهم في البلدان التي يقتضي تغيير الأنظمة فيها عملاً عسكرياً حاسماً، كما حدث في ليبيا ويحدث في سورية.
والخلاصة أنّ لدى قطر مشروعاً سياسياً، كان هو دعم الإخوان، والترويج لمشروعهم، ومساندة وصولهم للحكم، من أجل أن تسيطر هي على المنطقة من خلالهم، بحكم التاريخ الطويل من العلاقة، والسيطرة الإخوانية على كل مفاصل الحياة القطرية.


 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية