تحوّلات أفغانستان.. أي سياسة ستتبناها إيران ما بعد الانسحاب الأمريكي؟

تحوّلات أفغانستان.. أي سياسة ستتبناها إيران ما بعد الانسحاب الأمريكي؟


25/07/2021

تتسارع التطورات في أفغانستان والتي تأتي في أعقاب توقيع اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في العام 2020، المترافق مع الإعلان عن سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بحلول الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2021، وهو ما بدأ تنفيذه فعلاً في الأول من أيار (مايو) 2021. وتكتسب التطورات في أفغانستان أهمية كبيرة بالنسبة لإيران؛ إذ يشترك البلدان بحدود جغرافية تمتد إلى نحو (920) كيلومتراً، كما تتداخل الأعراق والمكوّنات الطائفيّة عبر الحدود بينهما، ما يعني احتمال تضاعف وتفاقم التهديدات في حال تطوّر الأوضاع في أفغانستان باتجاهات لا تتوافق مع المصالح الإيرانيّة.

الخطر الأبرز.. تهديد "داعش"

بالنسبة لإيران فإنّ الخطر والتهديد الأبرز الذي قد ينشأ إثر انسحاب القوّات الأمريكية من أفغانستان هو تحوّلها إلى دولة فاشلة وفاقدة للسيادة والقدرة على فرض الأمن في أرجاء واسعة، ما قد يترافق مع صعود وتمدد تنظيم "داعش" فيها. وكان التنظيم قد أعلن رسمياً عن نشاطه بأفغانستان في كانون الثاني (يناير)  2015، وذلك مع الإعلان في حينه عن تأسيس "ولاية خراسان"، والتي يشمل نطاقها كلاً من أفغانستان، وباكستان،  وآسيا الوسطى.

معسكر تابع لتنظيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان

وتكمن خطورة التنظيم بالنسبة لإيران في حال تمدده ووصوله إلى الحدود الإيرانية ومن ثم إمكان اتصاله وتحالفه مع الحركات المسلحّة السنيّة المتشددة على الجانب الإيراني وبخاصّة في محافظة "سيستان وبلوشستان"، مثل حركة "جند الله"، وبالتالي شكل هذا الهاجس دافعاً نحو التحول في الموقف الإيراني باتجاه  الانفتاح على حركة طالبان، والتي خالفت تنظيم "داعش" منذ تأسيسه، وخاضت المواجهات معه، وتمكَّنَت من احتوائه في عدد من المحافظات الشرقية في أفغانستان مثل كونار، وننكرهار، ونورستان.

العلاقة مع طالبان.. من العداء إلى فتح قنوات الاتصال

في عام 1996 تمدّدت حركة طالبان من جنوب أفغانستان إلى شمال أفغانستان واقترب نطاق سيطرتها من المناطق الحدوديّة مع إيران، وفي العام 1998 قام مقاتلو الحركة بمحاصرة القنصلية الإيرانية في مدينة "مزار شريف" (شمال أفغانستان)، ومن ثم قاموا بقتل أحد عشر دبلوماسيّاً إيرانيّاً، لتبلغ العلاقات بين حركة طالبان وإيران في حينها ذروة التأزّم والعدائيّة.

شكل هاجس تمدد "داعش" دافعاً نحو التحول في الموقف الإيراني باتجاه  الانفتاح على حركة طالبان

وفي عام 2001 قدّمت إيران الدعم للغزو الأمريكي لأفغانستان الهادف في حينه لإسقاط نظام طالبان، واستمرّت بعد ذلك في دعم الحكومة الأفغانيّة الانتقالية في مواجهة الحركة، ليترسخ بذلك العداء بين إيران وحركة طالبان. إلا أنه وخلال فترة رئاسة الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد (2005-2013) بدأت العلاقات تشهد تحوّلاً مع توجه إيران في حينه نحو تعزيز علاقاتها مع طالبان، ومن ثم بدأت العلاقات تشهد تطوراً بازراً وتتحول إلى العلن، وبالتحديد بعد تولي الملا أختر محمد منصور زعامة الحركة في العام 2015، إذ اتجه الجانبان للتأكيد على ضرورة التعاون ضد ((عدوّهم المشترك)) المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية. وفي أيار (مايو) 2016  تم اغتيال الملا أختر محمد منصور بواسطة طائرة مسيّرة أمريكيّة أثناء عودته إلى باكستان بعد إقامته في إيران لفترة من الزمن.

تنسيق وتعاون عسكري

جاءت إقامة العلاقات من قبل إيران مع طالبان ودعمها للحركة بهدف استنزاف القوات الأمريكيّة في أفغانستان. وشمل الدعم الإيراني للحركة نقل السلاح والأموال لها عبر إيران إلى داخل أفغانستان. وفي آذار (مارس) 2011، كشف تقرير للقوات الخاصة البريطانية في أفغانستان عن أنّ إيران تقدم أسلحة إلى حركة طالبان، بالإضافة إلى التدريب والتمويل.

قام الحرس الثوري بتدريب مقاتلي طالبان داخل إيران باعتبارهم الأقدر على مواجهة داعش

وبعدما قررت المجموعة الدولية (5+1) تشديد العقوبات على إيران، قبيل توقيع الاتفاق النووي معها عام 2015، شرع الحرس الثوري الإيراني بفتح معسكراته لاستضافة مقاتلي طالبان لتدريبهم، وذلك بغرض توظيف هذا الدعم كورقة للضغط في أية مفاوضات، إضافة إلى الاستفادة من طالبان لمنع تنظيم "داعش" من الانتشار في أفغانستان، إذ كان قد بدأ بالظهور في ذلك الوقت.

تحوّلت العلاقات بين إيران وحركة طالبان إلى العلن بعد تولي الملا أختر محمد منصور زعامة الحركة

وفي عام 2018، وفي الوقت الذي كانت تحاول فيه الولايات المتحدة الأمريكية الضغط على إيران اقتصادياً وسياسياً، إثر الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي، ازدادت التقارير التي تؤكد بأنّ مقاتلي طالبان يتلقون تدريبات على أيدي الحرس الثوري في إيران، وبحسب هذه التقارير فقد شمل الدعم الإيراني السماح للحركة باستخدام قاعدتين عسكريتين في محافظة "سيستان وبلوشستان"، حيث يمكنها تجنيد مقاتلين من السنّة هناك، وذلك تحت إشراف الحرس الثوري الإيراني. كما وأقامت حركة طالبان مركزاً للقيادة في مدينة مشهد، شمال شرق إيران، لتنسيق عملياتها العسكرية في غرب أفغانستان. ونتيجة كل هذا التقارب لم يكن من المفاجئ أنّ حركة  طالبان قامت بتقديم التعزية بعد اغتيال قاسم سليماني في كانون الثاني (يناير) 2020، ونددت بالاغتيال.

المحادثات بين الحكومة والحركة

في مرحلة ما بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان كانت السياسة الإيرانيّة تتجه نحو إقامة وتعزيز العلاقات مع مؤسسات الحكم الأفغانية الجديدة، وفي عام 2010 ظهرت تقارير تفيد بأنّ إيران قدمت أموالاً بقيمة ملايين الدولارات لشراء ولاء مسؤولين في حكومة الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي (2001-2014)، وموّلت حملات مرشحين إلى الانتخابات، ودعمت مؤسسات إعلامية أفغانية. وفي عام 2013، وقّعت إيران وأفغانستان اتفاقية تعاون استراتيجي، تضمنت بنوداً اقتصادية وأمنية، وآليات لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات، وإجراء تدريبات عسكرية مشتركة.

من المحادثات الأخيرة بين طالبان والحكومة الأفغانية.. والتي انعقدت في طهران

أرادت إيران من وراء هذه العلاقات مواجهة النفوذ الأمريكي بأفغانستان، إلا أنّ هذه المقاربة لم تحقق نتائج مهمة، فلجأت إيران إلى تغييرها. ويمكن ملاحظة البدء في التحول ابتداء من العام 2011، عندما أعلنت تأييدها لإجراء محادثات سلام بين الحكومة وطالبان وعرضت استضافة هذه المفاوضات في طهران.

اقرأ أيضاً: أفغانستان.. هل تكون ملاذاً جديداً لـ"داعش"؟

ومؤخراً، وبالتزامن مع المحادثات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في العام 2020، برز التحرك الذي قامت به الخارجيّة الإيرانيّة باتجاه إطلاق حوار بين الحكومة الأفغانيّة وحركة طالبان. وفي تشرين الثاني (نوفمبر) 2020، عقد رئيس المجلس الأعلى للمصالحة الوطنية الأفغانية عبدالله عبدالله، اجتماعات مع الرئيس الإيراني حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف في طهران، وأشارَ إلى أنّ التعاون مع دول الجوار مثل إيران مهمٌّ لتحقيق الاستقرار.

سعت إيران منذ بداية الحوار الأمريكي - الطالباني إلى إطلاق حراك تفاوضي مواز بين طالبان والحكومة الأفغانيّة

وقد سعت إيران منذ بداية الحوار الأمريكي - الطالباني في العام 2020، إلى إطلاق حراك تفاوضي مواز، وركّزت على إجراء محادثات بين الحركة والحكومة الأفغانيّة. وفي أواخر كانون الثاني (يناير) 2021 استضافت طهران  اجتماعاً بين وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووفد من اللجنة السياسية لحركة طالبان، وقد صرح ظريف عقب الاجتماع بـ: "ترى إيران بأن الالتزام بالحلول السياسية هو الخيار الأفضل لأفغانستان، وإيران مستعدة لمساعدة عملية الحوار بين الفصائل الموجودة في أفغانستان لحل النزاعات والأزمات". وفي إطار مواصلة هذه الجهود استضافت طهران مفاوضات مباشرة علنية بين الحكومة الأفغانية وطالبان في السابع من تموز (يوليو) 2021. وتنظر إيران إلى استمرار المفاوضات والابتعاد عن الحرب باعتبار ذلك الخيار الأفضل، منعاً لتدهور الأوضاع نحو الانفلات والفوضى.

تعزيز النفوذ.. العلاقات مع الشيعة

وعلى مستوى آخر، حرصت إيران على تعزيز نفوذها في أفغانستان عبر إقامة الصلات وتوفير الدعم لأقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان. ويمثِّل البشتون أكبر مجموعةٍ عرقية في أفغانستان (نحو 42% من سكان البلاد)، يليهم الطاجيك (27%)، ثم الأوزبك (9%)، والهزارة (9%)، ولطالما كان هناك صراع وتنافس بين هذه المكونات للحصول على القوة والنفوذ، وهو ما تفاقم وبلغ ذروته خلال سنوات الحرب الأهلية الأفغانية في التسعينيات.

اقرأ أيضاً: هل تفرض طالبان هيمنتها على أفغانستان؟.. آراء وتقييمات

دفعَ الاستقطاب العرقي في البلاد كل مكوّن للبحث عن دعم وظهير خارجي، وكان أن اتجهت إيران لدعم الهزارة الشيعة. وقد تمكّن فيلق القدس من نسج علاقات تحالف عسكري معهم خلال سنوات الحرب الأهلية في التسعينيات. وفي عام 2014 أسس فيلق القدس "حزب الله الأفغاني" المعروف بـ "لواء فاطميون" من اللاجئين الهزارة في إيران، وقد اشترك "لواء فاطميون" بالحرب في سوريا، ومن ثم بدأ يعود قسم منهم إلى أفغانستان.

مقاتلو "لواء فاطميون" في تدمر العام 2016

كما أقامت إيران علاقات وصلات مع الأحزاب الأفغانية التي يسيطر عليها الهزارة مثل "حزب الوحدة"، و"حزب الحركة الوطنية الإسلامية الأفغاني". وذلك إلى جانب تمسّكها بنفوذها بين الطاجيك الناطقين باللغة الفارسية. واستطاعت إيران من خلال نفوذها في دوائر صنع القرار بأفغانستان، أن تفسح مجالاً لأقلية الهزارة لتولي مناصب قيادية في أجهزة الدولة، بما في ذلك الوصول إلى المجلس الأعلى للقضاء، كما استطاع شيعة أفغانستان الحصول على اعتراف بالمذهب الشيعي الجعفري في الدستور الأفغاني. ويسمح تعزيز النفوذ الشيعي بتمرير قرارات وسياسات تتوافق مع الأهداف والمصالح الإيرانيّة في أفغانستان.

اقرأ أيضاً: خوف من الصين حتى روسيا بسبب انسحاب الأمريكيين من أفغانستان

تنظر إيران لأفغناستان باعتبارها خاصرة رخوة يمكن أن تسبب لها الكثير من المشاكل كما حصل في فترات سابقة عندما اندلعت حالة الانفلات والحرب الاهلية خلال التسعينيات من القرن الماضي، وفي سبيل عدم تكرار السيناريو ذاته في مرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي، فإنّ السياسة الإيرانية تتجه للمزج ما بين الانفتاح على طالبان باعتبارها شريكاً محلياً لا يمكن تجاوزه، والطرف الأقدر على التصدي لتنظيم داعش، وذلك إلى جانب الاستمرار في نسج وتعزيز العلاقات مع الهزارة والطاجيك وتدعيم نفوذهم في أفغانستان ما بعد الانسحاب الأمريكي، باعتبارهم من أهم مرتكزات النفوذ الإيراني هناك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية