تدخل إيران في شؤون جاراتها هو المشكلة الأساسية وليس النووي

تدخل إيران في شؤون جاراتها هو المشكلة الأساسية وليس النووي


18/11/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

تُسكب مجدداً غالونات من الحبر على المقالات الّتي تؤيّد وتعارض جهود الولايات المتّحدة لتأمين اتّفاقيّة أسلحة نوويّة جديدة مع إيران. هل سيعود النّظام في طهران إلى المحادثات؟ هل توافق واشنطن على الشّروط الإيرانيّة (والعكس)؟ وفي هذه المرحلة، هل يريد الإيرانيون أصلاً اتّفاقاً؟

اقرأ أيضاً: إيران وتركيا تتعاونان على تصنيع الطائرات المسيّرة: أهذا هو البرّ والتقوى

بينما تكون مثيرة للاهتمام في بعض الأحيان، فإنّ المناقشة بأكملها تُركّز على قضيّة أشعر أنّها انحراف خطير. على غرار أفكاري أثناء المفاوضات الّتي أدّت إلى «خطة العمل الشّاملة المشتركة» - كما يُطلَق على الاتّفاق النّوويّ لعام 2015 - أجد نفسي أتساءل مجدّداً لماذا نُنفق الكثير من رأس المال السّياسيّ، ونَفرِض الكثير من العقوبات، ونُشرِك العديد من الدّول المهمّة لمعالجة مشكلة غير موجودة بعد، بينما لا نفعل شيئاً لمعالجة المشكلات الحقيقيّة الّتي تعاني منها المنطقة.

الحقيقة البسيطة هي أنّ إيران ليس لديها قنبلة نوويّة، وبقدر ما يصعب على البعض قبول ذلك، حتّى لو كانت تمتلك واحدة، فإنّ فرص استخدامها تقترب من الصّفر. في الوقت نفسه، فإنّ المشكلة الحقيقيّة الّتي تطرحها إيران هي الدّور التّطفّليّ الّذي تلعبه في جميع أنحاء المنطقة. على أيّ حال، دعونا ننظر عن كثب في كلا الأمرين.

إيران ليس لديها قنبلة

أوّلاً، إيران ليس لديها قنبلة، وحتّى لو فعلت، فمن غير المرجّح أن تستخدمها لسببين. في عصر «التّدمير المتبادل المؤكّد»، سيؤدّي استخدام إيران لرأس حربيّ نوويّ إلى تحوّلها إلى ساحة انتظار مشعّة في غضون دقائق. وحتّى لو لم يتمّ تسويتها بالأرض بهجوم مضادّ، فإنّ استخدامها لمثل هذا السّلاح المدمّر لن يضمن إدانة في جميع أنحاء العالم فقط، ولكن أيضاً تداعيات من شأنها أن تشير إلى نهاية ما يسمّى بالجمهوريّة الإسلاميّة. علاوة على ذلك، لا يمكن لإيران أبداً استخدام قنبلة نوويّة بسبب عواقب الغبار الذّريّ. إذا قصفت إسرائيل، على سبيل المثال، فإنّ النشاط الإشعاعيّ (حسب اتّجاه الرّياح) سيُودي بحياة عدد لا يحصى من الفلسطينيّين والأردنيّين والّلبنانيّين، وربما كثيرين آخرين أيضاً. في الواقع، إذا استخدمت إيران قنبلة نوويّة في جوارها، فإنّ التّأثير سيدمّر المنطقة بأكملها، بما في ذلك إيران نفسها.

النشاط الإشعاعيّ سيُودي بحياة عدد لا يحصى من الفلسطينيّين والأردنيّين والّلبنانيّين، وربما كثيرين آخرين أيضاً. وإذا استخدمت إيران قنبلة نوويّة في جوارها، فإنّ التّأثير سيدمّر المنطقة

لهذه الأسباب نفسها، بالرّغم من امتلاك إسرائيل لمئات من الرؤوس الحربيّة النّوويّة، فإنّها لم تستخدمها قطّ في أيّ من حروبها العديدة مع جيرانها العرب، ولا يمكنها استخدامها في المستقبل. وينطبق الشّيء نفسه على الهند وباكستان وكوريا الشّماليّة.

بالنّظر إلى هذا، فإنّ السّبب الوحيد الواضح لامتلاك مثل هذا السّلاح هو حقوق المفاخرة. في الواقع، إنّ انشغالنا المهووس ببرنامج إيران يمنحها من الاهتمام وحقوق المفاخرة أكثر ممّا يمكن أن تحصل عليه من امتلاك قنبلة لا تستطيع استخدامها. تحتلّ إيران مركز الصّدارة عندما يتعلّق الأمر باجتماع سائر قوى العالم مع قادة دولة وتملّقهم. وهذا بالضّبط نوع الاهتمام الّذي يتوق إليه "الأولاد السّيّئون" ونمنحهم إيّاه، بينما لا ننتبه إلى الأشياء الخطيرة حقّاً الّتي تقوم بها إيران في جميع أنحاء المنطقة.

إسرائيل وإيران بحاجة إلى بعضهما

ومن المفارقات أنّ إسرائيل هي الّتي دفعت بـ«التّهديد النّوويّ» الإيرانيّ إلى المقدّمة. وعندما أخذت إدارة أوباما الطّعم وتفاوضت على «خطة العمل الشّاملة المشتركة»، قادت إسرائيل حملة الاتّهامات ضدّ الصّفقة. وهناك سببان لذلك: أوّلاً، إسرائيل وإيران بحاجة إلى بعضهما البعض كدولتين على مواقف متناقضة؛ وثانياً، جمهورهما المستهدف هو العالم العربيّ الّذي يقع بينهما.

اقرأ أيضاً: بيان مشترك.. الولايات المتحدة والدول الخليجية تحذر إيران

عندما كانت إسرائيل تقصف لبنان خلال نزاع 2006، كانت إيران قادرة على الّلعب أمام الجماهير العربيّة قائلة: «انظروا إلى ما تفعله إسرائيل وحليفنا وحده، حزب الله، يقف ضدّها وضدّ الولايات المتّحدة». نتيجة لذلك، قبل أكثر من عقد بقليل، حصلت إيران وحزب الله على تقييمات عالية بشكل غير عادي في معظم الدّول العربيّة. لكن خلال العقد الماضي، عندما أصبحت مكائد إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن واضحة بشكل متزايد، تراجعت تصنيفات إيران في جميع أنحاء المنطقة.

ولهذا السّبب لم أستطع قطّ أن أفهم سبب بذل كلّ هذا الجهد لوقف برنامج إيران النّوويّ مع تجاهل دورها الإقليميّ الخطير والمزعج. فهذه هي بالضّبط القضايا التي يجب أن نعالجها.

بناء حكومات غير طائفيّة

في هذه المرحلة، يجب على دول مجموعة «5 + 1» ومفاوضيها التّركيز على طرق مساعدة العراقيّين والّلبنانيّين في بناء حكومات غير طائفيّة يمكنها كبح جماح الميليشيّات المدعومة من إيران، وجعلها تحت سيطرة حكوماتهم. وكم توضّح استطلاعات الرّأي الأمريكيّة في كلا البلدين أنّ الأغلبيّة القويّة تدعم ذلك. يجب أن يكون هناك أيضاً جهد منسّق في اليمن لوقف هجوم الحوثيّين على مأرب والضّغط من أجل مفاوضات يمكن أن تضع نهاية لهذا الصّراع المستمرّ منذ أعوام.

يجب على الولايات المتّحدة توجيه الدّبلوماسيّة وممارسة الضّغط الاقتصاديّ على الجهود المبذولة لجعل إيران ترى فوائد أن تصبح مواطناً مسؤولاً في المنطقة من خلال كبح سلوكها التّطفّليّ

في الدّاخل، إيران لديها مشكلات من جميع النّواحي يجب معالجتها، مع مواجهتها اضطّرابات مع السّكّان الأذريّين ذوي الأعداد المعتبرة في الشّمال ومواطنيها العرب في منطقة الأحواز. كما تواجه إيران التّهديد المتجدّد من الوضع المقلق النّاجم عن انتصار طالبان في أفغانستان. و، إذا لم يكن ذلك كافياً، يستمرّ الشّباب الإيرانيّ في المدن الكبرى في المطالبة بمزيد من الوظائف والحرّيّات الشّخصيّة.

هذه هي القضايا الّتي يجب أن تكون على الطّاولة. يجب على الولايات المتّحدة توجيه الدّبلوماسيّة وممارسة الضّغط الاقتصاديّ على الجهود المبذولة لجعل إيران ترى فوائد أن تصبح مواطناً مسؤولاً في المنطقة من خلال كبح سلوكها التّطفّليّ ووضع احتياجات شعبها أوّلاً. قد لا يُسفر مثل هذا الجهد عن نتائج فوريّة أو حتّى ينجح على الإطلاق. لكنّه سيركّز على الأقلّ على القضايا الصّحيحة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

جيمس زوغبي، ذي ناشونال، تشرين الثّاني (نوفمبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية