تطورات علاقات واشنطن مع السعودية والإمارات.. كيف يمكن قراءتها؟ وما مستقبلها؟

تطورات علاقات واشنطن مع السعودية والإمارات.. كيف يمكن قراءتها؟ وما مستقبلها؟


20/03/2022

بالرغم من البيانات الدبلوماسية الصادرة في لندن والرياض وأبو ظبي، بعد زيارة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى الإمارات والسعودية، والتي أكدت على علاقة بريطانيا والتزامها بالشراكة الاستراتيجية مع البلدين، إلّا أنّ تلك البيانات لم تُخفِ حقيقة أنّ جونسون فشل في الحصول على موافقة السعودية والإمارات على زيادة مبيعاتهما من النفط، وهو ما يؤكد استمرار الخلافات السعودية- الإماراتية مع الولايات المتحدة حول العديد من الملفات، فخلافاً لبيان مكتب رئيس الحكومة البريطانية، مؤكد أنّ هدف الزيارة لم يكن تنمية العلاقات الثقافية بين بريطانيا والبلدين الخليجيين، بقدر ما كانت تهدف للمساهمة في الضغوط الأمريكية على الرياض وأبو ظبي لزيادة إنتاجهما من النفط، في إطار الجهود الأمريكية لإيجاد بدائل للنفط والغاز الروسي، قبل اتخاذ قرارات دولية بتوسيع العقوبات على موسكو لتشمل مبيعات النفط والغاز، وهو ما تتحفظ عليه الدول الأوروبية حتى تاريخه.

الموقف السعودي- الإماراتي تجاه الحرب في أوكرانيا، الذي يرفض الاستجابة للضغوط الأمريكية بإدانة روسيا، وزيادة مبيعات النفط في السوق العالمية، واتخاذ موقف يدعو لحلّ الأزمة بطرق سلمية، في ظلّ علاقات وثيقة مع روسيا والرئيس بوتين، لم يكن إلّا محطة جديدة في محطات الخلاف مع واشنطن، منذ وصول الديمقراطيين إلى الحكم في أمريكا.

من زيارة رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إلى الإمارات

ملفات الخلافات بين واشنطن من جهة، والرياض وأبو ظبي من جهة أخرى متعددة، لكنّ مرجعياتها بالنسبة إلى الإدارة الأمريكية الديمقراطية تنطلق من أنّ السعودية والإمارات بنتا علاقات وثيقة مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وعدم انخراط السعودية والإمارات في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي تهدف لمواجهة الصين وروسيا،  ولدى الرياض وأبو ظبي شكوك عميقة بمواقف واشنطن وسياساتها في المنطقة بالتخلي عن حلفاء أمريكا التاريخيين، وهو ما دفع الرياض وأبو ظبي إلى تعزيز علاقاتهما مع الصين وروسيا، والبحث عن مصادر تسليح غير أمريكية، وقد ذهبت واشنطن إقليمياً لدعم الحوثيين الموالين لإيران في اليمن، وعرقلة الكثير من صفقات مبيعات الأسلحة الأمريكية للرياض وأبو ظبي، ومحاولات أمريكا لعرقلة تطوير علاقاتهما مع روسيا والصين، وكان الانسحاب الأمريكي "الأحادي" من أفغانستان وتسليمها لحركة طالبان، بعد وساطة قطرية، رسالة أمريكية لغالبية حلفائها بإمكانية التخلي عن دعمهم.

 

رغم تشعّب الملفات الخلافية بين واشنطن وكلٍّ من الرياض وأبو ظبي، يبقى بالنسبة إلى العاصمتين الخليجيتين ملف الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران أحد أبرز الملفات الخلافية

 

ورغم تشعّب الملفات الخلافية بين واشنطن وكلٍّ من الرياض وأبو ظبي، يبقى بالنسبة إلى العاصمتين الخليجيتين ملف الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران أحد أبرز الملفات الخلافية، في ظلّ سعي أمريكي حثيث لإنجاز الاتفاق، دون الأخذ بعين الاعتبار مطالبات سعودية وإماراتية، لا سيّما بعد تسارع إنجاز الاتفاق، رغم تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، لدرجة أنّ أمريكا فيما يبدو قدّمت تنازلات عميقة وصلت إلى درجة تقديم ضمانات استثنائية لروسيا بعدم شمول العقوبات المفروضة عليها بعد غزوها لأوكرانيا، فيما يخصّ استثماراتها وعلاقاتها الاقتصادية مع إيران بعد رفع العقوبات عن طهران، رغم تسريبات تشير إلى أنّ الاستثمارات الروسية في إيران ستكون محصورة في بناء محطات نووية بقيمة (10) مليارات دولار.

اقرأ أيضاً: تقرير يظهر نشاطات نووية جديدة لإيران... ما موقف الغرب؟

وقد كان لافتاً أنّ مواقف واشنطن قد ذهبت بعيداً في اتفاقها مع طهران بالقبول برفع الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس عن قائمة الإرهاب، مقابل وعود من طهران بـ" تخفيف" تدخل هذا الحرس في الإقليم، عبر ما تعتبرهم السعودية والإمارات ميليشيات وكيلة لإيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، بالإضافة إلى دعم الأقليات "الشيعية" في دول الخليج، بما يقوّض الأمن الخليجي من وجهة نظر سعودية وإماراتية، وقد زادت أمريكا في قراراتها التي قرأتها الرياض وأبو ظبي بأنّها تستهدفها بتخصيص مبلغ "500" مليون دولار مساعدة لحكومة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون التي تُعتبر ميليشيا إيرانية، ولا يُستبعد أن تتخذ واشنطن قرارات مشابهة جديدة بخصوص حزب الله اللبناني، لا سيّما بعد التزام الحزب بعدم مهاجمة إسرائيل، وتسهيل مهمّة إنجاز التوصل لاتفاق حول الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل.

يبقى بالنسبة إلى العاصمتين الخليجيتين ملف الاتفاق النووي بين أمريكا وإيران أحد أبرز الملفات الخلافية

مستقبل تنفيذ الاتفاق النووي الجديد غير واضح، ومرتبط بالعديد من السيناريوهات، بما فيها التزام القيادة الإيرانية بـ"ضبط" الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس، ومستقبل الميليشيات الإيرانية في مناطق الصراعات التي لإيران يد فاعلة فيها، ومع ذلك فيمكن الإشارة إلى السياقات التالية حول مستقبل هذا الاتفاق:

أوّلاً: إنّ هناك لاعبين دوليين من غير الواضح أدوارهم المستقبلية في الملفات الإيرانية، وعلى رأسهم روسيا، فهل ستكتفي موسكو فقط بـ (10) مليارات دولار ستحصل عليها مقابل بناء محطات نووية إيرانية؟ وهل ستقبل روسيا ما يمكن وصفه بـ "طعنة" إيرانية بأن يكون نفطها وغازها بديلاً للنفط والغاز الروسيين؟ وما موقف بكين التي تتطلع للحصول على حصة الأسد في مشاريع إعادة الإعمار بعد اتفاقات مع طهران تمتد لأكثر من (25) عاماً، وتشمل التعاون في كافة المجالات، وإلى جانب ذلك تتطلع أمريكا ومعها أوروبا للحصول على الحصة الأكبر في مشاريع إعادة البناء؟.

 

مستقبل تنفيذ الاتفاق النووي الجديد غير واضح، ومرتبط بالعديد من السيناريوهات، بما فيها التزام إيران بضبط الحرس الثوري، ومستقبل الميليشيات الإيرانية في مناطق الصراعات التي لإيران يد فاعلة فيها

 

ثانياً: بالإضافة إلى تحفظات الرياض وأبو ظبي على الاتفاق الذي تمّ بمعزل عنهما ومتجاوزاً مطالبهما، هناك أطراف إقليمية أخرى من المرجح أنّ مواقفها ستكون أقرب إلى مواقف الرياض وأبو ظبي، وهي تركيا وإسرائيل، لا سيّما بعد تحولات أنقرة واستئناف علاقاتها مع إسرائيل، وهو ما يطرح تساؤلات فيما إذا كانت تلك المواقف ستتوّج بتحالف جديد يضمّ "الرياض، أبو ظبي، أنقرة، تل أبيب"؟ أم أنّ إيران قدّمت ضمانات لواشنطن بخصوص موقفها من إسرائيل؟

ثالثاً: مرجح أنّ هناك ملحقاً "سرّياً" للاتفاق بين واشنطن وطهران، قدّمت إيران بموجبه ضمانات تستجيب لغالبية المطالب الأمريكية، ومن بينها مطالب إسرائيلية، وربما لم تشمل مطالب السعودية والإمارات وتركيا، وهو ما يطرح سيناريوهات ربما تبدو بعيدة تتضمّن تحوّل إيران إلى حليف استراتيجي لأمريكا.

اقرأ أيضاً: مفاوضات نووي إيران رهينة أزمة أوكرانيا... وواشنطن تخطط لإبعاد روسيا

رابعاً: بالإضافة إلى كون الاتفاق الجديد مؤقتاً، ستكون إيران خلاله تحت مراقبة حثيثة فيما يتعلق بسلوكها ومدى تنفيذ التزاماتها، بما فيها البرنامج النووي والبرنامج الصاروخي، فإنّ معارضة الجمهوريين لهذا الاتفاق، بما تضمّنه من تقديم تنازلات لروسيا والصين، بالتزامن مع احتمالات فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس القادمة، سيكون أحد أبرز التحديات التي يمكن أن تطيح بالاتفاق في مراحل لاحقة.

وبالخلاصة؛ فإنّ من المرجح أن تواصل العلاقات الأمريكية مع كلٍّ من الرياض وأبو ظبي مراوحتها في إطار الوحدة والصراع، أي استمرار الخلافات دون تهديد العلاقات الاستراتيجية القائمة بينهما، إلّا أنّها ستكون رهناً لتحولات في العلاقات الدولية والإقليمية، ومدى التزام إيران بخفض مستوى التهديد في الإقليم، واحتمالات تغيّر إدارة البيت الأبيض في الانتخابات القادمة، وإمكانية انتقال السلطة إلى الجمهوريين.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية