تظاهرات تندد بفشل السلطات العراقية في الكشف عن قتَلة الناشطين

تظاهرات تندد بفشل السلطات العراقية في الكشف عن قتَلة الناشطين


27/05/2021

قتيل وعديد من الجرحى، حصيلة الحراك الاحتجاجي الذي عاود حضورهُ عبر نافذة "25 أيار" التظاهرة المركزية التي توافد إليها كلّ محتجي المحافظات الجنوبية، أول من أمس الثلاثاء، إلى العاصمة بغداد؛ إذ لبّى المئات من القطاعات الاجتماعية المختلفة دعوة الاحتجاج على إخفاق الجهازين التنفيذي والقضائي في التوصل إلى قتلة الناشطين ومحاربة الفاسدين،  وشهدت ساحة النسور البغدادية، المؤدّية إلى مقار السلطة القضائية، تواجداً شبابياً مكثفاً أدّى إلى منعهم من الوصول إلى المقار القضائي، بينما فرّقت القوات الأمنية المتظاهرين المرابطين بساحة التحرير، معقل الاحتجاجات التشرينية عام 2019.  

رغم كثافة الدعوات والتحشيد الكبير لتنظيم تظاهرة موحدة في بغداد، إلا أنّ أعداد المتظاهرين جاءت دون أدنى التوقعات، مما ساهم في سرعة تفريقهم

ويرى ناشطون أنّ حراك "25 أيار" هو امتداد للاحتجاجات التي دأب عليها العراقيون منذ عامين، فيما يذهب مراقبون إلى أنّ قادة النظام السياسي نجحوا في التقاط أنفاسهم وتمكّنوا من وأدِ ثورة تشرين وامتصاص زخم احتجاج الأخير الذي شهد حضور المئات مقارنةً بالآلاف السابقة.
وتأتي العودة الاحتجاجية على خلفية تصاعد موجة الاغتيالات التي طالت ناشطين بارزين، الذي كان آخرهم الناشط الكربلائي، إيهاب الوزني، الذي اغتيل مطلع الشهر الجاري، وسبق للناشط المغدور أن دعا للتظاهرة قبيل مقتلهِ للكشف عن قتلة رفاقهِ المغدورين في مختلف المدن المحتجة. 
ناشطون قتلى يقودون الاحتجاج
ساهمت موجة الاغتيالات التي طالت ناشطين بمدن عراقية مختلفة في يقظة الغضب الشعبي مجدداً تجاه غياب الدولة وعبث الجماعات المسلحة بمسار الحريات والتعبير عن الرأي المكفول دستورياً.

الناشط الكربلائي المغدور إيهاب الوزني يحمل شعار "نريد وطن" في احتجاجات سابقة

وإثر قتل العديد من الناشطين؛ دعا ناشطُ كربلائي إلى التظاهر ضدّ فشل الأجهزة الأمنية والقضاء في اعتقال الجناة، ولاقت الدعوة ترحيباً واسعاً، لكن بعد مقتل صاحبها على يد مسلحين مجهولين، في التاسع من الشهر الحالي.

وعن ذلك، يفصّل الناشط زين العابدين اليوسف، قائلاً إنّ "دعوة 25 أيار كان قد دعا لها الشهيد المغدور إيهاب الوزني الذي لقي حتفه في عملية اغتيال في محافظة كربلاء"، مبيناً أنّ "الوزني دعا إلى تنظيم  وقفة احتجاجية أمام مجلس القضاء الأعلى في بغداد من أجل الضغط على السلطات لكشف قتلة المتظاهرين في احتجاجات تشرين، التي انطلقت عام 2019، لكن بعد أيام قليلة تمّ اغتياله".

اقرأ أيضاً: الاحتجاجات على الاغتيالات تتواصل في العراق.. وإيران وميليشياتها المتهم الأول

ويضيف لـ "حفريات": "عائلة الشهيد قامت حشدت لإتمام دعوتهِ فلبّى الناشطون والمحتجون ذلك، بغية كشف قتلة الوزني ورفاقهِ الآخرين"، مؤكداً أنّ هذا المطلب "هو الهدف الرئيس لاحتجاجات أول من أمس، فضلاً عن مطالب السابقة في ضبط السلاح المنفلت وتحسين الخدمات".
وأكد المتظاهر بساحة التحرير، أنّ "احتجاج 25 أيار امتداد لحركة الاحتجاجات التي دأب العراقيون عليها".
الرصاص الحيّ يحضر من جديد

ومع حلول مساء الثلاثاء، فرّقت القوات الأمنية المجاميع المحتجة بساحة التحرير وسط بغداد، بعد رشقها بالحجارة من قبل مجهولين، الأمر الذي أدّى إلى الردّ بالغازات المسيلة للدموع، ومن ثم الرصاص الحي، ما أدّى إلى اشتباك متظاهرين مع قوى الأمن الداخلي.

وأسفرَ هذا الصِدام إلى مقتل متظاهر وإصابة تسعة آخرين، فيما أُصيب 17 عنصراً من ضباطِ ومنتسبي الأجهزة الأمنية، وبعيد تلك الأحداث، أمرَ رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بفتح تحقيق في ملابسات الحادث الذي أدّى إلى وقوع ضحايا في احتجاجات ساحة التحرير.

الكاظمي يتوعد بمحاسبة المقصرين في الحفاظ على سلمية الاحتجاجات الأخيرة في بغداد
وذكر الكاظمي، في تغريدة له على تويتر: "دعمنا حرية التظاهر السلمي في العراق، وأصدرنا أوامر مشددة بحماية التظاهرات وضبط النفس ومنع استخدام الرصاص الحي لأي سبب كان"، وأضاف: "اليوم سنفتح تحقيقاً شفافاً حول حقيقة ما حدث في اللحظات الاخيرة من تظاهرة ساحة التحرير لكشف الملابسات.. الأمن مسؤولية الجميع ويجب أن نتشارك جميعاً في حفظه".

اقرأ أيضاً: عراقيون يتظاهرون ضد عمليات قتل الناشطين... وهكذا جاء الرد
وعطفاً على تصريح الكاظمي، أكّد بيان لخلية الإعلام الأمني؛ أنّ "التحقيق سيكون برئاسة قيادة العمليات المشتركة وعضوية ضباط من وزارتي الدفاع والداخلية، للتحقيق في ملابسات الأحداث التي رافقت تظاهرات اليوم الخامس والعشرين من أيار الجاري، ومعرفة المقصرين ومحاسبتهم".

الرئيس صالح : قتل المتظاهرين حق لا يسقط
ودخلَ رئيس الجمهورية، برهم صالح، على خطّ التصريحات المؤيدة للحراك الاحتجاجي، مؤكداً أنّ "الكشف عن قتلة المتظاهرين حقّ لا يسقط"، عادّاً حماية المتظاهرين والممتلكات العامة "واجباً وطنياً".
وقال صالح، إنّ "التظاهر السلمي حقّ دستوري وتجسيد لإصرار العراقيين على دولة مقتدرة ذات سيادة"، منتقداً "استخدام الرصاص في التظاهرات، والذي يجب ألّا يمرّ من دون تحقيق ومحاسبة".

وأكّد الرئيس العراقي، أنّ "الكشف عن قتلة المتظاهرين والناشطين حقّ لا يسقط"، مشيراً إلى ضرورة " تحقيق تطلعات شبابنا الذي يستدعي ضمان انتخابات نزيهة"، معتبراً  أنّ "حماية الأمن والممتلكات العامة واجب وطني".

متظاهرو (25 أيار) تحت نصب الحرية بساحة التحرير وسط العاصمة بغداد
وقبيل تصريح رئيس الجمهورية، صرّحت لجنة تقصي الحقائق بأحداث القتل في تشرين، أنّ قضية كشف أسماء قتلة المتظاهرين "هي مسألة وقت فقط".

وقال مستشار في اللجنة، في تصريح للقناة الرسمية، إنّ "الجرائم بأحداث تظاهرات تشرين 2019 بشعة"، مضيفاً أنّ "الجناة أكثر من جهة، وأنّ قضية كشفهم مسألة وقت".
مراقبون: النظام نجح في امتصاص زخم الاحتجاج

ويقارن مراقبون محليون بين أعداد متظاهري "تشرين"، ومتظاهري "25 أيار"، ويرجعون انخفاض الحضور الأخير إلى حالة القنوطِ واليأس الذي أصابَ الحراك الاحتجاجي، مؤكّدين أنّ قوى السلطة تمكّنت من التقاط أنفاسها بعد محاصرة الجماهير التشرينية لهم في التظاهرات السابقة.

اقرأ أيضاً: الاستراتيجية الإيرانية الجديدة وتداعياتها على العراق والمنطقة

ويقول المراقب السياسي منتظر القيسي، لـ "حفريات"، أنّ "المتظاهرين أدركوا سلسلة الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها خلال الفترة الماضية من خلال الانجرار خلف الأجندة الدعائية المعادية، التي شغلتهم عن أهدافهم الأساسية، بقضايا جانبية، وورّطتهم في معارك وهمية من قبيل المرشح البديل لرئاسة الوزراء والكابينة الوزارية وتعديل قانون الانتخابات"، وأضاف "وفي الوقت نفسه، كانت آلة القتل مستمرة في اصطياد الناشطين البارزين فرادى، وإجبار الباقين على الفرار من مناطق سكناهم".

المراقب السياسي منتظر القيسي لـ "حفريات": المتظاهرون أدركوا سلسلة الأخطاء الجسيمة التي ارتكبوها خلال الفترة الماضية من خلال الانجرار خلف الأجندة الدعائية المعادية

وعن فعالية "25 أيار" الأخيرة، يرى القيسي، أنّه "رغم كثافة الدعوات والتحشيد الكبير لتنظيم تظاهرة موحدة في بغداد، إلا أنّ أعداد المتظاهرين جاءت دون أدنى التوقعات، مما ساهم في سرعة تفريقهم بعد وقوع عدد من القتلى والجرحى بين صفوفهم وصفوف القوات الأمنية، مما يؤشر إلى أنّ ثورة تشرين قد شارفت على لفظ أنفاسها الأخيرة،  بعد أن نجح النظام في امتصاص زخمها"، مبيناً أنّ "تنصيب مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء أعطى القوى المتنفذة الفرصة للالتقاط أنفاسها وإعادة تنظيم صفوفها لشنّ ثورة مضادة، عبر ترسيخ فكرة أنّ حكومة الكاظمي هي حكومة المتظاهرين".
متظاهرات متفرقة في مدن عدة
وعلى الرغم من مركزية الاحتجاج العراقي في العاصمة، بغداد، شهدت محافظات الوسط والجنوب تظاهرات مماثلة؛ ففي البصرة احتشد المئات من المواطنين أمام مبنى الحكومة المحلية مطالبين بإقالة الحكومة المحلية وعلى رأسها محافظ البصرة، أسعد العيداني، فيما تعهدوا بتحويل التظاهرة إلى اعتصام مفتوح.

المئات من العراقيين يحتجون بساحة التحرير للمطالبة بالكشف عن قتلة المتظاهرين

وفي الناصرية قطع المتظاهرون جسر النصر وسط المدينة، فيما طالبوا بكشف قتلة المتظاهرين، وشهدت بابل وكربلاء والنجف وميسان وواسط تظاهرات مماثلة.
وعن ذلك الفعل الاحتجاجي، يعلق الدكتور فارس كمال نظمي، أستاذ علم النفس السياسي بجامعة صلاح الدين: "مثلما يبزغ الأملُ من احتقان اليأس وينسلخ التحرر من قيود العبودية، فإنّ الثورات الناقصة تحقن بذارها تدريجياً في رحم المجتمعات حتى يكتمل الوليد الجديد من تفكك القديم واندثاره"، مؤكداً أنّ "محركات تشرين، ما تزال ماثلة دون أيّ تغيير فيما وراء المشهد السياسي المتصدع، بحثاً عن شرعية سياسية بديلة قادمة".

اقرأ أيضاً: العراق يواصل حربه ضد داعش... آخر حملاته

ويتابع قوله: "أتساءلُ، ويتساءل مثلي كثيرون من العاملين في حقل الدراسات الاجتماعية ومن عامة الناس: هل توجد فعلاً حصانة أو مناعة للنظام السياسي الحالي أمام قوى التغيير البازغة تراكمياً على نحو تدريجي تارةً وعلى نحو مباغت تارةً أخرى، أم إنّ هذه الحصانة ليست أكثر من تفكير رغبوي توهمي يصيب أجزاءً من المجتمع السياسي في مرحلة انتقالية عسيرة ومحيّرة ومؤلمة بين حراك ثوري لم يكتمل لكنه لم ينتهِ، وبين موجات ثورية قادمة؟!".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية