تناقضات الريسوني وتقلباته: فتاوى تحت الطلب تكيل بمكيالين

تناقضات الريسوني وتقلباته: فتاوى تحت الطلب تكيل بمكيالين


09/09/2020

تضع أحداث الواقع المنظّرين للفكر في اختبار، بين الاتساق مع ما يدعون إليه، أو مخالفة دعوتهم لاعتبارات الحفاظ على المصالح، التي تختلف من شخص لآخر، وفي الحالة الثانية ينساق المُنظر وراء مصلحته، ويخون مبادئه، بدلاً من الدفاع عنها، أو قياس الواقع وفق هذه المبادئ بنزاهة.

ومن المُنظرين الذين خانوا مبادئهم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ أحمد الريسوني، الذي ألّف العام الماضي بحثاً بعنوان "مقصد السلام في شريعة الإسلام"، أكّد فيه أنّ الدعوة للسلام غاية إسلامية، وواجب على المسلم أن يمدّ يده بالسلام لكلّ العالم، مستنكراً القسمة المنسوبة للإسلام؛ بوجود دار إيمان، ودار كفر.

اقرأ أيضاً: بين القرضاوي والريسوني: هل أخونة الاتحاد العالمي قابلة للتغيير؟

وجاءت اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل لتضع الريسوني في الاختبار السابق، فاختار مخالفة مبادئه، مراعاةً لمصالحه مع دولة قطر، وتيار الإخوان المسلمين وتركيا، ولو قاس الاتفاقية بنزاهة، لوجدها تطبيقاً لغاية السلام التي دعا إليها؛ فمن ناحية أكدت على حقوق الشعب الفلسطيني، وأوقفت ضمّ أراضي الضفة الغربية، ومن ناحية أخرى التزمت بمبدأ السلام العالمي.

وإلى جانب ذلك؛ ألا تقيم الدوحة علاقات مع إسرائيل، ينقصها فقط الإعلان الرسمي، وألم تكن تركيا أول دولة مسلمة تعترف بإسرائيل، دون كلمة واحدة عن الحقّ الفلسطيني، فلماذا إذاً هذا التناقض؟ ولو كانت قطر السباقة بتوقيع اتفاق مع إسرائيل؛ هل كان الريسوني ليهاجمها، ويصف ذلك بأنّه "أمر لا يمكن أن يفعله المسلم المتمسك بدينه"؟

وهل نسى الريسوني دعوته، عام 2006، لحركة حماس بعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل؟ ودعوته لزيارة المسجد الأقصى؟ فماذا فعلت الإمارات غير ما يؤمن به الريسوني لينهال عليها بالتخوين والتكفير، أم فقط لأنّه يقف في الصفّ السياسي الآخر؟

توظيف سياسي للدين

يقول الباحث في الدراسات والحركات الإسلامية، هاني عمارة: "الريسوني هو الشيء ونقيضه؛ فتاواه وكتبه أغلبها سياسية وحركية لخدمة أغراض جماعته؛ الإخوان المسلمين، والدليل على ذلك أنّه لا يحظى بوزن كبير بين شعب المغرب، وشهرته اكتسبها من علاقته بالجماعة فقط".

مثلما اخترع القرضاوي فقه الأولويات، الذي لا أصل له في الدين، لتبرير براجماتية جماعة الإخوان، كذلك ظهر الريسوني بفقه المقاصد، بصورة مستحدثة لا أصل لها

ويتابع عمارة لـ "حفريات": الريسوني يوظف الدين لخدمة رؤية الجماعة، ويتقلب معها وفق تقلب مواقفها؛ فمن قبل دعا حركة حماس إلى التطبيع مع إسرائيل، وأفتى بجواز زيارة المسجد الأقصى، بل وحثّ على ذلك، ودعا عرب 48 إلى الاشتراك في الانتخابات النيابية الإسرائيلية، وعندما تبدّل موقف الجماعة من التطبيع، نكايةً في الإمارات، خرج بفتاوى تحرّم ذلك".

وكان الشيخ أحمد الريسوني، نشر دراسة بعنوان "قضية فلسطين اليوم.. رؤية فقهية سياسية"، ونشرها موقع "الجزيرة نت"، جاء فيها؛ أنّ الشيخ أحمد ياسين نادى بهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، وما يزال قادة حركة حماس يردّدون هذه الفكرة، ولعلهم دخلوا فيها بالفعل، ولو بشكل تجريبي.

اقرأ أيضاً: هل أغضب الريسوني التنظيم الدولي للإخوان؟

وكتب الريسوني: "ما الذي يمنع من أن تتحوّل هذه الفكرة إلى فكرة اتفاقية سلام، قد يكون طويل الأمد أيضاً، وقد يكون قصير الأمد، وقد لا يتحقق أبدا؟.

أما عن متطلبات الدخول في مفاوضات سلام بين حماس وإسرائيل، فكتب الريسوني الآتي: "ولتكن "فكرة اتفاقية السلام" هذه مشروطة بالاعتراف المتزامن من الطرفين بجميع القرارات الأممية المتعلقة بفلسطين، وباتخاذها كاملةً أساساً مرجعياً للسلام والتعايش".

من المُنظرين الذين خانوا مبادئهم

وقد حققت اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل جزءاً كبيراً من هذه القوانين بشكل عملي؛ فقرار إيقاف ضمّ أراضي الضفة هو خطوة تؤكد هذه القوانين.

فضلاً عن ذلك؛ فإسرائيل أثبتت أنّها تكسب أكثر من عدم السلام معها، فلا ضغوط تمارسها الدول العربية التي لا تجمعها علاقة بها، على عكس الدور المصري والأردني، ثم الإماراتي في الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإيقاف الضمّ أو الغارات على غزة مثلاً.

تناقض مفهومه عن السلام

قدم الريسوني بحثاً بعنوان "مقصد السلام في شريعة الإسلام"، إلى ندوة نظمتها كلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، عُقدت في الدوحة، تحت عنوان "السلم في العلاقات الدولية".

وقدم خلالها مفهوماً عن السلام في الإسلام ينصّ على؛ أنّ السلام هو الأصل في الإسلام، والحرب لدفع العدوان فقط، وما جاء في آيات القرآن من دعوة للحرب بشكل عام، تُقيد بالآيات التي حددت القتال بدفع العدوان والظلم.

وكتب: "الإسلام متشوف للسلم حريص على الأمن إلى أقصى حدّ ممكن، وأنّه يعتبر "السلم قاعدة، والحرب ضرورة".

الباحث في الدراسات والحركات الإسلامية هاني عمارة لـ"حفريات": الشيخ أحمد الريسوني هو الشيء ونقيضه؛ فتاواه وكتبه أغلبها سياسية وحركية لخدمة أغراض جماعته؛ الإخوان المسلمين

واستشهد الريسوني بأفكار علال الفاسي عن مقاصد الإسلام، وكتب: "فمن خلال تناوله لحقوق الإنسان في الإسلام، وضمن حديثه عن (حقّ الحياة)، بسط رأيه هذا، باعتبار أنّ الحروب هي أعظم خطر على حقّ الحياة، وأنّ تحقيق السلام العالمي الشامل هو أعظم حفظ لهذا الحقّ".

وكان حقاً على الريسوني قياس اتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل وفق هذا المقياس، فهو دعوة إلى السلم، تحفظ حقّ الحياة، الذي هو أعظم الحقوق في الشرع الإسلامي، ولا لوم عليه لو تبنى رأياً سياسياً لا يتفق مع أجزاء في الاتفاقية، لكنّ تبني رأي قاطع يجرم خطوة في اتجاه تطبيق مبادئه عن السلام العالمي، لهو تناقض يكشف زيف مفهوم السلام لديه، ويبين الوجه الحقيقي لهذه الدعوة؛ وهي تبييض وجه جماعة الإخوان المسلمين في مؤتمر دولي، فقط لا غير.

ماذا عن موقف الريسوني من تركيا؟

هل يستطيع الريسوني أن يقول عن تركيا ما قاله عن الإمارات، رغم اختلاف السياق الذي وقعت فيه كلتا البلدين الاتفاقية؛ ففي حالة تركيا كانت الشعوب العربية في حرب مع إسرائيل، وتخلت تركيا نهائياً عن فلسطين، وتعاونت عسكرياً معها، دون قول كلمة واحدة عن الحقّ الفلسطيني.

أما في حالة الإمارات؛ فقد جاءت الاتفاقية في وضع دولي جديد، باتت فيه إيران خطراً وجودياً يهدّد الأمة العربية من ناحية، وتركيا وحلفاؤها من الإخوان خطر آخر يهدد من ناحية أخرى، علاوةً على أنّ الإمارات لم تنسَ الحقّ الفلسطيني، كما جاء في بيان الاتفاقية، بل اشترطت وقف إسرائيل ضمّ أراض فلسطينية، وجاء قرارها بعد أن وقّعت اثنتَان من دول المواجهة (مصر، والأردن) اتفاقيات سلام، ووقعت منظمة التحرير الفلسطينية اتفاق أوسلو للسلام، واتفقت سوريا وحماس على ترتيبات خاصة مع إسرائيل، كما أنّها لم ولن تتخلى عن دعم الحقّ الفلسطيني، وفق المبادرة العربية للسلام.

اقرأ أيضاً: وشهد شاهد.. الريسوني إذ يطلق على الإسلامويين رصاصة الرحمة

وحول تناقض الريسوني، يقول الباحث هاني عمارة: " مثلما اخترع القرضاوي فقه الأولويات، الذي لا أصل له في الدين، لتبرير براجماتية جماعة الإخوان، مدعياً أنّها أولويات الشريعة، كذلك ظهر الريسوني بفقه المقاصد، بصورة مستحدثة لا أصل لها، كأداة لتبرير مقاصد الإخوان، لا الشرع".

ويردف عمارة: "لو حللنا كلّ فتاواه الغريبة والمتناقضة، سنجدها تدور مع أهداف الإخوان، ولهذا يخرج بفتاوى وعكسها بدعوى مقاصدية، دون تبرير حقيقي سوى تغير مصالح الإخوان من النقيض للنقيض، ومثل ذلك فتاواه عن الإمارات مؤخراً، رغم أنّ تركيا تنطبق عليها الفتوى نفسها، لكن لو سألناه لاخترع مقصداً يبرّر به لتركيا؛ كأن يقول إنّ علاقتها بإسرائيل تخدم الفلسطينيين؛ بتخفيف الحصار عن غزة، ومنح تركيا ورقة ضغط على إسرائيل".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية