تنظيم حرّاس الدين.. صعود القاعدة وأفولها في المشرق العربي

تنظيم حرّاس الدين.. صعود القاعدة وأفولها في المشرق العربي


17/10/2021

كنا في "حفريات" قد نشرنا في 6 شباط (فبراير) 2020 مقالة مطولة عن أهمية دراسة تنظيم حراس الدين، تناولنا فيها سيرورة هذا التنظيم، ودور المقاتلين الأردنيين تحديداً فيه، وقلنا: "لا يستطيع المتابع لتجربة أو لسيرة المقاتلين الأردنيين في تنظيم "حراس الدين"، الممثل الشرعي لتنظيم القاعدة الأم في سوريا، إلّا أن يصفها بالمأساة، ولا يمكن للباحث الوقوف على فصول هذه المأساة دون المرور على مراحل تطورها، والعودة إلى الوراء في مسيرة كل فرد من هؤلاء منذ بداياتهم في الأردن، مروراً بانتقالهم إلى ساحات القتال من أفغانستان إلى العراق، ثمّ هروبهم من الملاحقة إلى إيران، وصولاً إلى نشاطهم في جماعة "خراسان"، وما عايشوه من خلافات وانشقاقات وتصفيات، وتكوين "فتح الشام"، ثم هيئة "تحرير الشام" ثم "حراس الدين"، وانتهاءً بفصول محرقتهم الأخيرة في سوريا، التي ما تزال مستمرة، وقد لا تنتهي إلا بنهاية آخر واحد منهم".

اقرأ أيضاً: ماذا تعرف عن قادة "حراس الدين" الأردنيين في سوريا؟

حول الموضوع نفسه، صدر مؤخراً كتاب مهم للدكتور محمد أبو رمان، وحسن أبو هنية، بعنوان "تنظيم حرّاس الدين.. صعود القاعدة وأفولها في المشرق العربي"، بدعم من (مؤسّسة فريدريش أيبرت، مكتب عمّان، 2021).

هيكلية الكتاب

يتألف الكتاب من 8 فصول موزعة على 237 صفحة، حمل الفصل الأول عنوان "تمهيد تاريخي: القاعدة وعولمة الجهاد"، عاد فيه المؤلفان إلى ثمانينيات القرن الماضي لوضع القارئ العادي بالظروف التي سبق أن رافقت ولادة تنظيم القاعدة، قبل انتقالهما من ثم إلى تناول بعض المسائل المتعلقة بالتنظيم، مثل عولمة الجهاد، وهجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، ونظريات قتال العدو البعيد، وهي معلومات ليست جديدة أو غريبة على المتابعين والخبراء في أدبيات تنظيم القاعدة.

غلاف الكتاب

في الفصل الثاني "طريق القاعدة إلى الشرق: من احتلال العراق إلى الربيع العربي"، يبحث المؤلفان في ولادة الفروع "القاعدية" في منطقة الشرق العربي خلال الفترة الممتدة بين احتلال العراق، وحتى قيام ثورات الربيع العربي أواخر عام 2010، مثل "قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين"، و"كتائب عبد الله عزام"، إلى جنب الإضاءة على تحولات القاعدة الإيديولوجية خلال العقد الماضي.

تطرق الكتاب لولادة الفروع "القاعدية" بمنطقة الشرق العربي منذ احتلال العراق حتى قيام ثورات الربيع العربي

أمّا الفصل الثالث "الشام في المنظور الإيديولوجي والاستراتيجي للقاعدة"، فقد خصصه المؤلفان لتناول موقع فلسطين في الأدبيات الجهادية من جهة، وإيديولوجيا القاعدة من جهة أخرى. واستعرض الفصل الرابع "جبهة النصرة: وجه القاعدة الجديد في المشرق العربي"، ظروف ولادة الجبهة، وموقعها بين المحلية والأممية، بالإضافة إلى الوقوف على أبرز الخلافات الإيديولوجية والفكرية التي ظهرت خلال مرحلة صعودها في سوريا.

اقرأ أيضاً: بعد تصنيف "حراس الدين" تنظيماً إرهابياً: سقوط آخر جناح للقاعدة بسوريا

وناقش الفصل الخامس "انشطار القاعدة والاتجاهات الإيديولوجية" عدة مسائل مرتبطة بأحوال تنظيم القاعدة بعد الربيع العربي، من بينها المراجعات الإيديولوجية والفكرية التي أجراها قادتها، وما يُسمّى بـ"الحروب الأهلية الجهادية"، وانقسام الجهادية العالمية، وأسباب الخلافات القائمة بين مختلف التنظيمات الجهادية في المنطقة

وجاء الفصل السادس تحت عنوان "هيئة تحرير الشام والانفصال عن القاعدة"، ويتضمن  سرداً تفصيلياً حول فك "النصرة" ارتباطها بالقاعدة، وولادة "جبهة فتح الشام"، وموقف القاعدة من الأمر، وانشقاق مؤيديها عن الهيئة، عدا عن السياسات الدولية والأمريكية تجاهها.

 ‏أُعلن عن تأسيس التنظيم في سوريا في أوائل 2018 ويُعدّ النسخة الأحدث لمشروع تنظيم القاعدة بالمشرق العربي

وخصص المؤلفان الفصلين السابع والثامن للحديث عن تنظيم حراس الدين؛ ففي الفصل السابع "حراس الدين: رهان القاعدة الأخير في الشمال"،  تحدّثا عن تأسيس التنظيم، وبنيته، وعلاقته  بـ"هيئة تحرير الشام" وصراعه معها، وتأثير الضربات الجوية الأمريكية ضد قياداته على نشاطه. أمّا الفصل الثامن الذي جاء تحت عنوان "إيديولوجيا الحراس... والأزمة التنظيمية"، فقد تحدث المؤلفان فيه عن انقسام أعضاء التنظيم بين مرجعيتي عطية الله الليبي وأبو محمد المقدسي، إلى جانب الخلافات الإيديولوجية بين قياداته، ورؤيته الاستراتيجية القائمة على الالتزام بـ "حرب العصابات"، مع خاتمة للفصل تحت عنوان: "حراس الدين وأفول مشروع القاعدة في المشرق".

تأسيس التنظيم: الولادة من الخاصرة

يقول المؤلفان في مقدمة الكتاب: "إنّ تنظيم حراس الدين الذي أعلن عن تأسيسه في سوريا في 27 شباط (فبراير) 2018 يُعدّ النسخة الأحدث لمشروع تنظيم القاعدة في المشرق العربي وفي بلاد الشام خصوصاً، فمنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية السلمية في سوريا منتصف آذار (مارس) 2011، ثم تحوّل الاحتجاجات إلى حالة عسكرية مسلحة، دخل تنظيم القاعدة في فترة مبكرة إلى الساحة السورية لتنفيذ مشروعه الواسع الخاص في المشرق العربي، فعملت القاعدة على استثمار حالة الفراغ والفوضى، وعجز النظام السوري عن فرض سيطرته على أراضيه، بإنشاء هياكل تنظيمية جهادية متعددة وملاذات مكانية آمنة مستغلة خبرتها الطويلة في الصراعات للتكيف مع التحولات والتطورات والتغيرات التي شهدتها سوريا..."ص 9.

اقرأ أيضاً: "حراس الدين" وريث "القاعدة"... صداع جديد في العراق

يتتبع الكتاب مسار ظهور مشروع القاعدة وأفوله في المشرق العربي وبلاد الشام، خصوصاً مع التركيز على ما حدث في سوريا حتى تأسيس تنظيم حراس الدين الذي وصفه المؤلفان أنه  "أشبه بولادة من الخاصرة " ص 12.

قال المؤلفان: إنه "في ظل المتغيرات الجديدة، وقع تنظيم حرّاس الدين بين مطرقة الولايات المتحدة وسندان هيئة تحرير الشام، وباتت قيادات التنظيم ومقاره هدفاً مفضلاً للطائرات الأمريكية من الجو، وصيداً سهلاً لقوات هيئة تحرير الشام، فقد فتحت وزارة الدفاع (البنتاغون) خطّاً ساخناً مع القادة الروس للسماح للأمريكيين بالقيام بغارات جوية، من دون اعتراضها، ضد قادة من تنظيم القاعدة ومعسكرات تدريب في حلب وإدلب".

دخل تنظيم القاعدة في فترة مبكرة إلى الساحة السورية لتنفيذ مشروعه الواسع الخاص في المشرق العربي

وفي مقالة حول الكتاب  للدكتور محمد أبو رمان نشرت في العربي الجديد 12 تشرين الأول  (أكتوبر) 2021 قال: "لم تتوقف مشكلات "حرّاس الدين" على ضربات التحالف الدولي، وملاحقة هيئة تحرير الشام واعتقالاتها، فقد ساهمت الخلافات الداخلية الإيديولوجية والنزاعات الشخصية والصراعات المناطقية الجهوية في انحسار التنظيم وانحداره، فعلى الرغم من تبنّيه أطروحات المدرسة السلفية الجهادية وأفكارها ومواقفها، ووجود روابط تنظيمية وصلات إيديولوجية للأشخاص والكيانات التي شكّلت تنظيم حرّاس الدين بـ"القاعدة"، إلا أنّ التنظيم لم يكن يتوفر على تجانس إيديولوجي صلب، وهو مشتت بين اجتهادات ومدارس سلفية جهادية عدة، ومنقسم في مجال النظر والعمل، إذ يستند فريق على الصعيد النظري إلى مرجعية أبو محمد المقدسي، والآخر إلى عطية الله الليبي، ومنقسم على الصعيد العملي بين نهج أسامة بن لادن ونهج أبو مصعب الزرقاوي. ومنذ تأسيسه كان تنظيم حرّاس الدين يفتقر إلى هيكل تنظيمي مركزي متماسك، تتوزّع مكوناته التنظيمية إلى مجموعات صغيرة متناثرة، وتعاني من شحّ الموارد والتمويل".

أهمية الكتاب

الكتاب، كما أسلفت، يتألف من 237 صفحة، ومكوّن من 8 فصول؛ منها فصلان فقط حول التنظيم في الفصلين الـ7 والـ8، بالإضافة إلى ملحق لأبرز قيادات حراس الدين التي تشكل كلها ما مجموعة 55 صفحة من مجموع صفحات الكتاب؛ أي ما نسبته 23% فقط من مجموع صفحات الكتاب.

أمّا بقية صفحات الكتاب، فقد خصصها المؤلفان لسرد واستعراض تاريخي لتنظيم القاعدة وعولمة الجهاد وبروز جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام التي انشطرت عن القاعدة الأم.

يتتبع الكتاب مسار ظهور مشروع القاعدة وأفوله في المشرق العربي مع التركيز على ما حدث في سوريا

طبعاً هذا الأمر لم يفت الدكتور محمد أبو رمان توضيحه وشرح أسبابه عندما سُئل عن ذلك خلال ندوة إشهار الكتاب قائلاً: إنه إسهابٌ كان لا بدّ منه، خاصة أنه كتاب لعموم الناس وليس للمتخصصين فقط، وجاء لمزيد من توضيح وتمهيد الأرضية الإيديولوجية والضرورات العلمية والبحثية التي أفرزت في النهاية تنظيم حراس الدين.

وأظنها حجّة منطقية ولا غبار عليها ولا تفتّ في عضد المؤلفين أو تنقص من الإضافات المعرفية التي ما فتئا يقدّمانها لحقل ومكتبة دراسات الإرهاب والجماعات الإرهابية، سواء على المستوى المحلي في الأردن أو أدبيات ظاهرة الإرهاب العالمية، وخاصة أنّ الكتاب سيترجم إلى اللغة الإنجليزية بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية في العاصمة الأردنية عمّان.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية