تونس: "حركة مشبوهة" تحاول السطو على المسار الإصلاحيّ للرئيس

تونس: "حركة مشبوهة" تحاول السطو على المسار الإصلاحيّ للرئيس


12/08/2021

برزت في المشهد السياسي التونسي، مؤخراً، حركة جديدة، تطلق على نفسها "حراك 25 يوليو - المجلس الأعلى للشباب"، وبمجرّد عقدها ندوةً صحفية نهاية الأسبوع الماضي، أثارت جدلاً واسعاً لدى نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، ومخاوف لدى التونسيين من "اختطاف" المسار الجديد الذي أطلقه سعيّد، منذ 25 تموز (يوليو) الماضي، بإعلان إجراءات استثنائية طالب بها أغلب التونسيين، والسطو عليه.

ركّز "حراك 25 تموز"، الذي تشكّل يوم 21 من الشهر نفسه، عبر دعوات افتراضية للتظاهر ضدّ المنظومة الحاكمة والمطالبة بحلّ البرلمان، ركّز اهتمامه على الدعوة إلى التظاهر وإسقاط المنظومة السياسية في ذلك اليوم، وأعلن الحركة تشكيل ما سمّته "مجلس أعلى للشباب" لقيادة التحركات المقبلة.

ركوب على الأحداث

المجموعة عقدت مؤتمراً صحفياً، السبت، قدّمت فيه نفسها على أنّها من أنصار رئيس الدولة، ودعت إلى حلّ البرلمان، وتنظيم استفتاء شعبي، وانتخابات مبكرة، وأكّدت قياداتها رفضها الحوار مع من سمتها المنظومة القديمة، ودعت إلى نظام سياسي وانتخابي جديد، كما طالبت الرئيس قيس سعيّد بالمسارعة بوضع خريطة طريق وتشكيل حكومة.

وتذهب أغلب القراءات، بعد الندوة الصحفية، إلى أنّ هذه الحركة إما أنّها مسنودة من جهة سياسية ما؛ لإرباك المشهد السياسي و"تتفيه" المسار الإصلاحي الذي اختاره الرئيس، وتشويهه، وإفراغه من مضامينه، أو أن يكونوا مجموعة من الشباب "الذين يريدون ركوب القطار طمعاً في المناصب".

تفاعلاً مع تكوين هذه الحركة الجديدة، كتب شقيق رئيس البلاد، نوفل سعيّد، على حسابه بموقع فيسبوك: "قطار 25 جويلية انطلق وأُغْلِقت أبوابه.. ولا عزاء للانتهازيين..".

المشاركون في الندوة الصحفية لما يُعرف بالمجلس الأعلى للشباب لا علاقة لهم بالشباب، وأنّهم متملّقون وبيادق لدى بعض الأحزاب السياسية ورجال الأعمال

كما وصف بعض النشطاء أعضاء المجلس الأعلى للشباب بمجموعة من المرتزقة والانتهازيين يحاولون الركوب على الأحداث، وسرقة ثورة الشعب برعاية الدولة العميقة ومنظومتها الإعلامية، مؤكدين أنّ أنصار الرئيس غير متحيّزين، وليس لهم تمثيل أو ناطق رسمي باسمهم لإصدار البيانات، كما لم يدعوا لأيّة انتخابات مبكّرة، كما صدر في ختام ندوة المجلس.

اقرأ أيضاً: المناورة والخطاب المزدوج ورقة "إخوان تونس" للالتفاف على إرادة الشعب

من جانبه، علق الصحفي محمد اليوسفي: "المجلس الأعلى للشباب يضم مجموعة من المتحيّلين، الذين "ركبوا" على مشروع الرئيس، وهو يذكرني بجمعية تم تأسيسها بعد الثورة للمّ شتات الباحثين الشبان في أحد الاختصاصات في العلوم الإنسانية، فما كان من فريق من الجماعة المؤسسة إلا أن أزاح فريقاً آخر من الشبان المؤسسين، ونصّب رئيساً للجمعية عمره 58 عاماً"، وأضاف "على الرئيس أن يتبرأ من هذه المجموعات المشبوهة".

ويقول الباحث التونسي، محمد ذويب، لـ "حفريات": "كأيّة حركة تصحيحية عبر التاريخ وفي العالم كان من المنتظر أن يسعى بعض الانتهازيين لتلقف اللحظة الفارقة وتوظيفها وتصدرها لتحقيق أهداف ومآرب شخصية وإهمال مجهودات مجموعة شبابية لم يوحدها ولم يدفعها للخروج غير الفقر والظلم والجور والفساد والبطالة"، واعتبر أنّ ما حدث كان متوقعاً.

الباحث التونسي، محمد ذويب

ويرجّح ذويب أن تكون هذه المجموعة "مدفوعة من أحزاب فقدت نفوذها بعد ما قام به الرئيس"، مثمّناً فطنة شباب الفيسبوك، الذين سارعوا لفضح هذه المجموعة المشبوهة وحوّلوها إلى محلّ تندر وسخرية، وكشفوا محاولتها الركوب على مجهودات شباب راهنوا على التغيير نحو الأفضل.

وجوه مشبوهة

جدلٌ تعمق أكثر بظهور وجوه في المجلس الأعلى للشباب محسوبة على القوى المضادة للثورة، وأخرى كانت تكنّ العداء لرئيس الجمهورية، قيس سعيّد، رغم أنّ "الحراك" يدّعي أنه يمثله، حيث تساءلت الصحفية أسماء البكوش عن أحد قياداته: "أليس هذا ماهر الخشناوي، الناشط السياسي الذي كان عام 2019 يحضر في بلاتوهات قناة "نسمة"، وقال "إني أرى نبيل القروي زعيماً"، وهدّد بالدخول في إضراب جوع إذا بقي نبيل القروي في السجن؟".

اقرأ أيضاً: تونس ومخاض الدفاع عن الدولة

وقد سارع المجلس الأعلى للشباب، مساء السبت، بإعفاء ماهر الخشناوي "من تمثيل المجلس وذلك بعد عديد الشكاوى على مواقع التواصل الاجتماعي واحتراماً لمبدأ العمل الجماعي"، وفق بلاغ له نشره على الفيسبوك.

الباحث التونسي محمد ذويب رأى كذلك؛ أنّ الوجوه التي حضرت الندوة الصحفية للحركة التي تسمي نفسها "المجلس الأعلى للشباب" حاولت تصدّر المشهد والركوب على نضال وعذاب ضحايا النظام في تونس.

الباحث محمد ذويب لـ"حفريات": غالبية الداعين للتحرّك مجموعات وصولية انتهازية كانت لها تجارب سياسية سابقة، منها مؤسسة حزب هجين، اسمه "الحزب البورقيبي البلعيدي الحر"

وشدّد ذويب على أنّ "غالبيتهم لم يكونوا أبداً مقرّبين من الرئيس قيس سعيّد، أو من الداعين لتحرّك 25 يوليو"، معتبراً أنّهم "شتات من مجموعات وصولية انتهازية كانت لها تجارب سياسية سابقة، منها مؤسسة حزب هجين، اسمه "الحزب البورقيبي البلعيدي الحر"، وأحد قيادات قلب تونس سابقاً، وأحد المنتمين لنداء تونس، وأحد الانتهازيين المنتمين سابقاً لطلبة التجمّع بصفاقس، المحسوب على نظام بن علي، والذي أصبح فيما بعد مقرباً من حركة النهضة، خصوصاً أنّ جمعيات ذات تمويلات مشبوهة تقف وراءه، راكمها من زواجه من ابنة أحد رجال الأعمال الفاسدين".

كما انتقد النشطاء حضور إنصاف الحمامي، وهي التي كانت منذ فترة وجيزة تعرّف نفسها بأنّها رئيسة "الحزب البورقيبي البلعيدي"، مستغربين ومتسائلين عن نقاط التلاقي بين "حزبها" وهذا الهيكل التنظيمي المعلَن عنه حديثاً.

اقرأ أيضاً: تونس في انتظار إعلان دستوري

الناشط الحقوقي والإعلامي معز الحاج منصور تساءل من جهته، عن هويّة مجموعة "حراك 25 يوليو"، وكتب في تدوينة على حسابه بفيسبوك: "حراك 25 يوليو يجتمع في نزل: من وفَّر الأموال…؟ وفيهم لفيف من خريجي أكاديمية حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، قفزوا بحثاً عن نصيب من غنيمة".

سرقة موصوفة لمطالب الشارع التونسي

ويرى رضا بن يوسف، الذي كان من بين الشباب المحتجين، في 25 تموز (يوليو)، بالعاصمة تونس؛ أنّ المشاركين في الندوة الصحفية لما يُعرف بالمجلس الأعلى للشباب لا علاقة لهم بالشباب، وأنّهم متملّقون وبيادق لدى بعض الأحزاب السياسية ورجال الأعمال، مشدّداً على أنّه يشارك في التحركات الميدانية منذ أكثر من 10 سنوات، ويعرف أغلب التنظيمات الشبابية، لكن من أعلنوا تكوين هذا المجلس لم يصادفهم يوماً بالشارع.

وأكّد بن يوسف، لـ "حفريات"؛ أنّ هذه الحركة سرقة موصوفة لمطالب الشارع التونسي التي نادى بها مع باقي الشباب الداعم للرئيس، لافتاً إلى أنّ ما شهدته من انقسامات منذ أول يوم ظهرت للرأي العام التونسي دليل قاطع على انتهازية قياداتها.

وقال بن يوسف؛ إنّ "الشباب الذي يتحرك ويتظاهر في الشارع، ويعبّر عن مشاغل أغلب التونسيين، هم غير منظّمين في أحزاب أو جمعيات، ولم يجدوا دعماً أو مساندة من أيّ طرف سياسي أو نقابي"، مشدّداً على أنّ مطالب الشباب المحتج فعلاً في الشارع تنادي جميعها بالتشغيل والعدالة الاجتماعية والحرية، لكنّ مطالب هذه الحركة تبدو بعيدة عن مشاغل الشباب الحقيقية.

الصحفي رمزي الغابري

كذلك رأى الصحفي رمزي الغابري؛ أنّ "ما تأسس بعد 25 تموز (يوليو) هو محاولة يائسة لإعادة تدوير المشاريع السياسية القديمة، والسطو على مطالب الشارع التونسي ونسبه لأنفسهم"، مشيراً إلى أنّ أكثر المحاولات بروزاً ما أقدم عليه ما يسمى المجلس الأعلى للشباب الذي حاول الالتفاف على مسار التحوّل السياسي الأخير بوسائل قديمة تحاول أن تقدم نفسها للتونسيين كمنقذ جديد من خلال عملية تبنّي مطالبه.

وقال في تصريحه لـ "حفريات": "هذه الحركة لم تكن إلا محاولة يائسة نمطية انتبه لها الشعب التونسي من خلال تجربة سنوات ما بعد الثورة  التي أحدثت القطيعة فعلاً بين المجتمع والمنظومة السياسية إلى حدود أنّه تم القضاء على الوساطة بين مطالب الشعب والوصاية المفروضة عليها، لتعوضها الإرادة الشعبية القائمة على أسس المسؤولية المباشرة في تحقيق مطالبهم، وعلى رأسها تثبيت النظام الديمقراطي وتحقيق التنمية الشاملة والعادلة وتكريس الحكم الرشيد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية