تونس على أعتاب عهد جديد.. هل معركة الإرهاب حتمية؟

تونس على أعتاب عهد جديد.. هل معركة الإرهاب حتمية؟


26/07/2021

شهدت تونس أمس أحداثاً متلاحقة، بدأت بمظاهرات عارمة اجتاحت عدة مدن رافضة حكم حركة النهضة - ذراع الإخوان في تونس، وتطالب بالتحقيق في ملفات فساد، ثم انتهت مساء بقرارات مصيرية اتخذها الرئيس التونسي قيس سعيد، فقد أعلن في كلمة بثها التلفزيون عن تجميد عمل البرلمان ورفع الحصانة عن النواب، وتعهد بملاحقة المفسدين والتعامل بحزم مع "الساعين للفتنة"، كما أعفى رئيس الحكومة هشام المشيشي من منصبه.

تكاد مظاهرات الشعب التونسي الرافضة لحكم الإخوان وحركة النهضة، تتشابه مع مظاهرات الشعب المصري في 30 حزيران (يونيو) 2013، ضد الإخوان، فهل سيشهد إخوان تونس مصيراً مشابهاً لهم؟

جاء في كلمة الرئيس التونسي: "قررت أن أتولى السلطة التنفيذية بمساعدة رئيس حكومة أعيّنه بنفسي"، وقد قرر الرئيس تولي منصب النائب العام، وبرر ذلك بضرورة كشف كل ملفات الفساد، وأشار إلى أنّ هذه الإجراءات ضرورية لحماية الدستور ومصالح الشعب محذراً الإرهابيين من التعدي على الدولة ورموزها، قائلاً "نحن هنا نتحمل مسؤوليتنا أمام الله وأمام الشعب وأمام التاريخ، وأنبه الكثيرين الذين يحاولون التسلل أو اللجوء إلى السلاح، فلن نسكت أبداً عن أي شخص يتطاول على الدولة، ولا على رموزها، ومن يطلق رصاصة واحدة ستجابهه قواتنا المسلحة العسكرية والأمنية بوابل من الرصاص الذي لا يحده إحصاء".

باسل ترجمان: القرارات الأخيرة للرئيس قيس سعيد جاءت استجابة لمطالب الشعب الغاضب والرافض للإخوان

بدأت أحداث، أمس، بتظاهر عدد من التونسيين، في ميدان "باردو" حيث مقر البرلمان في العاصمة، وذلك  للتعبير عن الاحتجاج على تردي الأوضاع الصحية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد، ومطالبين بإسقاط ومحاسبة الحكومة والغنوشي، ثم ما لبثت أن تجاوزت المظاهرات الغاضبة العاصمة التونسية، وامتدت إلى عدة مدن ومحافظات أخرى مثل محافظة سوسة الساحلية وصفاقس (جنوب) والكاف (شمال غرب) وكثير من المدن التونسية، التي شهدت حشوداً شعبية كبيرة، رددوا شعارات تتهم إخوان تونس بـ"الإرهاب والفساد" منها: "ياغنوشي يا سفاح يا قتال الأرواح" و"لا خوف لا رعب السلطة ملك الشعب".

حول هذه الأحداث وتطوراتها المتسارعة يرى الكاتب والباحث التونسي باسل ترجمان أنّ "القرارات الأخيرة للرئيس قيس سعيد جاءت استجابة لمطالب الشعب الغاضب والرافض للإخوان، مضيفاً في تصريحه لـ"حفريات" أنّ "الشعب التونسي كان ينتظر تلك اللحظة بفارغ الصبر، فقد طالب كثيراً بضرورة رحيل الغنوشي ومحاسبة الفاسدين في حكومة هشام المشيشي، والدليل على ذلك حجم الفرح والسعادة التي يشهدها الشعب التونسي بعد الخلاص من حكم الإخوان الجاثم على صدور الملايين".

اقرأ أيضاً: لماذا تحمل "النهضة" مسؤولية فشل الحكومة في تونس؟

ويرجع ترجمان سبب ضخامة التظاهرات هذه المرة، إلى "انكشاف الوجه الحقيقي للإخوان وفشل مشروعهم في تونس وأن ممارسات أعضاء حزب النهضة الإخواني كانت سبباً رئيساً في غضب الشارع، إضافة لما اعتبره المواطنون جرائم وفساداً مالياً، أدى إلى تدني الأوضاع الاقتصادية، فضلاً عن شعور المواطنين بفقدان هويتهم التونسية، لهذا كان الخروج بهذه الأعداد الكبيرة تعبيراً صادقاً عن الرفض الشعبي".

اقرأ أيضاً: هكذا انتصر الرئيس التونسي للشعب.. كيف سترد حركة النهضة الإخوانية؟

يتابع: "الذين خرجوا  وأعلنوا أنهم ضد حركة النهضة وفكر الإخوان ليسوا تياراً واحداً ولا أصحاب أيديولوجية سياسية أو فكرية، بل هم عموم الشعب الذين عانوا من استعلاء الإخوان ومن ممارساتهم الاستبدادية، والشعب هو من استعاد الوطن المختطف من قبل جماعات إرهابية لا تؤمن بالوطن ولا ترى المواطن، لذلك قرر من واقع مسؤوليته تجاه الهوية التونسية والدولة المدنية، عندما شعر بالتهديد استعادتها فوراً وصحح مسار الدولة والوطن والمجتمع، لذا لا يمكن اعتبار ما حدث خلافاً سياسياً بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، بل هو حكم نهائي بات من الشعب ضد الإخوان بالعزل والطرد". 

وحول خيارات إخوان تونس المحتملة لا يتوقع ترجمان تكرار سيناريو إخوان مصر بعد 2013؛ مرجحاً أنهم سيلجأون للمناورة والاتصال بقوى إقليمية تساندهم، واستدرك أنّ مصيرهم الفشل "فتلاحم الشعب وإصراره على إزاحة الإخوان لن يجدي معه أي حراك إقليمي، وإن كان يحتمل قيام بعضهم بعمليات إرهابية لجس نبض الدولة والتعرف على مدى جديتها في المواجهة الأمنية والعسكرية"، ويؤكد ترجمان أنّ "الشارع التونسي يرفض تماماً عودة الإخوان للحياة السياسية، والشعب صاحب السلطة وله الحق الأصيل في نزعها من الخارجين عليه".

محمد ربيع الديهي: الإخوان قد يلجأون إلى عمليات مسلحة تهدف لإرهاب الشارع التونسي وإرغامه على قبول عودتهم للحكم

ووفق أحد الخبراء القانونيين بتونس، فضل عدم ذكر اسمه، فإنّ "كل قرارات الرئيس قيس سعيد قانونية ودستورية، وأن ما يشيعه أنصار حركة النهضة من كونها انقلاباً على الدستور غير صحيح بالمرة، فاستناداً إلى الفصل 80 من الدستور يحق لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية، ويعلن عن التدابير في بيان إلى الشعب".

ويوضح: وهذا ما حدث بالفعل، ونظراً لأن الشعب التونسي رأى أنّ الخطر الذي يهدد الدولة والمجتمع التونسي نابع من أعضاء بالبرلمان أنفسهم أو من وزراء بالحكومة ذاتها، فلم يكن من المنطق أن يتم استمرار عملهما وذلك لضمان حقوق الشعب المنهوبة.

كما أشار المصدر القانوني، أنّ "من المهم في مثل هذه الحالات النظر لموقف الشعب، وبما أن رضا الشعب جارف ومؤيد لقرارات رئيس الجمهورية، فبهذا تكون قد حصلت على الشرعية الشعبية قبل القانونية والدستورية، وكل الاعتراضات على قرارات الرئيس هي مماحكات نهضوية، الغرض منها إفساد فرحة الشعب، الذي شعر اليوم بتحرره من أسر تنظيم الإخوان الإرهابي".

اقرأ أيضاً: تونس تنتفض ضد الإخوان في "يوم الحشد"

من جانبه يرى الكاتب والباحث السياسي، الدكتور محمد ربيع الديهي، أنّ "قرار رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد ضربة قاصمة للإخوان في تونس"، موضحاً في تصريحه لـ"حفريات" أنّ "الإجراءات الأخيرة سيكون لها تأثير على مستقبل الإخوان في تونس وربما في المحيط الإقليمي، فقد جاءت في وقت كان إخوان تونس (حزب النهضة) يسعون للهيمنة على العديد من مؤسسات الدولة، ويعملون على عرقلة أي مسار ديمقراطي أو عملية سياسية قد تؤدي لخروجهم من المشهد السياسي، ومما يعطي قوة وشرعية للقرارات أنّها جاءت استجابة لرغبة الشعب".

وتابع الديهي: "قرار حل البرلمان والحكومة وتفويض الجيش للتعامل مع الإرهاب المحتمل من قبل الإخوان شكل صدمة للإخوان في تونس الذين لم يتوقعوا هذا السيناريو، فهم كانوا يتوهمون أنّ الأمور تسير لصالحهم، وأنّ مؤسسات الدولة التي اخترقوها لن تتمكن من الوقوف أمامهم خاصة في ظل الصدام الدائم مع رئيس الدولة، للهيمنة على صلاحياته وفرض إرادتهم  على مؤسسة الرئاسة أكثر من مرة، إلا أن موقف الرئيس قيس سعيد كان حازماً لمواجهة تلك الجماعة الإرهابية".

وحذر الديهي من رد فعل الإخوان في الأيام القادمة قائلاً: "الخطورة الحقيقية تكمن في ما بعد هذا القرار، فجماعة الإخوان كانت تعتبر تونس التجربة الوحيدة الباقية لهم في المنطقة، والتي يستطيعون من خلالها العودة مره أخرى إلى الحكم في بعض الدول العربية المجاورة لها، مثل ليبيا، كما كان يعول التنظيم الدولي على دعم إخوان تونس لنظرائهم في ليبيا خاصة مع اقتراب الانتخابات المقبلة في نهاية العام".

ويتابع الديهي: فقدان هذا الأمل قد يدفع بعض الأجنحة المتطرفة في حركة النهضة للجنوح إلى عمليات إرهابية انتقامية، وليس صحيحاً أنّ إخوان تونس يختلفون فكرياً عن الجماعات الإرهابية، فالأيام أثبتت أنّ الإخوان يسيرون على النهج نفسه في أي مكان وفي أي زمان، ولعل مشهد إلقاء عضو في حركة  النهضة لأحد المتظاهرين من على بناية مقر النهضة يعيد للأذهان حادثة إلقاء عضو جماعة الإخوان لشبان في سيدي جابر بالاسكندرية رداً على  تظاهرهم ضد الجماعة، هذا المشهد وتلك التصريحات وردود الأفعال تشي أنّ تصرفات الإخوان واحدة، صحيح لن يتمكنوا من صنع تجمع كتجمع رابعة في مصر، لكنهم قد يلجأون إلى عمليات مسلحة تهدف لإرهاب الشارع وإرغامه على قبولهم في الحكم مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: لماذا تحمل "النهضة" مسؤولية فشل الحكومة في تونس؟

ويلفت الديهي: "قد يلجأ إخوان تونس في هذا الأمر على العناصر الإرهابية المتواجدة في ليبيا، من خلال تسهيل عملية نقلهم لتونس في ظل ظهور تقارير سابقة ذكرت أنّ الغنوشي وحركة النهضة يطمحان إلى تسهيل حركة الميليشيات من ليبيا إلى تونس وتوفير الدعم لهم".

من المبكر جداً توقع رد فعل الإخوان في تونس نظراً لتعقد العلاقات بين التنظيم المحلي والتنظيم الدولي والدور الوظيفي المنوط بهم القيام به في المحيط الإقليمي، مع الوضع في الاعتبار أن كثيراً من قرارات التنظيم لا تقوم على دراسة واقع الجماعة؛ ففي كثير من الأحيان تكون فوقية لا يمكن عضو الجماعة إلا التسليم بها وتنفيذها، ولهذا لا يجب التغاضي عن تصريحات الغنوشي رداً على ما جرى، ففيها ما يحتمل أن يكون تهديداً مبطناً للدولة والمجتمع التونسي بقوله "نحن نعتبر المؤسسات ما زالت قائمة، وأنصار النهضة والشعب التونسي سيدافعون عن الثورة". 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية