جديد الأزمة الليبية... غموض المباحثات وتعقد المشهد العسكري

جديد الأزمة الليبية... غموض المباحثات وتعقد المشهد العسكري


23/05/2022

المشاورات الليبية ـ الليبية بشأن ملف الدستور وعدد من القضايا العالقة، اختتمت أعمالها في القاهرة يوم الجمعة الماضي، في غضون ذلك شدّدت ستيفاني ويليامز، نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، على أنّ مشاورات اللجنة المشتركة بين مجلسي النواب والدولة الاستشاري بالقاهرة أنهت يومها الخامس على أكمل وجه من روح التعاون والإيجابية.

وقالت وليامز على صفحتها الرسمية، عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": إنّ مشاورات اللجنة المشتركة لمجلس النواب ومجلس الدولة سعت لتوافق حول إطار دستوري شامل لإجراء الانتخابات الوطنية في أسرع وقت ممكن.

من جهته، بحث رئيس مجلس الوزراء المكلف من البرلمان الليبي فتحي باشاغا، مع السفيرة البريطانية كارولين هورندل، التصعيد العسكري الذي تقوم به الجماعات المسلحة التابعة لحكومة عبد الحميد الدبيبة في طرابلس، وفي الوقت نفسه حثّ المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضدّ ما سمّاه "سلوكيات حكومة الدبيبة".

وجدّد باشاغا للسفيرة البريطانية في ليبيا التزامه بمبدأ الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، وسلامة المدنيين.

بالتزامن مع ذلك، طمأن رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة البعثات الدبلوماسية وممثلي الدول في ليبيا على الوضع في العاصمة، وقال: إنّ الوضع الأمني في طرابلس مستقر.

وكانت اشتباكات قد اندلعت الثلاثاء الماضي، بعد أن حاول رئيس الوزراء المكلف باشاغا الدخول إلى طرابلس، وقد حشدت حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة الميليشيات التابعة لها، رافضة التنازل عن السلطة، وأجبرت الأول على التراجع، ومغادرة المدينة.

إصرار متبادل بين الفرقاء

يصرّ البرلمان الذي يتخذ من طبرق مقراً له أنّ باشاغا يجب أن يكون الآن رئيس الوزراء؛ لأنّ ولاية عبد الحميد الدبيبة، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، قد انتهت، بينما يصر الدبيبة، الذي تمّ تعيينه من خلال عملية بقيادة الأمم المتحدة في العام 2021، على عدم تسليم السلطة إلّا إلى حكومة منتخبة، واصفاً محاولة باشاغا لتنصيب نفسه بأنّها "محاولة يائسة لنشر الرعب والفوضى".

ستيفاني ويليامز، نائبة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا

وكانت محاولة باشاغا الأخيرة لتنصيب حكومته في طرابلس هي الثالثة له خلال (3) أشهر، ومع ذلك يشير المحللون إلى أهمية توقيت هذه المحاولة بالذات، وقال يوسف بخباخي، الأكاديمي والمعلق السياسي المقيم في طرابلس، في تصريحات صحفية: إنّ "التوقيت متأثر بالمحادثات التي كانت تجري في مصر"، مضيفاً: "يخشى باشاغا من احتمال أن يتمّ تهميشه في أيّ اتفاق؛ وبالتالي فهو حريص على فرض واقع الأمر لخلق شرعية جديدة قبل إجراء انتخابات، قد تنهي بشكل فعال شرعية مجلس النواب الحالي الذي عيّنه، والمجلس الأعلى للدولة".

وظهرت تقارير الثلاثاء الماضي تشير إلى أنّ الوفود في القاهرة توصلت إلى اتفاق مبدئي بشأن خريطة طريق مستقبلية، قد تشهد إجراء انتخابات في غضون (12) شهراً، والتي ستشهد استبدال حكومتي الدبيبة وباشاغا بحكومة وحدة وطنية جديدة، لكنّ هذه التقارير لم تتأكد بعد، وسط غموض يكتنف طبيعة المباحثات التي جرت.

 

محمود الرملي: الليبيون يسعون لتغيير حقيقي ينهي هذه الهيئات السياسية  والحكومات المتعددة، وإصلاح يعيد السلطة إلى الشعب الليبي، من خلال عملية دستورية وانتخابات جادة

 

من جهته، ثمّن الأكاديمي الليبي مصطفى الفيتوري موقف باشاغا بعد انسحابه من طرابلس، مؤكداً أنّه "في حين أنّ الكثيرين لن يقدّروا ذلك، فإنّ رحيل باشاغا بعد اندلاع الاشتباكات يعكس التزامه بالسلام". وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام عربية أنّ "نية باشاغا في محاولة دخول طرابلس كانت لتقييم مدى دعمه داخل طرابلس، وما إذا كان ما يزال يتمتع بولاء أولئك الذين ساندوه في الماضي"، لافتاً إلى أنّ البعض قد يرى رحيله عن طرابلس بمثابة الهزيمة، لكنّه، بحسب الفيتوري، سوف يتمكن من تجاوز ذلك.

الموقف الدولي وتغير خريطة التحالفات

في حديث سابق له، أشار المحلل والمعلق السياسي الليبي عبد العزيز أغنية إلى وجود "رغبة من جانب المجتمع الدولي، وتحديداً واشنطن، في الحفاظ على باشاغا، دون الاعتراف بالضرورة بحكومته، كوسيلة للضغط على حكومة الدبيبة من أجل إجراء الانتخابات، وكذلك للضغط على المجلس الأعلى للدولة، ومجلس النواب،  للالتزام بأيّ اتفاق تمّ التوصل إليه في القاهرة".

وعلى ما يبدو، فإنّ التحالفات التقليدية آخذة في التبدل، ففي غضون ذلك أمر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة بإجراء تغييرات في القيادة الأمنية عقب الاشتباكات، حيث أقيل نائب رئيس المخابرات مصطفى قدور من لواء النواصي الذي ساعد باشاغا على دخول طرابلس، وتمّ فصل مدير المخابرات العسكرية أسامة جويلي، الذي كان يُنظر إليه على أنّه متعاطف مع باشاغا.

إدريس حميد: اجتماعات القاهرة التي جرت تعكس رغبة دولية وإقليمية قوية في إنهاء الصراع

ومع ذلك، ما يزال الوضع في ليبيا مضطرباً على الرغم من إعلان باشاغا أنّ حكومته ستبدأ العمل من مدينة سرت الساحلية، على بعد (450) كيلومتراً، (280) ميلاً شرق طرابلس.

بدورها، أعربت السفارة التركية في ليبيا عن دعمها لمحادثات القاهرة، التي نظرت إليها حكومة الدبيبة بريبة، وربما يأتي ذلك في سياق محاولات أنقرة الرامية إلى تطبيع العلاقات مع القاهرة.

علاوة على ذلك، صرّح رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري أنّه "بينما ينبغي على حكومة باشاغا أن تستقيل، فإنّ حكومة الدبيبة لا تريد إجراء انتخابات، وهي أيضاً غير قادرة على إجراء الانتخابات، وبالتالي ينبغي تغييرها".

الانتخابات فرصة الحلّ الأخيرة

يرى مراقبون أنّ الانتخابات ربما تكون هي الفرصة الأخيرة للتوصل إلى حلٍّ سلمي للأزمة في ليبيا، لكنّ البعض يطرح أيضاً تساؤلات حول ما إذا كان يمكن تنفيذ أيّ اتفاق جرى التوصل إليه في القاهرة، في ضوء التوترات التي تهدد بالانتقال إلى صراع أوسع.

الخبير الليبي محمود إسماعيل الرملي قال في تصريحات صحفية سابقة: إنّ "الليبيين يسعون لتغيير حقيقي؛ ينهي هذه الهيئات السياسية، والحكومات المتعددة، وإصلاح يعيد السلطة للشعب الليبي، من خلال عملية دستورية وانتخابات جادة".

إدريس حميد: الغموض والتعتيم يخيّم على ما جرى في القاهرة، وهو غموض يعكس حالة من عدم الحسم، في ظلّ غياب الإرادة الليبية، بسبب غياب الدولة، وتحكم أطراف خارجية في مسارات الحلّ السياسي

بدوره، أعرب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، جوزيب بوريل، عن قلق الاتحاد الأوروبي بشأن الوضع في ليبيا.

وأشار بوريل إلى الاشتباكات المسلحة التي اندلعت في ساعة مبكرة من فجر الثلاثاء الماضي، بعد محاولة رئيس وزراء الحكومة المكلف فتحي باشاغا دخول العاصمة طرابلس، قائلاً: "ما حدث مقلق للغاية، لكنّه كان متوقعاً". وأشار إلى أنّ وجود حكومتين سيؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى صدام بينهما، مؤكداً أنّه يتابع عن كثب الأوضاع في البلاد.

وتشهد العاصمة انتشاراً أمنياً للواء (444) من وزارة الدفاع لتأمين شوارع طرابلس، بعد تدخلها لإنهاء الاشتباكات التي وقعت. في غضون ذلك أعلنت مديرية أمن طرابلس فتح جميع الطرق المؤدية إلى طريق الساحل.

تشهد العاصمة انتشاراً أمنياً للواء (444) من وزارة الدفاع لتأمين شوارع طرابلس

المحلل السياسي، الكاتب الصحفي الليبي إدريس حميد، خصّ "حفريات" بتصريحات قال فيها: إنّ اجتماعات القاهرة التي جرت تعكس رغبة دولية وإقليمية قوية في إنهاء الصراع، لكنّ البعض بدأ يفقد الثقة في مثل هذه الجولات المتتابعة، فالأطراف السياسية تسيطر عليها المصالح الضيقة، حيث تدور رحى خلافات معقدة؛ لأنّ كلّ طرف يبحث عن مصالحه والبقاء في منصبه.

وقال حميد: إنّ الخلاف بين الحكومتين خير مثال على أنّ الأزمة الليبية تتحكم في مساراتها أطراف مرتبكة، وليس هناك أولويات حقيقية لدى الفرقاء، كما أنّ الغموض والتعتيم يخيّم على ما جرى في القاهرة، وهو غموض يعكس حالة من عدم الحسم، في ظلّ غياب الإرادة الليبية، بسبب غياب الدولة، وتحكم أطراف خارجية في مسارات الحلّ السياسي، مضيفاً: "سمعنا أنّ هناك اتفاقاً على تعديل الإعلان الدستوري بما يضمن إجراء انتخابات في مدة (12) شهراً، مع الاكتفاء بالمجلس الرئاسي الحالي لتنفيذ هذه المهمّة، وأيضاً تفعيل اللجنة العسكرية (٥+٥) ومنحها صلاحيات أوسع، مع التركيز على موضوع حلّ الميليشيات المسلحة، وهو الأمر الأكثر أهمية، ذلك أنّ تلك الميليشيات التي تسيطر على العاصمة سوف تعيق المسار السياسي، في ظلّ فشل الحكومات المتتابعة في التعامل معها".

مواضيع ذات صلة:

تأثيرات تجميد عائدات النفط على الانقسام السياسي في ليبيا

مسارات التوافق في ليبيا ورهانات القوى الدولية

الوضع العسكري والميداني في ليبيا.. حكومتان بلا دولة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية