جو بايدن: لماذا هذا الشرق الأوسط مهم؟

جو بايدن: لماذا هذا الشرق الأوسط مهم؟


26/01/2021

أكثر الملفات حساسية على طاولة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن هو ملف أو ملفات الشرق الأوسط، على الأقل، هكذا من حقنا نحن العرب أن نفكر، طالما أنّ إقليمنا مشتعل على الدوام، وأنّه ملتقى المصالح وتقاطعاتها واشتباكاتها وتعاكساتها على حد سواء، وطالما أنّه محكوم بالسياسات الدولية أكثر ممّا هو محكوم بسياسات كياناته من الممالك والجمهوريات والدول؛ فهو ليس صفقة تجارية أو سوقاً اقتصادياً، وإن كانت التجارة والاقتصاد والأسواق عناصر مهمة من عناصر الاهتمام. وهو ليس حالة ثقافية تستدعي انتباه العالم، رغم أنّ الثقافة فيه وعاء كبير، تمت صناعته لكي يكون قادراً على تلقي واستيعاب وهضم وإنتاج كل أسباب العنف والتطرّف. إنه ليس حالة سياسية صاعدة ومخيفة، بقدر ما هو حالة سياسية يمكن تفكيكها وتجزيء مكوناتها وإعادة صياغتها وإخضاعها.

 

لأنّنا، كشعوب في هذه المنطقة، نعي تماماً أهمية منطقتنا كنفوذ وحلبة صراع قوى، نهتم بمخرجات الانتخابات الأمريكية أو الروسية والأوروبية أكثر من مواطني تلك الدول

 

الشرق الأوسط - وبالأخص المنطقة العربية - كل ما ذكر تماماً؛ إنّه سوق استهلاكية ضخمة، وثقافة مفخخّة ومأزومة، وسياسة خاضعة، ومنطقة محايدة بالنسبة للقوى العالمية، يمكّنها أن تمارس فيها تجاربها وقدراتها في التحكّم والسيطرة وإدارة الصراع والنفوذ. إنّه تحديداً، ليس، فقط، سوقاً ولا تجارة ولا سياسة ولا منطقة ثقافات العنف والتطرّف وجماعات القتل والتكفير، إنه كل ذلك تحت عنوان عريض هو "النفوذ".

اقرأ أيضاً: بايدن - إيران .. والمسار السيزيفيّ

ولأنّنا، كشعوب في هذه المنطقة، نعي تماماً، أهمية منطقتنا كنفوذ وحلبة صراع قوى، فنهتم بمخرجات انتخابات الولايات المتحدة الأمريكية أو الروسية والأوروبية، أكثر من اهتمام الأمريكيين والروس والأوروبيين، وما صدر من مقالات وتحليلات وأخبار وقراءة ما وراء الأخبار المتعلّقة بالانتخابات الأمريكية الأخيرة وفوز جو بايدن، عربياً، ربما أكثر، أو يساوي على أسوأ تقدير، التداول الإعلامي الأمريكي نفسه.

اقرأ أيضاً: رسالة إلى إدارة بايدن... اليمنيون يثورون على ميليشيات الحوثي الإرهابية

الشرق الأوسط، ليس كلّه شرق أوسط بالصيغة العربية الهشّة، هناك جانب من الشرق الأوسط يحاول القفز فوق خياراته التقليدية الافتراضية، يشاغب مثلاً أو يركل أو يصرخ كما تفعل إيران في وجه الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك جانب على الأقل يرفض أن يركن لقدر يمكن العبث بمساره، أو محاولة حالة من التعايش الخلّاق مع الواقع والوقائع المفروضة التي تغلّف حاضر ومستقبل المنطقة، مثل دول الخليج التي على الأقل، خلّقت مساراً جاداً نحو نهضة ملموسة وذات أثر على حياة الناس ومعاشهم كالإمارات العربية المتحدة على سبيل المثال.

 

هناك جانب من الشرق الأوسط يحاول القفز فوق خياراته التقليدية الافتراضية، يشاغب مثلاً أو يركل أو يصرخ كما تفعل إيران في وجه أمريكا

 

المشكلة الرئيسية هي في تلك الدول التي اختارت أن تبقى في المنطقة المعتمة من منطقة النفوذ، ليس لديها خيارات، أو أنّها تعتقد أنّها بلا خيارات، لكنّها حتماً بلا طموح، وسمِّ إن شئت من أسماء هذه الدول الشرق أوسطية الخائفة التي لا تستطيع حتى أن تصرخ أو ترفض أو تقاوم. إنّها دول تحاول أن تعيش كذبة العلاقات الرومانسية مع "النفوذ"، وليس لديها أدنى رغبة في تقبّل حقيقة أنّ هذه العلاقات ما هي إلا تحايل على واقعها أو أنّها وهم، تعتقد أنّها أقل كلفة من محاولة النهوض والإصلاح، وبناء الذات، وسرعان ما تكتشف - ولو بعد حين - أنّ كلفة الوهم باهظة أكثر، لا تدفعها اقتصادياً فحسب، بالمال والأسواق والصفقات، بل وسياسياً وثقافياً وحضارياً، وبالكرامة أيضاً.

اقرأ أيضاً: هل تتغلب المصالح على المبادئ في إدارة بايدن؟

لا أعتقد أنّ الشرق الأوسط، مهم جداً لدول النفوذ، كمصطلح بديل عن دول الاستعمار، لأنّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية - على سبيل المثال - تُشكّل حالة من الخوف والقلق؛ فهي دولة ليست قوية قياساً إلى قوى دول النفوذ تلك، وبالإمكان، إذا ما توفرت الأسباب السياسية والاقتصادية، أن تُحبَط كل مساعيها ومشاريعها وتُحبَط طموحاتها أيضاً، لكنّها دولة الضرورة، فهي لسبب ما ضرورية، وهذا السبب قد يكون أن هذا الشكل السياسي الميليشياوي للدولة الدينية من شأنه أن يكون "بيدقاً" بيد لاعب النفوذ على رقعة الشرق الأوسط. لقد كان هذا البيدق عاملاً مشاركاً وحاسماً في تقويض حكم غير مرغوب فيه في العراق، ووضع مقلق في سوريا وتغيير مطلوب في مصر، حدث كل هذا لأنّ أسياد النفوذ يريدون ذلك وليس لأنّ إيران تريد ذلك، كما أنّ إيران كدولة دينية مذهبية شديدة التطرّف في خطابها الديني، إحدى أهم مفاعيل إثارة الانقسام في المجتمع الديني العربي، وهو استراتيجية من استراتيجيات دول النفوذ كلها.

 

إيران وتركيا تُمثلان جزءاً من سياسة دول النفوذ وقوى الدول العظمى، التي تدير العالم اليوم، فهما إنجاز من إنجازات هذه القوى على هيئة محاور صراع قائمة ومستمرة

 

إيران وتركيا تحديداً، تمثلان جزءاً من سياسة دول النفوذ وقوى الدول العظمى، التي تدير العالم اليوم، فهما إنجاز من إنجازات هذه القوى على هيئة محاور صراع قائمة ومستمرة؛ فالذي سمح لإيران أن تتكون على هذا النحو المتطرف، هو نفسه الذي سمح لتركيا أن تبدو على هذه الحالة من المزج بين الرؤية الإسلاموية والخطاب العلماني، فتركيا ما قبل حزب العدالة والتنمية وما قبل رجب طيب أردوغان، لم تكن تصلح لتكون محوراً من محاور الصراع، أمّا اليوم فهي بالفعل كذلك.

تستمر السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، في نفس السياق التاريخي، لن يكون ذهاب رئيس ومجيء رئيس آخر حاسماً في إحداث تغيير جذري في الاستراتيجية شرق الأوسطية، فليس هدف جو بايدن تغيير محاور الصراع في الشرق الأوسط، إنما على أبعد تقدير، يمكن أن يكون معنياً بإجراء تعديل بسيط في إدارة محاور الصراع وليس تغييرها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية