حائز نوبل عبد الرزاق غورناه: صوت ثابت ودؤوب وحازم

حائز نوبل عبد الرزاق غورناه: صوت ثابت ودؤوب وحازم


11/10/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

لأكثر من ثلاثة عقود، ظلّ الحائز على نوبل للآداب 2021 عبد الرّزّاق غورناه يكتب باقتناع هادئ وثابت عن أولئك الذين هبطوا إلى أركان التّاريخ المنسيّة.

 ولد غورناه في زنجبار عام 1948، وهرب من الاضطهاد السياسي، واستقرّ في إنجلترا، وهو في الثّامنة عشرة من عمره، وهو مؤلّف للعديد من القصص القصيرة والمقالات، إضافة إلى عشر روايات، وكرّس حياته المهنيّة في الكتابة لفحص الطّرق العديدة التي يمكن للبشر أن يجدوا فيها أنفسهم في المنفى: بعيداً عن أوطانهم وعائلاتهم ومجتمعاتهم، وربما الأهم من ذلك، عن أنفسهم. تتكشّف رواياته في الفضاءات الحميمة التي أنشأتها العائلات والعِشرة والصّداقات: تلك الفضاءات الّتي يُغذّيها الحبّ والواجب ولكن التي أصبحت هشّة بطبيعتها.

تتكشّف روايات غورناه في الفضاءات الحميمة التي أنشأتها العائلات والعِشرة والصّداقات: تلك الفضاءات الّتي يُغذّيها الحبّ والواجب ولكن التي أصبحت هشّة بطبيعتها

في كتاب وراء كتاب، يُرشدنا خلال لحظات تاريخيّة مزلزلة وانقسامات مجتمعيّة مدمّرة، بينما يُحدّد برفق ما الذي يُبقي تلك العائلات والصّداقات وفضاءات الحبّ سالِمة، إن لم تكن كاملة.

يتصدّى العديد من كتبه، بما في ذلك روايته الأولى "ذاكرة الرّحيل" (1987)، للخيانات والوعود الكاذبة من جانب الدّولة أو من هم في السّلطة، ويُركّز على الأشخاص الذين يرحلون عن أوطانهم بحثاً عن حياة أفضل، تدور أحداث روايته الثّانية "الفردوس"، الّتي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة بوكر، عام 1994، على ما قبل الحرب العالميّة الأولى مباشرة، وهي عبارة عن استكشاف صادق، ومُفجِع، لتكاليف الاستعمار والعدوان السّياسيّ الألمانيّين.

"صور لما بعد الحياة"

وتبدو عند النّظر إليها الآن وكأنّها مقدّمة لأحدث رواياته "صور لما بعد الحياة" (2020)، الّتي تبدأ في خضم انتفاضة 1907 ضدّ المستعمرين الألمان وتتكشّف لتقدّم لنا شخصيّات مركّبة نفسيّاً، تُكافح على مدى أجيال ومن خلال الانتقال من الحكم الألمانيّ إلى الحكم البريطانيّ، من أجل الحفاظ على عائلاتها ومجتمعاتها في بلدة ساحليّة صغيرة في البرّ الرّئيس لتنزانيا.

 

اقرأ أيضاً: نوبل للفيزياء تكافئ البحث في "التغير المناخي" و"نظرية الأنظمة المعقدة"... من الفائزون؟

تتخيّل كلّ من "الهدية الأخيرة" (2011)، و"على الشاطئ" (2001)، الّتي أُدرجت في القائمة الطّويلة لجائزة البوكر لعام 2002، وأُدرجت على القائمة القصيرة لجائزة لوس أنجلوس تايمز للكتاب في الأدب، حياة اللاجئين الذين يحاولون التّوطُّن في إنجلترا، ومن خلال هذين الكتابين، يتساءل غورناه عن معنى الانتماء وما إذا كان بإمكان المرء أن يترك الماضي حقّاً وراءه.

تُركّز روايات غورناه على أولئك الّذين ربما لم تُدرج قصصهم في الأرشيف، أو الّذين يفتقرون إلى الوثائق الّتي تجعلهم جديرين بالذّكر بالنّسبة إلى العالم الأكبر

تُركّز كلّ رواية من روايات غورناه على قصص أولئك الّذين ربما لم تُدرج قصصهم في الأرشيف، أو الّذين يفتقرون إلى الوثائق الّتي تجعلهم جديرين بالذّكر بالنّسبة إلى العالم الأكبر. أصحاب الدّكاكين، وربّات البيوت، والجنود المحلّيّون، الذين خدموا في الجيوش الاستعماريّة، والطلاب والّلاجئون كلّهم ​​مهمّون بالنّسبة إليه وفي سياق كتاباته، ويجعل منهم شخصيّات ملموسة ومعقّدة، ويُذكّرنا أنّ كلّ فرد يستحقّ الذّكر.

سرد مرتاب حول العرق

في الأعوام الأخيرة، حيث أجبرت سلسلة من الأزمات الإنسانيّة اليائسين من النّاس على المخاطرة بحياتهم على أمل المزيد من الاستقرار والحصول على مستقبل أفضل في أوروبا، اكتسب عمل غورناه صدى وأهميّة أكبر. في مقال نشره عام 2001، في صحيفة "الغارديان"، كتب: "الجدل حول اللّجوء يُتواءم بسردٍ مرتابٍ حول العرق مقنَّع ومهرَّب في عبارات ملطّفة عن الأراضي الأجنبيّة والاندماج الثّقافيّ".

 

اقرأ أيضاً: بعد فوزه بنوبل للسلام 2020.. ماذا تعرف عن برنامج الأغذية العالمي؟

تُصرّ روايات غورناه على تجريد هذا السّرد "المرتاب" من سلطته، ليس بالصرّاخ حول هذه الجدالات، بل من خلال تقديم ذلك الصوت الثّابت والدّؤوب والحازم الّذي سُرعان ما يصبح الصّوت الوحيد الّذي يسمعه المرء.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

مازا مينجيست، الغارديان، 8 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2021




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية