حتى لا تخدعنا الشعارات: كيف يوظف الإخوان المراكز البحثية في المنطقة العربية؟

حتى لا تخدعنا الشعارات: كيف يوظف الإخوان المراكز البحثية في المنطقة العربية؟

حتى لا تخدعنا الشعارات: كيف يوظف الإخوان المراكز البحثية في المنطقة العربية؟


10/01/2024

على غرار ما كان سائداً في حقبة ماضية مع أحزاب اشتراكية وقومية ويسارية بشكل عام، انخرطت الحركات والأحزاب الإسلاموية في إطلاق مجموعة من المراكز البحثية خلال العقدين الأخيرين على الخصوص، في إطار الترويج البحثي لخطابهم ومشروعهم لدى النخبة الفكرية والسياسية والإعلامية، محلياً وإقليمياً.

وبينما كان أداء المراكز البحثية الاشتراكية والقومية في تراجع، بل منها من أغلق نهائياً ومنها من هو مهدد بالإغلاق، عاينا العكس مع المراكز البحثية الإسلاموية، وخاصة المراكز البحثية الإخوانية، وجرى ذلك مباشرة بعد محطتين بارزتين:

كانت الأولى بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن في 11 أيلول )سبتمبر (2001، والتي تميزت حينها بصدور تقارير أمريكية كانت تمهد للدعم الأمريكي لصعود الإخوان، أو دعم تيار "الإسلاميين الديمقراطيين"، كما سطرت ذلك مجموعة من الأعمال، سواء كانت صادرة عن باحثين أمريكيين مقربين من دائرة صناعة القرار، وفي مقدمتهم الباحث نوح فيلدمان، مؤلف كتاب "سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها" أو صادرة عن مراكز بحثية، وخاصة معهد "راند" أو معهد "بروكينغز"، وليس صدفة أن راشد الغنوشي، سيكون أول قيادي إخواني عربي يحاضر في موضع "مستقبل تونس" بمقر معهد "بروكينغز".

غلاف كتاب "سقوط الدولة الإسلامية ونهوضها" للباحث الأمريكي نوح فيلدمان

كان تأسيس بعض المراكز البحثية حينها ذات الميول الإسلاموية، يندرج في سلسلة تأسيس مراكز عربية وإسلامية على هامش التفاعل مع إكراهات ما بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن، مع فارق في الأهداف، بين مراكز كان هدفها الاشتغال على تجديد الخطاب الديني، ومراكز ثانية كان هدفها الاشتغال على قراءة الإسلاموية، الدعوية والسياسية والقتالية، وثالثة كان هدفها إسلاموياً، لأنّها دافعت عن خيار دعم المشروع الإخواني في مواجهة مخاطر تنظيم "القاعدة" حينها.

بينما كان أداء المراكز البحثية الاشتراكية والقومية في تراجع عاينا العكس مع المراكز البحثية الإسلاموية وخاصة  الإخوانية

وكانت المحطة الثانية، وهي الأهم في هذا السياق، مع أحداث "الفوضى الخلاقة" [2011 ــ 2013] أو "الربيع العربي"، حيث سنعاين فورة في تأسيس المراكز الإسلاموية، سواء كانت سلفية أو إخوانية: كان الهدف من الأولى المساهمة في تقويم الخطاب السلفي ودفعه للانخراط في المراجعات، والشروع في الاشتغال على قضايا لم يكن يتطرق إليها من قبل، أو تناولها بمنظور مغاير أو مختلف عن مقاربات أمس، من قبيل الخوض في قضايا العلمانية، الحداثة، الإلحاد، وهناك عدة مراكز في هذا السياق، منها مركز "براهين"؛ وكان الهدف من الثانية، الانخراط في المواكبة البحثية والنصرة الإيديولوجية لنجاحات الإخوان في أولى سنوات "الفوضى الخلاقة"، خاصة مع النماذج المصرية والتونسية والمغربية، حيث أمسك الإخوان بالحكم أو ساهموا في تدبيره، في انتظار انتشار رقعة التمدد الإخواني على دول أخرى.

وضمن هذه المراكز، سواء كانت سلفية أو إخوانية، أو لم تكن إسلاموية بشكل صريح ولكن تشتغل على هاجس "أسلمة المعرفة" في نسخة جديدة، بعد تراجع تأثير النسخة الأولى، أو تراجع الهواجس المعرفية مقابل صعود الهواجس الإيديولوجية، وهذا ما يُميز أغلب المراكز البحثية الإسلاموية بشكل عام.

تأسست مجموعة من المراكز الإسلاموية، منها مراكز بحثية عربية، انخرطت في استقطاب عدة أسماء بحثية من عدة مراجع، مع غلبة الأسماء الإخوانية أو أسماء "يسار الإخوان"، ومنها مراكز بحثية محلية، أسستها حركات إسلاموية أو أحزاب إخوانية، وفي الحالة المغربية مثلاً، نذكر "المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة" الذي يُعتبر الواجهة البحثية لحركة "التوحيد والإصلاح" وحزب "العدالة والتنمية"، ومنها "المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات"، و"مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية"، وهما مركزان تابعان لجماعة "العدل والإحسان" التي تدعو أدبياتها إلى "الخلافة على منهاج النبوة".

مع أحداث "الربيع العربي" ظهرت فورة في تأسيس المراكز الإسلاموية سواء كانت سلفية أو إخوانية

والملاحظ أنّ هيكلة هذه المراكز تضم أعضاءً في الجماعة، وإن كانوا ينشرون لأسماء بحثية من خارج الجماعة، ولكن المرجعية الإيديولوجية للمركز تبقى مؤيدة بالدرجة الأولى للمرجعية الإسلاموية، في سياق انتشار وترويج الخطاب الإسلامي، عبر بوابة بحثية، سواء مع مراكز بحثية مغربية أو عربية، حتى إنّ أغلب الباحثين المشاركين في التقرير السنوي الصادر عن "المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات" التابع للجماعة، والذي يتطرق لحالة المغرب السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية، ينتمون إلى الجماعة نفسها.

في سياق تفعيل الدعاية للمشروع الإخواني عبر البوابة البحثية، تأتي إذن عملية إطلاق هذه المراكز التابعة للمشروع، ولكن لا يقتصر الأمر هنا على مراكز بحثية ناطقة بشكل صريح باسم جماعة إخوانية أو حزب إخواني، وإنما نلاحظ أنّ عملية الدعاية موزعة على عدة واجهات بحثية، حسب ما هو متاح، ويمكن حصر أهم هذه الواجهات البحثية في ثلاثة اتجاهات:

اتجاه يهم ما يصدر عن مراكز بحثية إخوانية، وصريحة في إعلان الانتماء للجماعة، سواء كانت مراكز بحثية محلية أو إقليمية، ولكنها تنتمي إلى المشروع، على غرار انتماء مراكز أخرى لإيديولوجيات أخرى، مثل المراكز البحثية الاشتراكية أو الليبرالية أو غيرها.

وهناك اتجاه آخر لمراكز بحثية تعلن عن نفسها أنّها مستقلة، ولكنها تشتغل على القضايا والملفات نفسها التي تشتغل عليها مراكز الاتجاه الأول؛ لأنّ الأمر يتعلق بمراكز بحثية إسلاموية، في نسخته الإخوانية مثلاً، لكنها لا تعلن عن مرجعيتها الإيديولوجية، وغالباً ما يكون سبب هذا المعطى مرتبطاً بتأثير خطاب التقية التي يُميز الأدبيات الإخوانية، على غرار التقية السائدة عند الشيعة، بصرف النظر عن الفوارق العقائدية بين الإخوان والشيعة، ولكن القاسم المشترك العملي هنا حاضر بين المرجعيتين.

الملاحظ أنّ هيكلة المراكز الإخوانية تضم أعضاءً في الجماعة وإن كانوا ينشرون لأسماء بحثية من خارجها

وأخيراً، هناك اتجاه ثالث، عايناه على الخصوص بعد المحطة الثانية سالفة الذكر، وعنوانه وجود مراكز بحثية لا علاقة لها بالإخوان أو مراكز بحثية تفتح أبوابها لشتى المرجعيات الإيديولوجية، ولكنها تعرف مشاركة الأقلام الإخوانية التي تتعامل معها على أنّها نافذة لخدمة المشروع.

إنّ عدم الانتباه إلى هذه الفوارق يساهم في إثارة البلبلة أو التشويش على قارئ إصدارات ومبادرات هذه المؤسسات، ويمكن التوقف عند ثلاثة أمثلة مرتبطة بالاتجاه الثالث، أي نموذج مراكز بحثية لا علاقة لها بالإخوان ولكن مشاركة الأسماء الإخوانية في أعمالها تجعلها بوابة حصرية للدعاية للمشروع، ومنها الأمثلة التالية:

حالة مركز "نهوض" الكويتي، الذي يبقى مركزاً بحثياً مفتوحاً على عدة مرجعيات إيديولوجية، ولكن في باب مشاركة الباحثين المغاربة مثلاً، يلاحظ أن أغلب المشاركين هم أتباع حركة إسلامية أو كانوا من أتباعها، بحكم أن ممثل المركز في المغرب ينتمي إلى حركة إسلامية.

عاينا الظاهرة نفسها في أولى سنوات أداء مركز "نماء" السعودي، حيث كانت الغلبة في الكتب والدراسات والمقالات لأتباع حركة "التوحيد والإصلاح" الإخوانية، قبل صدور عدة انتقادات حول هذا التوجه الإيديولوجي لنعاين لاحقاً إعادة نظر في هذه السياسة.

وهناك حالة إصدار جماعي حول أحداث "الفوضى الخلاقة" في المغرب، أي حركة "20 فبراير"، وصدر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، وهو مركز بحثي قطري، وصدر الكتاب تحت عنوان "20 فبراير ومآلات التحوّل الديمقراطي في المغرب" (2019)، حيث اتضح أن أغلب المشاركين في الكتاب من التيار الإخواني، أو تيار "يسار الإخوان"، أو من الذين كانوا من أتباع المشروع، ولا تخفى النبرة الإيديولوجية لمضامين أغلب مساهمات المشاركين في هذا الكتاب، رغم الزعم أن الأمر يتعلق بعملي بحثي، وهذا نموذج من نماذج التضليل الإيديولوجي الذي تمارسه المرجعيات البحثية الإخوانية كلما تعلق الأمر بالخوض في القضايا السياسية وصراعها مع الأنظمة العربية.

لا يقتصر الأمر على الارتباط باسم الجماعة أو حزبها فتتوزع عملية الدعاية على عدة واجهات بحثية

من بين نماذج التضليل أيضاً، ما تقوم به مجلة "تحولات معاصرة"، وهي مجلة فصلية تصدر عن مركز بحثي مغربي، إخواني المرجعية، وهو "المركز المغربي للدراسات والأبحاث المعاصرة"، حيث تعرّف المجلة نفسها أنها "مجلة محكمة"، والحال أن خطابها البحثي لا يخرج عن خطاب أتباع الحركة الإسلامية التي تصدرها، عبر بوابة المركز البحثي التابع للحركة المعنية، بمعنى إنه حتى باقي المرجعيات الإسلامية الحركية من جماعة "العدل والإحسان"، أو الأقلام السلفية، فالأحرى أقلام المرجعية الصوفية، لا تنشر في المجلة، لأن مرجعيتها قد تتقاطع مع معالم مشروع المرجعية الإسلامية المعنية، ولكنها تختلف معها في نقاط أخرى، أو تختلف مع مشروعها الإخواني كلياً، كما هو الحال مع الخلاف بين الصوفيين والإخوان، بما يُفيد أنّ الشرط المفصلي للنشر في المجلة، يقتضي أن يكون المساهم عضواً في المشروع الإيديولوجي للمجلة، وهذا محدد واحد ضمن محددات أخرى، تحول دون أن تصبح المجلة محكمة، لكنه يكرس التضليل الإيديولوجي.

ما كانت الأضواء تسلط على هذه الظاهرة وعنوانها انتشار الأقلام الإخوانية في الشبكات البحثية، سواء عبر مراكز إخوانية أو مقربة منها أو عبر حالات فردية تخدم الخطاب الإخواني في مراكز لا علاقة لها بالإسلاموية، إلا أنّ ممارسات التقية عند البعض أو الازدواجية، فالأحرى إضفاء هالة القداسة بحكم تأثير "المرجعية الإسلامية" على أتباع الأقلام الإخوانية، تقف ضمن أسباب إثارة هذه المواضيع، خاصة أنّ الأمر يهم البحث العلمي، الذي من مهامه الاشتغال على هذه الظواهر.

مواضيع ذات صلة:

صناعة الرموز.. كيف يستغل الإخوان شعبية المتعاطفين؟

ما قصة اللعنة التي لاحقت المرشحين لمرشد الإخوان بعد حسن البنا؟

كيف فصل حسن البنا جماعته عن عموم المسلمين؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية