حتى لا ننسى :إخوان السودان (الكيزان) ومتعة العنف والتعذيب والقتل

حتى لا ننسى :إخوان السودان (الكيزان) ومتعة العنف والتعذيب والقتل

حتى لا ننسى :إخوان السودان (الكيزان) ومتعة العنف والتعذيب والقتل


22/04/2024

محمد عطا مدني

حتى لا ننسى
يركز إعلام كيزان الشؤم والخراب والتدمير على الأكاذيب وتلفيق الحقائق ، ووصف الشرفاء من الحرية والتغيير ، وتجمع المهنيين السودانيين ، والأحزاب السودانية جميعها على اختلاف أنواعها ، ولجان المقاومة المناضلين ، ومنظمات المجتمع المدنى ، وكل من يخالف نهجهم الفاسد يصفونهم بالعمالة والخيانة والارتزاق ، رغم علمهم (الأكيد) بأن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا على جماعتهم الفاسدة ، ونحن لن نحذو حذوهم بإطلاق الأكاذيب ، ولكننا سننشر مفاسدهم (التى لا تسعها عشرات
المجلدات) بقدر الإمكان وسوف تتميز هذه الحلقات بوجود شهود

أحياء يمكن لأى صحفى مهنى محايد إجراء حوارات حرة ومباشرة معهم .

الكيزان ومتعة العنف والتعذيب والقتل (الطيب سيخة نموذجا)

كان الدكتور علي فضل يدرس بجامعة الخرطوم بكلية الطب وبنفس دفعة المدعو الطيب محمد خير الذى اشتهر بتسمية (الطيب سيخة) ، والذى كان يكن كراهية شديدة لعلي فضل بسبب انتمائه السياسي للجبهة الديمقراطية ، عكس (سيخة) الذي كان اسلامويا متشددا ، وسبب تسميته بالطيب سيخة أنه كان يستخدم (السيخة) لفض المناقشات التى لا يتقبلها عقله محدود التفكير ، لما يطرحه الطلاب الديموقراطيون من أفكار ، ولذلك تم اطلاق لقب (سيخة) عليه ، لأن (سيخة الحديد) كانت دائما مخبأة تحت سريره بداخلية الجامعة ، وهى – أى السيخة – على استعداد دائم لفض المناقشات مع خصومه السياسيين الذين يذهب بعضهم للعلاج بالمستشفيات بعد إنهاء النقاش بالسيخة. التى كان لا يفارقها كجزء من شخصيته ، ومما يدل ارتباط (السيخة) بشخصيته ، وأندماجها باسمه ، أن رئيسه فيما سمى بالإنقاذ فيما بعد ، وهو البشير كان يناديه دائما باسم شهرته: (الطيب سيخة..!)

وبعد التخرج ، اختار د. علي فضل العمل بالمستشفيات المدنية ، بينما اختار (الطيب سيخة) العمل بالسلاح الطبي. وعندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989م ، كان للواء (الطيب سيخة) دورا بارز فيه ، لا بحسب رتبته العسكرية العالية ، وإنما لولائه الحزبي للجبهة الإسلاموية القومية، وتم تعيينه وزيرا بالأمانة العامة لمجلس الوزراء ، حيث أصبح المسؤول الأول فيها.

وما أن آلت اليه كل أمور الأمانة ، حتي راح يُشرع في إعداد قوائم الموظفيين الكبار خاصة ، بكل المصالح والمؤسسات الحكومية والبنوك والفنادق وأساتذة جامعة الخرطوم والضباط بوزارة الدفاع والداخلية تمهيـدا لاحالتهم للصالح العام ، وقد بلغ عدد الذين أحيلوا للصالح العام والطرد من الخدمة في كل مديريات السودان بنحو 24 ألف موظف وموظفة وعامل ، وكذلك دبلوماسيين بالخارجية، وقيادات أفرع الجيش المختلفة لتفريغها من الوطنيين وإحلال إسلامويين من الحزب محلهم ، وقد صرح (كرار محمد كرار) عضو ما سمى بثورة الإنقاذ بعد ذلك بسنوات لمجلة (المجلة السعودية) بعد سقوط (الإنقاذ) على أيدى الشعب السودانى ، بأن ما قاموا به من تطهير لكل الخبرات الوطنية من المدنيين والعسكر بلغ 40 ألف مواطن، وعلق قائلا : وكان ذلك خطئا جسيما ارتكبناه..! .

وقام (الطيب سيخة) بنفسه بالبحث عن أعدائه القدامي بالجامعة والذين ناصبوه العداء أيام الدراسة، وتلاحم معهم بالكلام (والسيخة)، وقد جاب الوزارات والمصالح ومعة ثلة من الحرس الاسلاموي المدجج بالسلاح ، وما أن يقع نظره علي خريج قديم من جامعة الخرطوم كان ينتمي للجبهة الديمقراطية ، إلا ونزل فيه سبابا ، ويطلب منه إخلاء مكتبه علي الفور واعتباره مطرودآ من الخدمة المدنية..! .

وجاءته القوائم بأن أغلب الخرجيين الذين تخرجوا من كلية الطب يعملون بالقطاع الخاص ، وامتلكوا عيادات خاصة بهم ، فسارع الطيب بإلغاء تراخيص العيادات ، ومنع الأطباء من ممارسة العمل فيها ، وأصدر توجيهاته الصارمة بعدم تعيينهم في أي قطاع طبي بالسودان ، ووضع تلك القوائم في المطارات حتي يحرمهم من العمل بالخارج..! .

واستغرب الناس كثيرا من سكوت جنرالات (المجلس العسكري لثورة ماسمى بالانقاذ) بقيادة العميد عمر البشير علي تصرفات الطيب (سيخة) الرعناء وسياساته الإدارية التي وجهها لقطع أرزاق الناس وتشريده لأحسن كفاءات البلاد بلا أسباب مقنعة. وفعلا تم تفريغ السودان خلال الثلاثين عاما السوداء من حكم الإسلامويين ، من معظم كفاءاته التى اتجهت لدول الخليج وأوروبا وأمريكا ، قبل أن تصلها موجات التشريد والمنع من السفر..! .

وكان كل ما يقوم به (الطيب سيخة) بالأمانة العامة لمجلس الوزراء ، ومايقوم به نافع علي نافع من تعذيب واغتيالات (ببيوت أشباحه) داخل زنازين جهاز الأمن ، ومايصدر من تصرفات استفزازية وإرهاب كان يقوم بها الرائد ابراهيم شـمس الدين ، وأيضا ماكان يبدر من الرائد يونس وهجومه السافر علي بعض البلدان العربية وملوكها وحكامها ، مرضيا عليه ، بل وبتوجيهات من قيادة الجبهة الاسلاموية التي كان يتزعمها الترابي..! .

وقد أصدر المجلس العسكري (لما سمى بالانقاذ) وقتها ، وبعد الانقلاب مباشرة ، مرسوما يحذّر فيه الشعب من الاضراب عن العمل أو الدعوة له ، وأن من يخالف هذا المرسوم سيتعرض لعقوبة الإعدام..! .

وفي عام 1989م ، وبعد مرور خمسة أشهر مريرة حاقت بالأطباء ، قرروا الدخول في إضراب عن العمل، بغية لفت الأنظار إلي الحالة المتردية بالمستشفيات نتيجة الأساليب الفاشية التي كانت تمارس ضد الأطباء والطواقم الطبية من قبل قوى الأمن الإسلاموية. وقد كان للإضراب الذى نفذه الأطباء السودانيون ابتداء من يوم الأحد 26 نوفمبر 1989م أثراً قوياً في كسر حاجز المواجهة مع النظام..! .

وقد أثار هذا الاضراب ذعراً واضحاً وسط سلطات النظام الإنقلابي ، الذي بدأ حملة ملاحقات وقمع وتنكيل شرسة وسط النقابيين والأطباء على وجه الخصوص.
وفي غضون أيام فقط جرى اعتقال عشرات الأطباء ، الذين نقلوا إلى بيوت الأشباح التي كان يشرف عليها في ذلك الوقت جهاز أمن ما سمى بالإنقاذ ، وهو واحد من عدة أجهزة أمن تابعة لتنظيم الجبهة الإسلاموية.

استطاع الدكتور علي فضل (والمطلوب القبض عليه حيا او ميتا) من قبل السلطات الأمنية بسبب أنه كان عضوا بارزا في لجنة تنظيم الأضراب ، الاختفاء تماما عن العيون ، وظلت دوريات الحراسة تبحث عنه في مكان ، وكانت في كل مرة ترجع لقواعدها خائبة ، ولكن جعبة الفساد الأخلاقى والإنسانى لا تخلوا من عجائب هذه الجماعة وشرورها ، فقد أمر (الطيب سيخة) عناصره بالقبض علي الشقيق الأصغر للدكتور علي فضل وابقائه تحت التعذيب ببيوت (الاشباح) حتي يسلم علي فضل نفسه للسلطات الأمنية..! .

عندها قام الدكتور علي فضل بتسليم نفسه للسلطات الأمنية إنقاذا لأخيه البرىء ، وكان يوم الفرح والسرور عند (الطيب (سيخة)..! وقد أعتُقل الشهيد د.علي فضل مساء الجمعة 30 مارس ، 1990م ونقل على متن عربة بوكس تويوتا إلى واحد من أقبية التعذيب ، حيث بدأت حفلة التعذيب علي يد الطيب سيخة ، وعوض الجاز ، وابراهيم شمس الدين ، وبكري حسن صالح ، والطبيبين عيسى بشرى ، ويسن عابدين.

وطبقاً لما رواه معتقلون آخرون كانوا في نفس بيوت الاشباح الذي نقل إليه الدكتور على ، بأنه أصيب نتيجة الضرب الوحشي الذي تعرض له مساء ذلك اليوم بجرح غائر في جانب الرأس ، جرت خياطته في نفس مكان التعذيب وواصل جلادو أمن الجبهة الإسلاموية ممارسة صنوف البشاعة واللاإنسانية التي تشربوها فكراً ، واحترفوها ممارسة، على الشهيد وغيره من آلاف المعتقلين المشتبه فى عدم ولائهم للنظام الجديد.

استمر تعذيب الشهيد د.علي فضل على مدى 23 يوماً منذ اعتقاله مساء 30 مارس 1990م حتى استشهاده صبيحة يوم 21 أبريل 1990م ، وقد صمد ببطولة أمام تعذيبهم الوحشى مما أثبت بوضوح إنه بموته هزم جلاديه ، الذين فشلوا في كسر كبريائه وكرامته واعتزازه وتمسكه بقضيته العادلة وهى نبذ النظام الدكتاتورى مهما كانت هويته..! .

ومع تزايد وتيرة التعذيب البشع اُصيب الشهيد علي فضل بضربات في رأسه تسببت في نزيف داخلي حاد في الدماغ ، أدى إلى تدهور حالته الصحية. وحسب التقارير الطبية التي صدرت في وقت لاحق ، لم يكن د.على فضل قادراً على الحركة ، كما حُرم في بعض الأحيان من الأكل والشرب ، وحُرم أيضاً من النظافة والإستحمام طوال فترة الإعتقال.

نُقل الشهيد د.علي فضل فجر يوم السبت 21 أبريل الى السلاح الطبي وهو فاقد الوعي تماماً ، ووصف أحد الأطباء بالمستشفى هيئته قائلاً: (إن حالته لم تكن حالة معتقل سياسي أحضر للعلاج ، وإنما كانت حالة مشرد جيء به من الشارع، ممزق الملابس ، مصاب بالضربات الدامية فى معظم أجزاء جسمه ، لقد كانت حالته مؤلمة جدا وانني مستعد أن أشهد بذلك في أي تحقيق قضائي يتم استدعائى  له..!! .

كما ذكر العاملون بحوادث الجراحة بالمستشفى العسكري بأنهم لم يستطيعوا التعامل مع حالة الدكتور علي فضل كمريض عادي بالتزام الإجراءات القانونية والصحية المتعارف عليها ، وذلك بسبب ضغوط رجال الأمن الذين أحضروا الشهيد بخطاب رسمي من مدير جهاز الأمن ، وأيضاً بسبب تدخل قائد السلاح الطبي ، اللواء محمد عثمان الفاضلابي ، والذى أمر بوضع الحالة تحت إشراف رائد طبيب ونائب جراح موال لحزب الجبهة الإسلاموية يدعى أحمد سيد أحمد..!.

وقد  فاضت روح الدكتور علي فضل الطاهرة حوالي الساعة الخامسة من صبيحة السبت 21 أبريل 1990م ، أي بعد أقل من ساعة من إحضاره الى المستشفى العسكري ما يدل على أن الجلادين لم ينقلوه إلى المستشفى إلا بعد أن تدهورت حالته الصحية تماماً وأشرف على الموت بسبب التعذيب البشع الذي ظل يتعرض له..! .
بعد ظهر نفس اليوم أصدر طبيبان من أتباع تنظيم الجبهة الإسلاموية هما : بشير إبراهيم مختار وأحمد سيد أحمد ، تقريراً عن تشريح الجثمان أوردا فيه أن الوفاة حدثت بسبب (حمى الملاريا) ، واتضح لاحقاً أن الطبيبين أعدا التقرير إثر معاينة الجثة فقط ولم يجريا أي تحليل أو فحص. وجاء أيضاً في شهادة الوفاة (رقم 166245)، الصادرة من المستشفى العسكري باُمدرمان والموقعة بإسم الطبيب بشير إبراهيم مختار ، أن الوفاة قد حدثت بسبب (حمى الملاريا)..!.

بعد اجتماعات متواصلة لقادة نظام الجبهة الإسلاموية ومسؤولي أجهزتهم الأمنية ، إتسعت حلقة التواطؤ والضغوط لاحتواء آثار الجريمة والعمل على دفن الجثمان دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة. فقد مارس نائب مدير الشرطة ، فخر الدين عبدالصادق ضغوطاً متواصلة لحمل ضباط القسم الجنوبي وشرطة الخرطوم شمال على استخراج تصريح لدفن الجثمان دون اتباع الإجراءات القانونية المعروفة ، فيما فتحت سلطات الأمن بلاغاً بتاريخ 22 أبريل بالقسم الجنوبي جاء فيه ان الدكتور علي فضل أحمد قد توفي وفاة طبيعية بسبب (حمى الملاريا). وحاول العميد أمن عباس عربي وقادة آخرون في أجهزة الأمن إجبار اُسرة الشهيد على تسلُّم الجثمان ودفنه ، وهي محاولات قوبلت برفض قوي من والد الشهيد واُسرته ، التي طالبت بإعادة التشريح بواسطة جهة يمكن الوثوق بها ، ويقول شاهد عيان : فى الساعة التاسعة مساء من نفس اليوم ، شاهدنا حركة غير عادية ونحن نرقب منزل الشهيد من بعد ولمحت المدعو (عباس عربي) رجل استخبارات وأمن نظام القتلة يدخل ويخرج من بيت الشهيد متوترا ، وهو يسعى جاهدا لإقناع العم فضل أحمد باستلام جثمان ابنه ودفنه سريعا على قاعدة الإسلام التي تقول (الميت أولى بالدفن وإكرام الميت دفنه). وإزاء هذا الموقف القوي من أسرة الشهيد أعيد تشريح الجثة بواسطة أخصائي الطب الشرعي وفق المادة 137 (إجراءات اشتباه بالقتل) وجاء في تقرير إعادة التشريح أن سبب الوفاة (نزيف حاد بالرأس ناجم عن ارتجاج بالمخ نتيجة الإصطدام بجسم حاد وصلب) ، وقد تبين من خلال هذا التقرير ، أن القتلة دقوا مسمارا برأس الشهيد..!.

وبناء على ذلك تم فُتح البلاغ رقم 903 بالتفاصيل الآتية:

المجني عليه: الدكتور علي فضل أحمد. المتهم: جهاز الأمن الإسلاموى .
المادة: 251 من قانون العقوبات لسنة 1983م (القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد)..! .

ومن سخرية القدر بالمتجبرين الظلمة، أن الطيب سيخة بكل جبروته ، وقف ذليلا أثناء محاكمة الذين قاموا بانقلاب عام 1989م ، ليذكر للقاضى بذلة وانكسار : أنا يامولانا برىء (من حكاية السيخة هذه) ، ولم أضرب بها أحدا ، ونسى أن رئيسه البشير كان يناديه بهذه الصفة ، وكان يفتخر بأنه بها وبأنه رفع هذه السيخة ليضرب بها أعداء حزبه ، وجاء الوقت الذى يقف فيها ذليلا وينكر حقيقة يعرفها عنه أربعين مليون سودانى..! .

وإذا كان البرهان قد أفسد بانقلابه على المدنيين تلك المحاكمات ، وأمر بالإفراج عن القتلة وعطل قوانين ومحاكم البلاد حتى لا تلحق العقوبات هؤلاء المجرمين ، فإن عدالة الله سبحانه وتعالى لن يستطيع كائن من كان أن يهرب منها ، فأين المفر وقتئذ.

عن "الراكوبة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية