حزب الله اللبناني ومرحلة التنازلات الصعبة... قراءة في نتائج الانتخابات اللبنانية

حزب الله اللبناني ومرحلة التنازلات الصعبة... قراءة في نتائج الانتخابات اللبنانية


18/05/2022

بعد ثلاثة أعوام من ثورة 17 تشرين الأول (أكتوبر)، أتيحت الفرصة أخيراً أمام الجماهير اللبنانية الغاضبة واليائسة من إصلاح مسار الحكم في البلاد، للذهاب إلى صناديق الاقتراع؛ والمساهمة في تقرير المصير، بعيداً عن صخب الشارع، وتعقيدات المشهد السياسي.

وعلى الرغم من أنّ النتائج، قد لا تسفر عن إحداث تغيير سياسي جذري، إلّا أنّ الناخب اللبناني نجح في أن يبعث رسالة احتجاج قوية، بعد أن فقدت جماعة حزب الله، الموالية لإيران، أغلبيتها، فيما يتعلق بالتحالف الداعم لها، وهو ما يعبر عن لحظة سياسية مهمّة، لابد من الاشتباك مع منطلقاتها، قبل تحليل أرقام النتائج.

جدل حول تشكيل الحكومة الجديدة

تراجعت نتائج تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، بالمقارنة بانتخابات العام 2018، وتقدّم خصوم الأخير، وبالتحديد "القوات اللبنانية"؛ ليصبحوا أكبر جماعة مسيحيّة في البرلمان، في هزيمة مباشرة لحزب الرئيس ميشال عون، قبل أشهر قليلة من اختيار خليفته في منصب الرئاسة.

بالنظر إلى النتائج، فقد فاز حزب الله والفصائل الموالية له بنحو 62 مقعداً، من أصل 128 مقعداً في البرلمان في انتخابات الأحد، بالمقارنة بــ 71 مقعداً في انتخابات العام 2018، واللافت هنا فوز القادمين الجدد، من التيار الإصلاحي الثوري، بـ 13 مقعداً، ما يمثل اختراقاً قوياً وغير متوقع، لنظام الحكم الذي تهيمن عليه النخبة التقليدية منذ عقود طويلة.

فقدت جماعة حزب الله، الموالية لإيران، أغلبيتها

وعلى الرغم من احتفاظ حزب الله وحركة أمل، بالمقاعد الـ 27، المخصصة للمسلمين الشيعة، إلّا أنّ العديد من الحلفاء القدامى، عانوا من هزائم مفاجئة، وبحسب موقع "لورينت توداي"، الإخباري، حصل التيار الوطني الحر على 17 مقعداً، مقارنة بــ 20 مقعداً في البرلمان المنتهية ولايته، بينما فاز حزب القوات اللبنانية، المقرب من المملكة السعودية، بـ19 مقعداً، بزيادة أربعة مقاعد عن الانتخابات الماضية، ما يجعله الحزب المسيحي الأول في لبنان، وهو ما يمثل ضربة قوية لحزب الله.

 

تراجعت نتائج تحالف حزب الله والتيار الوطني الحر، بالمقارنة بانتخابات العام 2018، وتقدم خصوم الأخير، وبالتحديد "القوات اللبنانية"؛ ليصبحوا أكبر جماعة مسيحية في البرلمان

 

ولفت مراقبون إلى أنّ النتائج جعلت البرلمان منقسماً إلى عدة معسكرات، لا يتمتع أيّ منها بالأغلبية، ما يزيد من احتمالات الشلل السياسي والتوترات؛ التي قد تؤخر الإصلاحات التي باتت الحاجة إليها ملحّة؛ لإخراج لبنان من الانهيار الاقتصادي، وهو ما دفع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي، إلى مطالبة النواب المنتخبين حديثاً، بسرعة الاتفاق على تشكيل الحكومة الجديدة، التي يأمل في قيادتها، بداعي أنّ ما تمر به البلاد "لن يصمد أمام المشاحنات، على حساب الأولويات"، بحسب تعبيره. وربما يقصد بذلك التفاوض مع صندوق النقد الدولي على حزمة مساعدات عاجلة، وصياغة قوانين جديدة؛ للمساعدة على دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي.

المستقلون وحزب القوات يغيرون معادلة الحكم

من جانبها، قالت مراسلة شبكة "بي بي سي" في بيروت، آنا فوستر، إنّ مكاسب حزب القوات اللبنانية، سوف يكون لها تأثير كبير على انتخاب أعضاء البرلمان، في وقت لاحق من هذا العام، لرئيس جديد للجمهورية. وأضافت: "انتصارات المرشحين المستقلين، والأحزاب غير المنحازة لأطراف الحكم، أمر مهم جداً".

فوستر لفتت إلى أنّ حزب الله "سوف يظل مؤثراً بشكل كبير في البرلمان الجديد، لكنّه قد يحتاج إلى مزيد من المفاوضات، وتقديم المزيد من التنازلات"، مؤكدة أنّ "الكثير من قوة المليشيا المسلحة؛ تأتي من خارج النظام السياسي، ولن يتغير الكثير في الحياة اليومية، للأشخاص الذين يعيشون في معاقلها". واستطردت: "هذه المرة، هناك مجموعة جديدة على الطاولة (المستقلون)، وهؤلاء هم الأفراد والأحزاب الذين يعارضون المؤسسة الحاكمة، وقد ارتفع عددهم إلى 13 مقعداً".

 

وضعت انتخابات 2018، لبنان في فلك إيران، عبر تكريس نتائجها لهيمنة حزب الله، لكن الأمر الآن اختلف جذرياً، فنتائج الانتخابات الأخيرة جعلت لبنان أقرب إلى السعودية من أيّ وقت مضى

 

وربما يطرح هذا المتغير السياسي الجديد، تساؤلات صعبة على طاولة النخبة السياسيّة المترهلة، ويفتح الطريق أمام مسارات جديدة للسياسة اللبنانية، الأمر الذي قد يجد حزب الله نفسه مضطراً للدخول إليها.

أبرز المفاجآت.. وجدل التداعيات

أبرز المفاجآت التي شهدتها الانتخابات اللبنانيّة، كانت هزيمة السياسي الدرزي الموالي لحزب الله، طلال أرسلان، وريث إحدى أعرق العائلات السياسيّة في لبنان، في منطقة عاليا الوسطى، أمام منافسه مارك ضو من حزب التقدم، والذي ترشح وفق أجندة إصلاحية.

مكاسب حزب القوات اللبنانية سوف يكون لها تأثير كبير على انتخاب أعضاء البرلمان لرئيس جديد للجمهورية

وفي الجنوب، معقل حزب الله، فاز إلياس جرادي، من قائمة معاً نحو التغيير، بمقعد مسيحي أرثوذكسي، أمام أسعد حردان، زعيم الحزب السوري القومي الاشتراكي، المتحالف مع حزب الله.

كما خسر فيصل كرامي، أحد أبرز حلفاء حزب الله من السُنّة مقعده، وهو الآخر سليل واحدة من أعرق العائلات السياسيّة في لبنان.

لقد وضعت انتخابات العام 2018، لبنان في فلك إيران، عبر تكريس نتائجها لهيمنة حزب الله، لكن الأمر الآن اختلف جذرياً؛ حيث إنّ نتائج انتخابات الأحد، جعلت لبنان أقرب إلى المملكة العربية السعودية من أيّ وقت مضى، ما يعني خسارة طهران لمعركة جديدة، في ساحة تنافسها الإقليمي مع الرياض.

تحدٍّ آخر يفرض نفسه على المشهد السياسي الملتبس في لبنان، وهو الخاص بتحركات السنّة خاصّة في معقلهم الرئيسي في الشمال، بعد أن أعلن زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، مقاطعة الانتخابات

ويمكن القول إنّ النظام البرلماني المعقد في لبنان، والذي وُضع بهذه الطريقة الصارمة؛ التي تهدف إلى تقسيم السلطة على أساس طائفي، من أجل تحقيق الاستقرار، بعد سنوات الحرب الأهلية، ربما يؤدي إلى أزمة كبيرة، فيما يتعلق بالتفاوض الخاص بتشكيل الحكومة، في بلد ظلّ لأكثر من عام بلا حكومة، ويمكن القول كذلك، إنّ نتائج الانتخابات الأخيرة، سوف تضع حزب الله تحت ضغط التفاوض، بصورة لم يعتد عليها من قبل، وسوف تفرض تحديات هائلة على مختلف الأطراف المشاركة في الحكم.

تحدٍّ آخر يفرض نفسه على المشهد السياسي الملتبس في لبنان، وهو الخاص بتحركات السنّة خاصّة في معقلهم الرئيسي في الشمال، بعد أن أعلن زعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، مقاطعة الانتخابات، وحث أعضاء التيار على عدم الترشح، وأنصاره على عدم التصويت، لكنّ الحريري وأنصاره قد يتحركون في أيّ لحظة، في ظل تحولات الداخل والخارج، وهو الأمر الذي سوف يضع الجميع في معادلة سياسيّة شديدة الارتباك.

 مواضيع ذات صلة:

عن نتائج الانتخابات اللبنانيّة واحتمالات "حزب الله"

كيف سيرد "حزب الله" على هزيمته؟

مأزق "حزب الله" بعد الانتخابات



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية