خسائر السودان في العام الأول للحرب... أرقام فظيعة ومهولة

خسائر السودان في العام الأول للحرب... أرقام فظيعة ومهولة

خسائر السودان في العام الأول للحرب... أرقام فظيعة ومهولة


17/04/2024

استيقظ السودانيون في يوم 15 نيسان (أبريل) 2023م على أصوات المدافع الثقيلة والرصاص المتطاير والدخان الذي يملأ سماء الخرطوم، واليوم أكملت الحرب في السودان بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع عامها الأول؛ مُخلفة أكثر من (13) ألف قتيل و(10) ملايين نازح، ودماراً هائلاً في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، وخسائر اقتصادية قدرت بنحو (120) مليار دولار.

ومنذ اندلاع القتال في منتصف نيسان (أبريل) من العام الماضي 2023، تعرضت أكثر من (300) منشأة تاريخية وحيوية في الخرطوم ومدني ودارفور وكردفان لدمار شامل أو جزئي، كما فقد مئات الآلاف من سكان العاصمة القدرة على العيش في منازلهم؛ بسبب ما لحق بها من دمار كلي أو جزئي جعلها عرضة للخطر.

أمّا دمار البنية التحتية، فيبدو كبيراً إلى حدٍّ موجع، خصوصاً وسط العاصمة الخرطوم، فقد تعرض مطار الخرطوم الدولي لأضرار بالغة شملت المدرجات الرئيسية وصالات المسافرين وغيرها من منشآت المطار المهمة التي يمكن أن يستغرق إصلاحها شهوراً طويلة حال توقف الحرب الحالية.

وجعلت الحرب البلاد على شفا المجاعة الطاحنة، وتشير كل التوقعات إلى أنّها ستكون الأفظع من نوعها عالمياً. وحسب التقارير الأممية، يعاني (4) ملايين طفل من سوء التغذية الحاد، بينما يحتاج أكثر من نصف سكان البلاد إلى مساعدات عاجلة.

وتُعدّ أزمة النزوح في السودان هي الأكبر في العالم، حيث بلغ عدد النازحين داخلياً حتى الآن نحو (9) ملايين شخص، واضطر نحو (1.8) مليون سوداني وسودانية للفرار خارج حدود الوطن.

قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان

في هذا التقرير نسلط الضوء على خسائر القطاعين العام والخاص خلال هذه الحرب الدائرة منذ عام كامل.

تعرّض القطاع الخاص السوداني بمختلف قطاعاته لخسائر مُدمرة، وفقد معظم رجال الأعمال كلّ أو جلّ أملاكهم ومدخراتهم في العاصمة والمناطق المتأثرة بالعمليات القتالية.

وتظهر النتائج والتحقيقات والأبحاث في حجم الخسائر، حسب الاستطلاعات التي أجراها (راديو دبنقا) مع رجال أعمال سودانيين شاركوا في مؤتمر الأعمال السوداني لوقف الحرب بأديس أبابا في شباط (فبراير) الماضي، تظهر أرقاماً مخيفة.

 

الحرب خلفت أكثر من (13) ألف قتيل و(10) ملايين نازح، ودماراً هائلاً في البنية التحتية والممتلكات العامة والخاصة، وخسائر اقتصادية قدرت بنحو (120) مليار دولار.

 

وتقول الإحصاءات إنّ التدمير الشامل والنهب المنظم طال (14) سوقاً مركزية بمدن الخرطوم الـ (3)؛ الخرطوم ـ أم درمان ـ بحري، منها على سبيل المثال أسواق سعد قشرة، أم درمان، الخرطوم، والأسواق الطرفية، ومنها سوق بالحاج يوسف، والمركزي بالخرطوم، والشعبي الخرطوم، وسوق ليبيا، وسوق الجملة أم درمان، وأسواق أخرى.

 

وفي السياق ذاته دُمرت ونهبت معظم المخازن بالعاصمة الخرطوم بمدنها الـ (3)، والتي احتوت على كميات كبيرة من السلع الغذائية والمواد الخام والأدوات الكهربائية ومختلف أنواع البضائع وقطع الغيار، كذلك نهبت كل الشركات العامة والخاصة ووكالات السفر والتوكيلات التجارية وشركات الاتصالات والمطاعم والكافتيريات ومحلات الأطعمة بمختلف أنواعها.

قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)

ووفق ما نقلت صحيفة (التغيير) عن رجل أعمال سوداني، فقد خسر حوالي (24) ألف تاجر جملة وقطاعي ومحلات للخدمات كل بضاعتهم وأدوات العمل وسيارات النقل والترحيل في العاصمة الخرطوم، كما خسر (250) تاجر ذهب معظم رأس مالهم من الذهب بعمارتي الذهب بالخرطوم وأم درمان ومحلات المجوهرات، وتقدر كمية الذهب المنهوب بحوالي (8 إلى 10) أطنان ذهب.

 

ونُهِبَت مصفاة الذهب الحكومية المركزية الوحيدة في البلاد بالكامل، وتقدّر الكمية المنهوبة من المصفاة بحوالي (3) أطنان من الذهب الصافي الجاهز للتصدير.

 

ولم تسلم المنشآت الصناعية من الخراب، فقد تم تدمير ونهب (411) مصنعاً بالمنطقة الصناعية بحري، وتدمير ونهب (139) مصنعاً بالمنطقة الصناعية بأم درمان، فضلاً عن تدمير ونهب عدد كبير من المصانع والورش والمخازن بالمناطق الصناعية بالخرطوم في شرق الخرطوم وجبرة ومنطقة صافولا. وبالطبع يتعذر إجراء إحصاء دقيق للخسائر لاستمرار العمليات العسكرية في هذه المناطق ووقوع بعضها تحت سيطرة قوات الدعم السريع.

 

تعرضت أكثر من (300) منشأة تاريخية وحيوية في الخرطوم ومدني ودارفور وكردفان لدمار شامل أو جزئي، وفقد مئات الآلاف من سكان العاصمة القدرة على العيش في منازلهم.

 

أمّا فيما يتعلق بالمصارف الحكومية والتجارية، فتشير معلومات من مصادر متعددة إلى أنّه تم نهب أكثر من (100) بنك في الخرطوم والولايات الأخرى، التي تشكل معظم فروع المصارف الحكومية والتجارية، بالإضافة إلى خزائن الأمانات الخاصة بالعملاء في مقار المصارف، وتقدر الأموال المنهوبة بترليونات الجنيهات ومئات الملايين من العملات الأجنبية كودائع وحسابات جارية ونقد بالخزائن الخاصة.

 

وقال مدير منظمة (جلوبال سودان) معز فاروق في تصريح صحفي لـ (راديو دبنقا): "الضرر ليس في الدمار الذي طال المباني فحسب، بل أيضاً فيما لحق بالعاملين الذين تشردوا وفقدوا عملهم"، وأضاف: "على سبيل المثال، فقد أكثر ربع مليون عامل وظائفهم في المنطقة الصناعية في الخرطوم بحري"، وفي قطاع المقاولات الذي تعمل فيه (20) ألف شركة مسجلة، توقفت 90% منها عن العمل كليّاً.

 

وحول الصادرات قال الخبير الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، في تصريح لصحيفة (الراكوبة): إنّه بعد مرور عام على الحرب تراجعت الصادرات السودانية بنحو 60% مع إغلاق مطار الخرطوم، وتوقف العمل في معظم الموانئ الجافة ونقاط التجارة الحدودية، مع اضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الحرب؛ ممّا أدى إلى تراجع عائدات الصادرات من العملات الصعبة، وأشار إلى تراجع إنتاج السودان من الذهب من (18) طنّاً إلى (2) طن، ممّا أدى إلى فقدان عائدات صادرات الذهب التي تعادل 50% من الصادرات، بقيمة (2) مليار دولار.

 

أمّا بخصوص القطاع الإعلامي، فقد أجبرت الحرب مئات الصحفيين والصحفيات على مغادرة مناطق النزاع المسلح، ثمّ الوطن، بحثاً عن الأمان، تحاصرهم اتهامات التخوين والموالاة لهذا الطرف أو ذاك، مهددين بالاحتجاز والاعتقال التعسفي أو الإخفاء القسري أو الموت.

 

فخلال عام الحرب الكارثية هذه قتل (5) صحفيين، وأوقف لأوقات متفاوتة عشرات الصحفيين والصحفيات، ونُهبت منازل وممتلكات وأدوات عمل لإعلاميين وصحفيين، وتمّت مطاردة وملاحقة آخرين وأُخريات لمجرد التعليق، أو التعبير عن آرائهم المخالفة لرأي أحد طرفي الحرب، الأمر الذي أدى إلى فرار العشرات من الصحفيين والصحفيات إلى دول الجوار والإقليم، أو ترك المهنة اضطراراً، أو الاختفاء عن الأنظار، ومواجهة واقع جديد مليء بالتحديات الأصعب، في مواصلة العمل في المهنة الصحفية والإعلامية، أو تركها، والتفكير في البحث عن مهنٍ بديلة.

 

ورغم مرور عام على الحرب في السودان، ما زالت دور ومقرات الصحف بالعاصمة الخرطوم والولايات، ومحطات الإذاعات والتلفزيونات المحلية الحكومية والخاصة ومراكز التدريب  الصحفي والإنتاج والخدمات الإعلامية متوقفة تماماً عن العمل، أو متعثرة، إمّا بسبب وقوعها وسط مناطق الاقتتال، ممّا يجعل الوصول إليها صعباً، وإمّا بسبب نهبها أو احتلالها.

 

وفي خطوة جديدة في مخطط تكريس "الإظلام الإعلامي"، أعلنت سلطة الأمر الواقع إيقاف قنوات (العربية) و(الحدث) و(سكاي نيوز) يوم الثلاثاء 2 نيسان (أبريل) 2024، بحجة عدم الالتزام بالمهنية والشفافية المطلوبة، وهو قرار تعسفي، يشكل خرقاً واضحاً لمبدأ حرية الإعلام، وحق الإعلام في التغطية الصحفية للنزاع، ويعتبر هذا القرار خطوة أولى نحو استكمال فرض الإظلام الإعلامي الشامل فى البلاد.

 

التدمير الشامل والنهب المنظم طال (14) سوقاً مركزياً بمدن الخرطوم الـ (3)، ونهبت معظم مخازن السلع الغذائية والمواد الخام والبضائع والأدوات الكهربائية.

 

وحول القطاع الطبي يؤكد أطباء وعاملون في كوادر صحية أنّهم يعملون في ظروف صعبة جداً، وأنّ نحو (50) منهم قتلوا أثناء أداء عملهم، وذلك استناداً إلى إحصاءات أصدرتها نقابة أطباء السودان.

 

وتفيد معلومات بأنّ نحو (100) مستشفى حكومي وخاص دُمّرت في العاصمة الخرطوم، وأنّ بعضها باتت قواعد عسكرية وثكنات للجنود. وأعلن وزير الصحة هيثم محمد إبراهيم أنّ "حجم الدمار والتخريب في القطاع الصحي في السودان يُقدّر بنحو (11) مليار دولار، وأنّ الحرب دمّرت مستشفيات بالكامل"، وأكد سعي الحكومة بجهد محلي ودعم دولي إلى إعادة المستشفيات المدمّرة إلى العمل، وإطلاق صندوق لإعادة إعمار وتأهيل المستشفيات، بدءاً بتلك الموجودة في ولاية الخرطوم.

 

أمّا عن قطاع التعليم، فقد أحدثت الحرب في السودان تأثيراً كبيراً على العملية التعليمية في البلاد، إلى درجة إبعاد (19) مليون تلميذ عن المدارس، وكان وزير التربية والتعليم محمود سر الختم الحوري قد كشف في وقت سابق عن دمار وتخريب 40% من المؤسّسات التعليمية في ولاية الخرطوم التي انطلقت منها شرارة الحرب، أي حوالي (1500) مدرسة. وبحسب مراقبين، تضاعف العدد بعد تمدّد العمليات العسكرية في ولايات أخرى، وخصوصاً ولايات دارفور الـ (5)، وولايات كردفان الـ (3)، وولاية الجزيرة. وذكر أن المتبقّي من مدارس الخرطوم تعرّض للنهب، وهو ما حدث لمقر وزارة التربية والتعليم ومقرات مكاتب التعليم في المحليات، وفق ما نقل موقع (سودان تربيون).

 

وكشف عضو لجنة المعلمين السودانيين عمّار يوسف مقتل (13) معلماً في ولاية الخرطوم في أثناء القتال، واعتقال وتعذيب آخرين. وقال إنّ لجنته لم تتمكّن من إجراء إحصاءات مماثلة في دارفور وكردفان والجزيرة.

 

وقد أصدرت منظمات دولية بيانات وتقارير وإحصائيات تحذر من واقع مظلم للتعليم في السودان، الذي كان يعاني أصلاً جراء ارتفاع نسبة الأمية إلى أكثر من 60%، ومشكلات أخرى. وتقول منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ومنظمة (أنقذوا الأطفال): إنّ واحداً من كل (3) تلاميذ سيكون خارج المدرسة، في وقت أغلقت فيه أكثر من (10) آلاف مدرسة أبوابها في المناطق المتضرّرة من النزاع.

 

وأوضحت مسؤولة الاتصالات والإعلام في مكتب (يونيسف) في السودان، ميرا ناصر، في تصريح صحفي، أنّ الحرب في السودان تسبّبت بواحدة من أكبر الأزمات التعليمية في العالم اليوم، مع إغلاق المدارس في جميع الولايات تقريباً، مشيرة إلى وجود حوالي (19) مليون طفل خارج المدرسة، وقالت إنّ لهذا "تأثيراً ليس فقط على التعلم، وإنّما أيضاً على الصحة العقلية ورفاهية الأطفال في جميع أنحاء البلاد، كما يعرّض مستقبل السودان للخطر".

 

هذا، وتشهد مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً مع الذكرى الأولى للحرب، وقد ضجت منصات التواصل بتعليقات مواطنين ومنظمات سودانية وعالمية عبر عدة وسوم منها، #ّذكرى_حرب_15_أبريل،و #السودان_عام_من_الحرب، #السودانيون_يستحقون_السلام، وغيرها من الوسوم التي سلطت الضوء على ما يعانيه المواطن السوداني بعد عام من الحرب.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية