داعش سيناء وإسرائيل.. البحث في جذور الصراع ومآله (2)

مصر والإرهاب

داعش سيناء وإسرائيل.. البحث في جذور الصراع ومآله (2)


15/04/2018

عقب سقوط الأجهزة الأمنية في مصر، إثر ثورة 25 يناير 2011، بات شمال سيناء مرتعاً خصباً لفلول تنظيم "التوحيد والجهاد"، الذي أطلق على نفسه بعد ذلك مسمّى "أنصار بيت المقدس"، في إشارة واضحة إلى أنّ الهدف من وجوده هو مناصره الجهاد ضد الكيان الصهيوني المغتصب، وتماشياً مع المسمّيات التنظيمية للسلفية الجهادية في غزة، وخاصة تنظيم "أكناف بيت المقدس".

لم يكشف التنظيم عن وجهه الحقيقي بوضعه للدولة المصرية على أجندته الصراعية، حتى نجح في استقطاب عشرات من المتحمسين بحجة القيام بعمليات ضد إسرائيل، كان من بينهم عناصر سابقة في جماعة الإخوان المسلمين، وحركة "حازمون"، التي كان يتزعمها الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.

نجح التنظيم في استقطاب العشرات كان من بينهم عناصر سابقة في الإخوان وحركة "حازمون" التي كان يتزعمها حازم صلاح أبو إسماعيل

ذريعة استهداف إسرائيل

بعدما أوشك نظام مبارك على السقوط، لم يكن أحد يعرف حينها مَن ذاك الملثّم الذي فجّر خط الغاز، كانت نواة جماعة جهادية جديدة تنبت في شبه جزيرة سيناء بمقربة من الحدود المصرية الإسرائيلية لها أيديولوجية تشبه القاعدة لا تقبل التفاهم أو عقد المهادنات.

استطاعت الجماعة أن تكسب بيئة حاضنة في شمال سيناء، وتلفت انتباه الجهاديين حول العالم وتجنّد في صفوفها من يريد الجهاد ضد الدولة العبرية دون الدخول في جدليات فقهية حول شرعية استهداف النظم والجيوش العربية.

كشف التنظيم عن وجهه الحقيقي باستهداف الدولة المصرية بعد نجاحه باستقطاب العشرات بحجة معاداة إسرائيل

لكن ظهور الجماعة بعملياتها، قبل إسقاط مبارك، كان دليلاً على أنّ جذور الجهادية التكفيرية في شبه الجزيرة لم تنقطع منذ تأسيسها العام 2001 على يد خالد مساعد، الأمير الأول لتنظيم "التوحيد والجهاد"، الذي وجّه عملياته لاستهداف منتجعات عرفت بتنزه الإسرائيليين فيها مثل؛ منتجع طابا وشرم الشيخ.

كان تصدير الغاز لإسرائيل بثمن بخس أحد العوامل التي شحذت همم المصريين في اتجاه الثورة على نظام مبارك، فحاولت الجماعة، بضرب خطوط الغاز، وفق مراقبين، استغلال هذه النقطة واكتساب التأييد وادعاء النأي بنفسها عن استهداف الجيش والشرطة، حسب بياناتها التي أصدرتها بعد تلك العمليات بعام على الأقل.

في سجن "ديكا"

زادت وتيرة التجنيد في صفوف التنظيم ذي المسمى الجديد، وفي المقابل زادت عمليات التجنيد التي يقوم بها الموساد الإسرائيلي في صفوف البدو المقبوض عليهم بتهم تهريب المخدرات والأفارقة من سيناء إلى داخل الأراضي المحتلة.

واعترفت إسرائيل بعمليات التجنيد، على لسان عدد من قادة جيشها، بدعوى أنّها تسعى لحماية حدودها، على إثر الفراغ الأمني في مصر الذي خلفته ثورة يناير(كانون ثاني).

جذور الجهادية التكفيرية في سيناء لم تنقطع منذ تأسيس خالد مساعد تنظيم التوحيد والجهاد العام 2001

وقال يوسي حداد العقيد بالجيش الإسرائيلي، وقائد وحدة قصاص الأثر: "إن القيادة قررت تجنيد العشرات من بدو سيناء لتأمين الحدود الإسرائيلية المصرية على مساحة 200 كيلو متر، وأشار حداد إلى أنّ ذلك القرار يأتي وسط مخاوف من أن الحكومة المصرية ليس لديها القدرة على تأمين جانبها من الحدود مع إسرائيل"، وتابع: إنّ مهمة هؤلاء البدو هو تعقب التحركات "الإرهابية" أو تحركات المهربين وهذا التعقب أمر ضروري لأمن دولة إسرائيل، على حد زعمه.

وأوضح حداد في تصريحات لمجلة "وورلد تريبيون" الأمريكية، أنه هو الذي يقود وحدة تعقب، القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، والتعامل مع مجموعة من التهديدات، وأشار إلى أنّ الشباب البدو هم الافضل في عملية التعقب؛ لأنهم ذوو الخبرة في المنطقة، مشيراً إلى أنّه حتى مع كل التطورات التكنولوجية الحديثة، ليس هناك بديل لتعقب البدو وعملهم المتفاني.

ووفقا لوورلد تريبيون فإن البدو سيقومون بمساعدة الجيش الإسرائيلي في منع تهريب الأنفاق بين مصر وقطاع غزة، وقالت الصحيفة: إن قوات المشاة الإسرائيلية قامت بتدريب البدو وتعزيز قدراتهم على التعقب.

وزعم التنظيم في سيناء أنّ السلطات الإسرائيلية تزج بهؤلاء في سجن "ديكا" شديد الحراسة، أحد أهم سجون بئر السبع، وقبل أن تنقضي مدة الأحكام يساومهم ضابط الموساد على التعاون معه مقابل إطلاق سراحه والحصول على مبالغ نقدية تكفيه وأسرته (وفق الاعترافات المسجلة بالفيديو لعدد ممن أن ادعى أنهم جواسيس يعملون لصالح إسرائيل).

يروي خالد براك، أحد المواطنين البدو، الذي قضى عدة أعوام في سجن "ديكا"، قصته في تجنيده من الموساد، حسب الفيديو المصور الذي نشره تنظيم أنصار بيت المقدس قائلاً: وجه الضابط حديثه لي: "اسمي أبو رائد مستعد تماماً لمساعدتك وخروجك من هنا وإعطائك دراهم حتى تشبع أنت وأهلك لكن بشرط مساعدتنا وإعطائنا معلومات عما يحدث في منطقتك" أجاب البراك على الفور: "موافق يا أبو رائد كثّر خيرك".

أفرج عن السجين خالد براك، وفق روايته بين يدي التنظيم، وعاد إلى حي المقاطعة التابع لمدينة الشيخ زويد، فقام بتجنيد عدد من أقاربه وأصدقائه بعد إغرائهم بالمال، وكانت المهمة الأولى لهم رصد خلية تابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس كانوا قد أطلقوا عدداً من صواريخ الكاتيوشا على مدينة إيلات المحتلة.

شكلت جماعة "أنصار بيت المقدس" هيكلها الجديد مستغلة الفراغ الأمني الذي خلّفته ثورة 25 يناير

كان ضمن تلك الخلية، خالد المنيعي، أحد أهم قيادات تنظيم أنصار بيت المقدس، الذي استطاع "البراك" أن يضع داخل سيارته من نوع "فيرنا" شريحة نسف "طائرة بدون طيار".

يقول "البراك" في الفيديو الذي بثه التنظيم: اتصل بي ضابط الموساد عند مربعة أبو فريح، وأمرني بأن أتواجد عند مربعة المهدية "شمال سيناء"، بعد 10 دقائق لأخبره فيما إذا كانت السيارة الــ "فيرنا" ستمر عليه أم لا؟ وعند وصولي لاحظت مرور السيارة، فقمت بالسير خلفها حتى إذا توقفت واصلت سيري حتى لا يشك بي أحد، وبعدها عدت فوجدها خالية فألقيت الشريحة في حقيبة السيارة".

ويكمل "البراك": "بعد ساعة اتصل بي الضابط، وأمرني بالعودة إلى المهدية حتى أؤكد له قيام الطيارة بدون طيار بقصف السيارة، ومقتل جميع من فيها، فابتعدت عن المكان وقمت بإبلاغه".

شكلت جماعة "أنصار بيت المقدس" هيكلها الجديد مستغلة الفراغ الأمني الذي خلّفته ثورة يناير 2011

الخلايا الأمنية لــ "بيت المقدس"

ما إن شكلت جماعة "أنصار بيت المقدس" هيكلها الجديد مستغلة الفراغ الأمني الذي خلّفته ثورة يناير 2011 حتى استحدثت جهازاً أمنياً مهمته جمع التحريات والوصول للمعلومات، ثم القيام بعمليات قبض واعتقال للعناصر المشتبه في تعاملها مع الأجهزة الأمنية المعادية لها.

وتولّى الجهاز الأمني للتنظيم المتطرف، مهمة نصب كمائن لاصطياد المشكوك في تعاونهم مع الموساد، أو الجيش والأجهزة الأمنية المصرية، وزرع جواسيس له في قلب المدن، والمقاطعات ومناطق نفوذ القبائل البدوية.

ذبح الجهاز الأمني للتنظيم في آب 2014 "خلية تجسس" بزعم تسببها بمقتل 4 من كوادره

نجح  الجهاز الأمني للتنظيم في آب (أغسطس) 2014 بإلقاء القبض على مجموعة من أهل سيناء بزعم أنهم خلية التجسس التي تسببت في مقتل 4 من كوادره وقام بتصوير اعترافاتهم ثم ذبحهم بطريقة وحشية على الطريقة الداعشية.

كانت رسالة جلية إلى أهالي سيناء وإلى الموساد جاء فيها: "أن الجهاز الأمني للجماعة سيقوم بتتبع معلومات الجواسيس وتحركاتهم ولن يقرّ لهم قراراً حتى يطهّروا بلاد المسلمين من هؤلاء اليهود وأعوانهم ...".

ويكمل في إشارة واضحة إلى محاولة استقطاب الجماعة لأهالي سيناء من أجل التعاون معلوماتياً معهم "رسالة إلى قبائلنا في سيناء أن تعاونوا مع أبنائكم المجاهدين، وذلك بإدلاء أي معلومات عن هؤلاء الجواسيس وأماكنهم، وإذا فعلتم فقد نلتم عز الدنيا والآخرة"، ثم يختتم في النهاية بقوله "شكر خاص للجهاز الأمني في الجماعة".


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية