دراسة توضح سيناريوهات ما بعد القرضاوي... ومن سيخلفه من الإخوان

دراسة توضح سيناريوهات ما بعد القرضاوي... ومن سيخلفه من الإخوان

دراسة توضح سيناريوهات ما بعد القرضاوي... ومن سيخلفه من الإخوان


09/10/2022

من يخلف القرضاوي؟ تساؤل طرحته دراسة منشورة على مركز "ترندز للبحوث والاستشارات" حول الشخصية القادرة على أنّ تحل محل المنظر الإخواني الذي توفي في 29 أيلول (سبتمبر) الماضي، مسلّطة الضوء على إمكانياته من الجانب التنظيري الفقهي والحركي السياسي.

وقال المركز في دراسة له نُشرت عبر موقعه الإلكتروني: إنّه لن يكون من السهل أن تجد جماعة الإخوان من يحلّ محل القرضاوي، لا سيّما أنّه قد توافرت له مجموعة من الظروف والعوامل التي ساعدته كثيراً في الوصول إلى ما وصل إليه من مكانة، ليس فقط داخل جماعة الإخوان المسلمين، وإنّما أيضاً بين جماعات الإسلام السياسي بصفة عامة، وبين شرائح مختلفة من المسلمين، خصوصاً قبل ما سُمّي بـ"الربيع العربي".

وتناول المركز الموضوع من (3) محاور: الأوّل الدور الذي لعبه القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين وتأثير غيابه على الجماعة، والمحور الثاني مجموعة من الأنماط والأمثلة عليها من الشخصيات الممثلة لتلك الأنماط التي قد يخلف أحدها القرضاوي، والمحور الثالث صعوبة تكرار نموذج القرضاوي على المدى القصير والمتوسط، نظراً للسياق الذي تعيش فيه الجماعة حالياً، كما يطرح المحور البدائل المتاحة أمام الجماعة للتعامل مع هذه الإشكالية.

ووفقاً للدراسة، يمكن بلورة مجموعة من الأدوار المهمّة التي لعبها القرضاوي داخل جماعة الإخوان المسلمين، والتي كان لها أثر كبير في خدمة الجماعة ومصالحها، وأهمها لعبه دور المنظّر والمرشد الروحي للجماعة، وكان الوسيط في حل الخلافات والنزاعات الداخلية، كما كان الداعم الأكبر لوصول الجماعة إلى السلطة، فقد سارع إلى زيارة مصر بعد أيام قليلة من تنحي الرئيس مبارك، ليخطب الجمعة في ميدان التحرير فيما سُمّي بـ "جمعة النصر"، وهو ما شكّل دعماً واضحاً وصريحاً لمسعى جماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى الحكم.

 رحيل القرضاوي سيزيد من إضعاف جماعة الإخوان

كما أفتى القرضاوي في أكثر من مناسبة بضرورة دعم جماعة الإخوان في حكم مصر "إسلامياً" برئاسة محمد مرسي، ومع تأزم الحكم في عام 2013، وَصَف القرضاوي من خرجوا في تظاهرات ضد حكم مرسي بـ "الخوارج، والمجرمين الخارجين على طاعة الحاكم"، وذلك بعد أن أفتى بحرمة التظاهرات من الأساس منذ تسلم الإخوان للحكم العام، وفق مقالة للكاتب أحمد عبد الحليم، بعنوان "إرث العنف والتطرف يلاحق القرضاوي في مثواه الأخير"، نُشرت عبر "إندبندنت عربية".

ووفقاً للدراسة، لعب القرضاوي دور المحرّض ضد خصوم الجماعة، وظهر هذا جلياً عندما دعا في تموز (يوليو) 2013 إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في مصر، وقال مشيراً إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي في بيان: "لا تنتخبوا رجلاً تَلَوّث من مفرق رأسه إلى أخمص قدميه بدماء الأبرياء من المصريين"، كما وصل تحريضه ضد الأزهر، وقال في هذا الشأن: "لا تستمعوا إلى أصحاب العمائم المزيفة؛ لأنّهم ليسوا علماء للدين، بل هم علماء السلطة، والشرطة"، وفق كتاب سيرة يوسف القرضاوي... بين اتهامات "العنف" ودعاوى "الوسطية".

دراسة: لن يكون من السهل أن تجد جماعة الإخوان من يحلّ محل القرضاوي، لا سيّما أنّه قد توافرت له مجموعة من الظروف والعوامل التي ساعدته كثيراً

 

هذا، ووظف القرضاوي فتاواه لخدمة مصالح الجماعة، وتمثّل دوره هنا في توظيف الفتاوى التي يصدرها لخدمة الجماعة، حتى لو أدى به ذلك إلى الوقوع في فخ التناقض، وهناك العديد من الأمثلة على ذلك؛ فقد أيَّد القرضاوي تدخل الغرب لضرب دول عربية وإسلامية، عندما رأى في ذلك خدمة لجماعة الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة. ففي سوريا التي كان فيها للجماعة دور كبير في الحرب ضد نظام بشار الأسد، أيَّد ضِمناً أيّ ضربة عسكرية غربية للنظام، رداً على ما قيل إنّه هجوم بالأسلحة الكيماوية على المدنيين، ملمّحاً إلى أنّ القوى الأجنبية أدوات سخّرها الله للانتقام من الأسد، وفق ما نشرت "بي بي سي"  في 30 آب (أغسطس) 2013، تحت عنوان: "القرضاوي: الغرب أدوات الله للانتقام من الأسد".

كما دعا أيضاً في حزيران (يونيو) 2013 إلى "الجهاد" ضد نظام الأسد، وذلك بعد تدخل حزب الله اللبناني في الحرب لمساعدة الرئيس بشار الأسد.

وأصدر القرضاوي عدة فتاوى حول ليبيا تخدم جماعة الإخوان في حربها ضد نظام الرئيس معمر القذافي. فقد قال في إحدى المرات: "أصدر الآن فتوى بقتل القذافي... أيّ ضابط أو جندي أو أيّ شخص يتمكن من أن يطلق عليه رصاصة، فليفعل"، وفي موضع آخر، قال عن قتل القذافي: "من استطاع أن يتقرب إلى الله بقتله، فليفعل، ودَمُه في رقبتي"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس" في 21 شباط (فبراير) 2011، تحت عنوان "القرضاوي يصدر فتوى بقتل القذافي".

ومن النماذج الأخرى؛ إصدار القرضاوي فتاوى تدعم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي كان قد احتضن الهاربين من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، بعد سقوط حكم الجماعة في مصر عام 2013.

القرضاوي وظّف فتاواه لخدمة مصالح الجماعة، حتى لو أدى به ذلك إلى الوقوع في فخ التناقض

وحول تأثير غياب القرضاوي، فقد أوضحت دراسة مركز "تريندز" أنّه في ظل هذه الأدوار المهمة، التي قام بها القرضاوي في جماعة الإخوان المسلمين، يبدو أنّ غيابه سيكون له تأثير كبير، خاصة في ظل ما يمر به "الإخوان" من صراعات وانقسامات داخلية. فحسب البعض، فإنّ فقدان القرضاوي في ظل هذه الحالة، هو فقدان لآخر بوصلة كان يهتدي بها أعضاء جماعة تشهد انقساماً حاداً ورئيسياً بين جبهتين متناحرتين، تسعى كل منهما إلى إثبات أنّها الأحق بإدارة الجماعة.

وأضافت الدراسة أنّ غياب القرضاوي من شأنه أن يُعدّ خسارة الجماعة للكثير من الدعم الذي كانت تحصل عليه في وجوده، فقد خسرت الجماعة مُنظّراً لطالما أَوْجد لها بعض "التخريجات" الفقهية التي استطاعت من خلالها رسم صورة زائفة لها، كما خسرت وسيطاً كان مقبولاً من الجميع وقت الخلافات والنزاعات، الأمر الذي يرجح أن يتعمق النزاع الحالي بين جبهتي لندن وإسطنبول، وأن يتخذ مسارات أسوأ، في ظل عدم وجود شخصية قادرة على احتواء الجبهتين وإقناعهما، بأهمية تسوية الخلافات.

الدراسة قامت على (3) محاور: الأوّل الدور الذي لعبه القرضاوي في الجماعة، والمحور الثاني الشخصيات المرشحة، والثالث يطرح البدائل المتاحة

 

وتابع: "كما ستخسر الجماعة شخصية كانت قادرة على إصدار فتاوى مؤثِرة يمكن أن توظفها لصالحها، وهو ما حدث في العديد من المواقف الصعبة التي تعرضت لها الجماعة".

وعن خليفة له، قالت الدراسة: إنّه من الصعب حالياً وجود شخص داخل جماعة الإخوان المسلمين يمكنه أن يخلف يوسف القرضاوي في مكانته العلمية والتنظيرية، بعد الشهرة الواسعة التي حظي بها طوال العقود الماضية، خاصة أنّه كان بالنسبة إلى الجماعة وأنصارها يُعدّ من الفقهاء المفكرين، بل كانوا يعتبرونه أعظم مُنظّر جاء في تاريخ الجماعة بعد المؤسس حسن البنّا، وربما هذا ما جعل بعضهم يطلق عليه لقب "الإمام" بعد وفاته، وفي مقالة لإبراهيم الدويري بعنوان "الإمام القرضاوي... قرن من التجديد والجهاد"، نشرها عبر موقع "الجزيرة نت"، لكنّ ذلك لا يمنع أنّ الجماعة ستسعى لإيجاد شخصية بديلة، يمكنها أن تمثل المرجعية الفكرية لها ولفروعها المختلفة، وإن كان الأمر سيحتاج إلى فترة زمنية غير قليلة، حتى تتمكن الشخصية التي يقع عليها الاختيار من القيام بالدور الذي كان يقوم به القرضاوي بالكفاءة نفسها.

وأكدت الدراسة أنّ اختيار خليفة للقرضاوي سيرتبط بعدة عوامل؛ بالمكانة العلمية، والمؤلفات الفكرية، والنهج الإخواني، والهوية العربية، بالإضافة إلى تأييد الدول الداعمة لجماعة الإخوان.

ومن الشخصيات المرشحة لخلافة القرضاوي، وفق الدراسة، شوقي الأزهر، ومحمد مختار الشنقيطي، وجاسر عودة، وعلي الصلابي، وعصام البشير، وصلاح الصاوي، وعلي محيي الدين القره داغي، وجمال بدوي، ووصفي عاشور أبو زيد.

وأكدت الدراسة على أنّ الأسماء السابقة المطروحة لخلافة القرضاوي هي على سبيل المثال، وليس بالضرورة أن يكون الشخص المرشح أحد هذه الأسماء، وإنّما تمَّ طرحها كنماذج تنطبق عليها الشروط التي يجب توافرها في الشخص الذي قد يتم الدفع به، وتلميعه إعلامياً في المستقبل، ليصبح المُنظّر الأول لجماعة الإخوان.

وذكر المركز أنّه كما وصف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين القرضاوي وبعض القادة الإخوان بأوصاف، نستطيع أن نستشف منها مجموعة المهارات والقدرات التي يجب أن تتوافر فيمن سيخلف القرضاوي، أو فيمن سيُعدّ لذلك الدور، إن لم يكن يمتلك هذه القدرات في الوقت الحاضر. فخليفة القرضاوي يجب أن يتميز "بالقدرة على إفهام العامة، وإقناع الخاصة معاً"، وعلى "مخاطبة العقل وإلهاب العاطفة معاً"، وعلى "استلهام التراث"، و"الاستفادة من ثقافة العصر جميعاً"، وعلى "المزج بين الدعوة النظرية والعمل الحركي والجهادي من أجل الإسلام"، وعلى ربط التدين الفردي بما يسمّونه "هموم الأمّة الإسلامية الكبرى وقضاياها المصيرية"، وعلى وصل "دعوة الإخوان" بالفقه، والفقه بالدعوة، "فلا تحسّ بانفصام بين الداعية والفقيه"، وأن يكون ذلك الشخص بالجملة "في الدعوة، كما في الفقه والفكر، نموذجاً متفرداً".

وأوضحت الدراسة أنّه في حالة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فيمكن توزيع الأدوار التي كان يقوم بها القرضاوي على شخصيتين أو أكثر من بين الشخصيات النافذة في الاتحاد، والأمناء المساعدين، وأعضاء مجلس الأمناء، ورؤساء الفروع، ورؤساء اللجان.

اختيار خليفة للقرضاوي سيرتبط بعدة عوامل منها المكانة العلمية، والمؤلفات الفكرية، والنهج الإخواني، والهوية العربية، بالإضافة إلى تأييد الدول الداعمة للجماعة

 

أمّا في حالة مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، فقد أوردت الدراسة أنّ المركز استند بالأساس إلى مخاطبة مسلمي الغرب، وتناول القضايا الفقهية في ظل تحديات الواقع المعاصر (فقه الأقليات المسلمة، وفقه الزكاة والحلال والحرام في الإسلام،  وفي هذا الإطار يمكن أن نستنج أنّ "مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق"، الذي أُسس عام 2012، يمكن أن يلعب هذا الدور مستقبلاً، من خلال شخصيات كشوقي الأزهر، ومحمد مختار الشنقيطي، وجاسر عودة، خاصة أنّ المركز يتناول موضوعات لم يُجبَل الإسلاميون على تناولها أو على تناولها بطريقة منفتحة مثل: الفن، البيئة، الاقتصاد، التربية، التغذية، قضايا الرجل والمرأة، الإعلام، الأخلاق الطبية والحيوية، الهجرة وحقوق الإنسان، السياسة، علم النفس. ويكفي النظر في أنشطة المركز لاستيعاب تلك النقلة في فقه الإخوان.

وخلصت الدراسة إلى أنّه: لا شكّ في أنّ رحيل القرضاوي سيزيد من إضعاف جماعة الإخوان وفقد جزء ممّا تبقى لها من تأثير، إلا أنّ السيناريو المرجح للإجابة عن السؤال الرئيسي الذي تطرحه الدراسة، وهو من سيخلُف القرضاوي في الأدوار المتعددة التي كان يلعبها؟ أنّه على المديين القصير والمتوسط ليس أمام الجماعة سوى توزيع الأدوار التي لعبها القرضاوي على عدة شخصيات، أو إسنادها إلى مؤسسات الجماعة المؤهلة للقيام بتلك الأدوار.

الصفحة الرئيسية