ردود الإخوان على زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا: بين الصمت والإدانة الخجولة

ردود الإخوان على زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا: بين الصمت والإدانة الخجولة


16/03/2022

جاءت زيارة الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ، إلى تركيا، والحفاوة التي قوبل بها، لتسدل الستار على الادعاءات والمزايدات التركية، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وتضع الأذرع الإخوانية حول العالم في مأزق حقيقي، يكشف القناع عن ازدواجيتها، أو عدم قدرتها على استيعاب الصدمة.

من جهته، حاول ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي، تبرير الدفء الذي أحاط بزيارة الرئيس الإسرائيلي، زاعماً أنّه "لابد من التمييز، بين قرار الحفاظ على العلاقات، ومسألة إنشاء علاقة لم تكن موجودة من قبل"! وأنّ بلاده لا تتجاهل القضية الفلسطينية بأيّ شكل من الأشكال، لافتاً إلى أنّ الرئيس التركي أشار إلى أنّ "العلاقة التاريخية بين إسرائيل وتركيا، يمكن أن تقوم على أساس المصلحة المشتركة، دون الالتزام بالاتفاق على كل شيء"، في محاولة لتجاهل المساعي التركية الحثيثة، لمد خط الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر أراضيها.

جاءت حفاوة استقبال أردوغان للرئيس الإسرائيلي لتسدل الستار على الادعاءات والمزايدات التركية

هذا وكشفت وسائل إعلام عبرية، يوم الجمعة الماضي، عن اتفاق جرى بين الطرفين التركي والإسرائيلي؛ لإتمام صفقة أثرية، طالما تطلّعت إليها تلّ أبيب، وذلك خلال زيارة الرئيس الإسرائيلي لأنقرة، وتقضي بحصول إسرائيل على نقش أثري مكتوب بالعبرية القديمة، ويدعى نقش شيلواح (سلوان)، والذي يعود تاريخه إلى القرن الثامن قبل الميلاد، وهو ضمن مقتنيات متحف إسطنبول للآثار، في مقابل شمعدان قديم من العهد العثماني، موجود في إسرائيل.

وتكشف دلالات الصفقة عن طبيعة العلاقات بين الطرفين، وإمكانية تطورها إلى مجالات أخرى متعددة، ليس ببعيد عنها الغاز الإسرائيلي.

محاولات التبرير

حاولت بعض القيادات الإخوانية، تبرير التطبيع المفاجئ في العلاقات بين تركيا وإسرائيل، حيث طالب القيادي الإخواني المقيم في ماليزيا، إبراهيم الديب، بضرورة تحكيم العقل لا العاطفة، قائلاً: "العاطفة ما أغاثت شعباً، وما أقامت دولة، لكن سياسياً وعملياً لا بد أن نبحث عن المصالح، وتحقيق أهداف اللحظة التاريخية، في سياقها الاستراتيجي"، وأضاف: "الأمور بمقاصدها وإنجازاتها، أعان الله تركيا، ووفق أردوغان".

وفي السياق نفسه، دافع القيادي الإخواني المقيم في تركيا، أحمد عبدالعزيز، والذي كان عضواً في فريق الرئاسي للرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، عن زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا، وعلّق قائلاً: "من جانبي، أحسن الظن بهذا الرجل، مثلما أحسن الظن بقيادة حماس، وأراه في وضع المضطر مثلها تماماً، فلا تثريب عليها، كذلك الحال بالنسبة لأردوغان، الذي ورث علاقة كاملة مع الكيان الصهيوني، بدأت منذ عام 1949"! وأضاف في مزايدة هزيلة، وازدواجية فجة: "المساواة بين المطبعين العرب وأردوغان؛ جهل أو غباء، أو كلاهما، فأردوغان ورث هذه العلاقة، ولم يسعَ إليها، ولم يُدشنها، ويتعاطى معها على مضض، لا يستويان"!

طالب القيادي الإخواني المقيم في ماليزيا إبراهيم الديب بضرورة تحكيم العقل لا العاطفة لتبرير الزيارة

وفي الوقت نفسه، تجاهلت الأذرع والأحزاب والتنظيمات الإخوانية في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وغيرها، التعليق على الزيارة، وما صاحبها من حفاوة مبالغة ومراسم احتفالية رسمية، بينما خرجت حركة حماس ببيان ضعيف جاء على استحياء، لم تذكر فيه تركيا أو رئيسها، قالت فيه "نتابع بقلق بالغ، زيارات مسؤولي إسرائيل وقادتها لعدد من الدول العربية والإسلامية، وآخرها زيارات هرتسوغ لعدد من دول المنطقة". وعليه فإنّ أقصى ردّ فعل لحماس؛ هو فقط الإعراب عن القلق!

الباحث المصري في الفكر السياسي، الدكتور سامح مهدي، علّق على ازدواجية الإخوان، كجزء من انتهازية الجماعة، مؤكداً، في حديثه لـ"حفريات"، أنّ الإخوان أنفسهم كيان تبريري وتلفيقي، وليس غريباً عليهم الكيل بأكثر من مكيال، في سبيل الحفاظ على تحالفات بعينها، وتحقيق مصالح ضيقة؛ لأنّها ببساطة جماعة لا تستند إلى مواقف أخلاقية حقيقية، متسائلاً: أين توكل كرمان؟ وأين محمود حسين وجبهته في إسطنبول؟

الباحث المصري في الفكر السياسي سامح مهدي: الإخوان أنفسهم كيان تبريري وتلفيقي وليس غريباً عليهم الكيل بأكثر من مكيال

وأشار الباحث المصري إلى التغريدة الغامضة التي خرج بها القيادي الإخواني، يوسف القرضاوي، الرئيس السابق لاتحاد علماء المسلمين، الذراع الديني للإخوان في قطر، والتي قال فيها: "دخلنا جُحر الغرب مرة؛ فلدغتنا عقرب الليبرالية، ثم دخلنا مرة أخرى؛ فلدغتنا أفعى الاشتراكية، ولو كنا مؤمنين حقًا ما لُدغنا من الجحر الواحد مرتين، لكن ضَعُف إيماننا، فتكرر لدغنا! وكأنما نريد أن نبقى الدهر، في جُحر العقارب والأفاعي". دون أن يشير إلى مغزى التغريدة، أو إلى تركيا ورئيسها، ما دفع كثيرين إلى سؤاله بشكل مباشر عن رأيه في هذه الزيارة، وتحت ضغط الحرج الشديد، خرج الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ببيان، وصفه مراقبون بالفاتر؛ حيث جاء في صورة نصح، بل وإشادة بمواقف الجمهورية التركية.

الإدانة بين الاستحياء والغضب المكتوم

بيان الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، اعتبر "هذه الزيارة، خطوة تطبيعية مرفوضة ومدانة"، وأنّها "تضر بنضالات الشعب الفلسطيني وبحقوقه، ولا تليق بشهامة الشعب التركي العظيم، والتزاماته الإسلامية والإنسانية، وبخاصّة مواقفه المشرفة في مناصرة القضية الفلسطينية". واستطرد البيان ليؤكد أنّ "المكانة الدولية للجمهورية التركية، ومكانتها في الأمة الإسلامية؛ تحتم عليها أن تقف أكثر فأكثر، بكل إمكاناتها، في وجه الاحتلال وقادته ورموزه".

اقرأ أيضاً: ما الجديد حول لقاء الرئيس الإسرائيلي أردوغان في أنقرة؟.. صحيفة عبرية تجيب

وفي الجزائر، وكعادته دائماً، استغل عبدالرزاق مقري، رئيس حركة مجتمع السلم الإخوانية، زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا، ليتحدث عن دوره إبان أحداث السفينة مرمرة، التي حاولت فك الحصار عن غزة، في العام 2010، مشيداً بالموقف التركي آنذاك، لكنه عبّر في الوقت نفسه عن رفضه للزيارة، لافتاً إلى أنّ الإعجاب بتجربة أردوغان، لا يجب أن يكون سبباً في الصمت تجاه ما حدث. حيث قال: "ليفرق هؤلاء الذين سُلبت عقولهم، بين إعجابنا بما أنجزه أردوغان على مستوى تنمية بلده، وإسعاد شعبه، وتحويل تركيا إلى قوة إقليمية ذات سيادة، تواجه الغرب والشرق بلا وجل، وبين موقفها المرفوض لدينا، بأشدّ أنواع الرفض، بخصوص سياستها التطبيعية". 

ونلاحظ وجود ارتباط ما بين إدانة تركيا فيما يتعلق بزيارة هرتسوغ، والإشادة بأردوغان وما حققه لبلاده، كمتلازمة إخوانية، تحاول الحفاظ على العلاقة مع أنقرة، وعدم التجاوز اللفظي، ويمكن ملاحظة الفارق بين تصريحات عبد الرزاق مقري، حول زيارة الرئيس الإسرائيلي لتركيا، وتصريحاته العنيفة تجاه الحكومة المغربية، إبان توقيع الاتفاق الثلاثي مع إسرائيل.

الباحث في العلوم السياسيّة عبد السلام القصاص: أصبح إخوان الأردن خارج المعادلة السياسية بعد فشلهم الذريع في الانتخابات الأخيرة

وفي الأردن، رفضت جبهة العمل الإسلامي، الذراع السياسية للإخوان المسلمين، التحول المباغت في العلاقات الإسرائيلية التركية، واستنكر أيمن أبو الرب، مسؤول الملف الإسلامي في الجبهة، فاعليات الزيارة والموكب المهيب الذي رافقها، " معتبراً أنّ "هذا الاستقبال، لا ينسجم مع مواقف الشعب التركي، الداعم لصمود الشعب الفلسطيني"، مطالباً الحكومة التركية بالتراجع حتى "تنسجم مع مواقف الشعب التركي، وشعوب الأمتين العربية والإسلامية التي ترى في الاحتلال؛ العدو الأول للأمة".

القيادي الإخواني أحمد عبدالعزيز عن أردوغان: أحسن الظن بهذا الرجل وأراه في وضع المضطر فلا تثريب عليه

الباحث المصري في العلوم السياسيّة، الدكتور عبد السلام القصاص، فسّر الموقف التصعيدي لإخوان الأردن، بأنّه نتيجة طبيعية لتراكم الغضب تجاه أردوغان، بعد أن دشن صفحة جديدة من العلاقات مع الإمارات، وهو ما يرفضه الإخوان في الأردن، وبالتالي جاءت الصدمة الجديدة، لتضفي المزيد من الغضب تجاه النظام التركي.

القصاص لفت، في حديثه لـ"حفريات"، إلى أنّ الجماعة تتطلع بقوة، لتصبح عمّان ملاذاً آمناً لإخوان تركيا، في ظل التضييق الذي يعاني منه التنظيم هناك، لكنه قلل من فرص حدوث ذلك، "حيث أصبح الإخوان خارج المعادلة السياسية بعد فشلهم الذريع في الانتخابات الأخيرة، وانتباه السلطات لخطط التمكين الذي تسعى الجماعة إلى تحقيقها في النقابات ومؤسسات الدولة".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية