زعيم أزوادي لـ "حفريات": حكومة مالي استعانت بقوات فاغنر لقتالنا

زعيم أزوادي لـ "حفريات": حكومة مالي استعانت بقوات فاغنر لقتالنا


16/02/2022

أجرى الحوار: حامد فتحي

قال الزعيم الأزوادي أبو بكر الصديق ولد الطالب؛ الأمين العام السابق للحركة الشعبية لإنقاذ أزواد لـ "حفريات" إنّ حكومة مالي استعانت بقوات فاغنر لقتالنا، وذلك في إطار الصراع بين الحكومة وشعب الأزواد الذي هو مزيج من المكوّنات العرقية الأربعة؛ الطوارق والعرب والفولان والسونغاي، ويعيش على 70% من أراضي دولة مالي اليوم.

وتواجه دولة مالي تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية كبيرة، وتعيش مرحلة انتقالية غير مقبولة من المجتمع الدولي والإقليمي، والذي يطالب بإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية في أقرب وقت من هذا العام، بينما يريد المجلس العسكري الحاكم، الذي عيّن رئيسه، العقيد أسيمي غويتا، رئيساً انتقالياً للبلاد، بعد الانقلاب على الرئيس الانتقالي السابق، باه نداو، ورئيس الوزراء مختار عوين، مدّ الفترة الانتقالية إلى خمسة أعوام.

هناك ثلاث حركات أزوادية، وهي التي حملت السلاح ضدّ حكومة مالي، هي: المجلس الأعلى لوحدة أزواد، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والحركة العربية الأزوادية جناح - (سيما)

وكان غويتا قاد الانقلاب على الرئيس الشرعي، إبراهيم أبو بكر كيتا، وحلّ الحكومة والبرلمان، وأقام سلطة انتقالية سرعان ما انقلب عليها، ليضع نفسه على رأس البلاد، ودخل غويتا في عداء مع تجمع دول غرب أفريقيا والمستعمر السابق وصاحب النفوذ القوي، فرنسا، وكذلك مع أوروبا وواشنطن، مقابل تقوية العلاقات مع روسيا والاستعانة بقوات شركة "فاجنر" كبديل عن القوات الغربية.

ورغم تعهّد الحكام العسكريين في مالي بالالتزام بتطبيق اتفاق الجزائر، الموقّع عام 2015، بين الحكومة والحركات الأزوادية المسلحة في شمال البلاد، والذي أنهي ثلاثة أعوام من الحرب الأهلية، إلا أنّ التعهد لم يتجاوز الكلام إلى الأفعال، وعلت مجدداً الأصوات الأزوادية المطالبة بالاستقلال التامّ عن مالي، عبر حقّ تقرير المصير.

وللوقوف على راهن القضية الأزوادية، حاورت "حفريات" أبو بكر الصديق ولد الطالب؛ الأمين العام السابق للحركة الشعبية لإنقاذ أزواد، والتي اندمجت مع المجلس الأعلى لوحدة أزواد، وبات نائب الرئيس للشؤون الخارجية، وهو الشخصية القيادية من المكوّن العربي.

هنا تفاصيل الحوار

هل تبلورت قضية شعب الأزواد منذ استقلال دولة مالي عن فرنسا؟

شعب الأزواد هو مزيج من المكوّنات العرقية الأربعة؛ الطوارق والعرب والفولان والسونغاي، ويعيش على 70% من أراضي دولة مالي اليوم، في مناطق شمال البلاد. وسبق لشعبنا أن طالب باستقلاله، وتكوين دولة خارج نطاق دولة السودان الفرنسي، التي تُعرف اليوم باسم مالي، في رسالة عام 1958 إلى رئيس فرنسا السابق، الجنرال شارل ديجول، لكن تمّ التحايل على المطالب من الحزب الأفريقي آنذاك، وفرضوا علينا أن نستقلّ كجزء مع دولة السودان الفرنسي، التي أصبحت تسمى مالي.

وكانت مبررات فرنسا الاستعمارية لعدم منحنا دولة مستقلة، هي أنّ الشعب الأزوادي غير ناضج، ونسبة الأمية مرتفعة جداً، وغير ذلك، لكن هناك أسباب أقوى، لم يذكرها المستعمر، هي أنّ شعبنا كان الأشد في مقاومتهم، وكبّدهم خسائر كبيرة إبان أعوام التحرر، ولهذا عاقبونا بضمّنا إلى دولة مالي، لنكون أقلية تعيش على مساحة كبيرة، تتعرض للتهميش من قبل الأغلبية التي تسكن جنوب مالي.

كيف كانت تجربة الأزواد ضمن دولة مالي؟

حاول شعب الأزواد التعايش مع الدولة الجديدة، لكنّه لم يجد منها ما يجعله ينتمي إليها، فكانت الانتفاضة الأزوادية الأولى عام 1963، والتي قمعتها حكومة مالي بقسوة. ووقعت الانتفاضة الثانية، في تسعينيات القرن الماضي، وعلى إثرها تم الإعلان عن الميثاق الوطني، عام 1994، وتبعت ذلك اتفاقيات بين الشعب الأزوادي وحكومات مالي المتعاقبة، دون تطبيق أيّ من ذلك، ولهذا كانت انتفاضة عام 2012 المسلحة، والتي حققت فيها الحركات الأزوادية نصراً كبيراً على الجيش المالي، وتبعها وقف إطلاق النار، في 2014، ثم اتفاق الجزائر، عام 2015، وللأسف، أصبح مصيره مثل كلّ اتفاق سابق.

لماذا تعاديكم الحكومات المالية؟

الدولة المالية، باختصار، تعدّنا أقلية من إثنيات تختلف عن الأغلبية الجنوبية، خصوصاً العرب والطوارق، والشعب المالي من غالبية قبائل البامبارا والسوننكي، والبامبارا هي التي حكمت البلاد ولا ترضى بتقاسم الحكم، وأخفقت لأنّها لم ترغب في حياة كريمة للأزواد؛ لهذا همّشونا.

واليوم، واقعنا مأساوي، وحتى مدينة تمبكتو التي كانت عاصمة الثقافة في غرب أفريقيا، وكانت فيها أول جامعة عربية في المنطقة، كان فيها 25 ألف طالب، لا يربطها بالعاصمة باماكو طريق ممهّد.

واليوم، نتيجة عقود التهميش، صار كثيرون من شعبنا لاجئين في الجزائر والنيجر وموريتانيا وبوركينا فاسو.

ما هي مطالب شعب الأزواد؟

المطالب بسيطة، هي مطالب جميع الشعوب الحرة؛ حقّ تقرير المصير، وحقّ العيش بكرامة، ولا نطمح إلى تولي الحكم في مالي، ولا مناصب وزارية، ما نطمح إليه هو حق تقرير المصير؛ إما بفيدرالية، أو حكم ذاتي، أو بالانفصال.

وهذه المطالب تنازلنا عنها في اتفاق الجزائر، بضغط دولة الجزائر، وقبلنا من أجل الحلّ، وأتاح الاتفاق لنا حكماً شبه ذاتي، ولكن لم يتحقق حتى الآن على الأرض.

هل كان تطبيق اتفاق الجزائر كفيلاً بحلّ أزمة شعب الأزواد؟

بالفعل، كان سيحل المشكلة لأنّه يضمن للشعب الأزوادي شبه حكم ذاتي، وهو الحكم الجهوي المستقل في بعض نواحي الإدارة. ولو طُبق الاتفاق، رغم أنّنا تنازلنا عن مطالبنا الرئيسة في الاستقلال، لكان وضعنا الآن أفضل، لكنّ الواقع المأساوي ما يزال مصير شعبنا.

أبو بكر الصديق ولد الطالب: نحن حركات تحررية تدافع عن حقّ شعبها، وداعش، عكسنا، يحملون أيديولوجية دينية، ويريدون إقامة حكم إسلامي، وفق تصوّرهم، ويعادون القومية الأزوادية

ونحن، كشعب الأزواد، تعرضنا للتهميش والاضطهاد من حكومات مالي المتتالية؛ فلا توجد أوراق ثبوتية لشعبنا، ولا خدمات عامة من تعليم وصحة ومرافق ومياه شرب، ولا توجد بنية تحتية في مناطقنا.

عندما انقلب العسكريون على الرئيس كيتا، في 2020، ألم يتغير هذا التجاهل لتطبيق اتفاق الجزائر؟

لا، منذ توقيع الاتفاق، في 2015، وحتى اليوم، لم يطبَّق أيّ بند من بنوده، وما طُبق هو اتفاق وقف إطلاق النار، ومع انقلاب العسكريين لم يتغير شيء جوهري.

وما حدث أنّ الحكومة الانتقالية التي عينها العسكريون أرادتنا شركاء في الحكومة، ونحن رحبنا، وحصلنا على 5 مناصب وزارية؛ ثلاثة للمجموعات المنتمية إلى تنسيقية الحركات الأزوادية، ومنصبان لمجموعات بلاتفورم التي تؤيد الحكومة المالية، وحصلنا على أربعة مقاعد في البرلمان الانتقالي، لكن لم يتعدّ ذلك سوى الشراكة على الورق، فلم تهتم الحكومة الانتقالية والمجلس العسكري بما يجمعنا، وهو اتفاق الجزائر.

وللأسف، شعب الجنوب في مالي، الذي يحكم البلاد، يعامل شعبنا في الشمال بعنصرية مقيتة، ولا يريدون لنا أن نشارك في السلطة أو نعيش بكرامة في أرضنا.

 

لماذا لم تطبق حكومات مالي اتفاق الجزائر رغم تنازلكم الكبير؟

 لا توجد إرادة من الحكومات المالية لتطبيق الاتفاق، أو الاتفاقات التي سبقته، والتي وُقّعت كلّها في الجزائر، ومنها اتفاق التسعينيات والميثاق الوطني المالي واتفاق الجزائر 2006، ولكن الأزمنة اختلفت؛ والعالم اليوم أشبه ببيت واحد، وصارت لدينا وسائل الاتصال والإمكانيات، ولم يعد بإمكان الحكومة المالية أن تضطهدنا أو تنفينا وتشردنا، لأنّنا لدينا الآن قدرة الدفاع عن أنفسنا.

ورغم ذلك، فنحن ما نزال متمسكين باتفاق الجزائر لعام 2015، ونترقب خطوات حكومة مالي الانتقالية.

هناك العديد من الحركات الأزوادية، حدّثنا عن أهمّها

هناك ثلاث حركات أزوادية، وهي التي حملت السلاح ضدّ حكومة مالي، هي: المجلس الأعلى لوحدة أزواد، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والحركة العربية الأزوادية جناح - (سيما).

وهناك حركات داعمة للحكومة المالية، وتسمى حركات بلاتفورم، ومنها حركة الدفاع الذاتي للإمغاد وحلفائهم، والحركة العربية الأزوادية، جناح الأستاذ أحمد ولد سيد محمد، وحركة الدفاع الذاتي للسونغي.

وتأسّست تنسيقية الحركات الأزوادية عام 2013، وتضمّ: المجلس الأعلى لوحدة أزواد، والحركة الوطنية لتحرير أزواد، والحركة العربية الأزوادية جناح سيما، وهي من وقّعت اتفاق الجزائر إلى جانب حركات البلاتفورم مع الحكومة المالية.

إضافة إلى ذلك، انشقّت حركات غير أساسية من الحركة الوطنية لتحرير أزواد، وبعض مجموعات من الدفاع الذاتي للسونغي، ومجموعات أخرى، وكوّنت تنسيقية الحركات الشمولية، وهذه المجموعة الأخيرة لم توقّع اتفاق الجزائر، لكنّها دمجت مقاتليها في الجيش المالي، وصارت جزءاً من الاتفاق.

ما هو موقف الساسة في المعارضة في جنوب مالي والعاصمة من قضية شعب الأزواد؟

الساسة في الجنوب، للأسف الشديد، هم ساسة من نوع خاص، لقد تفاوضنا مع الحكومة المركزية، في 2014، وطيلة تسعة أشهر من التفاوض لم نسمع أيّ صوت مناهض للاتفاقية في الجنوب، وتم الاتفاق والتوقيع.

وقتها كانت الأصوات المعارضة أقلية؛ لأنّ الشعب المالي كان ممثلاً من الرئيس المنتخب كيتا، وهو الذي فاوض ووقع الاتفاق.

واليوم، الأصوات المعارضة ترتفع؛ لأنّ شعب الجنوب بغالبيته لا يريد وجوداً لشعب الشمال، ويكرهه بشدة. والاتفاقية فرضت عليهم لما حملنا السلاح، ولم تكن لديهم نية لولا السلاح للتفاوض. واليوم أيضاً، كلّ من يريد كسب أصوات الجنوب يجاهر ضدّ الاتفاقية، لكن ليس هناك حلّ إلا الاتفاقية، وإذا ذهبنا إلى الحرب سنهزمهم مرةً أخرى.

هناك أنباء وتأكيدات غربية تحدثت عن استعانة الحكام العسكريين لمالي بمجموعات من شركة "فاجنر" الروسية العسكرية؛ فهل تتوقعون أن تشارك فاجنر مع الجيش المالي في قتالكم؟

احتمال وارد جداً، ونحن نتوقع أن يتم الهجوم علينا من طرف الجيش المالي، بمساعدة فاجنر؛ لأنّ مالي حين استعانت بالفرنسيين، عام 2013، كانوا يريدون أن يقضي الجيش الفرنسي علينا، ووقعت انتهاكات كبيرة بحقّنا، ولكن عجزت قوات فرنسا عن القضاء علينا، ولهذا استقدمت حكومة مالي الانتقالية قوات فاجنر، وتريد منها أداء هذه المهمة.

ولا تنسَ أنّ العسكريين الحاكمين للبلد قاتلوا من قبل في الشمال ضدّنا، ولديهم النية للقضاء علينا، سواء حدث ذلك خلال عام أو بعد ذلك.

ما هو الوضع الحالي في منطقة الأزواد من حيث الانتشار العسكري للأزواد والجيش المالي والفرنسيين؟

ليس هناك جديد منذ عام 2014، الذي شهد توقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الجزائر، والذي حدّد أماكن الانتشار للحركات الأزوادية والجيش المالي، ومنذ ذلك والانتشار ثابت.

وبالنسبة إلى الفرنسيين فهم ينسحبون الآن من مناطق وجودهم، وقوات فاجنر بدأت في الانتشار برفقة الجيش المالي، وكلّ طرف يقويّ وجوده العسكري، وقوات الأمم المتحدة تتواجد داخل المدن فقط.

نشطت حركات إسلامية متطرفة في مناطق وسط وشمال مالي، وظهر بعد ذلك تنظيم داعش في المنطقة؛ فكيف هي العلاقة معهم؟

ليست هناك أيّة علاقة بين الحركات الجهادية والحركات الأزوادية، وليس هناك أيّ ترابط ولا اتفاقيات، ونحن حركات تحررية تدافع عن حقّ شعبها، وهم، عكسنا، يحملون أيديولوجية دينية، ويريدون إقامة حكم إسلامي، وفق تصوّرهم، ويعادون القومية الأزوادية.

ووقعت صدامات مسلحة بين الحركات الأزوادية والحركات الجهادية، عام 2012، وأحياناً تحدث هدنة؛ لأنّ هدفنا الذي نتشاركه هو إحراز مزيد من السيطرة على الأراضي التي يتمركز فيها الجيش المالي، لكننا متأكّدون أنّ الصدام سيقع بيننا لا محالة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية