سعودية جديدة.. المملكة تعيد صياغة تموضعها الدولي والإقليمي

سعودية جديدة.. المملكة تعيد صياغة تموضعها الدولي والإقليمي


15/03/2022

لعلّ أهم ما تضمّنته المقابلة المطولة التي أجرتها مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية مع ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، أنها تؤكد في مخرجاتها الكلية أننا أمام سعودية جديدة، عناوينها التغيير الشامل وكسر الصور النمطية التي تشكلت عبر عقود مضت عن السعودية فيما يتعلق في "بنية" الحكم والمجتمع السعودي، وعلاقات المملكة مع محيطها الإقليمي وعلاقاتها الدولية، وموقعها في ظل تشابك وتعقيد العلاقات الإقليمية والدولية.

المقابلة شملت "72" سؤالاً حول الأوضاع الداخلية في السعودية، بما فيها علاقاتها بمرجعياتها الدينية، وعلاقتها بالتطرف والإرهاب، واتجاهات التحديث والتطوير في الدولة السعودية الجديدة ضمن الخطة الشاملة المعروفة بـ" رؤية السعودية 2030"، وتحولات العلاقات الإقليمية والدولية للسعودية، وتطلعات ولي العهد لأن تكون السعودية دولة إقليمية لها موقعها الدولي الذي يتناسب مع هذا الموقع سياسياً واقتصادياً، حيث أجاب بن سلمان على كافة الأسئلة، بما يوضح تلك الاتجاهات الجديدة.

وإذا كان ما يتعلق باتجاهات السياسات الداخلية والتغيير الداخلي في المملكة قد وردت في مقابلات سابقة لولي العهد السعودي مع المجلة الأمريكية المذكورة وغيرها من مواقع إعلامية دولية ذات شهرة كبيرة، فإنّ الجديد في هذه المقابلة كان الأبعاد الإقليمية ومواقف السعودية منها والتي عبّر عنها ولي العهد في إجاباته تجاه 3 ملفات هي؛ علاقات السعودية مع كل من: أمريكا وإسرائيل وإيران.

 الجديد في هذه المقابلة كان الأبعاد الإقليمية ومواقف السعودية منها والتي عبر عنها ولي العهد في إجاباته تجاه 3 ملفات هي؛ علاقات السعودية مع كل من: أمريكا وإسرائيل وإيران

ورغم العلاقة الاستراتيجية بين المملكة وأمريكا، والتي تمتد عبر عقود طويلة إلا أنّ تصريحات ولي العهد السعودي كشفت عن تغير في هذه العلاقة، ويعتقد على نطاق واسع أنّ لدى السعودية تحفظات على الإدارة الحالية وتعاملها مع عدد من الملفات التي تعني السعودية ومن بينها: إصرار أمريكا على إنجاز اتفاق نووي مع إيران دون الاهتمام بمطالب السعودية، وقيام الإدارة الحالية برفع الحوثي عن قائمة الإرهاب، بالتزامن مع رفض أمريكي لبيع أسلحة تحتاجها السعودية، وشن حملات إعلامية ضد السعودية عبر الصحافة الأمريكية المقربة من الحزب الديمقراطي.

اقرأ أيضاً: السعودية تقر نظاماً جديداً للأحوال الشخصية.. هذه أبرز مضامينه

ولعل من أبرز المؤشرات على "برود" العلاقة بين الرياض وواشنطن، الموقف السعودي تجاه "الغزو" الروسي لأوكرانيا، وهو الموقف الذي اتخذته كثير من الدول الإقليمية التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع طرفي الأزمة "روسيا وأوكرانيا"، إذ تدعو المملكة الجانبين للتفاوض والوصول إلى حلول سلمية خلافاً لرغبة الإدارة الأمريكية، غير أنّ الأهم على هامش هذه الأزمة هو رفض السعودية زيادة إنتاجها من النفط، تنفيذاً لرغبة أمريكية هدفها محاصرة روسيا وفرض عقوبات على نفطها، وهو ما أدى لارتفاعات في أسعار النفط في أمريكا وأوروبا.

لقد عبرت إجابات ولي العهد السعودي عن مقاربات في العلاقة السعودية الأمريكية وفقاً لمرجعيات تؤكد على: أنّ السعودية لا تبني علاقاتها مع أمريكا على أساس الأشخاص والإدارة، بل المصالح المشتركة بين الطرفين، وأنّ لدى السعودية بحكم قدراتها الاقتصادية الضخمة خيارات عديدة من بينها التوجه إلى الشرق في إشارة إلى الصين التي تبذل جهوداً لإقناع السعودية بفتح آفاق للتعاون الاقتصادي معها.

يبدو أنّ إشارة ولي العهد إلى كون إسرائيل حليفاً محتملاً، مرتبط بالموقف من إيران وسياساتها في المنطقة، بما في ذلك الموقف من الاتفاق النووي

وبالرغم من محاولات تحميل المقابلة أكثر مما تحتمل، بما فيها تسريبات أمريكية لاحقة تشير إلى رفض ولي العهد السعودي ومعه ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد، الرد على اتصالات الرئيس الأمريكي، إلا أنّ المرجح أنّ بين دول الخليج وأمريكا التزاماً عميقاً بالعلاقة الاستراتيجية، رغم ظهور بعض الخلافات في العديد من الملفات الإقليمية والدولية، ومرجعياتها الأمريكية ذات الارتباط بتصورات سابقة لا تأخذ بعين الاعتبار التغيرات العميقة في السعودية والخليج.

اقرأ أيضاً: مجلس الأمن يبحث إرهاب الحوثيين ضد السعودية والإمارات

أما على صعيد العلاقات السعودية – الإسرائيلية، فقد قدم بن سلمان موقفاً غير مسبوق في الوضوح بالدبلوماسية السعودية حينما قال "لا ننظر إلى إسرائيل كعدو، بل ننظر إليهم كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها معاً، لكن هناك بعض القضايا لا بد من حلها قبل الوصول إلى ذلك"، ويبدو أنّ الإشارة إلى كون إسرائيل حليفاً محتملاً، مرتبط بالموقف من إيران وسياساتها في المنطقة، بما في ذلك الموقف من الاتفاق النووي، لا سيما وأنّ المخاوف من شمول الاتفاق الجديد متطلبات سعودية تلتقي مع مطالب إسرائيلية فيما يتعلق بالأمن الوطني للطرفين.

وفي لغة تؤكد فهماً عميقاً لأهمية العلاقة بين السعودية وإيران، ودون الخوض في الخلافات المذهبية بين الرياض وطهران، جاءت مقاربات ولي العهد السعودي مؤكدة على قناعات سعودية بأهمية إنجاز مصالحة جادة مع إيران لعدم قدرة الطرفين على إلغاء بعضهما البعض، وضرورة البناء على المصالح المشتركة بين الطرفين، فكانت مفردات "التعايش، المستقبل المشرق، التعاون الثنائي" حاضرة ومتكررة في لغة ولي العهد.

إنّ الأبعاد الإقليمية في المقابلة والمرتبطة باتجاهات السياسة الدولية والإقليمية للمملكة العربية السعودية تؤكد مجدداً أننا أمام سعودية جديدة، لم تعد أسيرة لتحالفات تاريخية 

وفي الخلاصة، فإنّ الأبعاد الإقليمية في المقابلة والمرتبطة باتجاهات السياسة الدولية والإقليمية للمملكة العربية السعودية تؤكد مجدداً أننا أمام سعودية جديدة، لم تعد أسيرة لتحالفات تاريخية مع الغرب أو الشرق، بل دولة تسعى إلى بناء شراكات استراتيجية تخدم مصالحها، وتنسجم مع التحولات الداخلية العميقة التي عبر عنها ولي العهد تجاه المرجعيات الدينية والقبلية للمملكة وشكل ومضمون الحكم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية