سفير أوكراني لـ "حفريات": بوتين يعيش واقعاً منسوجاً من الخيال

سفير أوكراني لـ "حفريات": بوتين يعيش واقعاً منسوجاً من الخيال


03/03/2022

أجرى الحوار: حامد فتحي

يرى مراقبون للحرب الروسية على أوكرانيا أنّ حسابات موسكو لم تصدق كما توقعتها؛ فالمقاومة والصمود الأوكراني، سواء شعبياً أو رسمياً، بدّلا العديد من هذه الحسابات، فلم تسقط أوكرانيا سريعاً، ولم يستسلم الجيش، أو ينقلب على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، بل أثبت الأخير صموداً غير متوقعٍ، وبات كبطل يقود شعبه في مواجهة غزو أجنبي.

في مقابل ذلك هناك الرواية الروسية، والتي تكتسب بعض المصداقية فيما يتعلق بخطر التمدد العسكري للناتو شرقاً، وهو أمر يتحمله الغرب الذي لم يراعِ مخاوف موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991، ومع ذلك من غير المقبول أن تتحمّل الشعوب ضريبة الصراع الغربي مع روسيا.

ومن مدينة كييف، تحدثت "حفريات" مع السفير الأوكراني السابق، أولكسندر شيربا، الذي عمل سفيراً لبلاده في النمسا بين عامي (2014 - 2021)، وله خبرة في العمل الدبلوماسي الأوكراني تمتد إلى 26 عاماً، حيث شدد بأنّ على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقف إهانتنا بشروطه إذا أراد التفاوض.

هنا نصّ الحوار:

ما هي أهداف روسيا من الحرب على أوكرانيا؟

يهدف الرئيس الروسي بوتين إلى استعادة الاتحاد السوفييتي من خلال غزو أوكرانيا، وذلك بعد أن ضمن نفوذه وسيطرته على بيلاروسيا. ويعتقد بوتين أنّ شعوب الدول الثلاث شعب واحد، ويجب أن يعيشوا تحت حكمه، لكنّ الشعب الأوكراني، سواء مَن يتحدّثون الأوكرانية أو الروسية، يرفضون الغزو الروسي والوجود في دولة واحدة مع روسيا، لكنّ بوتين لا يهتم بذلك، فهو يعيش في واقع منسوج من خيالاته.

مع انطلاق العملية العسكرية الروسية ضدّ أوكرانيا، تقول موسكو إنّها لا تستهدف المدن والمدنيين، فما مدى صحة ذلك؟

موسكو تكذب، فالجيش الروسي يقصف المناطق السكنية، وبالأمس فقط قصف مدينة خاركيف، ورأينا أطفالاً ونساءً قتلى.

يهدف الرئيس الروسي بوتين إلى استعادة الاتحاد السوفييتي من خلال غزو أوكرانيا

الادّعاء الروسي غير قابل للتصديق، ولا أحد من الشعب الأوكراني والعالم يصدّقه، لكنّها أكاذيب من أجل الشعب الروسي، حتى يستيقظوا من دون تأنيب ضمير جراء العدوان على أوكرانيا، ويشعروا بالفخر من عودة روسيا مرة أخرى كإمبراطورية يخشاها الجميع.

وهذه الأكاذيب تهدف إلى السمو بروسيا في أعين مواطنيها عن ارتكاب الجرائم، وفي الوقت نفسه توصم خصومهم بارتكابها.

هل كان التخطيط العسكري الروسي للحرب يظنّ أنّ الشعب الأوكراني سيستسلم سريعاً؟

هذا صحيح، لكن ما حدث أنّ الجميع في أوكرانيا يقاومون الغزو الروسي، سواء من العسكريين أو المدنيين، وستظلّ المقاومة طالما كان ذلك ضرورياً.

تردّد موسكو دائماً أنّ هناك خطراً محدقاً بالمواطنين الأوكرانيين الناطقين باللغة الروسية من خصومهم القوميين الأوكرانيين، فما مدى صحة ذلك؟

إذا كنت تريد تبرير جرائم قتل مئات الآلاف من الناس، فأنت تحتاج إلى مبرر لذلك، ولهذا كانت كذبة بوتين بأنّ الناطقين بالروسية من المواطنين الأوكرانيين يتعرضون للإبادة على يد القوميين. لكنّ هذا كذب، فأنا من الناطقين بالروسية، والملايين من الناطقين بالروسية يرفضون الغزو الروسي، وهناك مئات الصور والفيديوهات عبر الإنترنت لمواطنين يتصدّون بأجسادهم للدبابات الروسية، وهؤلاء من الناطقين بالروسية.

هل ارتكب الساسة الأوكرانيون أخطاء تجاه الأمن الروسي أدّت إلى الحرب؟

الجميع ارتكب أخطاء، لكنّ سبب غزو بوتين لبلدنا هو أنّه إمبريالي، ولا يوجد تفسير آخر، ولم تجلب أوكرانيا الحرب على نفسها، فنحن لم نستفز موسكو، ولم نفعل أياً من الأشياء التي يدعيها بوتين.

للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر نشهد حرباً مماثلة ضد بلد ديمقراطي وكأنّ روسيا هي ألمانيا، وبوتين هو هتلر، وأوكرانيا هي بولندا

للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي أشعلها هتلر نشهد حرباً مماثلة على بلد يريد العيش في ظلّ نظام ديمقراطيّ حرّ، وكأنّ روسيا هي ألمانيا، وبوتين هو هتلر، وأوكرانيا هي بولندا، لكن مع اختلاف أنّ أوكرانيا تتصدى للغزو، وستظل كذلك حتى النصر.

لماذا تعيش روسيا في خوف من جيرانها؟ ولماذا تخاف دول جوار روسيا منها؟ وهل هناك إمكانية للتعايش بسلام بين هذه الدول وروسيا؟

تخاف دول جوار روسيا منها لأنّها دولة خطيرة، وهو ما نشهده الآن من عدوانها على أوكرانيا، ولا تعيش روسيا في خوف من جيرانها، ولديها جشع تجاه الشعور بالعظمة، وبأنّها إمبراطورية، وربما ذلك بسبب الأراضي الشاسعة التي تتشكل منها دولة روسيا، ولهذا يريدون الشعور بالضخامة في كلّ شيء، وهذا غير ممكن.

ولهذا يقيمون عظمتهم بالآخرين، ويبنونها على إحساسهم بكراهية الآخر لهم، وهو أمر مؤسف لأنّ هذا التوجه وما نتج عنه من حرب على بلادنا أدى إلى عقوبات غربية، تأخذ الاقتصاد الروسي إلى الهاوية.

تخاف دول جوار روسيا منها لأنّها دولة خطيرة

وهذه الرؤية البوتينية للعظمة جعلت روسيا تسدّ أمام نفسها كلّ جميع النوافذ لتكون جزءاً من العالم المتحضر، والحرب الجارية لن تكون كارثةً على أوكرانيا وأوروبا فقط؛ بل على روسيا، والأخيرة لا تريد فهم ذلك، وكذلك بوتين، وهي الحقيقة الواضحة التي ينكرونها، ولا يريدون قبولها، كما كان حال اليهود في ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، حين كانوا يتغاضون عن الكارثة القادمة، وكانت آثارها واضحة باختفاء جيرانهم من اليهود تباعاً.

والشعب الروسي يعيش في كذبة كبيرة، ولن يفيق منها إلا بحدث ضخم، وربما يكون موت الرئيس بوتين، وأمل في أن يصمد الشعب الأوكراني خلال هذه المحنة.

كيف تنظر إلى ردّ فعل الناتو على الاجتياح الروسي لأوكرانيا؟ وهل تغيّر ردّ الفعل خلال الأيام الأخيرة؟

ردّ فعل الناتو والكثير جداً من دول وشعوب العالم يغمرنا بالعرفان، ونحن شاكرون لكلّ شخص لم يظلّ صامتاً، والناس من دول العالم تتبرع بالأموال إلى البنك المركزي الأوكراني لدعم صمود شعبنا.

هدف الروس المقبل هو اقتحام مدينة كييف، لأنّه بدونها لن يتحكموا في أوكرانيا، ولن يحققوا أهدافهم، وسنشهد قصفاً مكثفاً على العاصمة الفترة المقبلة

ونحن نشعر بأنّ الشجاعة الأوكرانية أيقظت الضمير العالمي، وهو شعور جيد ألا نكون وحدنا في هذه المعركة الوجودية.

ما هي توقعاتك للمفاوضات التي بدأت بين روسيا وأوكرانيا في بيلاروسيا؟

ليس لدي توقعات عالية تجاه المفاوضات؛ فكلّ شرط وضعه بوتين غير مقبول من أوكرانيا، مثل تنحي الرئيس الأوكراني زيلينسكي الذي بات يتمتع بشعبية كبيرة جداً ليس في أوكرانيا بل في جميع العالم، وكذلك مطلبه بمنحه الحقّ في القضاء على أي شخص في أوكرانيا لا يراه على حقّ، وهم من يدعوهم بالنازيين.

وكذلك تريد موسكو نزع سلاح دولتنا، وإذا كان بوتين صادقاً في دعوته إلى التفاوض فعليه أولاً وقف إهانتنا بمثل هذه الشروط.

بعد العقوبات الغربية غير المسبوقة ضدّ موسكو، والرأي العام العالمي الرسمي والشعبي الرافض لغزوها لأوكرانيا، ما هي المكانة التي ستكون عليها روسيا في العالم؟

ستكون روسيا أكبر دولة مقبورة في التاريخ الإنساني، لكنّ الروس لا يمانعون ذلك حتى الآن، وطالما كانوا راغبين في العودة إلى حكم القياصرة، لكن في ظلّ هذه الظروف لن يصمد تفاؤلهم كثيراً، لأنّهم على خطأ، وقريباً أو لاحقاً يجب أنّ يدركوا ذلك.

روسيا اليوم أضعف من الاتحاد السوفييتي، ورغم أنّ لديهم بعض المقومات المالية إلا أنّها تُستنفذ سريعاً، وعندما يعودون إلى عهد الأرفف الفارغة في المحلات كما كان الحال في العهد السوفييتي سيدركون خطأ ما فعلوه بحق أوكرانيا وروسيا.

ما هي خطوات موسكو العسكرية القادمة في أوكرانيا؟

هدف الروس المقبل هو اقتحام مدينة كييف، لأنّه بدونها لن يتحكموا في أوكرانيا، ولن يحققوا أهدافهم، وسنشهد قصفاً مكثفاً على العاصمة الفترة المقبلة، ومع ذلك لن يدخلوها، فجميع سكانها على أهبة الاستعداد للدفاع عن حريتنا.

تقدمت أوكرانيا بطلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فهل سيقبل الاتحاد طلبها، أو حتى يُسرّع في استجابته لمتطلبات الانضمام؟

حقيقة لا أعلم، فقبل أسبوع لم يكن هذا ممكناً، واليوم هناك أحاديث وآمال حول ذلك، لكن يبقى التنفيذ غير معلوم، فهناك متطلبات لقبول عضوية أوكرانيا، وربما يكون هناك تساهل وضغط للوقت والإجراءات من قبل الاتحاد الأوروبي، ولكن كل ذلك غير معلومٍ.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية