سيدات في الحجر الصحي بغزة: غياب الخصوصية وانعدام النظافة

كورونا

سيدات في الحجر الصحي بغزة: غياب الخصوصية وانعدام النظافة


05/04/2020

تغريد علي

في مدرسة المأمونية، وسط مدينة غزة، والتي بدت الأجواء فيها مختلفة عن وضعها الاعتيادي، بعد أن تبدّل الأساتذة والطلبة بأطباء ومحجورين، تجلس المواطنة خلود الصفطاوي على فرشة بالية في أحد صفوف المدرسة التي تعجّ بالكتب والكراسات، والتي تناثرت في جميع أركان الغرفة، بعد عودتها من جمهورية مصر العربية منذ عدة أيام، بعد تلقّي العلاج في أحد مستشفياتها، لمعاناتها من مرض مزمن في الكلى منذ عدة أعوام.

اقرأ أيضاً: ما قصة استيلاء تركيا على طائرة معدات طبية إسبانية لمواجهة كورونا؟

وتضيف الصفطاوي (٤٧ عاماً)، في حديثها لـ "حفريات": "فور وصولي إلى صالة المسافرين الفلسطينية في معبر رفح البري، وضعتُ من قبل مجموعة من الشرطة التابعة لحركة حماس بغزة، برفقة مئات المسافرين، في حافلة لا تتسع سوى لـ 50 مقعداً فقط، بشكل مكتظ، ودون مراعاة لأية إجراءات احترازية خوفاً من إصابتهم بفيروس كورونا، والذي من المحتمل أن يكون أحد العائدين من الذين كانوا يستقلون الحافلة مصاباً به".

يوضع كلّ المسافرين الوافدين إلى قطاع غزة في الحجر الإلزامي لمدة 14 يوماً

وبحسب الناطق باسم وزارة الصحة بغزة، أشرف القدرة؛ يوضع كلّ المسافرين الوافدين إلى قطاع غزة في الحجر الإلزامي لمدة 14 يوماً، كإجراء وقائي، مضيفاً: "١٦٨ فلسطينياً يمكثون داخل مراكز الحجر الصحي في قطاع غزة".

واتخذت الحكومة المُقالة قراراً بتحويل بعض المدارس إلى مراكز للحجر الصحي، يوضع فيها الأشخاص المشتبه بإصابتهم بفيروس كورونا، أو المسافرون الذين وصلوا إلى القطاع من جميع بلدان العالم.

اقرأ أيضاً: كورونا يفتح نافذة على تاريخ الحجر الصحي في وجه الأوبئة

ودعت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان إلى نقل الأشخاص المطبق عليهم قرار الحجر الصحي في قطاع غزة، إلى أماكن مجهزة بما يتناسب مع المعايير التي أقرتها منظمة الصحة العالمية بهذا الشأن، وذلك لتحقيق الهدف المرجو من الحجر الصحي، مبينة أنّه؛ وفقاً لرصدها ومتابعاتها تنفيذ وزارة الصحة قرار الحجر الصحي الإلزامي للعائدين على معبر رفح البري، تبين عدم جاهزية اللجنة الحكومية ووزارة الصحة لاستقبال الأشخاص المطبق عليهم الحجر الصحي.

لا مراعاة لخصوصية النساء

وتابعت الصفطاوي: "عند وصولنا لمدرسة المأمونية وضعنا في غرفة تتسع لـ ١١ شخصاً، وهي تخالف إجراءات العزل التي تدعي وزارة الصحة بغزة اتخاذها، ولا تراعي خصوصية الأشخاص، خاصة النساء منهم، مبينة أنّه "لا يوجد عازل بين الفراش"، ومؤكدة "عدم وجود مرافق صحية بداخل الغرفة، ولا أماكن للاستحمام أو حتى لتبديل الملابس".

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: كيف أظهر الوباء السمات الثقافية للشعوب؟

وبينت أن "أماكن الحجز تفتقر للمنظفات والمواد المعقمة والكمامات الطبية، وكذلك غياب المتابعة الطبية؛ حيث لم يأتِ الطبيب إليهن في مكان الحجر خلال الأيام الثمانية، سوى مرة واحدة، وذلك لفحص درجة حرارة النساء في الغرفة، دون السؤال عن أية تغييرات مفاجئة أو طارئة قد حدثت لهن، إضافة لقلة وجبات الطعام والشراب المقدمة للمحجوزين".

أماكن الحجر تفتقر للمنظفات والمواد المعقمة والكمامات الطبية

ازدحام مركز الحجر بالرجال

خلود ليست الوحيدة التي تعاني من عدم الخصوصية في مراكز الحجر الصحي؛ حيث اشتكت السيدة رؤية أحمد (34 عاماً)، والتي تمكث في أحد مراكز الحجر الصحي في مدرسة الصفوة، شرق خانيونس جنوب قطاع غزة، في حديثها لـ "حفريات"، من أنّ "مركز الحجر يفتقر لاحترام خصوصية النساء، فأنا لا أستطيع التحرك كبقية النساء في المدرسة بحرية، لاكتظاظ المكان بالرجال والشباب، وهو شعور محرج، خاصة عند الذهاب إلى المرحاض".

سيدة في مركز حجر لـ"حفريات": المكان يختلط بالرجال والنساء والأطفال، وهو غير صالح للمكوث به خلال هذه الفترة

وأوضحت أحمد، القادمة من ولاية بومرداس الجزائرية بعد زيارة عائلتها؛ أنّ المكان غير مهيأ للاستحمام أو المكوث بداخله، مشيرة أنّها منذ حجرها في المدرسة منذ 5 أيام، لم تستحم على الإطلاق، وهي تلازم غرفتها وتنحصر تحركاتها في الحالات الضرورية فقط، مرتدية الحجاب طوال الوقت، لانعدام الخصوصية في المكان، وخوفاً من انتقال العدوى بالفيروس إليها، في ظلّ عدم وجود المطهرات والمعقمات، وازدحام المدرسة بالأشخاص المحجورين والقادمين للقطاع من عدة دول عربية وأوروبية".

ورأت أحمد أنّه "مجرد اكتظاظ مركز الحجر بالوافدين، دون عزلهم عن بعضهم، كفيل بنقل عدوى أيّ مرض، وليس فيروس كورونا فقط للأشخاص، في ظل انعدام النظافة، وقلة المتابعة الطبية للمحجورين، حتى عند وصولنا معبر رفح لم يتم فحصنا والنساء اللواتي حضرن معي، وفق الإجراءات المتعارف عليها عند استقبال المسافرين القادمين من الخارج".

أوضاع معيشية صعبة

أما السيدة أمينة السلوت، فقدمت برفقة اثنين من أطفالها من المملكة العربية السعودية والمحجورة في مدرسة مرمرة شرق مدينة رفح فتقول، والألم والحسرة يصدحان من فمها: "الأوضاع يرثى لها بداخل المدرسة، فعند وصولي تم تسليمي وسادتين وفرشتين فقط، للجلوس عليها برفقة أطفالي في فترة الحجر المفروضة علينا لمدة 14 يوماً".

النساء من أكثر المتضررين بمراكز الحجر الصحي لعدم احترام خصوصيتهن الاجتماعية

وأضافت السلوت (36 عاماً)، أثناء حديثها لـ "حفريات": "المكان يختلط بالرجال والنساء والأطفال، وهو غير صالح للمكوث به خلال هذه الفترة، لانعدام النظافة بداخل الغرفة، نظراً لوجود بقايا الكراريس والطباشير فيها، وكذلك عدم وجود المعقمات كالصابون لغسيل الأيدي، والكلور لتنظيف الأرضيات من الجراثيم".

اقرأ أيضاً: فيروس كورونا: كيف سيتأثر شهر رمضان بهذه الجائحة؟

وتابعت "نحن مجبورون على البقاء في مركز الحجر، رغم رداءة الطعام والمكان، حيث أمضينا 9 أيام في الحجر الصحي وكأنها 9 أعوام" مبينة أنّ "هناك سيدات كثيرات يعانين من أمراض عدة، كالسكري والضغط، وهنّ في حاجة رعاية خاصة من ممرضين وأطباء، وتناول أدوية معينة للمحافظة على صحتهن؛ حيث لم يصلهن خلال هذه الفترة أية طبيب للاطمئنان عليهن أو تقديم العلاج المناسب لهن، كحقن الأنسولين وغيرها، وهنّ يبكين ليلاً ونهاراً لإنهاء معاناتهن بأسرع وقت ممكن والعودة إلى منازلهن بسلام".
انتهاكات إنسانية

المحامي في مركز "مساواة" لحقوق الإنسان، أسامة الخليلي، أبلغ "حفريات"؛ أنّ "المركز من خلال متابعته الميدانية لمراكز الحجر الصحي في عدة مدارس بقطاع غزة، لاحظ وجود انتهاكات إنسانية تطال النزلاء بهذه المراكز، من بينها تعرض بعض الرجال والنساء لبعض الألفاظ العنصرية والشتائم من قبل رجال الأمن والأطباء والممرضين".

 

وبيّن أنّ "مراكز الحجر تشهد اكتظاظاً كبيراً بالأشخاص العائدين من الخارج، ويتم حجرهم في ظروف غير صحية وآمنة، حيث يمكثون في الغرفة الواحدة إلى بعضهم، ولا يفصل بينهم سوى مسافة قصيرة، دون وجود أيّ عازل، قماشي أو إسمنتي"، مبيناً أنّ "هذا الأمر من شأنه أن يزيد من انتشار الأمراض فيما بينهم بشكل سريع".

احترام خصوصية النساء

ولفت الخليلي إلى أنّ "النساء من أكثر المتضررين بمراكز الحجر الصحي، لعدم احترام خصوصيتهن الاجتماعية، في ظل عدم قيام الجهات المختصة بإتاحة أماكن مخصصة لهن تتوفر فيها كافة الإمكانيات اللازمة، ليتمّ عزلهن فترة حجرهن لمدة أسبوعين، نظراً لاحتياجهن لأمور شخصية تتطلب وجودهن في أماكن منفصلة عن الرجال، ليستطعن الاستمرار في حياتهن بشكل طبيعي دون أية قيود".

اقرأ أيضاً: "التباعد الجسدي" لا الاجتماعي سلاح إستراتيجي ضدّ كورونا

وطالب الخليلي الجهات المختصة في غزة بتحمّل مسؤولياتها الوطنية نحو هؤلاء المواطنين، وإتاحة الإمكانيات الملائمة التي تليق بكرامتهم الإنسانية، من حيث المأكل والمسكن والمشرب، ومتابعة المرضى منهن طبياً، "حتى نستطيع مجابهة هذا الجائحة ونمنع تفشيها داخل مجتمعنا".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية