شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟

شطب التمثيل الإخواني بالمجلس الأعلى لمسلمي ألمانيا.. ماذا بعد القرار؟


02/02/2022

في خطوة وُصفت بالمتأخرة أقدم المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا ( ZMD) على إسقاط عضوية جمعية "الجماعة الإسلامية الألمانية"، المعروفة سابقاً باسم "التجمع الإسلامي"، وهي منظمة تتبع لجماعة الإخوان المسلمين، فقد اجتمع المجلس الأعلى للمسلمين وقرر بأغلبية ثلثي الأعضاء إسقاط عضوية  المنظمة الإخوانية استناداً لما جاء في تقرير هيئة حماية الدستور عن العام 2020 أنّ جمعية "DMG" التي كانت تسمى سابقاً (التجمع الإسلامي في ألمانيا) يمكن اعتبارها جزءاً من الشبكة العالمية للإخوان المسلمين "ومنظمتها المركزية في ألمانيا"، وذلك بناءً على التشابكات الوثيقة في الهياكل والمناصب مع الإخوان المسلمين، بحسب ما أورده موقع "دويتشه فيله".

اقرأ أيضاً: في غياب السؤال النظري لدى الإسلام السياسي

يمكن فهم أبعاد هذا القرار وتأثيره على الإخوان في ألمانيا، بعد التعرف إلى طبيعة المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا، حسب دراسة رسمية حديثة، أجراها المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (بامف) بطلب من مؤتمر الإسلام في ألمانيا ووزارة الداخلية الاتحادية.

يعيش في ألمانيا ما بين 5,3 مليون و5,6 مليون مسلم "ذوي أصول مهاجرة"، كما يوجد في حوالي 400 هيئة ومؤسسة إسلامية، وعشرات من المراكز الإسلامية، المدارس الإسلامية، كما ويوجد أكثر من 300 مسجد منتشرة في المدن الألمانية الكبرى.

هذه الملايين من المسلمين وتلك المؤسسات دفعت الدولة الألمانية أن تطلب أن يكون للمسلمين جهة رسمية تتحدث بلسانهم وتخضع لقوانين الدولة، فتأسست أربعة مراكز مهمة تهتم بشأن المسلمين الألمان هي: جمعية المراكز الثقافية الإسلامية (VIKZ) وتأسست في كولونيا العام 1973، وكانت أول منظمة ذات مظلة إسلامية وقتها، يتبعها عدد كبير من الجمعيات والمراكز الإسلامية، وتعتبر نفسها محايدة سياسياً.

ثانياً: منظمة ديتيب Ditib أو "الاتحاد التركي الإسلامي" التي تأسست العام 1984، وهي منظمة شاملة لأكثر من 900 مجتمع محلي وتمثل الأتراك السنة، وتخضع ديتيب لإشراف سلطة الدولة الدينية التركية.

جاء القرار ضمن خطوات تصحيحية تقوم بها المراكز الإسلامية لإعادة فتح الحوار مع الدولة الألمانية

ثالثاً: المركز الاسلامي (إسلامرات): تأسس العام 1986 بهدف تشكيل هيئة مشتركة لصنع القرار للجماعات الدينية الإسلامية في ألمانيا، وهي منظمة جامعة للطوائف السنية، مثل "الجمعية الألمانية الصومالية" و"اتحاد الأئمة المغاربة" و"جمعية الجاليات الإسلامية للبوشناق" ورئيس مجلس الإدارة هو "علي كيزيلكايا" منذ العام 2002.

رابعاً: المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا (ZMD): تأسس في العام 1994 وهو منظمة جامعة لـ"22 منظمة إسلامية"، وتشرف على قرابة 100 مسجد في ألمانيا، منها منظمة "الجماعة الإسلامية الألمانية (DMG)"، المعروفة سابقاً باسم "التجمع الإسلامي في ألمانيا (IGD) والمنتمية لجماعة الإخوان المسلمين، وهي تعد من أقدم التجمعات الإسلامية في ألمانيا، فقد تأسست العام 1958 كلجنة لبناء المساجد في ميونيخ، ويقع مقرها حالياً في كولونيا، وتعد الصوت القوي للمسلمين في ألمانيا، وهي التي تم إسقاط عضويتها من المجلس أول من أمس.

وتأتي هذه خطوة ضمن خطوات تصحيحية تقوم بها المراكز الإسلامية لإعادة فتح الحوار مع الدولة الألمانية قررت وزيرة الداخلية في 21 كانون الثاني (يناير) الماضي في الحكومة الألمانية الجديدة استئناف الحوار مع المسلمين المعروف باسم مؤتمر الإسلام الألماني، وذلك ليستعيدوا ثقة الحكومة الألمانية الجديدة، ويؤهلهم للتمثيل في الحوار بعد أن ثبت للجنة حماية الدستور الألماني تورط المنظمة في توفير غطاء تمويلي لبعض المنظمات ذات الصلة بالجماعات الإرهابية، كما يعطي مؤشراً على سياسة الدولة الألمانية في المستقبل تجاه تنظيمات الإسلام السياسي.

أحمد عبدالسلام: رحيل ميركل وحزبها من سدة الحكم يفتح الباب أمام سياسات جديدة أكثر شدة تجاه التطرف اليميني والإسلام السياسي

وحول القرار، يرى الباحث المشارك بالمعهد الألماني للأبحاث الشرقية في بيروت والأستاذ السابق بجامعة مونستر الألمانية، الدكتور أحمد عبد السلام، أنّه "سليم جداً وإن جاء متأخراً"؛ مضيفاً في تصريحاته لـ"حفريات" أنّه "كان يجدر بالمجلس الأعلى إسقاط عضوية منظمة الإخوان في ٢٠١٩ بدلاً من تعليق عضويتها عقب تقرير لجنة حماية الدستور الألماني التي أكدت على خرقهم للقانون، وأثبتت شبهات اتصال بالإخوان المسلمين"، وتابع: "هذا القرار يعد ضربة قاسية للإخوان وتنظيمهم بألمانيا، وبداية لرسم سياسات جديدة مع الإسلام السياسي؛ فالقرار لا يستبعدهم من أي حوار مجتمعي وسياسي فحسب، بل يستبعدهم من مستوى الحوار الإسلامي الإسلامي".

اقرأ أيضاً: عبيد الخليفي: التنظيمات الإرهابية ثمرة جماعات الإسلام السياسي

وحول الأسباب الرئيسية التي دفعت المجلس الأعلى للمسلمين لاتخاذ هذا الموقف المتشدد، يرى عبد السلام أنّ "رحيل ميركل وحزبها من سدة الحكم يفتح الباب أمام سياسات جديدة أكثر شدة تجاه التطرف اليميني والإسلام السياسي، وترفع الغطاء القانوني عن منظمات ومراكز وجمعيات الإخوان، واليسار الألماني له موقف واضح تجاه كل منظمات التطرف والإرهاب في العالم وعلى رأسها الإخوان المسلمون، ولهذا ستشهد ألمانيا تغيراً في السياسات العامة في هذا الملف".

وأضاف الأستاذ السابق بجامعة مونستر الألمانية: "هناك الكثير من المراكز الإسلامية التي يتم إدارتها من قبل هذه المنظمة وعلى جمعياتها العمومية الآن أن تنظر للأمام، وأن تعلن الانفصال بدورها عن الجماعة الإسلامية الألمانية (DMG) لتكون أكثر توافقاً مع المجتمع"، وحول إمكانية ذلك أكد عبدالسلام أنّ "على تلك المراكز الاسلامية أن تتقدم بشكل فردي بطلب عضوية في المجلس الأعلى، الذي بدوره سيدرس كل طلب على حدة وفق مصلحة المجلس وتكتيكاته السياسية الآنية".

هشام النجار: الحملة المكثفة في كشف حقيقة الإخوان في أوروبا آتت ثمارها بمثل هذا القرار

من جهته، يرى الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، هشام النجار، أنّ "الحملة المكثفة في فضح الإخوان في أوروبا أتت بثمارها بمثل هذا القرار"، موضحاً في تصريحه لـ"حفريات": "يبدو أنّ ما يجري بعواصم أوروبية بشأن تتبع وملاحقة نشاطات الإخوان المريبة وارتباطها بالعنف والإرهاب المسلح في بلادها دفعت، على سبيل المثال، بالنمسا وفرنسا لاتخاذ موقف جاد ضد تلك الجماعة ومنظماتها".

ويلفت النجار إلى "خطورة تمدد نفوذ الإخوان في المجتمعات الأوروبية نظراً لما تقوم به الجماعة من نشاطات عزل المسلمين الغربيين عن مجتمعاتهم، وتكريس الشعور بالعزلة والانقطاع، والاستعلاء العقدي بزعم أنّ أوروبا تمثل حضارة معادية، وأنّ المسلمين هناك بمثابة فاتحين جدد لنشر مفاهيم وأخلاق الاسلام مما يعد تهديداً صريحاً للسلم الاجتماعي".

 ويستكمل النجار: "إنّ إدراك الحكومات الأوروبية لخطورة الإخوان دفعهم لاتخاذ مواقف أكثر حسماً وصرامة مع نشاطات جماعة الإخوان، وهو ما انتقل لعواصم أوروبية أخرى كانت تمثل في السابق معاقل تقليدية وتاريخية للتنظيم الدولي للإخوان مثل ألمانيا، وهذا راجع لسببين: الأول تضرر المسلمين في ألمانيا كما في غيرها من الدول الغربية من ممارسات الإخوان لكونهم يفقدون حضورهم الطبيعي كمكون من مكونات المجتمع، ونتيجة تطرف الإخوان ينسحب الوضع على غالبية المسلمين في الغرب ويتهمون جميعهم بالتسبب في الفتنة المجتمعية، ويلاقون معاملة سيئة، ويُمارس ضدهم تطرف يميني عنصري مضاد ويُحرمون من كثير من حقوقهم".

اقرأ أيضاً: لماذا يعادي تيار الإسلام السياسي البيئات المستقرة؟

 والسبب الثاني وفق النجار: هو خوف الحكومة والأجهزة في ألمانيا من أن تنعكس التطورات في فرنسا والنمسا سلباً عليها؛ لأنّه في حال استمر التضييق والملاحقة في بعض العواصم دون الأخرى فإنّ هناك هجرات محتملة بين الدول الأوروبية لعناصر الإخوان ولعناصر السلفية المتشددة إلى الدول التي لم تقم بإجراءات مثيلة ضد هذه التيارات، خاصة إذا كانت تحظى بسمعة ملتصقة بها على مدار عقود كونها معقلاً تاريخياً من معاقل الإخوان مثل ألمانيا.

اقرأ أيضاً: هل يحتكر الإسلام السياسي تمثيل المسلمين في أوروبا؟

وحول تداعيات تلك القرارات على الإخوان أكّد الباحث في الحركات الإسلامية أنّ "ثمة تأثيراً قوياً على تنظيمات الإخوان في أوروبا، منها توقف حركة نقل الأموال للجماعة، وتوقف الأنشطة الإخوانية، والانسحاب نوعاً ما من المشهد العام، وارتباك أثناء توفيق أوضاعهم نظراً للتخوف من مزيد من الإجراءات القانونية، والوصول إلى مرحلة تصنيف الإخوان بألمانيا كجماعة إرهابية".

أما الكاتب والباحث في الإسلام السياسي، منير أديب، فيرى أنّ "الأسباب التي دفعت المجلس المركزي للمسلمين لإسقاط عضوية الجماعة الإسلامية الألمانية، وقوع أضرار مادية وأدبية عليه نظراً لتحالفه مع الإخوان لأكثر من عقدين"، وفي تصريحه لـ"حفريات" أكد أنّ "المجلس الأعلى للمسلمين بألمانيا قد تضرر كثيراً منذ بداية الربط بين جماعة الإخوان الإرهابية ومنظمة المجتمع الإسلامي الألماني، فقد أفرزت عملية المراجعة الأمنية عن اكتشاف السلطات الألمانية وجود منظمات تابعة للإخوان، ولجماعات متطرفة تتسلم الإعانات، وتعمل في الخفاء، وذلك تحت مظلة المجلس الأعلى للمسلمين الذي كان يتلقى تبرعات ودعماً مالياً من الحكومة الألمانية، وصلت لأكثر من ٣ ملايين يورو من وزارة الأسرة الاتحادية وحدها في المدة من عام 2017 وحتى عام 2019، وتوقفت بعد تقرير هيئة حماية الدستور الذي أدان المنظمة الإخوانية". 

منير أديب: تلقى المجلس الأعلى على مدار الأعوام القليلة الماضية انتقادات واسعة من قبل العديد من الساسة في ألمانيا لرعايته منظمة إرهابية تنتمي لجماعة الإخوان

ويتابع: "كما تلقى المجلس الأعلى على مدار الأعوام القليلة الماضية انتقادات واسعة من قبل العديد من الساسة في ألمانيا لرعايته منظمة إرهابية تنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، مما دفع المجلس لتعليق عضوية المنظمة في 2019، كما تراجعت عدد من المؤسسات الحكومية عن التعاون مع المجلس لسمعته، واليوم أخذ المجلس خطوة تصحيحية بإسقاط عضوية المنظمة الإخوانية وكل ما يتبعها من جمعيات ومراكز إسلامية في ألمانيا".

وحول تداعيات هذا القرار على الإخوان، يرى أديب أنّه "سيكون له ما بعده، وربما يشجع العديد من الدول على رأسها بريطانيا وغيرها في أوروبا بتصنيف الإخوان كجماعة إرهابية، وهذا سيساعد على تفكيك الإخوان أو على الأقل إضعاف وجودهم".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية