شماتة الإخوان في الموت... بحث عن نصر زائف

شماتة الإخوان في الموت... بحث عن نصر زائف


10/01/2022

منذ إعلان وفاة المستشارة تهاني الجبالي، أمس، إثر إصابتها بفيروس كورونا، ثمّ بعدها بساعات الصحفي والإعلامي الشهير وائل الإبراشي، وشماتة أعضاء جماعة الإخوان المسلمين تملأ الفضاء الإلكتروني.

المستشارة الجبالي كانت من أبرز من أعلنوا معارضتهم لتنظيم الإخوان إبّان حكمهم، وهم في عزّ مجدهم وقوتهم وسلطتهم؛ بسبب عدم احترامهم للقوانين أو الدستور أو الهيئات القضائية، فقد قاموا بحصار المحكمة الدستورية لمنع انعقادها، في إهانة صريحة للقضاء المصري، ومن ثمّ كانت مواقف الجبالي متسقة مع رسالتها القانونية.

أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ينفردون عن باقي التنظيمات بالتشفي والشماتة في معارضيهم

وكذلك فعل الراحل الإبراشي؛ فقد كان منصة جريئة لمعارضي الإخوان، فلم يعجبهم هذا الموقف منه بطبيعة الحال، فناصبوه العداء، وأعلن الإعلامي الراحل في أكثر من مناسبة أنّه تلقى تهديدات من الإسلاميين، وعندما تمّ حصار مدينة الإنتاج الإعلامي كان يضطر يومياً للخروج من بوابات المدينة الخلفية لوجود بعض المتربصين به لقتله، والإبراشي كان متسقاً مع رسالته الإعلامية، وكثيراً ما صرّح أنّ الإخوان يستهدفون هدم القضاء والإعلام؛ لأنّ القضاء يصل إلى الحقائق القانونية، والإعلام يفضح الحقائق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية.

منذ إعلان وفاة المستشارة تهاني الجبالي، أمس، وشماتة أعضاء جماعة الإخوان تملأ الفضاء الإلكتروني

من الملاحظ أنّ أعضاء جماعة الإخوان المسلمين ينفردون عن باقي التنظيمات بالتشفّي والشماتة في معارضيهم، ويعتقدون أنّ ما يلحق بمعارضيهم من ضرر هو عقاب من عند الله، سواء كان مرضاً أو حادثاً أو وفاة، دون مراعاة لحرمة الموت، رغم ما أكدته دار الإفتاء المصرية بأنّ الشماتة بالمصائب والابتلاءات التي تقع للغير ـ ومنها الحوادث والموت ـ ليس خُلُقاً إنسانياً ولا دينياً، وأنّ الوفاة أمر حتمي سيلحق بكلّ إنسان، لكنّ الإخوان وحدهم اعتبروه عقوبة، واعتبروه أمراً محموداً يستحق شكر الله عليه.

إقرأ أيضاً: وفاة أول قاضية مصرية المستشارة تهاني الجبالي.. ما قصتها مع الإخوان؟

من اللافت أنّ هذا النهج ليس مقصوراً على عوام الإخوان، بل وصل إلى أن قام منظّروهم بتبرير الشماتة؛ ففي تويتر حاول الإخواني محمد المختار الشنقيطي تأصيل الفرح في موت معارضي الإخوان قائلاً: "اللهم إنّي شامتٌ بهلاك كلّ أفّاك أثيم"، وعلى الفيسبوك قام القيادي الإخواني علاء الدين عباس بإسقاط آيات قرآنية على معارضي الإخوان، وكأنّها نزلت فيهم، وفسّروا الظلمة تفسيراً مغلوطاً، وجعلوها مرادفاً للكفر ومرادفاً للتكذيب بما أنزل الله، وتلقى أتباعهم هذا التبرير ونشروه على صفحاتهم بكثافة، في محاولة سمّاها الإعلامي إبراهيم عيسى "أسلمة الشماتة والبذاءة وتحويلها إلى فعل ديني"، وعلى النقيض نجد الفيلسوف أرتور شوبنهاور يعتبر الشماتة كأشدّ الذنوب شرّاً في الشعور الإنساني، قائلاً: "أن تشعر بالحسد، هو أمر إنساني، أن تستمتع بالشماتة، هو أمر شيطاني".

تفشّي هذا الشعور السلبي في نفوس ووجدان أعضاء الجماعة يمكن فهمه بما يتلقاه الفرد الإخواني من تربية تنظيمية تخبره أنّه الأفضل، وأنّه الأحسن، وأنّه المنتصر، وأنّه الآمر الناهي في السياسة والدين والمجتمع، وأنّه وجماعته هم الحق، ومن عداهم هم الباطل.

من اللافت أنّ هذا النهج ليس مقصوراً على عوام الإخوان، بل وصل إلى قيام منظّريهم بتبرير الشماتة

لكن بعد هزيمتهم وسقوط أوهام جيل النصر المنشود، بدأت فصول اليأس وسوء التكيف مع البيئة المحيطة بهم تغلب عليهم، ومن ثمّ تقوقعوا، وفصلوا أنفسهم عن الشعب المصري، ولم يعودوا يملكون إلّا أن ينتظروا المصائب، ليظهروا مكنون قلوبهم ويشمتوا فيهم.

الشماتة أحد الآثار السلبية للتربية التنظيمة، وما تخلفه من مشاكل نفسية للأتباع، فعندما قامت الجماعة بغرس فكرة الاستعلاء الديني عند أفرادها حدث لديهم التباس الذات بالقيمة، فظنوا بما أنّهم إسلاميون، فيجب أن يقدّسهم الناس كما يقدّسون الإسلام، وبما أنّهم يقولون إنّ الرسول الكريم زعيمهم، أصبحوا يعدّون أنفسهم كصحابته، لهم المكانة والحصانة نفسها.

من هنا اعتقد الإخوان أنّ من يعارضهم فكأنّما يعارض الإسلام، ومن خالفهم فكأنما يعادي الحق؛ وبالتالي حدث خلل في ميزان القيم لديهم، فسوّلت لهم أنفسهم أنّ ما يقومون به هو الصواب، ولو كان قتلاً وتخريباً، وأنّ من يمنعهم ويأخذ على أيديهم هم الظلمة، مثل الضابط الذي يلقي القبض على خلية إخوانية تفجّر أبراج ومحولات الكهرباء أو مباني الدولة وتحرق الكنائس ودواوين المحافظات، أو ذلك القاضي الذي حكم عليهم وفق قواعد التقاضي، وأقيمت عليهم الحجة والبينة، يصبح ظالماً وويلٌ له من قاضي السماء! وكذلك الكاتب والإعلامي الذي يكشف فساد منهجهم يصبح عدواً للإسلام يستحق العقاب من الله، وإذا لم يجدوا بدّاً، اندفعوا بحثاً عن أيّ آية ليثبتوا أنّهم على حق، أو انتظروا أن يموت أحدهم فيشمتوا فيه.

دار الإفتاء المصرية: الشماتة بالمصائب والابتلاءات التي تقع للغير، ومنها الحوادث والموت، ليس خُلُقاً إنسانياً ولا دينياً

لم يكن الإبراشي أوّل ضحاياهم، ولن يكون الأخير، فقد شمتوا في كلّ من مات من معارضيهم، سواء في حادث أو وفاة طبيعية أو مرض، شمتوا في كلّ فئات المجتمع، سواء كانوا من القضاة أو العسكريين أو الفنانين أو الشرطة أو الإعلاميين.

شمتوا في موت الشاعر أحمد فؤاد نجم، وكذلك بعد وفاة الكاتب الصحفي عبد الله كمال، رئيس تحرير "دوت مصر"، إذ خرج عمرو فراج، مدير شبكة رصد يتهمه بالضلال، ويدعو عليه باللعنة في قبره، وشمتوا في وفاة الكاتب والإعلامى عزمي مجاهد، وشمتوا في الإعلامي عمرو أديب عندما تعرّض لحادث سيارة، وتمنّوا له الموت والهلاك، وفرحوا في مصيبته، وشمتوا في وفاة عزت العلايلي، ووحيد حامد، وفي مرض يوسف شعبان، وفي وفاة نقيب الصحفيين ورئيس المجلس الأعلى للإعلام السابق مكرم محمد أحمد.

إقرأ أيضاً: حركة النهضة بين التصعيد وشعارات المظلومية.. ماذا بعد توقيف نور الدين البحيري؟

بل وصل بهم الأمر إلى أن تشفّوا في الفنان أحمد مكي عندما أصيب بفيروس كورونا، زاعمين أنّ ما أصابه هو عقاب من الله لاشتراكه في مسلسل "الاختيار 2" الذي يكشف جرائمهم.

لم يسلم منهم أحد، حتى أقارب الفنانيين مثل والد الفنان إيهاب توفيق الذي توفي إثر حريق شبّ في فيلته؛ شمتوا فيه لأنّ ابنه غنّى فرحاً بسقوط الإخوان!

الشماتة تكاد تكون منهج حياة الإخوان الآن، رغم أنّ الإسلام نهى عن الشماتة في الموتى، إلّا أنّهم لم يعودوا يملكون غيرها، وهذا يوضح مدى انهيار القيم عند تلك الجماعة، فلم يعودوا يملكون سوى انتظار وقوع مصيبة لأيٍّ من مخالفيهم، ليقنعوا أنفسهم قبل الآخرين أنّها آية من آيات الله، وبداية النصر. 

الصفحة الرئيسية