صعود وسقوط أسامة بن لادن.. لماذا يستمرّ بإلهام ‏‏الإرهابيين؟

صعود وسقوط أسامة بن لادن.. لماذا يستمرّ بإلهام ‏‏الإرهابيين؟


24/11/2021

طبع أسامة بن لادن اسمه، من خلال تنظيم القاعدة، كأحد العلامات الفارقة في القرن الـ20.

ومن خلال هجمات 11 أيلول (سبتمبر)2001م فرض اسمه أيضاً كأحد أبرز تجلّيات العولمة، وعالم ما بعد الحداثة، ونهاية فترة الحرب الباردة، وسيطرة الولايات المتحدة كدولة أحادية قطبية على النظام الدولي الذي هندسه الرئيس الأمريكي رونالد ريغان.

اقرأ أيضاً: الوصايا "العشرون": صهر بن لادن يروي خلافات القاعدة

برز أسامة بن لادن في خضم هذه الملحمة التاريخية خلال العام 2001م كمن خرّب احتفالات الأمّة الأمريكية، ومعها الغرب الإنجلوسكسوني، بنصرها العظيم على المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية، الذي انهار وتداعى كشمع أعياد الميلاد.

أمّا وقد قلنا ذلك؛ فلا عجب أنّ شبح هذا الرجل سيبقى يطارد أمريكا، ويذكّرها كل عام على الأقل بما حدث يوم 11 أيلول (سبتمبر) 2001؛ اليوم الذي غيّر النظام الدولي وعالمنا المعاصر إلى الأبد، ووضع إرهاب "الأطراف الفاعلة من غير الدولة" كتنظيم القاعدة على الأجندة العالمية. وقد شنّت الولايات المتحدة وحلفاؤها على التنظيم حرباً اعتُبرت لاحقاً أطول حرب مستمرّة في تاريخ الولايات المتحدة.

كان أسامة بن لادن العام 2008 على قائمة الشخصيات الـ100 الأكثر نفوذاً في العالم، التي تنشرها مجلة "التايم" الأمريكية سنوياً. وتُعتبر تغطية وسائل الإعلام لمقتله في فجر يوم الإثنين 2 أيار (مايو) عام 2011 على يد قوات خاصة من البحرية الأمريكية ثالث أكبر قصة إخبارية في العالم في القرن الـ21 (الأولى صعود الصين كقوة اقتصادية، والثانية انتخاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما)، فبعد أقلّ من أسبوع على إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنّ القوات الأمريكية قتلت زعيم القاعدة في باكستان، فإنّ قصة بن لادن ورد ذكرها أكثر من (84) مليون مرّة في وسائل الإعلام العالمية المطبوعة والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت.

 

كان بن لادن العام 2008 على قائمة مجلة "التايم" الأمريكية ضمن الشخصيات الـ100 الأكثر نفوذاً في العالم

لم يتوقف الغرب في دوائره الأمنية والاستخبارية ومؤسساته البحثية والأكاديمية عن البحث في مسيرة أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة. وهكذا استمرت وسائل الإعلام والصحافة العالمية والمحللون والباحثون يبحثون وينقبون في إرث هذا الرجل، رغم مضي أكثر من عقد من الزمن على مقتله.  

المحارب المقدس

ضمن أحدث التغطيات والإصدارات التي تناولت أسامة بن لادن، نشير إلى كتاب حديث نُشر باللغة الإنجليزية بتاريخ 3 آب (أغسطس)2021م بعنوان (صعود وسقوط أسامة بن لادن) للبرفسور بيتر بيرغن (Peter Bergen)، وهو مؤلف صحفي مخضرم، متخصّص بسيرة أسامة بن لادن، ألّف وحرّر (8) كتب في السابق، بما في ذلك العديد من الكتب عن بن لادن، وهو نائب الرئيس في معهد أمريكا الجديدة لأبحاث السياسة العامّة، وأستاذ في جامعة ولاية أريزونا الأمريكية، ‏وهو عضو في فريق خبراء الأمن الداخلي في الولايات المتحدة.

غلاف الكتاب

يتألف الكتاب من (416) صفحة، ويحتوي على مقدّمة عن عائلة أسامة بن لادن، و(3) أجزاء موزّعة على مجموعة من المباحث الفرعية على النحو التالي: مقدّمة شجرة عائلة بن لادن: الآمال والأحلام والمخاوف؛ الجزء الأول: المحارب المقدّس، أبو ‏الهول بدون لغز، متعصب، الجهاد، تنظيم القاعدة، الجزء الثاني: الحرب مع الولايات المتحدة، ‏الحرب ضد جذرية "رأس الأفعى"، إعلان الحرب، الولايات المتحدة تدرك التهديد ببطء، الحرب تبدأ، الطريق إلى 9/11؛ الجزء الثالث: على المدى، ‏ضرب مرّة أخرى، الهروب الكبير، القاعدة تنتعش، المطاردة، أسد في الشتاء، عملية نبتون ‏سبير، بعد بن لادن.‏

في كتابه "صعود وسقوط أسامة بن لادن" يُقدّم بيرغن رواية محدّثة عنه كزعيم لجماعة إرهابية

وكان المؤلف من أوائل الصحفيين الغربيين الذين قابلوا أسامة بن لادن قبل 11 أيلول (سبتمبر)، ففي عام 1997، كمنتج لشبكة "سي إن إن"، أنتج بيرغن أشهر وأوّل مقابلة تلفزيونية لابن لادن، التي أعلن فيها الحرب ضد الولايات المتحدة للمرّة الأولى أمام جمهور غربي.

 وأنتج بيرغن كتابه الأول، الأكثر مبيعاً: "الحرب المقدّسة داخل العالم السرّي لأسامة بن لادن" (2001). وكصحفي في شبكة (سي إن إن)، واصل التحقيق في مسيرة بن لادن والقاعدة.

في كتابه "صعود وسقوط أسامة بن لادن"، يُقدّم بيرغن رواية محدّثة عن بن لادن كزعيم لجماعة إرهابية، و"رجل عائلة"، بالإضافة إلى تفاصيل حول مهمّة الحكومة الأمريكية لقتله في 2 أيار (مايو) 2011 في مخبئه في أبوت آباد، باكستان.

اقرأ أيضاً: كيف ساهم "حبل غسيل" في الكشف عن مخبأ بن لادن؟

يُقدّم بيرغن الخبير البارز، العالم في أسامة بن لادن، للمرّة الأولى السيرة الذاتية النهائية لرجل ‏وضع ‏مسار السياسة الخارجية الأمريكية للقرن الـ21، الذي تواصل أمريكا  محاربة ‏ورثته ‏الإيديولوجيين حتى اليوم.‏

في تقديم الكتاب باللغة الإنجليزية نقرأ أنّ بيرغن نجح بتقديم أوّل إعادة تقييم للرجل المسؤول عن التعجيل بحروب أمريكا الطويلة مع تنظيم القاعدة، عن ذريته، وأسرة بن لادن في جميع أبعاد حياته: كرجل أسرة، وكمتعصب، وكقائد في ساحة المعركة، وكقائد إرهابي، وكهارب.

اقرأ أيضاً: محكمة سودانية تتهم رفيقاً لبن لادن بالثراء الحرام والمشبوه.. تفاصيل

يلقي الكتاب الضوء على تناقضاته العديدة: كان ابن ملياردير، ومع ذلك أصرّ على أنّ عائلته تعيش مثل الفقراء. كان يعشق زوجاته وأطفاله، وكان يعتمد على اثنتين من زوجاته، وكلتاهما حاصلتان على درجة الدكتوراه، لاتخاذ قرارات استراتيجية مهمّة، ومع ذلك جلب الخراب أيضاً لعائلته. كان متديناً متعصباً، ومع ذلك كان مستعداً لقتل آلاف المدنيين باسم الإسلام. لقد ألهم الولاء العميق، وفي النهاية، انقلب حرّاسه الشخصيّون ضده. وفي حين أنه ارتكب أكثر أعمال القتل الجماعي فتكاً في تاريخ الولايات المتحدة، إلا أنه فشل في تحقيق أيّ من أهدافه الاستراتيجية.

الصورة الدائمة التي لدينا لابن لادن في أعوامه الأخيرة هي لرجل مسن، ذي لحية رمادية، يشاهد لقطات قديمة لنفسه، مجرّد أب آخر يقلّب القنوات بجهاز التحكم عن بعد. وفي النهاية، قُتل بن لادن في مجمّع مهجور في الضواحي، بعيداً عن الخطوط الأمامية لحربه المقدّسة.

ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الخاتمة غير البطولية له، إلا أنّ إيديولوجيته ما تزال حيّة، ولعلّ هذا ما يقضّ مضاجع الأمريكيين والكثيرين في العالم.

اقرأ أيضاً: وفاة "حارس" بن لادن.. ماذا تعرف عنه؟

يوضح بيرغن في الفصل الأول من الكتاب أنه في الأعوام الأخيرة ظهر قدر كبير من المعلومات لإلقاء الضوء على أسامة بن لادن والعمل الداخلي للقاعدة؛ أوّلاً: هناك مكتبة صغيرة من الوثائق التي عثر عليها في مجمع أبوت آباد التابع لأسامة بن لادن، ولم يتمّ إصدارها بالكامل إلا في أواخر العام 2017، وبلغت حوالي 470,000 ملف، ثانياً: أبدى العديد من المقرّبين من بن لادن أخيراً استعدادهم للحديث. والنتيجة هي أنه بعد عقد من وفاته، أصبح من الممكن الآن تقييمه في جميع الأبعاد العديدة لحياته: كرجل أسرة، وكمتعصب ديني، وكقائد ساحة المعركة، وكقائد إرهابي، وكهارب.

بيرغن نجح بتقديم أوّل إعادة تقييم للرجل المسؤول عن التعجيل بحروب أمريكا الطويلة مع تنظيم القاعدة

يقول بيرغن: "إنّ السؤال الرئيسي عن أسامة بن لادن هو: لماذا قام ببناء منظّمة مكرّسة للقتل الجماعي للمدنيين؟ إنه سؤال كنت أبحث فيه منذ أن التقيت بن لادن في العام 1997 كمنتج لمقابلته التلفزيونية الأولى. لم يكن هناك حدث واحد حوّل بن لادن من ابن خجول لواحدة من أغنى العائلات في الشرق الأوسط إلى مهندس هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، بل إنّ بن لادن مرّ بعملية تدريجية من التطرّف؛ بدأت لأول مرّة خلال سنوات مراهقته عندما أصبح متعصباً دينياً".

في الختام، قال بيرغن: "إنّ زعيم القاعدة هو واحد من الأشخاص القلائل الذين يمكن أن يقال حقاً إنهم غيّروا مسار التاريخ. ‏من كان يتوقع أنه خلال العقدين اللذين أعقبا هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، شنت الولايات المتحدة ‏أنواعاً مختلفة من العمليات العسكرية في (7) بلدان إسلامية -في أفغانستان والعراق وليبيا ‏وباكستان والصومال وسوريا واليمن- بتكلفة تزيد على (6) تريليون دولار وأكثر من (7) آلاف ‏شخص أمريكي؟ بالإضافة إلى ذلك، قتل عشرات الآلاف من الجنود من الدول المتحالفة مع ‏الولايات المتحدة، وكذلك مئات الآلاف من الأفغان العاديين والعراقيين والليبيين والباكستانيين ‏والصوماليين والسوريين واليمنيين، الذين قتلوا أيضاً خلال "الحرب على الإرهاب"؟‏

اقرأ أيضاً: بماذا نصح بايدن أوباما قبل تصفية بن لادن؟

وتشمل هذه الرواية الموثوقة والمفصلة والمكثفة المصدر مقابلات مع أفراد الأسرة وشركائه، بما في ذلك الوثائق التي تمّ اكتشافها مؤخراً، التي تلقي ضوءاً إضافياً على أسامة بن لادن وأنشطته.

وبفضل المقابلات الحصرية مع أفراد العائلة والشركاء، والوثائق التي عُثر عليها في مجمع أبوت آباد التابع لزعيم القاعدة، ‏‏ستكشف صورة بيرغن لأسامة لأوّل مرّة من كان حقاً، ولماذا يستمرّ في إلهام جيل جديد من ‏‏الإرهابيين عبر العالم؟ ‏

‏"إنّ قتل بن لادن لم يقتل أفكاره، التي بقيت قائمة بين فروع القاعدة في أفغانستان والعراق وشمال ‏أفريقيا وباكستان والصومال وسوريا واليمن، وقد انتشر المتشددون الإسلاميون في جميع أنحاء ‏العالم، وتضخّمت أعدادهم من خلال الإنترنت، وظلّ بن لادن شخصية ملهمة لكلّ جيل ‏جديد من الجهاديين" (ص 245).‏




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية