طالبان وباكستان: علاقة مضطربة تنخرها الشروخ والمخاوف

طالبان وباكستان: علاقة مضطربة تنخرها الشروخ والمخاوف


كاتب ومترجم جزائري
07/10/2021

ترجمة: مدني قصري 

في ظاهر الأمر، يُعدّ صعود طالبان إلى السلطة بشرى سارة لباكستان، التي ظلّت تدعمها منذ نشأتها، ومع ذلك، هناك بوادر قلق في إسلام أباد بشأن هذه الاضطرابات الإقليمية.

يبدو أنّ عودة طالبان إلى السلطة، التي تميزت بسقوط كابول، في 15 آب (أغسطس) 2021، كانت بشرى سارة لباكستان، التي يُعرَف ارتباطها بالحركة التي تدين بالكثير لإسلام أباد أثناء احتلالها لأفغانستان، في 1994 و1996، والتي استفادت بعد ذلك من ملاذ باكستاني حاسم، بعد أن طردها التدخل الأمريكي من السلطة عام  2001، لكنّ التاريخ لا يعيد نفسه أبداً، وحكومة عمران خان، رئيس الوزراء الباكستاني، منذ 2018، حريصة على عدم مشاركة مخاطر العزلة التي يواجهها النظام الأفغاني الجديد، مع السعي للتأثير عليه في الاتجاه الذي يريده المجتمع الدولي.

كان يُنظر أحياناً إلى زيارة قائد المخابرات العسكرية الباكستانية "ISI"، الجنرال فايز حميد، إلى كابول، كدليل على تدخل إسلام أباد في تشكيل حكومة طالبان

هناك معيار آخر يغير الموقف جزئياً: وجود طالبان الباكستانية، التي اعتُمِدت، عام 2007، في حركة راديكالية، وهي حركة طالبان باكستان (TTP)، التي لا تريد شيئاً أقل من إطاحة النظام الباكستاني، الذي يمثل جمهورية إسلامية مزيفة في نظرها؛ لذلك، فإنّ تحليل الإستراتيجية الباكستانية تجاه نظام طالبان الجديد يدعو إلى تجاوز أنه بانتصار طالبان، تعززت باكستان في سعيها القديم إلى "العمق الإستراتيجي" في الغرب ضدّ القوة الهندية في الشرق. يجب علينا أيضاً أن نأخذ في الاعتبار المحللين الباكستانيين الذين يرون أنّ انتصار طالبان يمكن أن يكون، بالنسبة إلى باكستان، انتصاراً باهظ الثمن.

عودة AF-PAK

عندما منح ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص للرئيس باراك أوباما لأفغانستان وباكستان، الثقة عام 2010، لمفهوم "Af-Pak"، أي التواصل الإستراتيجي بين أفغانستان وباكستان، لقيت هذه الفكرة قبولاً سيئاً في إسلام أباد، واختفى في النهاية من المفردات الدبلوماسية الأمريكية، ومع ذلك، كان مهمّاً من حيث أنّه كان يؤكد على إدارة القضية الأفغانية لا يمكن أن تتم دون مراعاة العامل الباكستاني، لأسباب تاريخية واجتماعية وسياسية.

 

لقد وقع الاختيار على باكستان، عام 1980، كقناة للدعم بالأسلحة والتمويل، خُصِّصت للمجاهدين في قتالهم ضدّ السوفييت، بسبب المعرفة المهنية العالية التي التي كانت تمتلكها أجهزة المخابرات الباكستانية (المخابرات الداخلية (ISI) عن قوات المجاهدين الرئيسة. من ناحية أخرى، مع حرص بينظير بوتو على إعادة الاستقرار لجارتها لتسهيل وصول باكستان إلى موارد آسيا الوسطى، لعبت إسلام أباد دوراً حاسماً في هيكلة حركة طالبان، كانت جذورها في قندهار، لكنّ العديد من المجندين كانوا من اللاجئين الأفغان الذين تلقوا تعليمهم في المدارس الباكستانية، ومن هنا جاء اسم طالبان: طلاب الدين.

اقرأ أيضاً: طالبان تقصي النساء مجدداً في توسيعات حكومية وتعين أعضاء في الحركة

أخيراً، عرضت باكستان على طالبان المخلوعة من السلطة التدخل الأمريكي، بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر)، ملاذات ثمينة في مناطق القبائل الباكستانية المتاخمة لأفغانستان، المرجل الذي طالما التقى فيه منذ فترة طويلة المجاهدون، ومقاتلو القاعدة العرب ونشطاء محليون متطرفون. من جانبهم، أنشأ قادة طالبان مجالسهم (الشورى) في كلّ من كويتا، عاصمة بلوشستان الباكستانية، وفي بيشاور، عاصمة المقاطعة الحدودية الشمالية الغربية، والتي أعيدت تسميتها باسم خيبر باكتونكوا، عام 2010، فهذا الاسم مهمّ، من حيث أنه يؤكد هوية المنطقة البشتونية، التي تتجاوز الحدود بأكثر من 2600 كيلومتراً ورثتها عن الإمبراطورية البريطانية: خطّ دوراند لعام 1893، والذي لم تعترف بها أيّة حكومة أفغانية، بينما يشكل البشتون حوالي 40٪ من السكان الأفغان، فهم أكثر في باكستان أكثر عدداً منهم في أفغانستان، ولا تريد إسلام أباد أبداً التقليل من خطر عودة القومية البشتونية.

فرع تابع لمنظمة الدولة الإسلامية

على الرغم من الروابط طويلة الأمد مع حركة طالبان، هناك ثلاثة مخاوف تشير إلى القراءة الباكستانية لعواقب سقوط كابول؛ الأول هو الخوف من حدوث قفزة من قبل حركة طالبان باكستانTTP؛ فهذه الجماعة التي ضعُفت بشدة بسبب القمع الذي ضربها في وزيرستان بعد الهجوم المُميت على مدرسة ثانوية عسكرية في بيشاور، في كانون الأول (ديسمبر) 2014، ما لبثت أن انشقّت فيما بعد، فيما استقر جزء من المسلحين الفارين من الجيش الباكستاني في المقاطعات الأفغانية العابرة للحدود، وقد انضمّ عدد من هؤلاء المنشقين إلى داعش في خراسان، في أفغانستان.

يثير إحياء حركة طالبان الباكستانية، التي استأنفت الهجمات والتفجيرات، عام 2020، قلق إسلام أباد، خاصة أنّ حركة طالبان أطلقت سراح العديد من المسلحين المسجونين في عهد النظام الأفغاني السابق. ومن الواضح أنّ حكومة عمران خان قد طلبت بوضوح من حركة طالبان الأفغانية كبح جماح الأسماء الباكستانية، مع إعلانها أنّ هناك عفواً محتملاً لفائدة أعضاء حركة طالبان باكستان الذين ألقوا أسلحتهم، ويَقبلون بالدستور الباكستاني، وهي فرضية غير مرجّحة كثيراً.

أما القلق الباكستاني الثاني؛ فيتعلق بتدفق اللاجئين الذي قد يَنتُج عن عدم الاستقرار المزمن في أفغانستان،  الخطاب الرسمي يُذكّر بأن البلاد استضافت بالفعل أكثر من ثلاثة ملايين لاجئ أفغاني منذ عقود (عاد بعضهم إلى أفغانستان في السنوات الأخيرة)، وأنّها لا تستطيع الانفتاح على موجات جديدة من اللاجئين.

اقرأ أيضاً: حدود سلطة "طالبان"

القلق الثالث لم تُعلنه السلطات، لكنّه ينبع من عدد معيّن من المحللين الباكستانيين: ففي ما وراء حركة طالبان الباكستانية، فقد تحظى جميع الحركات الراديكالية النشطة في باكستان بتحفيز من خلال الانتصار المدوّي لطالبان الأفغانية، وقد يعزز ذلك التوترات المتطرفة في البلاد: إنّه الحجة التي طرحها من بين آخرين، حسين حقاني، السفير الباكستاني السابق في واشنطن، الذي أعلن "نصراً باهظ الثمن" لإسلام آباد.

توازن حسّاس

ويفسّر هذا السياق العديد من جوانب رد الفعل الباكستاني على انتصار طالبان، كان عمران خان يردّد، منذ سنوات، أنّه لا يوجد حلّ عسكري للأزمة الأفغانية، وكان يشير أيضاً إلى الدور الأساسي الذي لعبته إسلام أباد في تسهيل الحوار بين الأمريكيين وطالبان في الدوحة، والذي توّج في شباط (فبراير) 2020 بالاتفاق الذي ينصّ على الانسحاب الأمريكي، فإذا تجاوزنا التنافر الذي ربما يكون قد طمس خطاب المسؤولين الباكستانيين، منذ 15 آب (أغسطس) 2020، فإنّ خط الحكومة يبدو كأنّه يعتمد على توازن حساس بين معيارين اثنين.

من ناحية، تؤكد عودة طالبان إلى السلطة أنّ الهند قد فقدت حتى هذه الساعة نفوذَها في أفغانستان، التي استثمرت فيها حوالي 3 مليارات دولار (2,58  مليار يورو) في مشاريع تنموية، كانت الهند متفقة مع حكومة أشرف غني التي كانت تتهم باكستان بدعم تمرّد طالبان، ولديها، إضافة إلى سفارتها في كابول، أربع قنصليات.

ووفق السلطات الباكستانية، فقد تمّ استخدامها لتشجيع كلّ من المتمرّدين البلوش، وهو اتهام غير موثوق به، وطالبان الباكستانية من حركة طالبان باكستان (بالأردية:تحريک طالبان پاکستان) (TTP)  .

لكن في المقابل، تقيس إسلام أباد المخاطر التي تشكلها عودة طالبان، والإشارات السلبية التي أرسِلت منذ تشكيل حكومة وُصِفت بأنها "مؤقتة"، وتتألف حصرياً من طالبان، عندما أعلنوا تشكيل حكومة "شاملة دون إقصاء"، حيث بدأت مفاوضات في هذا الاتجاه مع شخصيات بارزة: الرئيس السابق حامد كرزاي، الرجل الثاني في حكومة أشرف غني عبد الله، وقلب الدين حكمتيار، المجاهد السابق المناهض للسوفييت، ورئيس الحزب الإسلامي. لكن لم يبرز أيّ جديد بعدُ من هذه المفاوضات، بينما تتكاثر بوادر التطرف، حول عمل المرأة وتعليم الفتيات، من بين أمور أخرى.

اقرأ أيضاً: طالبان تخنق الإعلام في أفغانستان... ما الجديد؟

كما أنّ الصراعات على السلطة داخل الحكومة الأفغانية الجديدة أثارت قلق إسلام أباد، لقد تم تهميش معظم الشخصيات الإعلامية التابعة للحركة، الذين تم استقبالهم في موسكو، أو بكين، أو طهران، والذين قادوا المفاوضات مع الأمريكيين في الدوحة.

عبد الغني برادار ليس سوى نائب رئيس الوزراء، وشير محمد عباس ستانيكزاي نائب وزير الشؤون الخارجية.

كان يُنظر أحياناً إلى زيارة قائد المخابرات العسكرية الباكستانية "ISI"، الجنرال فايز حميد، إلى كابول، كدليل على تدخل إسلام أباد في تشكيل حكومة طالبان، التي أُعلِن عنها بعد ثلاثة أيام ، في 7 أيلول (سبتمبر)، وفي سياق تعزيز الخط المتشدد، الذي تميز بوجود أربعة أعضاء من شبكة حقاني.

 وقد رأى المراقبون المطلعون في ذلك، بالأحرى، رغبة في التوسط بين الفصائل المتصارعة من أجل الاستقرار، ومن جهتها، رأت مصادر هندية أنّه علامة على تورطٍ باكستاني في استعادة وادي بانشير، الذي لجأ إليه آخر المعارضين المسلحين للنظام.

لا تستطيع "الحكومة المؤقتة" لطالبان، التي توسعت إلى عدد قليل من ممثلي الأقليات العرقية، أن ترضي بشكل كامل إسلام أباد التي تتمسك رسمياً بالحاجة إلى حكومة شاملة؛ أي منفتحة على الشخصيات المعترف بها، وليس طالبان، وهو شرط ضروري لاستقرار أفغانستان الجديدة، خاصة أنّ الأزمة الإنسانية التي تغرق فيها البلاد تتطلب مساعدات دولية كبيرة، والتي بدأت جزئياً، وأنّ جزءاً من النخب الأفغانية قد فرّ من البلاد: تفتقر طالبان إلى المهارات ورأس المال، لوضع البلد مرة أخرى على قدميها، علاوة على ذلك، ترغب إسلام أباد في أن تتمتع بحظوة المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، لأنّ اقتصادها ما يزال في حاجة إلى قروض من صندوق النقد الدولي (IMF)، ولم تسحب مجموعة العمل المالي، وهي منظمة دولية تلاحق التمويلات السرية لمنظمات الإرهابية، باكستان من قائمتها الرمادية (1)، وهو أمرٌ لا يخلو أيضاً من آثار اقتصادية.

اقرأ أيضاً: هل بدأت طالبان الانتقام من الذين عملوا مع المؤسسات الأجنبية؟

تُفسّر هذه المجموعة من العوامل موقف باكستان، بعد أكثر من شهر من سقوط كابول: لا يوجد اعتراف من جانب واحد بالنظام الجديد، لكنّ مناشدة لدى المجتمع الدولي للتكيّف مع الحقائق الجديدة، مع السعي إلى جعلها قابلة للتطور.

النشاط الدبلوماسي

إضافة إلى المقابلات التي أجراها رئيس الوزراء عمران خان مع وسائل الإعلام الغربية الرئيسة، فقد كرّس وزير الخارجية، شاه محمود قريشي، الكثير من الجهود للمسألة الأفغانية، في إطار اللقاءات الدورية (مثل منظمة شنغهاي للتعاون)، أو مبادرات نوعية ثنائية، أو متعددة الأطراف.

اقرأ أيضاً: "طالبان" بين التطرّف واستجداء الشّرعيّة

الفكرة تقوم على تطوير إستراتيجية منسّقة مع الفاعلين الإقليميين بالمعنى الواسع (جمهوريات آسيا الوسطى، الصين، روسيا، إيران، دول الخليج) مع السعي لاستقطاب الدول الغربية على أساس معاينة محددة: من الضروري قبول واقع عودة طالبان إلى السلطة، مع السعي للتأثير عليهم، بدلاً من عزلهم. التأثير عليهم، لأنّ الخطاب الباكستاني يتماشى مع التوقعات الغربية التي تتبناها موسكو وبكين:

- الحاجة إلى حكومة شاملة.

- احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة على وجه الخصوص.

- الالتزام بعدم إيواء الجماعات الإرهابية.

فيما وراء هذا الخطاب المتّفق عليه، يريد الخطاب الباكستاني إقناع العالم بأنّ تطور طالبان أمر ممكن، وأنّه من الضروري التحلي بالصبر، وأنّه ينبغي تطوير مسار دولي للسلوك يتيح الحصول على تنازلات منها، مقابل الدعم الاقتصادي لإعادة إعمار البلاد، والمساعدات الإنسانية الأساسية؛ لذا ينبغي على الولايات المتحدة، التي منعت أموال الحكومة الأفغانية المودَعة عندها، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي علّقت الاعتمادات المخططة لحكومة أشرف غني، استعادة التمويلات المتوقعة.

لا بدّ من مراجعة السياسة التي ما تزال تقدّم باكستان على أنّها الضحية الرئيسة للحرب في أفغانستان بسبب الإرهاب، في حين ينظر إلى باكستان كمؤيدة للعبة المزدوجة

 وقد ذهب خطاب عمران خان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 24  أيلول (سبتمبر) 2021، إلى أبعد من ذلك: فقد دعا إلى "تعزيز واستقرار الحكومة الأفغانية الحالية من أجل الشعب الأفغاني"، على طالبان أن تفي بوعودها بالانفتاح، وعلى المجتمع الدولي أن يحثهم على الوفاء بتلك الوعود.

إنّ السياسة المعاكسة، سياسة العزلة، لن تؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، وستكون لها عواقب سياسية خطيرة: "أفغانستان فوضوية ومزعزعة الاستقرار قد تصبح مرّة أخرى ملاذاً للإرهابيين الدوليين".

بشكل عام، إذا كانت باكستان قد كسبت الحرب في أفغانستان، كما قال كاتب عمود في صحيفة "Dawn" اليومية الكبرى، فما يزال يتعيّن عليها إدارة هذا النصر، وهو ما يعني أنّه لا يكفي أن يصبح صوتها مسموعاً لدى طالبان، لكن لا بدّ أيضاً من مراجعة سياسة الاتصالات الباكستانية التي ما تزال تقدّم باكستان على أنّها الضحية الرئيسة للحرب في أفغانستان بسبب الإرهاب، في حين تظل الرؤية التي تعدّ باكستان مؤيدة للعبة المزدوجة،  جدّ راسخة، بما في ذلك في صفوف الكونغرس الأمريكي.

على العكس من ذلك، يجب على باكستان صياغة رؤية ما بعد الصراع، للمنطقة، وهو ما يعني إسماع صوتها لكلّ من طالبان والمجتمع الدولي على السواء، كما قال كاتب العمود؛ حيث إنّ المفتاح هو العلاقة بين إسلام أباد وكابول، ويضيف: "طوال هذه السنوات تم إلقاء اللوم علينا بسبب تأثيرنا (على طالبان) اليوم، وقد حان الوقت لاستخدام هذا التأثير لمصلحتنا"، لكنّ ذلك ليس بالأمر السهل.


هامش:

 (1) القائمة الرمادية جزء من عمل الاتحاد الأوروبي لمكافحة الاحتيال الضريبي والتهرب الضريبي، وتهدف إلى إحداث تأثير رادع أقوى على البلدان التي ترفض باستمرار اللعب بشكل شفاف في المسائل الضريبية.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية