طلبة تركيا ينتفضون ضدّ خنق أردوغان للجامعات

طلبة تركيا ينتفضون ضدّ خنق أردوغان للجامعات


13/02/2021

ترجمة: محمد الدخاخني

ما بدأ الشّهر الماضي باعتباره احتجاجاً على تعيينٍ إداريٍّ مثيرٍ للجدل في إحدى الجامعات المرموقة في تركيا، سُرعان ما تحوّل إلى عنفٍ شرطيٍّ واعتقالات، وتهديدٍ خطيرٍ لنظام الرّئيس، رجب طيّب أردوغان.

اقرأ أيضاً: هجرة الأدمغة التركية تتزايد في عهد أردوغان

يقاوم طلّاب جامعة "بوغازيجي" تدّخل أردوغان في الحرم الجامعيّ، لكنّهم يربطون مأزقهم أيضاً بالتفسّخ العام للمعايير الدّيمقراطية في البلاد.

ومنذ محاولة الانقلاب الفاشلة، عام 2016، أصبح عدد التّعيينات المتزايدة من جانب أردوغان للأوصياء الحكوميّين في البلديّات والشّركات في كافّة أنحاء البلاد يتحدّى مصادر التّأثير البديلة، ويُشبّه الطّلّابُ ميليه بولو، العميد المُعيّن حديثاً لجامعة "بوغازيجي"، بـ "الوصيّ الحكوميّ"، فيقول الطّالب والمتظاهر، بيركيهان دافران: "إذا كان من الممكن محاربة وصيٍّ واحد، فيمكن محاربة كلّ الأوصياء".

بمجرّد حلول العام الجديد، عيّن أردوغان بولو، وهو مرشّح سابق لرئاسة إحدى البلديّات عن حزب أردوغان العدالة والتّنمية، في منصب رئيس جامعة بوغازيجي الجديد، بمرسومٍ صدر في منتصف الّليل، ويخالف هذا التّعيين تقليداً قديماً يتمثّل في انتخاب رؤساء الجامعات من داخل الجامعة، وقد رأى الطّلّاب والخرّيجون في تنصيب رئيس جامعةٍ من خارج بوغازيجي تدخّلاً آخر ضمن سلسلةٍ من التّعدّيّات الحكوميّة على الحرّيّة الأكاديميّة.

مداهمات للمنازل

وبدأ الطّلّاب في الاحتجاج، في 4 كانون الثّاني (يناير)، وأفادت الأخبار المحلّيّة بأنّ الشّرطة قد نفّذت مداهمات للمنازل ردّاً على ذلك، واحتجزت طلّاباً في السّاعات الأولى من يوم 5 كانون الثّاني (يناير)، وبعد ساعاتٍ قليلة، احتجّ أكاديميّون في الحرم الجامعيّ بصمتٍ على التّعيين بإدارة ظهورهم لبولو في حفل تسليمه المنصب، واستمرّت الاحتجاجات طوال شهر كانون الثّاني (يناير)، وفي الأوّل من شباط (فبراير)، اعتقلت الشّرطة 159 طالباً أُطلق سراحهم جميعاً بحلول 4 شباط (فبراير)، وسُرعان ما أُتبع ذلك باحتجاجاتٍ سلميّة.

يقول الطّلاب إنّهم يقاتلون من أجل ثقافة الحرّيّة والدّيمقراطيّة الرّاسخة في الحرم الجامعيّ؛ حيث تجد الآراء المختلفة والمتضاربة صوتاً واحتراماً متساويين

وفي تحرّكٍ آخر في منتصف الّليل في ذلك اليوم، أعلن أردوغان افتتاح كُلّيّتين جديدتين في الجامعة، ويعتقد المتظاهرون أنّ هذه محاولة لتعزيز جهوده لتعيين أعضاء هيئة تدريسٍ مؤيّدةٍ لحزب العدالة والتّنمية.

سيطرت الاحتجاجات على وسائل الإعلام التّركيّة، منذ أكثر من شهرٍ وحتّى الآن، وعندما تحتجز الشّرطة الطّلّاب، أو ترميهم بقنابل الغاز المسيل للدّموع وتتحرّش بهم، فإنّ ردّ الفعل الشّعبيّ المصعوق وتعنّت حكومة أردوغان يستحضران احتجاجات حديقة غيزي، عام 2013، عندما نظّمت مجموعة صغيرة من دعاة حماية البيئة اعتصاماً ضدّ تدمير حديقةٍ كان من المفترض أن تُفسح المجال لمركز تسوّقٍ جديدٍ في منطقة وسط إسطنبول.

وتصاعدت التّظاهرة إلى احتجاجاتٍ عمّت أرجاءَ البلاد ضدّ الحكومة، وفي النّهاية، أجبرت الاحتجاجاتُ أردوغان، الذي لا يلين عادةً، على سحب خطّة إعادة التّطوير، وكانت وحشيّة الشّرطة هي الدّافع وراء جذب الانتباه على الصّعيد الوطنيّ آنذاك، كما هو الحال الآن.

استعادة شعارات احتجاجات 2013

ويستعيد طلّاب اليوم احتجاجات عام 2013 في شعاراتهم، يقول الطّالب والنّاشط، دافران، مازحاً بشأن بصمة غيزي في الحياة السّياسيّة التّركية: "كلّ من يشجب غيزي وكلّ من يدعم غيزي يُطلِق على كلّ شيءٍ غيزي".

وفي الآونة الأخيرة، جدّد أنصار احتجاجات بوغازيجي أحد تكتيكات غيزي: قرع القدور والمقالي في السّاعة التّاسعة مساءً.

وفي عمودها الصّحفي، كتبت الصّحفية الموالية للحكومة، ناجحان ألجي: "إنّها السّاعة التّاسعة مساءً، وبينما أكتب هذا المقال، تتعالى أصوات القدور والمقالي من الخارج. هل هذه خطى غيزي ثانية؟"

اقرأ أيضاً: برلماني تركي لـ"حفريات": سقوط أردوغان أصبح وشيكاً

إنّ أوجه التّشابه مذهلة بالفعل؛ فمجدّداً تقف مجموعة من الشّباب، ذوي الخلفيّاتٍ السياسيّةٍ والثقافيّة المتباينةٍ معاً ضدّ قرارٍ غير شعبيٍّ ومثيرٍ للجدل من جانب رئيس الدّولة، ويحاول أردوغان ووزراؤه مجدداً تشويه سمعة المتظاهرين، ليس من خلال الاستجابة لمخاوفهم، لكن من خلال التّشهير بهم، وقد تمّ تضخيم مثل هذا الخطاب المثير للانقسام مجدّداً من خلال الصّحافة الخاضعة بشدّةٍ لسيطرة الحكومة، وهو ما يسمح للحكومة بحشد الدّعم من قاعدة ناخبيها.

"خطوة إلى الأمام"

ومع ذلك؛ فإنّ الاختلافات مُنَوِّرة، يغطّي الصّحفي، غوركان أوزتوران، احتجاجات بوغازيجي للموقع الإخباريّ المستقلّ "دوكوز8"، ويعتبر أوزتوران أنّ الاحتجاجات "خطوة إلى الأمام" من غيزي، ويرجع ذلك جزئيّاً إلى أنّ أحزاب المعارضة التي أحبطت المحتجّين حينها لم تُمفصِل بعد تحدّيات حقيقيّة لأردوغان، ويتّفق المتظاهر وطالب التّاريخ في السّنة الرّابعة، باران دينيز باغاتور، في أنّ الاحتجاجات ليست دفعةً ثانيةً من احتجاجات حديقة غيزي. ويعتقد أنّ المحتجّين اليوم يحاولون أن يكونوا أكثر وضوحاً في أهدافهم؛ "لا تتمثّل إرادتنا في الإطاحة برئيسٍ ما، نريد فقط انتخاب رئيس الجامعة"، ومع ذلك، من الواضح لباغاتور أنّ هذه الأشهر ستكون لها تأثيرات سياسيّة دائمة: "أعتقد أنّ النّاس سيتذكّرون في الانتخابات المقبلة جامعة بوغازيجي والاحتجاجات".

وقد أعرب كبار القادة السّياسيّين بالفعل عن دعمهم أو إدانتهم، إلى جانب الدّعوة الفاترة لزعيم المعارضة لاستقالة رئيس الجامعة، رفض عضو حزب الدّيمقراطية والتّقدّم أوغوزان أيغورن، وهو جزء من فصيلٍ معارضٍ لحزب العدالة والتّنمية الحاكم، دعم رئيس الجامعة، ويريد الطلّاب دعماً حقيقيّاً من السّياسيين، وليست تصريحات ضعيفة، يقول باغاتور: "إنّنا فقط في حاجةٍ إلى التّضامن، سنحتجّ سلميّاً، ونريد من المعارضة أن تدعمنا سلميّاً".

يحاول أردوغان ووزراؤه مجدداً تشويه سمعة المتظاهرين، ليس من خلال الاستجابة لمخاوفهم، لكن من خلال التّشهير بهم، عبر تضخيم خطاب مثير للانقسام

ويؤكّد العدد المتزايد من الاحتجاجات خارج الجامعة صحّة إيمان باغاتور بآثارها واسعة النّطاق؛ فالتّظاهرات، الآن، في مناطق أخرى من إسطنبول وحتّى في مدنٍ أخرى، وفي غضون ذلك؛ أصدر نائب وزير الدّاخليّة بياناً حذّر فيه الطلّاب من اختبار قوّة الدّولة التّركيّة، وكان رئيس المجلس الأعلى للإذاعة والتّلفزيون التّركي، الذي وقف في صفّ الحكومة، قال: "نتابع عن كثبٍ البرامج المتعلّقة بالأحداث الاستفزازيّة في جامعة بوغازيجي، وكلّنا تصميم على عدم السّماح بالبثّ الّذي يُعارض دولتنا وشعبنا"، والعلاقة الضمنيّة بين المحتجين والمعارضين للدّولة واضحة.

اقرأ أيضاً: أردوغان العالق في دوامة أزمات 2021 يخطط لرؤية 2053!

كثيراً ما يذكر المشاركون وأنصار الاحتجاج ثقافة بوغازيجي، يقول أوزتوران، وهو نفسه خرّيج هذه الجامعة؛ "لا يمكنك العثور على طالبَين من بوغازيجي يتّفقان مع بعضهما في كلّ موضوعٍ بنسبة 100 بالمئة، وهذا هو الشّيء الّذي يوحّدهم".

وتقول طالبة الدّراسات العُليا، زيلهيا جينكجي: "الجامعة مكان آمن، يمكنني أن أجد فيه السّلام، ممّا يساعدني على الهروب من السّياسة اليوميّة وضغط الاقتصاد المنهار".

من أجل ثقافة الحرّيّة والدّيمقراطيّة

ويقول الطّلاب إنّهم يقاتلون من أجل ثقافة الحرّيّة والدّيمقراطيّة الرّاسخة في الحرم الجامعيّ؛ حيث تجد الآراء المختلفة والمتضاربة صوتاً واحتراماً متساويين.

وبعد بدء الاحتجاجات، أهان وزير الدّاخلية طلّاباً من نادي مجتمع الميم بالجامعة، وباستخدام قطعةٍ فنيةٍ معروضةٍ في الحرم الجامعيّ يُزعَم أنّها شوّهت سمعة الكعبة كذريعة، اعتقلت الشّرطة متظاهرين من مجتمع الميم، وسارع الطّلّاب المتديّنون إلى الردّ على وسائل التّواصل الاجتماعيّ بدعم أصدقائهم المعتقلين.

يقول باغاتور: "تعتقد الحكومة أنّها تمتلك الدّين الإسلاميّ"، لكنّ المحتجّين أوضحوا أنّ تحالفهم متنوّع، كما أنّهم يقاومون فكرة أنّ المسلمين وأفراد مجتمع الميم يحملون بالضّرورة هويّات منفصلة، وبحسب دافران؛ فإنّ الحكومة "تحاول فرض هذه المعركة بين مجموعتين، أو أيّاً كان، والأشخاص الّذين معنا في الاحتجاجات من المسلمين ومن مجتمع الميم ومن كليهما".

اقرأ أيضاً: قرار جديد لأردوغان في الجامعات... هل تشهد تركيا ثورة الطلبة والأكاديميين؟

لم يكن القرار المتطرّف بتعيين شخصٍ غريبٍ في هذا المنصب المرّة الأولى الّتي حاولت فيها الحكومة العبث بمنصب رئيس جامعة بوغازيجي؛ ففي عام 2008، حاول الرّئيس آنذاك والعضو المؤسّس في حزب العدالة والتّنمية، عبد الله غول، تعيين آيسي سويسال، الّتي جاءت في المرتبة الثّانية في الانتخابات لمنصب رئيس الجامعة، ورفضت سويسال القرار مشيرةً إلى تقاليد بوغازيجي. وفي عام 2016؛ عيّن أردوغان محمّد أوزكان عميداً، متجاوزاً نسبة الـ 86 في المئة من الأصوات الّتي حصل عليها الفائز في الانتخابات، ولم يتمّ حتّى ترشيح أوزكان.

ويربط أوزتوران الاحتجاجات الحالية بعام 2016، عندما قرّرت الأندية الطّلابيّة إقامة أحداث غير رسميّة فقط، متجاوزةً موافقة أو رفض رئيس الجامعة "الوصيّ".

وبعد صدور مرسومٍ آخر منتصف الّليل من أردوغان بفتح قسمٍ قانونيٍّ وإدارة اتّصالاتٍ في بوغازيجي، وهو أمر مثير للسّخرية بالنّظر إلى الاعتقالات غير القانونيّة المزعومة، وسوء التّواصل في الاحتجاجات، أصدر الطّلاب رسالةً مفتوحةً متحدّيةً إلى الرّئيس، نهاية الأسبوع الماضي: "لا تخلط بيننا وبين أولئك الّذين يطيعونك دون قيدٍ أو شَرط، لست سلطاناً ولسنا رعايا"، ويُنظَر إلى إنشاء كلّيتين جديدتين على أنّه محاولة "طرواديّة" من جانب الرّئيس للسّيطرة على الاستقلال الأكاديميّ للجامعة، ورحّب بولو على الفور بالقرار، ومع توحّد هيئة التّدريس ضدّه، يحتاج العميد الجديد إلى مجموعةٍ جديدةٍ من الزّملاء  لإمالة الميزان لصالحه، ووفق باغاتور؛ فإنّه "من خلال فتح (أقسام جديدة) أصبحت لديهم فرصة لتعيين أساتذة مجدّداً لإبطال الجامعة".

وعلى غرار إعلان أردوغان الأخير بأنّه سيعمل على صياغة دستورٍ جديد؛ فإنّه من المرجّح أن تزيد هذه الخطوة من سلطته، ويبقى أن نرى ما إذا كان تأسيس قسمٍ قانونيٍّ جديد في مؤسّسةٍ مرموقةٍ سيساعد في أحدث مناورةٍ لأردوغان.

الطّلّاب مصمّمون على مواصلة القتال

بالرّغم من أنّ رئيس الجامعة يتوقّع أن تتلاشى الاحتجاجات في غضون ستّة أشهر؛ بينما الطّلّاب مصمّمون على مواصلة القتال، ومع توطيد أردوغان لسلطته، يواجهون تحدّيّاتٍ مماثلةٍ للحرّيّات والديمقراطيّة خارج أبواب بوغازيجي، وعن الاحتجاجات والأعوام المقبلة، تقول جنكجي: "هذا النّضال ليس الأوّل؛ ولن يكون الأخير".

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

كلاري بوش وميرف بيهليفان، "فورين بوليسي"، 9 شباط (فبراير) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية