عمليتان جديدتان لتنظيم داعش في سوريا والعراق بنكهة سياسية.. ما الجديد؟

عمليتان جديدتان لتنظيم داعش في سوريا والعراق بنكهة سياسية.. ما الجديد؟


22/01/2022

نفّذ تنظيم داعش عمليتين متزامنتين؛ الأولى في سوريا بالهجوم على سجن لمعتقلي التنظيم في الحسكة "شمال شرق سوريا" في عملية كان هدفها تمكين عناصر التنظيم من الفرار من السجن، وهو ما تمّ بهروب عدد من العناصر، ومقتل (40) عنصراً من داعش، و(23) عنصراً من قوات "قسد" الكردية، وبالتزامن مع هذه العملية لقي (11) جندياً عراقياً مصرعهم في هجوم استهدف مقرّاً للجيش العراقي في محافظة ديالى الواقعة شمال شرق بغداد، على بُعد أكثر من (120) كيلومتراً شمال العاصمة بغداد .

العملية كان هدفها تمكين عناصر التنظيم من الفرار من السجن

وتطرح العمليتان جملة تساؤلات حول سياقاتهما وحقيقة أوضاع وقدرة التنظيم على شنّ عمليات بهذا المستوى، لا سيّما في ظل تقديرات أمنية دولية وأمريكية كانت قد أشارت إلى انخفاض مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم داعش، بعد القضاء على هياكل الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، وتصفية زعيمها أبو بكر البغدادي، والشكوك بقدرة التنظيم من بعده على إنتاج قيادة قادرة على أن تشكّل خطراً وتهديداً كبيراً في العراق وسوريا، ودون أن يعني ذلك القضاء على خطر التنظيم بشكل تام، وفيما يلي قراءة لسياقات العمليتين، وارتباطهما بالتطورات السياسية في المنطقة:

أوّلاً: إنّ الرسالة الأساسية للتنظيم من هذه العمليات هي التأكيد على وجوده واستمراره، وامتلاكه القدرة على الحركة والتخطيط والتنفيذ، ولكن باستراتيجية جديدة، تتضمن التوقف عن الاستراتيجيات التي اتبعها تنظيم داعش بالتمكين في الأرض والانكشاف، والعودة إلى الاستراتيجيات التي يتبعها تنظيم القاعدة بشنّ حروب عصابات وكر وفر، من خلال مجموعات قتالية محدودة العدد والعتاد، وتنفيذ عمليات مباغتة والانسحاب في الوقت المناسب، وهو ما يعني الاعتماد على خلايا نائمة وعناصر غير مكشوفة لتقديم الدعم والإسناد، وكان التنظيم قد نفّذ عملية في بداية العام الجاري استهدفت رتلاً عسكرياً للجيش السوري في البادية السورية، مستخدماً التكتيك نفسه من خلال كمين أسفر عن مقتل (5) جنود وإصابة أكثر من (20).

ثانياً: ترتبط العمليتان بمرجعية القوى الفاعلة المستهدفة منهما بقوتين تقفان خلف الأكراد الذين يتولون إدارة منطقة الحسكة والسجون التي تضمّ كوادر وعناصر داعش، بدعم أمريكي وتحفظات تركية، وتتزامن مع هجوم تشنّه القوات التركية على مواقعهم وتحصيناتهم في شمال سوريا، فيما تقف إيران خلف الجيش العراقي الذي تمّ استهدافه في عملية ديالى، ومن الملفت للنظر أنّ سجن الحسكة ومقرّ الجيش العراقي تُعدّ مناطق محصنة مزوّدة بأجهزة مراقبة حديثة ومتطورة، وليس من السهل اختراقها.

 

تطرح العمليتان جملة تساؤلات حول سياقاتهما وحقيقة أوضاع وقدرة التنظيم على شنّ عمليات بهذا المستوى، لا سيّما في ظل تقديرات أمنية دولية وأمريكية كانت أشارت إلى انخفاض مستوى التهديد الذي يمثله التنظيم

 

ثالثاً: على ضوء تقديرات ومعلومات سابقة حول علاقات بين الفاعلين في ملفات المنطقة، وتحديداً في العراق وسوريا "أمريكا وإيران وتركيا"، والتوظيف السياسي من قبل كافة الأطراف لعمليات داعش وظاهرة الإرهاب عموماً، منذ انطلاقة التنظيم من العراق إلى سوريا لاحقاً، فإنّ عمليتي سجن الحسكة السوري وديالى العراقية غير بعيدتين عن هذا التوظيف.

اقرأ أيضاً: داعش إذ يحرّر سجناءه ويستهدف ميليشيات إيران في سوريا

 فإذا كانت تطورات المشهد السوري تشير إلى تصاعد المعارك بين الأكراد والجيش التركي، ولجوء "قوات قسد" لتجديد خطوط اتصالها مع الحكومة السورية للمساعدة بمواجهة الأتراك، فإنّ العملية تثير علامات استفهام، فيما إذا أرادت "قسد" التذكير بالدور الذي تقوم به في مواجهة الإرهاب، لا سيّما أنّ المظلة الأمريكية "العسكرية والأمنية" تغطي كلّ مساحات شرق الفرات، وربما أكدت تصريحات مسؤولين في قسد على ذلك بعد العملية مباشرة، بتوجيه اتهامات لتركيا بمساعدة الإرهابيين.

وفي العراق، فإنّ العملية تتزامن مع تطورات متزامنة لعل أبرز عناوينها ازدياد المطالبات العراقية بإنهاء الوجود الإيراني والأمريكي في العراق، بالتزامن مع جدالات حول تشكيل حكومة عراقية جديدة، بعد فشل حلفاء إيران في هذه الانتخابات، وقد جاءت عملية ديالى متزامنة مع زيارة قائد فيلق القدس "إسماعيل قاآني" للعراق ولقاءاته مع العراقيين، ومحاولاته إقناع "مقتدى الصدر" بالتحالف مع الأحزاب الشيعية، وربما كان لافتاً أنّ العملية استهدفت الجيش العراقي وليس الحشد الشعبي، في رسالة هدفها تذكير الأحزاب الشيعية باستمرار خطر داعش، وأنّ الجيش العراقي مستهدف قبل الحشد الشعبي.

 

الرسالة الأساسية للتنظيم من هذه العمليات هي التأكيد على وجوده واستمراره، وامتلاكه القدرة على الحركة والتخطيط والتنفيذ، ولكن باستراتيجية جديدة

 

رابعاً: إنّ تفسير سياقات العمليتين بمرجعية أمنية، ورغم ارتباطه بأهداف داعش لإثبات الوجود مجدداً، إلّا أنّها لا تنفي التوظيف السياسي من قبل أطراف فاعلة، تتطلع لإعادة طرح سيناريوهات لما ستكون عليه الأوضاع في سوريا والعراق في حال انسحابها، ودون أن يعني ذلك بالضرورة أنّ أحد الأطراف الفاعلة في سوريا والعراق وجّه بشكل مباشر تنظيم داعش لتنفيذ هذه العمليات، لكن المؤكد أنّ هناك اختراقات أمنية واسعة من قبل تلك الأطراف لداعش والقاعدة، وفي ظل تحوّل داعش لاستراتيجية حروب العصابات، عبر مجموعات قتالية منفصلة، فإنّ تلك الاستراتيجية تسهل تنفيذ مثل هذه العمليات.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية