عناد الديكتاتور "فرماجو" يدفع الصومال نحو الحرب الأهلية

عناد الديكتاتور "فرماجو" يدفع الصومال نحو الحرب الأهلية


27/04/2021

لا يمرّ يوم في الصومال دون حدث ينبئ بانزلاق البلاد نحو الصراع المسلح، بعد أن أخفقت كلّ السبل السياسية في حلّ الأزمة، التي تتمحور حول إصرار الرئيس المنتهية ولايته على الاستبداد بالسلطة، في بلد ذي تاريخ طويل في رفض الاستبداد السياسي.

والمثير للعجب أنّ فرماجو أقل من أن يكون ديكتاتوراً؛ فلا يملك قوى أمنية باطشة لقمع معارضيه، ولم يقدّم نجاحات يخدع بها فئات شعبية، أو يقنعها بقبول استبداده نظيرها، فخلال أربعة أعوام قضاها في الحكم لم يحقق شيئاً يذكر على مستوى الأمن والاقتصاد والتنمية؛ فخطر المجاعة يهدّد مناطق واسعة من البلاد، والنشاط الإرهابي يتمدّد.

الديكتاتور الهشّ

في الثامن من شباط (فبراير) الماضي، انتهت رسمياً ولاية الرئيس الصومالي، محمد عبد الله فرماجو، دون توافق مع القوى السياسية والولايات على خريطة لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وسبقها انتهاء ولاية البرلمان بغرفتيه، مجلس الشعب ومجلس الشيوخ، في 27 كانون الأول (ديسمبر) الماضي.

وكان البرلمان الصومالي قد مدّد ولايته قبيل انتهائها في موعدها المحدد بأيام، وهو أمر مشكوك في دستوريته، إذ لم ينص الدستور المؤقت لعام 2012 على حقّ البرلمان في تمديد ولايته، ونصّ صراحةً، في المادة (60)، على تحديد ولاية البرلمان بأربعة أعوام فقط.

شهدت مقديشو احتجاجات كبيرة ضدّ فرماجو

وقام مجلس الشعب، الذي يوالي معظم أعضائه الرئيس المنتهية ولايته، بتمديد سلطة الرئيس فرماجو لعامين، ووقّع فرماجو على مقترح التمديد، في 14 من شهر نيسان (أبريل) الجاري، في سابقة هي الأولى من نوعها، ولا شرعية دستورية لها، فلا يجيز الدستور استمرار أية سلطة بعد انقضاء ولايتها سوى حكومة تصريف الأعمال، وتنصّ المادة (103)، بعنوان "حكومة تصريف الأعمال"، على أنّه "في المدة التي تفصل بين الانتخابات العامة وأداء رئيس الوزراء الجديد القسم، فإنّ رئيس الوزراء السابق، وأعضاء حكومته، يستمرون في أداء المهام، وينفّذون الواجبات العادية كحكومة تصريف أعمال"، ويزيد غياب المحكمة الدستورية من استغلال الهيئات التشريعية في مخالفة الدستور.

نوايا فرماجو من وراء تغيير نظام الاقتراع تلخصت في سحب حقّ تعيين الرئيس من يد القوى العشائرية والولايات، ومنحه اسمياً للشعب

وبحسب المعارضة؛ فإنّ شرعية الرئيس والبرلمان انتهت في مواعيدها المحددة، ولا شرعية سوى لحكومة تصريف الأعمال، التي يرأسها محمد حسين روبلي، بعد إطاحة فرماجو بحسن علي خيري، خوفاً من استقلاله بالرأي عنه، وهو ما وضحته تطورات الأزمة؛ ففرماجو، الذي خطط لتمديد ولايته كخطة أخيرة للتشبث بالمنصب، لم يكن ليستطيع فعل ذلك في ظلّ وجود خيري، وكان عليه أولاً استبداله بشخصية ضعيفة يتحكم فيها.

وتولى فرماجو رئاسة الدولة، في شباط (فبراير) 2017، ومنذ اليوم الأول لولايته شرع في تأمين بقائه في السلطة عبر طريقين متوازيين؛ الأول العمل على تغيير قانون الانتخابات العامة، على المستوى الرئاسي والبرلماني، ليستبدل النظام العشائري الموجود، والمعروف باسم نظام (4.5)، بنظام الاقتراع المباشر (صوت واحد لكلّ مواطن)، ويمنح النظام العشائري الحقّ لكبرى العشائر في اختيار مندوبين عنهم ينتخبون أعضاء البرلمان، ثم ينتخب البرلمان بغرفتيه الرئيس في اقتراع سرّي.

رئيس المخابرات، فهد ياسين، يوصف بأنه الحاكم الفعلي للصومال

ولا خلاف على أفضلية الاقتراع المباشر، لكن هناك متطلبات سياسية وأمنية ومالية وتقنية يجب تحقيقها قبل الحديث عن تغيير جذري للواقع السياسي في البلاد، فبقاء نظام منقوص يحفظ الاستقرار أولى من نظام جيد يدفع البلاد إلى أتون الصراع مرة أخرى، خاصة أنّ الحكومة المركزية في مقديشو لا تحوز مكانة طيبة في نفوس الولايات، فالأخيرة تأسست قبل الحكومة الفيدرالية ذاتها، وكان على فرماجو، إن صدقت نواياه الإصلاحية، أن يعمل سوياً مع رؤساء الولايات لإصلاح متدرج للنظام السياسي، يتوازى مع إكمال هياكل السلطة الفيدرالية، ودمج القوى الأمنية وغيرها.

اقرأ أيضاً: كيف تدخلت تركيا بالحرب الأهلية في الصومال؟

لكنّ نوايا فرماجو من وراء تغيير نظام الاقتراع تلخصت في سحب حقّ تعيين الرئيس من يد القوى العشائرية والولايات، ومنحه اسمياً للشعب؛ حيث إنّه من السهل التزوير والتلاعب باسم الشعب، في ظلّ هيمنة الحكومة الفيدرالية على اللجان الانتخابية، وأخفق فرماجو في هذا المسعى.

وإلى جانب ذلك، شرع فرماجو في ضمان تعيين رؤساء ولايات موالين له، والسيطرة على أعضاء اللجان الانتخابية في الولايات، لضمان اختيار نواب في البرلمان مؤيدين لتجديد رئاسته.

وبالمال القطري تمكّن فرماجو من السيطرة على ولاية جنوب الغرب، عام 2018، ثم ولاية غلمدغ، مطلع عام 2020، وهيرشبيلي، في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، بالتالي، ضمان تأييد نوابهم في البرلمان لاختياره رئيساً، في الانتخابات المقبلة.

وإلى جانبهم؛ انفرد بتشكيل اللجنة الانتخابية الخاصة بأرض الصومال، والتي ستعقد انتخاباتها في العاصمة مقديشو، وبذلك لم يتبقَّ خارجاً عن سيطرته سوى ولايتَي؛ جوبالاند وبونتلاند، وبعد القطيعة بين خيري وفرماجو بدأت ولاية غلمدغ في الابتعاد عن الأخير، لتاريخ خيري الكبير فيها.

شهدت البلاد اشتباكات متعددة بين القوى الأمنية والجيش

وفي مقابل ذلك؛ كان للمعارضة، ممثلة في الأحزاب واتحاد مرشّحي الرئاسة وولايتَي جوبالاند وبونتلاند، دوراً كبيراً في عرقلة مخططات فرماجو، وبحضور المجتمع الدولي عقد الطرفان اجتماعات عديدة لحلّ أزمة الانتخابات، خلصت إلى توقيع اتفاق 17 سبتمبر، العام الماضي، الذي أقرّه مجلس الشعب، لكنّ فرماجو انقلب على الاتفاق، وعيّن لجنة الانتخابات الوطنية من الموالين له، ولجنة انتخابات أرض الصومال، وتجدّدت الأزمة في البلاد، وصولاً إلى عدم اعتراف ولايتي جوبالاند وبونتلاند بسلطة فرماجو والبرلمان، بعد انقضاء مدّتهما، وخروج مظاهرات شعبية ضدّ فرماجو، ومع تنامي الاحتقان السياسي وغياب أفق لحلّ الأزمة، بات خيار العنف المسلح قائماً بقوة.

العنف الأهلي

وتعدّ العشيرة هي الأساس الاجتماعي في البلاد، وتتوزع المناصب الكبرى، وحتى في المعارضة، على أساس عشائري، ويبدو فرماجو الأضعف عشائرياً، خاصة أنّ العشائر في محيط العاصمة تؤيد منافسين له.

وشهدت البلاد حوادث متعددة لصدامات بين قوى الأمن والجيش، وقوى شعبية مسلحة والجيش، وكذلك بين وكالة المخابرات، التي يرأسها فهد ياسين، رجل قطر في الصومال والحاكم الفعلي الخفي للبلاد، وعناصر أمنية من الجيش والأمن.

اقرأ أيضاً: تمرد داخل الجيش الصومالي بعد التمديد للرئيس دون انتخابات... تفاصيل

وكان آخرها اشتباكات بالأيدي بين عناصر من المخابرات وإدارة الجوازات في مطار مقديشو، منذ عدة أيام، فضلاً عن عمليات عسكرية نفذتها المخابرات ضدّ المعارضة.

وفي 20 من الشهر الجاري؛ عقدت قبيلة الهوية، إحدى كبريات القبائل اجتماعاً في العاصمة، حضره الرئيسان السابقان؛ شريف شيخ أحمد وحسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء السابق حسن علي خيري، وأعلن البيان الختامي رفض التمديد لفرماجو والبرلمان، وتوجيه إنذار إلى قائد القوات البرية وقائد الشرطة ومدير وكالة المخابرات والأمن القومي لدعمهم للتمديد غير القانوني لفرماجو.

السكرتير الدائم لمكتب رئاسة الوزراء الصومالي بين عامي (2015 - 2017) عبد السلام محمود جامع

وفي 25 من الشهر الجاري، وصلت قوة عسكرية من قواعدها في أجزاء من إقليم شبيلي الوسطى، إلى شمال العاصمة، معلنة تمردها على التمديد لفرماجو، ورفضت الانصياع لأوامر قيادة الجيش، وسيطرت على مناطق في شمال العاصمة، وتشهد البلاد تنامياً في الاغتيالات السياسية، طالت شيوخاً عشائريين بارزين.

وفي حديثه لـ "حفريات"؛ كشف الخبير السياسي الصومالي ومستشار التنمية الاقتصادية، عبد السلام محمود، جامع "سلوي"، تنامي المخاوف من انزلاق البلاد إلى صراع مسلح.

السياسي الصومالي عبد السلام جامع لـ"حفريات": هناك خوف من حرب أهلية، فالقبائل الرئيسة ترفض مخالفة فرماجو للقانون، وكلما تأخر الحلّ السياسي حضر الحسم المسلح

وأضاف جامع؛ أنّ هناك ثلاثة خيارات أمام فرماجو، بعد الرفض المحلي والإقليمي والدولي لتمديد ولايته، وهي: "رجوعه إلى مائدة المفاوضات، وهو الخيار الأفضل، لكنّه مستبعد، أو تجاهل الرفض المحلي والدولي، وفرض أمر واقع؛ لذلك تبعات من عقوبات دولية وعنف محلي، أو التوصل لاتفاق يقضي بقبول المعارضين التمديد بشكل فني وصوري، مرتبط بإجراء انتخابات، بوجود ضمانات دولية".

ويتابع جامع، الذي شغل منصب سكرتير دائم لمكتب رئاسة الوزراء بين عامَي (2015 و2017)، وشارك في عملية التحوّل السياسي التي أوصلت فرماجو للسلطة؛ أنّ "هناك خوف حقيقي من الانزلاق نحو حرب أهلية، فالقبائل الرئيسة ترفض مخالفة فرماجو للعرف والقانون، وكلما تأخر الحلّ السياسي زاد الاتجاه بينها نحو الحسم المسلح، وما تشهده العاصمة من اضطرابات أمنية وسياسية ينذر بذلك، ويزيد انحياز المخابرات الصارخ لفرماجو وتدخّلها السلبي في العملية السياسية من الخطر".

تلامذة الديكتاتور

ترتبط أحلام الديكتاتورية لدى فرماجو بعلاقاته القوية مع إثيوبيا وإريتريا، ويبدو أنّ الرئيس الإريتري، الديكتاتور العتيد أسياس أفورقي، أصبح معلماً لكلّ من رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، وفرماجو، ونشرت صحيفة رسماً ساخراً عن هذه التلمذة.

ويؤكّد رجل الدولة السابق، عبد السلام محمود جامع، التأثير الكبير لآبي أحمد وأسياس على الأزمة السياسية في البلاد، "آبي أحمد جعل من إثيوبيا الشقيقة الكبرى على الصومال بمباركة فرماجو، بعد أن كانت العدوة وأسياس أفورقي دفع فرماجو إلى الديكتاتورية بدل الديمقراطية، وهناك تدخلات أجنبية أخرى تدعم ذلك".

وتتمتع قطر بنفوذ هائل على الرئيس فرماجو، عبر رجلها فهد ياسين، الذي يدين له فرماجو بالفضل في وصوله لكرسي الرئاسة، وتعمل قطر على بقاء فرماجو في منصبه، ضمن مخططاتها للهيمنة على المنطقة، التي تتقاطع مع مصالح دول عربية أخرى، ولا يبدو أنّ المصالحة الخليجية وجدت طريقها إلى الصومال بعد.

رسم هزلي يصوّر تأثير أسياس أفورقي السلبي على آبي أحمد وفرماجو

ويفرض الوضع الصومالي على الجامعة العربية ودولتَي؛ السعودية ومصر، على وجه التحديد، مسؤولية كبرى للتدخل لجمع الفرقاء، وعدم ترك الصومال فريسةً لأطماع إريتريا وإثيوبيا، بما تقدمانه من نماذج سياسية فاشلة في بلديهما، وما يحدث في إثيوبيا من صراع داخلي وحرب أهلية، يدقّ ناقوس الخطر لما ينتظر الصومال، التي يسير رئيسها المنتهية ولايته على خطى نظيره في مدرسة الديكتاتورية؛ آبي أحمد.

وفي سياق متصل، قطعت الجهات المانحة للصومال دعمها على خلفية الأزمة، وتشكّل المنح نحو 70% من موازنة الحكومة الفيدرالية، وهو ما سينعكس سلباً على الأوضاع في البلاد، خاصة بعد عجز الحكومة عن دفع الرواتب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية