غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان

غاز القوقاز يورّط أردوغان في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان


12/10/2020

يعود الصراع حول ناغورني قره باغ إلى العام 1988، وقد وضعت الحرب أوزارها على إثر توقيع هدنة بين القوات الأذرية والأرمن، في العام 1994، بيد أنّ عوامل الخلاف لم تحسمها الاتفاقيات، ما جعل فصول الحرب تتجدد، كما حدث في العام 2016، ويتكرر الآن.

اقرأ أيضاً: أذربيجان بين عمائم إيران ومكر أردوغان

وكشف الصراع العسكري الذي اندلع بين البلدين، خلال الآونة الأخيرة، عن ملامح الصراع الإقليمي والدولي حول مصادر الطاقة، خاصّة فيما يتصل بتحركات الولايات المتحدة الأمريكية، بواسطة وكيلها التركي، الذي دخل ذلك الصراع أمام روسيا، بهدف الحد من هيمنة الأخيرة على إمدادات الطاقة من الغاز إلى أوروبا، من ناحية، وتشكيل رد فعل لتدشين منتدى شرق المتوسط، باعتباره منظمة إقليمية، مقرها القاهرة، دون اندماج أنقرة في ذلك المحور، من ناحية أخرى.

الصراع حول مصادر الغاز يعيد تشكّيل التحالفات الإقليمية

أضحى الغاز بمثابة الورقة الأهم في قضايا الاقتصاد والسياسة، الإقليمية والدولية، وعلى نحو ذلك فرضت الجغرافيا إرادتها، بحيث بدت تركيا خارج مسارات اللعبة؛ كونها لا تمتلك أي مصدر للطاقة، لكنّها في الوقت نفسه تمتلك الممرات التي يمكن للغاز أن يعبر من خلالها باتجاه أوروبا، الأمر الذي استوجب منها أن تنخرط في مواجهة جديدة أمام موسكو، بجانب مواجهتها العسكرية في سوريا وليبيا.

 

أضحى  الغاز بمثابة الورقة الأهم في قضايا الاقتصاد والسياسة، الإقليمية والدولية، وعلى نحو ذلك فرضت الجغرافيا إرادتها، بحيث بدت تركيا خارج مسارات اللعبة

 

لا شك أنّ جملة التغيرات الجيوستراتيجية التي ضربت العالم في السنوات الأخيرة، وانتهت بظهور قوى جديدة، بدت واضحة في تحركات الصين وروسيا، لخلق مناطق نفوذ، باتت تتشكل في سياق الصراع حول مصادر الطاقة، استجابة لاحتياجات الموجة الأخيرة من انفجار الثورة التكنولوجية ببعدها التقني؛ إذ تسعى بكين نحو مكافأة القوة والهيمنة الأمريكية على العالم، دون مواجهات خشنة، بينما جاءت تحركات موسكو استناداً إلى توغلها وانخراطها في صراعات خشنة داخل الشرق الأوسط، على خلفية الفراغ الذي أحدثه الخروج الأمريكي من المنطقة، الأمر الذي يبدو معه انفجار الصراع بين أرمينيا وأذربيجان عاملاً رئيساً، من عوامل تدهور الاستقرار الإقليمي والدولي، ما أوجد مساحة لاندلاع حرب بالوكالة، بهدف تصفية الحسابات المفتوحة على أكثر من جبهة، في ظل اتصال أطراف الصراع بشكل واضح ومباشر، بكل من أنقرة وموسكو.

أمن الطاقة إذ يحدد منطلقات الصراع

ترتبط مسألة أمن الطاقة التركي بأذربيجان، والتي تمثل واحدة من أهم الدول المصدرة للغاز الطبيعي، وتعتمد عليها أنقرة في بناء استراتيجيتها نحو تقليل نسبة اعتمادها على الغاز الروسي؛ إذ تشير بيانات العام 2020، إلى انخفاض واردات تركيا من الغاز الطبيعي، من إيران وروسيا، وفي الوقت ذاته ارتفعت واردات تركيا من الغاز الأذري والقطري، فضلاً عن رغبة أنقرة في الاعتماد على نقل النفط والغاز من أذربيجان الى أوروبا، عوضاً عن اعتماد الأخيرة على الغاز الروسي، الأمر الذي لا يمكن رؤيته بعيداً عن سعي أنقرة إلى توجيه ضربة قوية، تهدد أمن الطاقة الروسي، خاصّة في ظل أزمة فيروس كورونا وتداعياتها الاقتصادية على كافة دول العالم، ما يشي بوضوح إلى أنّ انفجار الصراع يرتبط بشكل واضح ودقيق بمجريات الأحداث حول أمن الطاقة في المنطقة، وكذلك مصالح القوى الإقليمية والدولية، أكثر مما يرتبط بالإقليم ومحدداته التاريخية. 

يبرز الاندفاع التركي الداعم لأذربيجان، وتهديداته الرسمية للطرف المقابل، وضعاً قلقاً؛ لعدم وجود مواقف موازية من قوى إقليمية، تواجه هذا التصعيد

ويبرز الاندفاع التركي الداعم لأذربيجان، وتهديداته الرسمية للطرف المقابل، وضعاً قلقاً؛ لعدم وجود مواقف موازية من قوى إقليمية، تواجه هذا التصعيد من جانب أنقرة، حيث هدّد وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، أرمينيا بأّنها "ستدفع ثمن اعتداءاتها على أراضي أذربيجان"، كما أوضح الرئيس التركي أنّ موقف بلاده الداعم بقوة لأذربيجان، يجعلها تواصل الوقوف إلى جانبها بكافة إمكاناتها وقدراتها، حتى تحرير قره باغ.

اقرأ أيضاً: هل تخدم حروب تركيا استراتيجيات أمريكا؟... أذربيجان نموذجاً

وبالفعل، وضعت تركيا كل أشكال الدعم العسكري لصالح أذربيجان، كما أجرى البلدان مناورات عسكرية مشتركة، اعتبرها مراقبون اختباراً لقدرات الجيشين، واستعراضاً للقوة، في سبيل تهديد أرمينيا والتلويح باستخدام القوة.

الأمن القومي الروسي يدخل على خطوط المواجهة

في المقابل تتقاطع جملة من الروابط الموضوعية؛ لتقدم تفسيراً لمدى اهتمام موسكو الاستراتيجي بتلك المنطقة؛ إذ يرى بوتين أنّها تحمل ظلال تاريخ الإتحاد السوفيتي، التي لا ينبغي التفريط فيها، كما تشكل جغرافيا جنوب القوقاز عمقاً استراتيجياً نحو المنافسة والصراع على الغاز الطبيعي في بحر قزوين، وخطوط إمداده نحو أوروبا، وكذلك تمثل أرمينيا تحديداً شريكاً استراتيجياً لروسيا، من الناحية السياسية والاقتصادية، وتتقاطع مع أذربيجان، في اعتبار موسكو مصدراً مهما للسلاح.

اقرأ أيضاً: كيف تجنبت روسيا الانجرار إلى الفخ التركي بصراع أرمينيا وأذربيجان؟

وعلى خلفية ذلك، يمكن قراءة الدور الذي تضطلع به موسكو في جغرافيا المنطقة، واكتشاف أنّه يماثل الدور التركي في آسيا الوسطى، وبالتالي يعادل ذات الأدوار والأهداف الأمريكية والأوروبية.

ولهذا يأتي تقدير الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنّ تمركز نفوذه في أرمينيا، يمنحه القوة؛ لممارسة مزيد من الضغط، لإحداث نوع من المزايحة في العلاقات السياسية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، خاصّة في ظل وجود جالية أرمينية في الولايات المتحدة، يمكن توظيفها لتفعيل هذا الضغط.

اقرأ أيضاًَ: ماذا تعرف عن رئيس أذربيجان إلهام علييف؟

على الرغم من كل تلك المعطيات، التي ربما يقدر البعض أنّها تزيد فرضية استخدام القوة الخشنة بين الأطراف المعنية، إلا أنّ كليهما، في حقيقة الأمر، لا يرغب يقيناً في انفجار الأوضاع، حيث يفضي التحليل الموضوعي لمسار الأحداث، إلى إدراك سعي كل طرف نحو وضع ورقة جديدة حول مائدة التفاوض، في ظل انخراط موسكو وأنقرة في تفاصيل الصراع العسكري في الداخل السوري والليبي، ما يصب أيضاً في عمق مسألة الصراع حول الطاقة وخطوط الإمداد، وهو ما يعطي مؤشراً على تمرير سيناريو إطالة أمد المواجهة الأرمينية الأذربيجانية، في ظل إصرار كل الأطراف على عدم تطور الأزمة لصراع مباشر بين القوى الرئيسية، وذلك حتى يتسنى ترتيب كافة الأوراق حول الملفات الأساسية إقليمياً ودولياً.

اقرأ أيضاً: لماذا يحاول أردوغان أسلمة الصراع بين أرمينيا وأذربيجان؟

وهكذا يتجلى استثمار الدول الإقليمية والقوى الدولية، للخلافات الإثنية والعرقية والدينية، من خلال استغلال لحظات محددة ومؤثرة في تشكل خريطة المصالح الاقتصادية والسياسية.

اقرأ أيضاً: تركيا متهمة دولياً بتأجيج الصراع بين أرمينيا وأذربيجان.. ما الجديد؟

ولا يمكن بأيّ حال من الأحوال، استيعاب كافة مسارات الصراع التي يخوضها، رجب طيب أردوغان، سواء في العمق السوري، أو الداخل الليبي، وكذا الزيارات المتعاقبة التى يقوم بها إلى الدوحة، بمعزل عن المواجهات السياسية، وحرب المصالح في مواجهة فرنسا ومصر واليونان وقبرص، ولا يمكن فهم كافة تلك التحركات خارج سياق ثروات شرق المتوسط، التي ترتبط بتحركات أنقرة في آسيا الوسطى، للدرجة التي دفعتها إلى دعم أذربيجان سياسياً وعسكرياً، بشكل تتموضع معه كفاعل رئيس في ذلك الصراع، وتنتقل منه إلى الضغط على الدب الروسي، في موقع جديد؛ لحصد أكبر قدر من المكاسب، عبر الصراع المشترك فيما بينهما من ناحية، وتحقيق جملة من العوائد الإيجابية للولايات المتحدة، في إطار صراعها مع الصين وروسيا في عدد من بقاع العالم، حيث تقدّر دراسات الأمن القومي الأميركي، تحركات أنقرة، باعتبارها استراتيجية وظيفية هامة في منظومة القوة الأمريكية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية