غزة: هل سلب الإنترنت الأجيال الجديدة صحبة الكتاب؟

غزة

غزة: هل سلب الإنترنت الأجيال الجديدة صحبة الكتاب؟


28/11/2018

اقتناء الكتب والمطالعة والاستعارة من المكتبات أمر طاله التغيير الذي انسحب على كثير من العادات التي تبدّلت في غزة؛ حيث أخذت الكتب تعتلي رفوف بعض المكتبات متلحّفة بالغبار لقلة الأيدي التي تمتد إليها، ولو على سبيل التصفّح، والمكتبات تشتكي جفاء الزائرين؛ وفق مختصين ومراقبين يحيلون هذا التراجع إلى انشغال غالبية الشباب بالمزايا التي تتيحها ثورة المعلومات خاصة عبر الهواتف الذكية.

اقرأ أيضاً: عندما يكون الدين جانباً من جوانب الثقافة

ويشكو مختصون، استطلعت "حفريات" آراءهم، تراجع القراءة والاهتمام بريادة المكتبات في القطاع؛ حيث يعزون ذلك إلى التطور التكنولوجي، وإقبال معظم شباب غزة على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل للقراءة أو الحصول على المعلومات.

مكتبات مع وقف التنفيذ

مكتبة ديانا تماري صباغ، في مركز رشاد الشوا الثقافي، التي تعدّ من أقدم وأكبر المكتبات في غزة، باتت تشتكي قلة الزوار، وتحوّلت أركانها فقط لمن يزور المركز، لحضور أمسية ثقافية أو فعالية من الفعاليات التي تحتضنها القاعات المتعددة.

المكتبات الخاصة في القطاع تعاني أيضاً قلة الزبائن الذين كانوا يقبلون على شراء الكتب المتنوعة

يقول أمين هذه المكتبة رائد الوحيدي (أبو صفوت) إنّها تفتح أبوابها يومياً، منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتى الرابعة مساءً، "ولا أبالغ بالقول إنّه في هذه الساعات الثماني لا نستقبل سوى أناس لا يتجاوزون عدد الأصابع، وغالبية من يترددون بهدف إعداد أبحاث مطلوبة منهم في دراستهم الجامعية، وهناك بعض الشباب الذين ألاحظ أنهم يأتون ليقضوا قسطاً من الراحة، وهناك من يكتفي بالجلوس مع هاتفه المحمول لتصفح الإنترنت".

ويضيف أبو صفوت "مكتبة ديانا تماري صباغ تمنح بطاقة العضوية والاستعارة لجميع الفئات، خاصة الشباب وطلبة الجامعات، ونسهل لهم إمكانية القراءة داخل القاعة، وكذلك استعارة الكتب لأوقات معينة للاطلاع عليها في المنازل"، لافتاً إلى أنّ الشباب لم يستغلوا هذه الفرص، وينشغلون بتصفح مواقع الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي".

مكتبة ديانا تماري صباغ

ضعف الإقبال

وبانتقال (حفريات) إلى مكتبة بلدية غزة، وهي أكبر المكتبات العامة في القطاع، وجدت أمينها، رأفت الصرفندي، يجلس بين رفوف المكتبة، محاولاً استثمار وقته في ترتيبها، في ظل عدم وجود زائرين كُثر ينشغل بمتابعتهم، وتوفير الكتب التي يحتاجون إليها، أو إعادتها إلى أماكنها بعد مطالعتها.

اقرأ أيضاً: التكنولوجيا والثقافة: من يخلق الآخر؟

يقول الصرفندي، بابتسامة تخفي وراءها الكثير من الحسرة: "منذ العام 2008؛ أعمل أميناً لهذه المكتبة، ولكم شهدت إقبال الزوار على قراءة الكتب واستعارتها، ومعظمهم من فئة الشباب وطلاب الجامعات، وكانوا يستغرقون وقتاً طويلاً، ويقضون جلّ أوقاتهم بداخلها لمطالعة الكتب، وكتابة المعلومات التي يريدونها على دفاترهم الخاصة، وهناك من كان يصور صفحات عديدة يحتاج إليها في دراسته الجامعية، لدرجة أنني كنت أتأخر عن موعد دوامي، ويتم إغلاق المكتبة في وقت متأخر".

مكتبة ديانا تماري صباغ إحدى أقدم وأكبر المكتبات في غزة باتت تشتكي قلة الزوار

ولكنه يستدرك قائلاً "منذ أربعة أعوام؛ تضاءلت نسبة الزائرين للمكتبة، بنسبة تزيد على 70%، وغالبية من يؤمها هم الطلبة الذين يبحثون عن ضالتهم، لإكمال بحث أو مشروع تخرج يعدونه، وبعض الشباب من قدامى رواد هذه المكتبة وأعدادهم قليلة".

وعزا الصرفندي قلّة تردد الزائرين على المكتبات العامة، إلى اتساع دائرة التطور التكنولوجي في غزة، وإدمان الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، لافتاً إلى أنّ المكتبة تضمّ أكثر من 20 ألف عنوان، لكتب متنوعة بين ثقافية وتاريخية وأدبية ودينية، جلّها تبقى على الرفوف لعدم استعارتها ومطالعتها، لافتاً إلى أنّ غزة تحتضن ما يقارب 25 مكتبة عامة وتجارية، تضمّ عشرات الآلاف من العناوين المهمة.

عزا الصرفندي قلّة الزائرين للمكتبات العامة لاتساع دائرة التطور التكنولوجي في غزة

جاذبية الإنترنت

الطالبة في كلية العلوم بجامعة الأزهر بغزة، نور عبد الرحمن (22 عاماً)، تقضي جلّ وقتها في إعداد واجباتها اليومية لدراستها الجامعية، وإنهاء متطلباتها الخاصة، وأما النصف الآخر من وقتها، فيذهب لتصفح شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت المتعددة.

أمين مكتبة بلدية غزة يؤكد أنّ جلّ من يؤمها طلبة يسعون لإكمال بحث أو مشروع تخرّج يعدّونه

وتضيف نور في حديثها لـ "حفريات" أنّ عدم مواظبتها على مطالعة الكتب بشكل مستمر، واكتفاءها بقراءة مذكراتها وكتبها الدراسية المقررة، جعلها خارج حسابات رواد المكتبات العامة، أو حتى مكتبة الجامعة التي لم تزرها أبداً منذ التحاقها بالجامعة.

تؤكد نور أنّ "مواقع الإنترنت المختلفة، وانتشار منصات التواصل، منحني مساحة كبيرة، فهي وسيلة سهلة لإعداد الأبحاث والدراسات للجامعة، ولا تستغرق ربع الوقت الذي ممكن أن أقضيه داخل المكتبة للبحث عن المعلومات"، مستدركة أنّها رويداً رويداً بدأت تدمن مواقع التواصل الاجتماعي، على حساب مطالعة الكتب على الإنترنت التي كانت غاياتها في البداية لولوج هذا العالم.

اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن "المكتبة الخالدية" في القدس

ولا تكاد حالة الطالب الجامعي، رامز خريس تختلف عن نور، فهو تحوّل من مدمن اطلاع وقراءة، إلى عاشق لشبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي؛ يقول خريس في حديثه لـ "حفريات": "كنت أعشق القراءة، لكن بعد استخدامي للإنترنت وجدت فيه أشياء كثيرة، ربما لم تكن لتتيحها لي الكتب، خاصة أنّني أدرس علم البرمجة، وجلّ دراستي متعلقة بشبكة الإنترنت، التي وجدت فيها ضالتي، ما ساعدني على الإبداع في تخصصي، واتساع رقعة علاقاتي الاجتماعية".

نصفي الآخَر

يعد الشاب شادي عبد العال نموذجاً مختلفاً؛ فهو ما يزال يعدّ الكتاب صديقه في الجانبين التثقيفي والتعليمي، يقول في حديثه لـ "حفريات": "أعشق القراءة منذ الصغر، ولا أجد ضالتي سوى في المطالعة الورقية، خاصة الروايات الأدبية والكتب الثقافية، فلا أستخدم مواقع الإنترنت بديلاً عن الكتاب، حتى لو قضيت وقتاً طويلاً في تصفح الكتب لإيجاد المعلومات".

نصر العوضي: أقضي جلّ وقتي في القراءة فخير جليس في الزمان كتاب

ويشاركه الرأي الشاب نصر العوضي (27 عاماً)، إذ يقول: "أنا أقضي جلّ وقتي في القراءة؛ فـ "خير جليس في الزمان كتاب"، فالكتاب صديقي، وهو نصفي الآخر، فالقراءة تجعل الفرد أكثر معرفةً وثقافة في أمور الدنيا، والثقافة هي معرفة بعض الشيء عن كلّ شيء، والعلم والتخصص هو معرفة كلّ شيء عن شيء".

اقرأ أيضاً: لماذا لا يشعل جاك أضواء المكتبة؟

ويشير في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّه يزور، بشكل مستمر، مكتبة بلدية غزة العامة، ومكتبات أخرى لمطالعة الكتب الثقافية والأدبية، إضافة إلى استعارة بعض العناوين المهمة التي لم يقرأها من قبل لقراءتها في البيت، لزيادة رصيده الثقافي والمعرفي.

تراجع مبيعات الكتب

المكتبات الخاصة في قطاع غزة تعاني هي الأخرى من قلة الزبائن الذين يقبلون على شراء الكتب المتنوعة؛ إذ يقول حاتم اليازجي، صاحب مكتبة ومطبعة اليازجي لطباعة وبيع الكتب، في حديثه لـ"حفريات": "الغزو الإلكتروني أثّر علينا سلباً، فتطبيقات "إنستغرام" و"فيسبوك" و"واتساب"، وغيرها من التطبيقات الإلكترونية، نجحت في سرقة من قد يكون يوماً قارئ كتاب أو زبوناً محتملاً لمكتبة".

معظم  الشباب هجروا القراءة منشغلين بالمزايا التي تتيحها ثورة المعلومات خاصة عبر الهواتف الذكية

ويواصل اليازجي حديثه قائلاً: "مبيعاتنا تراجعت بشكل كبير خلال الأعوام الأخيرة، فكنا نعتمد اعتماداً كلياً على طلبة الجامعات والمؤسسات التعليمية، لكنّ الحال اختلف كثيراً، وأصبحت الكتب آخر ما قد يفكر فيه الشباب"، مشيراً إلى أنّهم عمدوا إلى خفض أسعار الكتب للتشجيع على شرائها، لكنّ الأمر لم يتغير كثيراً، وفقه.

من جهتها، أبدت الكاتبة والروائية الفلسطينية، هند جودة، استياءها الشديد من "تراجع" الاهتمام بالقراءة في قطاع غزة، مشيرة إلى أنّ "ميول الشباب نحو مواقع التواصل جعلتهم يصرفون أنظارهم عن مطالعة الكتب"، مؤكدة ضرورة وجود إستراتيجية وطنية للنهوض بالحركة الثقافية، وتشجيع الشباب على القراءة، مؤكدة في حديثها لـ "حفريات": "القراءة هي الأسلوب الأمثل لبناء الشخصية المتوازنة التي تنمو وتتطور، لكنّ الشباب اليوم لا يدركون أهميتها، ويعتقدون أنّ القراءة تقتصر فقط على مطالعة كتب المساقات الدراسية، وبالتالي؛ نرى ضعف ثقافة خريجي الجامعات، وهذا يؤثر عليهم سلباً عند التقدم لامتحانات التوظيف التي تعتمد أساساً على الثقافة العامة".

الصفحة الرئيسية