فضيحة تهز الأمم المتحدة: التخلي عن قواعد العمل الأخلاقيّ

فضيحة تهز الأمم المتحدة: التخلي عن قواعد العمل الأخلاقيّ


28/05/2022

ترجمة: محمد الدخاخني

على الرّغم من أنّنا نُكتّلهم جميعاً معاً باعتبارهم "الأمم المتّحدة"؛ فإنّ منظومة الأمم المتّحدة لديها 37 هيئة والعديد من البرامج الأخرى، ولكلّ مؤسّسة غرضها ومهامّها، وبالطّبع الاختصار الذي يُشار به إليها. قد يُغفر لك إذا لم تسمع عن إحدى هذه الهيئات: "مكتب الأمم المتّحدة لخدمات المشاريع" (يونوبس).

يُعدّ هذا المكتب العمود الفقريّ لمنظومة الأمم المتّحدة؛ حيث يقدّم أيّة خدمة في أيّ قطاع، وإن كان ذلك مقابل رسوم باهظة، ويشمل ذلك: إدارة المشاريع الخلفيّة، والمشتريات، وتعيين الموظّفين، ومعالجة كشوف المرتّبات، والإدارة الماليّة، والخدمات اللوجستيّة، والبنية التّحتيّة. 

بالنّظر إلى أنّه لا يمكن لأيّة دولة معالجة هذه المشكلات بمفردها، يحتاج العالم إلى مزيد من التّعاون متعدّد الأطراف، الذي تكون الأمم المتّحدة في صميمه

ويُعدّ "يونوبس" مشروعاً كبيراً يقترب إجمالي أصوله من 4 مليارات دولار، ويعمل في 80 دولة من خلال 12,000 موظّف.

لكنّه تصدّر عناوين الصّحف هذا الشّهر، لجميع الأسباب الخاطئة، عندما أجبَر الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، المديرة التّنفيذيّة لـ "يونوبس"، غريت فاريمو، على الاستقالة. وقد تسبّب هذا، أيضاً، في إحراج النّرويج، وهي مموّل رئيس للأمم المتّحدة؛ لأنّ فاريمو سياسيّة ووزيرة نرويجيّة سابقة، ومغادرتها المخزية مثّلت صدى لسقوط نرويجيّ كبير، آخر عام 2018، إريك سولهايم، الذي ترأس "برنامج الأمم المتّحدة للبيئة".

تشمل تجاوزات فاريمو أسئلة حول "مبادرة الاستثمارات المستدامة في البنية التّحتيّة والابتكار".

قواعد العمل الأخلاقيّ والشّفّاف

 يبدو، وفقاً لنتائج تدقيق الأمم المتّحدة، أنّ قادة "يونوبس" قد تخلّوا عن كتاب قواعد العمل الأخلاقيّ والشّفّاف الخاصّ بهم ومنحوا ملايين الدّولارات لشريك واحد هو شركة قابضة تسمىّ "حلول الإسكان المستدام" (إس إتش إس)، التي اختيرت من دون منافسة، ومثابرة، وضمانات، وهي أشياء تعدّ إلزاميّة بموجب إجراءات الأمم المتّحدة.

كان من المفترض أن تقوم شراكة "يونوبس" مع "إس إتش إس" ببناء مليون منزل بأسعار معقولة للفقراء في ستّة أماكن: الهند، وباكستان، ونيجيريا، وغانا، وغينيا، ومنطقة البحر الكاريبي. لم يُبنَ منزل واحد حتّى الآن، بينما شُطِب 22 مليون دولار من الاستثمار البالغ 60 مليون دولار، ومن المشكوك فيه أن يُعوَّض الباقي في أيّ وقت قريب.

 أجبَر الأمين العام للأمم المتّحدة، أنطونيو غوتيريش، المديرة التّنفيذيّة لـ "يونوبس"، غريت فاريمو، على الاستقالة

على مرّ الأعوام، كُشِف عن سوء السّلوك، وسوء الإدارة، والاحتيال، والفساد في العديد من وكالات الأمم المتّحدة. ومع ذلك؛ فإنّ قضيّة "يونوبس" فريدة من نوعها؛ لأنّ ما حدث هناك يُزعَم أنّه حدث بتواطؤ مستهتر من قيادتها العليا، وبالنّسبة إلى أولئك المطّلعين على تاريخ الأمم المتّحدة؛ فإنّ القضيّة تستدعي تشابهاً مع "برنامج النّفط مقابل الغذاء"، سيئ السّمعة، التّابع للأمم المتّحدة في العراق، والذي عجّل بنهاية فترة ولاية الأمين العام الأسبق، كوفي أنان.

ظهرت مشكلة "يونوبس" فقط لأنّ شخصاً كانت لديه شجاعة الشّكوى والتّبليغ عمّا وقع من خروقات، كما يقولون، كانت المضايقة والتّرهيب مكافأته، وهي تجربة شَهِد موظّفو المنظّمة على أنّها ليست نادرة في "يونوبس"، فيما عدا هذه الحالة، تظهر أسئلة أوسع حول "المبادئ متعدّدة الأطراف"، والنّزاهة، والمُساءَلة، والرّقابة، والحوكمة.

حُدّدت المُثُل العليا للأمم المتّحدة، في ميثاقها التّأسيسيّ الشّعريّ، الذي يغلي بالمثالية ويمنح الأمل للمضطّهدين في كلّ مكان. والأمم المتّحدة موجودة لتحقيق العون من دون منفعة شخصيّة، ومن الواضح أنّ عملها يجب أن يُدفع له بطريقة ما، ولكن ليس من المفترض أن تستفيد من البؤس الإنسانيّ، أو تحوّل برامجها إلى فرصٍ لتحقيق الرّبح، ومع ذلك، فإنّ هذا هو بالضّبط ما فعلته "يونوبس"، من خلال فرض رسوم زائدة على وكالات الأمم المتّحدة الأخرى مقابل خدماتها، ممّا سمح لها بتكديس احتياطيّات ضخمة تبلغ حوالي 286 مليون دولار، ومن هذا المبلغ، وُضِع حوالي 100 مليون دولار جانباً للمقامرة، من خلال استثمارات هشّة، مثل: "مبادرة الاستثمارات المستدامة في البنية التّحتيّة والابتكار".

يتمتّع موظّفو الأمم المتّحدة بامتيازات تعني أنّه لا يمكن أن تلاحقهم سلطات إنفاذ القانون الوطنيّة بسبب ارتكاب مخالفات على أراضيها، ما لم يتنازل الأمين العامّ عن حصانتهم

إنّ سوق التّنمية مزدحم للغاية، وتوجد به العديد من الوكالات، وليس من المستغرب أن تتنافس هذه الوكالات، بما لديها من نماذج أعمال متنوّعة لتطوير مجالاتها المحدّدة، لكن هذه النّتيجة ضارّة لعدد كبير من المنظّمات ذات التّمويل الضّعيف وسياسات التّمويل المتداعية للجهات المانحة، طال انتظار إصلاح تمويل نظام الأمم المتّحدة، لكن لا تحبس أنفاسك.

مجالس إدارة

هذا بسبب تشويه للمحفّزات ناجم عن الطّريقة التي تدار بها الأمم المتّحدة.

 لدى وكالات الأمم المتّحدة مجالس إدارة مؤلّفة من دول أعضاء، وتضع هذه المجالس السّياسة، وتقرّ الإستراتيجيّة، وتوافق على الميزانيّات، وتشرف على تحقيق النّتائج، وتحاسب المديرين التّنفيذيّين، لكن مع وجود باب دوّار يسمح للحكّام والمحكومين بتبادل الأماكن، فمن الأفضل عدم طرح الكثير من الأسئلة المحرجة من الوكالة التي قد تنضمّ إليها يوماً ما. 

علاوة على ذلك؛ فإنّ الانضمام إلى إحدى هذه الوكالات يُتيح للفرد الاستفادة من رواتب الأمم المتّحدة الكبيرة غير الخاضعة للضّريبة والحصانات والامتيازات المرتبطة بها، إذ يمكن أن يكون هذا شكلاً مُفسِداً من تضارب المصالح، ويمكن أن يقوّض النّزاهة، خاصّة بالنّسبة إلى أولئك القادمين من حكومات لا تدفع لموظّفيها المستوى نفسه من الرّواتب.

بالإضافة إلى ذلك، في الوكالات التي تبلغ ميزانيّاتها مليارات الدّولارات اليوم، تتطلّب مراقبة الحوكمة معرفة موضوعيّة عالية التّطوّر، بالإضافة إلى مهارات التّطوير التّنظيميّ. مع استثناءات، غالباً ما تُفتقر مثل هذه الأشياء عند الدّبلوماسيّين الذين يشغلون المجالس التّنفيذيّة؛ فنادراً ما قام هؤلاء ببناء حيواتهم المهنيّة من خلال العمل في أنواع البرامج التي من المفترض أن يشرفوا عليها في الأمم المتّحدة. غالباً ما لا يكون من الصّعب على مديري الوكالات المُقنعِين خداعهم لتأييد سائر أنواع المخطّطات غير الخاضعة للتّدقيق.

مكتب الأمم المتّحدة لخدمات المشاريع" (يونوبس)

قد يفكّر المرء مرّتين قبل استثمار أمواله الشّخصيّة في أسهم شركة تدار بشكل غير احترافيّ، وقد تفتقر إلى ضوابط المخاطر وآليات المُساءَلة والامتثال المناسبة، ومع ذلك، فهذه هي المخاطر التي تتّخذها الحكومات أحياناً عندما تموّل وكالات الأمم المتّحدة ذات الميزانيّات الملياريّة، والتي يتبيّن لاحقاً أنّ بها مثل هذه الأخطاء.

 تشير الأدلّة إلى أنّ هذا قد يكون الحال في "يونوبس": كانت هيئة الرّقابة التّابعة لها نائمة أثناء العمل.

عندما تؤدّي المخاطر إلى كارثة، لا يكون النّظام موجّهاً بطريقة تمنع تكرار أخطائه. يتمتّع موظّفو الأمم المتّحدة بامتيازات تعني أنّه لا يمكن أن تلاحقهم سلطات إنفاذ القانون الوطنيّة بسبب ارتكاب مخالفات على أراضيها، ما لم يتنازل الأمين العامّ للأمم المتّحدة عن حصانتهم، لكن هذا نادراً ما يحدث؛ لأنّه غالباً ما يكون أسهل وأكثر حفظاً لماء وجه الأمم المتّحدة إذا غادر الموظّفون الذين ارتكبوا أخطاء بهدوء. 

هل ثمة محاسبة؟

يبقى أن نرى ما إذا كان المسؤولون عن الممارسات الخبيثة في "يونوبس" سيحاسبون بعد الاستقالة. قد يتغيّر ذلك، ولكن حتّى الآن، لم تقل قيادة الأمم المتّحدة شيئاً يُشير إلى أنّ هذا سيكون الحال.

علاوة على ذلك، حتّى عندما تُحقّق الأمم المتحدة بنفسها؛ فإنّ الوضع يميل إلى أن يأخذ شكل قضيّة داخليّة مُغلَقة تكون فيها الأمم المتّحدة المدّعي العامّ والقاضي وهيئة المحلّفين والسّيّاف. ونادراً ما تنشر هيئة التّحقيقات العليا بالأمم المتّحدة "مكتب خدمات الرّقابة الدّاخليّة" تقاريرها الكاملة، وهذا يجعل المُساءَلة العامّة أكثر صعوبة.

إذا أصبحت الأمم المتّحدة، من بين جميع الأماكن، مساحة تصعب فيها المُساءَلة؛ فإنّ التّفكير الذّاتيّ الجادّ مطلوب من العالم الذي اجتمع لتأسيسها. تُعدّ منظومة الأمم المتّحدة، بلا شكّ، مصلحة عامّة عالميّة خرجت من أهوال وأحزان الحرب العالمية الثّانية، والعالم في حاجة إليها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى؛ لأنّ الأزمات العديدة التي يواجهها، من صراعات وكوارث، ستزداد فقط مع تغيّر المناخ والضّغوط البيئيّة والاجتماعيّة الأخرى. وبالنّظر إلى أنّه لا يمكن لأيّة دولة معالجة هذه المشكلات بمفردها، يحتاج العالم إلى مزيد من التّعاون متعدّد الأطراف، الذي تكون الأمم المتّحدة في صميمه.

لكنّنا نحصل على ما نستحقّه، وفي النّهاية، لا تتمتّع الأمم المتّحدة إلّا بقوّة الدّول التي تتألّف منها، فضلاً عن صدق عزمها على جعلها محرّكاً للمصلحة الجماعيّة. 

تُعدّ كارثة "يونوبس" أكثر بكثير من مجرّد قصّة آثام جسيمة داخل وكالة تابعة للأمم المتّحدة؛ إنّها تمنحنا وقفة للتّفكير في أنّنا، في كثير من الأحيان، نأخذ الأمم المتّحدة كأمر مسلّم به، أو نسمح بإهمالها، أو إساءة إدارتها، أو إساءة استخدامها من أجل مصالح ذاتيّة ضيقة.

إنّ الاستمرار في القيام بذلك أمر محفوف بالمخاطر، وفي النّهاية مأساة لمواردنا العالميّة المشتركة.

المصدر:

موكيش كابيلا، "ذي ناشونال"، 20 أيار (مايو) 2022

https://www.thenationalnews.com/opinion/comment/2022/05/20/scandal-shakes-the-un-and-gives-us-lessons-in-how-to-reform-it/

مواضيع ذات صلة:

هل تُزعزع معارك إيلون ماسك مع الليبراليين إمبراطورية "تسلا"؟

ربع اليهود الأمريكيين يعدّون إسرائيل دولة فصل عنصري


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية