فلسطينيون من غزة لـ "حفريات": الآن بدأت معاناتنا الحقيقية

فلسطينيون من غزة لـ "حفريات": الآن بدأت معاناتنا الحقيقية


19/07/2021

سكتت أصوات الصواريخ في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، التي استمرت أحد عشر يوماً، لكنّ سكان القطاع ما يزالون يعانون من تداعياته رغم مرور قرابة الشهرين على انتهائه، فالبشر والحجر والشجر كانوا تحت مرمى صواريخ الاحتلال، والطائرات الحربية لا تفرق بين مدني أو عسكري، فكلّ سكان غزة كانوا تحت طائلة الاستهداف، والمعاناة الحقيقة بدأت بعد انتهاء الحرب؛ فمن لم يستشهد أو يصب، فقد أحد المقربين منه أو منزله أو مصدر رزقه.

الحرب لم تنتهِ بانتهاء القصف والاستهداف، بل بدأت بمرحلتها الثانية، وهي مرحلة الصراع مع النفس، والحسرة على ما تمّ فقدانه خلال الأحد عشر يومياً، فهذا العدوان كان بمثابة النكبة لعدد كبير من سكان القطاع، الذين يخشون تكرار تلك الجولة من القتال بعد وقت قصير.

معاناة مستمرة

أبو محمد المصري، من سكان بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، فقد منزله ومصدر رزقه خلال الحرب على غزة، ولم يستطيع تأمين مأوى له ولأسرته المكونة من ثمانية أفراد، فاضطر إلى وضع خيمة على أنقاض منزله المدمّر.

إقرأ أيضاً: الفلسطينيون يشدّون الرحال للأقصى لمواجهة إحياء ذكرى "خراب الهيكل"

ويقول أبو محمد المصري، لـ "حفريات": "معاناتنا لم تنتهِ بانتهاء العدوان، فعندما قُصف منزلي كنت متواجداً، أنا وعائلتي وكافة سكان المنطقة، داخل مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، هرباً من الموت، ولم تكن الصدمة قوية لأنّني لم أرَ المنزل بأمّ عيني، على عكس الصدمة  التي تعرضت لها بعد أن شاهدته مهدوماً بشكل كامل ولم يبقَ منه شيء".

أحمد حميد، والد الطفل صالح، لـ "حفريات": حياة صالح تغيرت كثيراً بعد فقدانه قدمه، وعندما يستذكر ممارسة كرة القدم مع زملائه بالمدرسة ورفاقه بالحي يشعر بالحزن

يضيف: "ليس من السهل أن يجد الإنسان تعب عمره مدمراً أمام عينيه، دون أن يستطيع فعل شيء، فما أزال أعاني من شدة الصدمة التي تعرضت لها بعد مشاهدة الدمار الذي حلّ بالمنزل، هذه الحرب كانت من أشدّ الحروب التي تعرضنا لها خلال السنوات الماضية، رغم قصر مدتها، فنحن نخشى أن نعيد بناء ما دمره الاحتلال، ويعاد السيناريو من جديد، ونعيش أوقاتاً عصيبة".

الصواريخ في قطاع غزة

يواصل حديثه: "صدمة خوف الإنسان على حياته، ومشاهدة منزله مدمراً أمام عينيه دون استطاعته فعل شيء، ومواجهة الأزمات الاقتصادية الناتجة عن الحرب الطاحنة التي تعرضنا لها خلال أيار (مايو) الماضي، لها تداعيات كثيرة على المدى البعيد لكّ لمن فقد شيئاً، فعندما أستذكر اللحظات الجميلة التي قضيتها برفقة عائلتي بداخله، أشعر بغصّة داخل قلبي".

حياة مأساوية

ووصف المصري حالته بالمأساوية لعدم قدرته على استئجار منزل يأويه هو وعائلته نتيجة عدم حصوله على تعويض حتى الآن، حيث إنّه اضطر إلى إقامة خيمة على أنقاض منزله المدمر، لكنّه يعاني الأمرّين خلال فصل الصيف؛ بسبب أشعة الشمس الحارقة، والتي فاقمت معاناتهم.

أما مرام حمدان (29) عاماً، فما تزال تعاني من اضطرابات نفسية نتيجة القصف العنيف الذي تعرضت له المنطقة التي تسكن بها خلال الحرب على غزة، إذ إنّها نجت وأطفالها من الموت المحقق، وشاهدت أشلاء جيرانها ملقاة على الأرض".

إقرأ أيضاً: الاحتلال الإسرائيلي جعل سلوان المقدسية "حدائق توراتية" للاستيلاء عليها

وتروي مرام، لـ "حفريات"، ما تعرضت له خلال الحرب على  غزة وكيف أثر ذلك على نفسيتها، قائلة: "في إحدى ليالي العدوان على غزة كنت جالسة مع أطفالي بأمان، وأتحدث معهم عن شيء لا علاقة له بالقتل والدمار، حتى لا يتأثروا بما يحدث حولهم، لكنّ الاحتلال كان مصراً على أن يعرضنا لحالة نفسية من الصعب الخروج منها، فقد أطلقت الطائرات الإسرائيلية وابلاً من الصواريخ على المنطقة التي نسكنها، وارتكبت مجزرة بحق عدة عائلات".

مشاهد قاسية

تردف قائلة: "بعد سماع دوي الانفجارات الضخمة، وسقوط جزء من المنزل نتيجة القصف، بدأ أطفالي بالبكاء، وأحدهم قال لي "رح نموت يا ماما"، فانهمرت بالبكاء، ولم أستطع فعل شيء، وبعد ساعة تمكنت طواقم الدفاع المدني من الوصول إلينا وإنقاذنا، وأثناء خروجنا من المنزل شاهدت الدمار الكبير الذي حلّ بالمنطقة، والأشلاء ملقاة على الأرض، تلك المشاهد قاسية، ومن الصعب أن ننساها بسهولة".

...

 تتابع: "ما تعرضنا له خلال الحرب الأخيرة على غزة يختلف تماماً عن كافة الحروب السابقة، الاحتلال الإسرائيلي زرع الخوف والرعب في قلوبنا؛ فطائراته كانت تستهدف المدنيين بشكل مباشر، لزرع الخوف في قلوبهم، فعلى الرغم من انتهاء العدوان إلا أننا لا نشعر بالأمان على الإطلاق، ونخشى أن تباغتنا الصواريخ الإسرائيلية فجأة، كما حدث مع عشرات العائلات".

علاء أبو حطب: في ثاني أيام عيد الفطر استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلي بعدد من الصواريخ ، وفقدتُ زوجتي وكافة أبنائي وشقيقتي الوحيدة، هي وأطفالها

وامتدت جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة إلى نواحٍ مختلفة من حياة سكان القطاع؛ فوصلت إلى حدّ مسح عائلات بأكملها من السجل المدني، وما زاد تلك المعاناة أنّ قليلين فقط من تلك العائلات نجوا بأعجوبة من الموت المحقق، ليبقوا طوال حياتهم يستذكرون عائلاتهم، ويعيشون بحسرة وألم على فقدانهم، كما حدث مع المواطن علاء أبو حطب الذي فقد زوجته، وكافة أطفاله، وشقيقته الوحيدة.

لم يبقَ سواي وطفلتي

 يقول علاء أبو حطب، في حديثه لـ "حفريات": "في ثاني أيام عيد الفطر استهدفت طائرات الاحتلال الإسرائيلي منزلي بعدد من الصواريخ ، وراح ضحية تلك المجزرة زوجتي وكافة أبنائي وشقيقتي الوحيدة، هي وأطفالها، ولم يبقَ سوى أنا وطفلتي التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، فالاحتلال تعمّد على قصف المنزل دون سابق إنذار، وحوّل حياتي إلى مأساة.

سقوط جزء من المنازل نتيجة القصف

يضيف بصوت منخفض ودموعه تعتلي محياه "بعد انتهاء العدوان بدأت معركة جديدة بيني وبين نفسي، فعندما أضع رأسي على وسادتي أستذكر اللحظات الجميلة التي قضيتها مع زوجتي وأطفالي؛ ضحكاتهم وصراخهم وهم يلعبون لم يغيبوا عن مخيلتي أبداً، ودائماً أراهم بالأحلام، فالاحتلال سلب مني أغلى ما أملك، وجعلني في حيرة وحسرة طوال حياتي."

وكان للأطفال نصيب من الاستهداف الإسرائيلي خلال الحرب، حيث استشهد (67) طفلاً، وأصيب العشرات، منهم من فقدوا أطرافهم، وتغيرت حياتهم مبكراً، ولم يستطيعوا تحقيق أحلامهم، كما حصل مع الطفل صالح حميد (7) سنوات الذي لم يستطع تحقيق حلمه بأن يكون لاعب كرة قدم، بسبب بتر إحدى قدميه بعد تعرضه للقصف في اليوم الخامس للعدوان.

كيف تغيرت حياة صالح؟

ويقول أحمد حميد، والد الطفل صالح، في حديثه لـ "حفريات": "حياة صالح تغيرت كثيراً بعد فقدانه قدمه، وعندما يستذكر ممارسة كرة القدم مع زملائه بالمدرسة ورفاقه بالحي يشعر بالحزن، فكان حلمه أن يصبح لاعباً مشهوراً، ويمثل فلسطين بالمحافل الدولية، لكنّ صواريخ الاحتلال اغتالت هذا الحلم، وجعلت تحقيقه مستحيلاً".

يضيف: "بعد إلحاح صالح وإخوته اصطحبتهم إلى شاطئ البحر للترفيه عن أنفسهم، فبدأ صالح ينظر إلى الأطفال وهم يسبحون ويلعبون كرة القدم، وهو غير قادر على ممارسة تلك الرياضة التي يعشقها، فلم يستطع السيطرة على نفسه وبدأ بالبكاء، وسألني: "أنا ليش ما بقدر ألعب مثلهم؟"، معاناة صالح لم تنتهِ بعد انتهاء الحرب، بل سوف تستمر طوال حياته.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية