في ذكرى تأسيس جماعة الإخوان: احتفاء يعمّق الانشقاق

في ذكرى تأسيس جماعة الإخوان: احتفاء يعمّق الانشقاق


20/03/2022

يحتفل الإخوان المسلمون بذكرى تأسيس جماعتهم في آذار (مارس)، فقبل (94) عاماً أسّس حسن البنا جماعة الإخوان في مدينة الإسماعيلية، وفق قانون الجمعيات الأهلية، لتكون جمعية دعوية تهتم ببناء المساجد وافتتاح الكتاتيب لتحفيظ القرآن الكريم، ثمّ سرعان ما انتقلت إلى العاصمة القاهرة، واشتبكت مع عالم السياسة بتقلباته وانتهازيته، مستترة بستار الدين والدعوة إلى الله.

يُذكر أنّ احتفالات الجماعة بذكرى التأسيس أخذت أشكالاً مختلفة عبر مراحل الجماعة، ففي عهد المؤسس حسن البنا كان الاحتفال عبارة عن مؤتمر عام للإخوان يشرح لهم فيه آخر مستجدات جمعيتهم، ثم اختفى هذا التقليد في أعوام الخمسينيات والستينيات، نظراً لما واجهته الجماعة من صدام مع النظام السياسي وقتها، ثمّ في التأسيس الثاني أصبح الاحتفال عبر مجموعة مقالات في الصحف التابعة للجماعة، أو حوارات مع بعض الشخصيات التي عاصرت المؤسس في الإسماعيلية، أو إلقاء خطب في المساجد التابعة للإخوان.

غير أنّ الجماعة حرصت بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013 على صنع مناسبات مختلفة لإحيائها، مثل ميلاد المؤسس، وذكرى التأسيس، وذكرى مقتل المؤسس، وإفطار رمضان، وكلّها مناسبات الغرض منها التجمّع وتصدير خطاب الجماعة للناس وللصف، لإقناعهم بأنّ الإخوان باقون وما يزالون يعملون، رغم ما تعرّضوا له من نكبات أو هزائم، وأنّهم قادرون على العودة، وما على الصف والقيادة إلّا أن يتبعوا خُطى حسن البنا، والتمسّك بمناهجه وأفكاره ووسائله.

 احتفالات الإخوان المسلمين بذكرى التأسيس أخذت أشكالاً مختلفة عبر مراحل الجماعة

غير أنّ الاحتفال هذا العام مختلف بالكليّة، فالذكرى تحلّ والجماعة تعاني من الانشقاقات والاتهامات المتبادلة بين قادتها، فضلاً عن الهزائم المتتالية في العديد من الأقطار العربية والإسلامية، وانحسار شديد في عدد المؤيدين لطرحها الفكري والتربوي والسياسي، ولأوّل مرّة يُعلن عن احتفالين للمناسبة الواحدة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون وإيران وتجليات الانتهازية السياسية

فمجموعة إبراهيم منير تحتفل في لندن عبر رسالة لنائب المرشد والقائم بالأعمال "إبراهيم منير" تحت شعار (اعتزاز بالمنهج وتجديد للعهد)، يؤكد فيه التفافه ومجموعته حول أفكار المؤسس ومنهجه، وكأنّها رسالة للصف الإخواني بأنّهم الأحقّ بحمل رسالة الإخوان، وأنّ مجموعته لهم الشرعية التنظيمية، وهم وارثو فكر حسن البنا، المحافظون على عهود الجماعة، المستحقون لبيعة كلّ الإخوان.

وممّا جاء في رسالته بمناسبة إحياء ذكرى التأسيس: "أيّها الشباب، تعرّفوا على مبادئ دعوتكم ومواقفها وإنجازاتها وتاريخها ورجالاتها جيداً، ليزداد اعتزازكم بها، ولا تنخدعوا عنها بغيرها، اسمعوا للجميع"، كإشارة لكونه الوريث الوحيد لجيل الآباء المؤسسين، ويضيف منير: "ولكن لا تُصدّقوا كلّ ما يقال، فليس كلّ متكلم صادقاً في نصحه"، وهنا يغمز من مجموعة محمود حسين، ويتهمهم بعدم الصدق.

 

اقرأ أيضاً: بين مرشدين اثنين.. كيف يتشابه الإخوان وإيران؟

ويستكمل: "ولا تحزنوا كثيراً لتخذيل أو سخرية تصدر من غافل أو قاعد أو حاقد، فلا يصح أن نكون ألعوبة في يد كلّ متكلم نميل معه حيث مال"، وهنا يوجّه اتهاماته بشكل صريح لهذه المجموعة بأنّهم غافلون حاقدون قاعدون عن العمل"، ثمّ يمتدح مجموعته بقوله: "فقد أنضجتنا التجارب والتضحيات؛ واعلموا أنّ من ينتقدنا ببرهان يقوّينا ويُبصِّرنا بأخطائنا وعيوبنا وبما غاب عنا، فلسنا معصومين، وله منا كلّ الاحترام، حتى لو جرَّح في نقده، فننتفع بنصحه، ولن يضرَّنا تجريحه؛ بشرط أن نكون واثقين من طريقنا نمضي فيه على بصيرة، ونحمل دعوتنا بكلّ قوة واعتزاز"، ثم يُحذّر الصف بقوله: "تُرى ما آخر طريق التشكيك بغير وعي في النفس والمنهج والثوابت؟"، ويختم رسالته ببيتين من الشعر شهيرين في أدبيات الإخوان:

جــدّد العهد وجنّبني الكـــــلام         إنّمـــا الإسلام دين العاملين

وانشر الحق ولا تخشَ الطغاة         فبصدق العهد يعلو كلّ دين

بينما المجموعة المناوئة في إسطنبول، التي يتزعّمها محمود حسين، والتي نصّبت مصطفى طلبة قائماً بالأعمال بدلاً من إبراهيم منير، سعت لحسم الصراع المحتدم بينهما بإقامة حفل ذكرى التأسيس، أعلنوا أنّه موسّع، وستحضره شخصيات متعددة، وذلك في قاعة بلدية زيتون برونو بإسطنبول، وأخذت المجموعة تروّج للمؤتمر وتصفه بـ"الدولي"، وترتب له ليكون تدشيناً لظهورهم كأنّهم القيادة الحقيقية للجماعة، لهذا اختاورا شعاراً للحفل (أصالة واستمرارية) كرسالة واضحة للجميع، وهي أنّهم أصحاب الشرعية التنظيمية، وأكثر مجموعة حارسة لأفكار حسن البنا التربوية والتنظيمية والفكرية، وأنّهم بظهورهم يعلنون عن تمسكهم بمواقفهم ضد إبراهيم منير، ومستمرون في طريقهم، وأنّ على الجميع اتباعهم، والتخلي عن مناصرة المجموعة الأخرى.

نقلت قناة وطني التابعة لمحمود حسين الحفل، الذي بدأ بكلمة للدكتور مصطفى طلبة ممثل لجنة القائم بالأعمال، ثمّ تلتها كلمة متلفزة للدكتور محمود الزهار القيادي في حركة حماس، ثمّ أنشودة "أخي أنت حر وراء السدود"، وكلمة الدكتورة منى صبحي خبيرة قضايا الأسرة والفكر التربوي، ثمّ كلمة "علي حمد" المتحدث الإعلامي للمجموعة، ثمّ تلتها كلمة "عبد الرحمن فتحي"، وقد زعم مقدّم الحفل أنّه ممثل عن شباب الجماعة.

 الاحتفال هذا العام مختلف بالكليّة فالذكرى تحلّ والجماعة تعاني من الانشقاقات والاتهامات المتبادلة

وممّا جاء في كلمة طلبة التأكيد على أنّهم ملتزمون بخطى حسن البنا وبنظام الجماعة الأساسي، وتحدثت عن العراق د.أسماء الديلمي، ثمّ تحدث الدكتور محمود حسين، وقدّمته مقدّمة الحفل بوصفه عضو مكتب الإرشاد المصري والعالمي، ثمّ أنشودة "نحن الذين بايعوا محمّدا على الجهاد والفدا"، ثمّ كلمة "آيات محمد مسعد"، وقد قدّمها مقدّم الحفل كممثلة للشابات الأخوات المسلمات، ثمّ كلمة د. نديم شوداري ممثل عن الجماعة الإسلامية بباكستان، ثمّ كلمة عبد السلام عبد الحكيم رئيس حركة الجيل الجديد لتركستان الشرقية، وتركستان الشرقية هي المصطلح التركي لإقليم سانج الصيني الذي يقطنه المسلمون الإيغور، وقد تحدّث عن مشكلة المسلمين في الصين أكثر ممّا تحدث عن ذكرى التأسيس، ثمّ تحدّث محمد إبراهيم ساعدي بصفته ممثلاً عن جمعية الدعوة والإصلاح الإيرانية السنّية، ثمّ تحدث الدكتور عمر شيخ إدريس نائب المراقب العام للإخوان في السودان في كلمة متلفزة، وختم الحفل طلعت فهمي المتحدث الرسمي للإخوان، الموالي لمجموعة إسطنبول.

ومن اللافت للنظر أنّ الدعاية للمؤتمر أوهمت المتابعين أنّ ثمة شخصيات ذات تاريخ إخواني كبير سوف تحضر الحفل لتدعم المجموعة، ولتثبت للجميع التفاف الإخوان حول محمود حسين، وهذا لم يحدث، فكثير من المتحدثين لا وزن لهم تنظيمياً سوى محمود الزهار وعمر شيخ إدريس، ممّا جعل أنصار إبراهيم منير يصفون الحفل بـ"المهزلة"، والنجاح الوحيد للحفل هو أنّ المنظمين نجحوا في حشد كثيف لنساء الإخوان، وربّما كثرة الأخوات المؤيدات لمحمود حسين سيكون له وزن في الصراع، هذا الحضور النسائي ظهر في وجود سيدة ضمن مقدّمي الحفل، وكذلك قيام أخت بالهتاف بشعار الجماعة كاملاً،  في سابقة من نوعها.

اقرأ أيضاً: الإخوان وإيران.. الحكم للتنظيم وللإنسان وعود بالجنة

من الواضح أنّ حفل هذا العام عمّق الخلاف والانشقاق والتناحر الذي بدأ في كانون الأول (ديسمبر) 2021، ومايزال حتى الآن بين مجموعات الإخوان، ويمكننا القول إنّه قد تحوّل من انشقاق إلى انشطار كامل للجماعة، من الرأس حتى آخر الصف، فكلّ مجموعة لديها قواعدها وهيكلها التنظيمي، وكلّ منهما لديها تمويلها الأجنبي، ولديها الظهير الدولي المؤيد لها والمتعاون معها، سواء المخابرات التركية لمجموعة إسطنبول، أو المخابرات البريطانية لمجموعة لندن.  

هذا الانشطار يعني أنّنا أمام جماعتين لا جماعة واحدة، رغم اتفاق المجموعتين على مرجعية حسن البنا، واتباع الوسائل التربوية نفسها، وكذلك المناهج الفكرية والتربوية، وحتى استخدامهم للهيكلة التنظيمية ذاتها، مع ادّعاء كلّ مجموعة أنّها تمثل الشرعية، وغياب تام لرأي إخوان السجون، ورأي المرشد العام محمد بديع، الذي يمكن أن يحسم هذا الخلاف بكلمة، فهو صاحب البيعة، وله أن يمنح الشرعية أو يحجبها عمّن يريد، هذا الغياب وتلك الادعاءات خلقت حالة من البلبلة والضبابية ألقت بظلالها على مستقبل الجماعة ودورها في الأحداث العالمية القادمة، هذا الوضع المقلق سيفرض حتمية استيلاء مجموعة على مقاليد الجماعة، إنّ عاجلاً أو آجلاً، فقواعد الصف الإخواني، سواء في مصر أو في العالم، لن يتحمّلوا وجود جماعتين تتحدثان باسم الإخوان أكثر من هذا، وخوفاً من تشظّي الجماعة وفقدان وظيفتها ربما سيتدخل بعض من لهم الكلمة لحلّ الأزمة واعتماد مجموعة دون الأخرى.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية