قضية الصحراء والخلافات المغربية الجزائرية: حقل ألغام لا يهدأ

قضية الصحراء والخلافات المغربية الجزائرية: حقل ألغام لا يهدأ


15/11/2021

إذا كانت قضية الصحراء المغربية/ الغربية تمثّل الأزمة السياسية التاريخية بين الجارتين؛ المغرب والجزائر، فهي بالنسبة لبقية دول العالم حكومات وأفراداً تمثّل حقل ألغام يجب احتساب كل خطوة فيه؛ لتجنب انفجار لغم من الغضب المغربي أو الجزائري في وجه من يخاطر بعبور هذه المنطقة.

وكثيرٌ ما تتعقد العلاقات الخارجية لكلا الدولتين مع دولة ثالثة بسبب الموقف من هذه القضية، التي يعتبرها المغرب جزءاً من وحدته الترابية، بينما تعتبرها الجزائر من حقّ الشعب الصحراوي، وبين الموقفين موقف دولي مُوثق في الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، وهو موقف عاجز عن مواكبة التغيرات التي شهدتها القضية منذ انسحاب المستعمر الإسباني عام 1976.

تُصنف المغرب جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، وتطالب المجتمع الدولي بإنقاذ اللاجئين في مخيمات تندوف من الانتهاكات التي ترتكبها الجبهة بحقّ السكان من الأقاليم الجنوبية

وتبقى هذه القضية بمثابة حقل البنزين بين المغرب والجزائر، والذي يشتغل إذا ما ألقى أي طرف فيه عقب سيجار مشتعل، كما هي حال آخر فصول الأزمة، بعد اتّهام الجزائر للمغرب بقتل ثلاثة من مواطنيها في المنطقة العازلة عند معبر الكراكات، بالقرب من الحدود الموريتانية، وهو ما نفته المغرب عبر إعلامها، ولم تُعلق عليه رسمياً، وتأتي هذه الأزمة في خضم أزمة أوسع منذ الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء، والتطبيع المغربي مع إسرائيل، وما تبعها من قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجارتين بقرار من الجزائر، في شهر آب (أغسطس) الماضي.

جذور الأزمة

وتبدأ الجذور القانونية للأزمة في مؤتمر برلين عام 1884 الذي اعترف بالاستعمار الإسباني في الصحراء الغربية، وقبل هذا التاريخ حدث تبادل أدوار ووُجدت بعثات استكشافية غربية بين القوى الاستعمارية الأوروبية؛ إسبانيا، والبرتغال، وهولندا، وفرنسا، وبريطانيا.

صور من المسيرة الخضراء

وتقع الصحراء الغربية/ المغربية أو الأقاليم الجنوبية وفق التقسيم الإداري المغربي، جنوب الحدود المغربية لعام 1974، ويحدها من الشرق الجزائر وموريتانيا، ومن الجنوب موريتانيا، ومن الغرب المحيط الأطلسي، وتمارس المملكة المغربية السيادة على معظم الصحراء، حتى معبر الكراكات مع الحدود مع موريتانيا، وتوجد مناطق غير خاضعة للسيادة المغربية، وتعتبرها جبهة الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، جبهة "البوليساريو" أراضي مُحررة، وتسيّر فيها دوريات مسلحة.

إقرأ أيضاً: قانون أمريكي جديد يتعلق بالبوليساريو!

وبتوقيع اتفاق مدريد عام 1975 بين المستعمر الإسباني ودولتي المغرب وموريتانيا، تمّ تقسيم الصحراء بين الدولتين، وحصلت بموجبه المغرب على ثلثي الصحراء، وموريتانيا على الثلث المجاور لها، والمعروف باسم وادي الذهب، وفي عام 1979 انسحبت موريتانيا من وادي الذهب، وبسط المغرب سيادته على المنطقة.

وشهد العام 1975 قيادة العاهل المغربي، الملك الحسن الثاني لمسيرة شعبية جارفة، عُرفت باسم "المسيرة الخضراء" والتي نجحت في طرد الاستعمار الإسباني، وضمّ معظم الأراضي الصحراوية إلى التراب المغربي.

جبهة البوليساريو

وبحسب وجهة النظر المؤيدة للموقف الجزائري، وما يُعرف باسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية" تأسست الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو) في عام 1973، لتحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الإسباني، ثم تحرير المنطقة من الوجود المغربي، وصولاً إلى إقامة الدولة الصحراوية المزعومة.

زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي

وترى المغرب أنّ تأسيس الجبهة هو جزء من الصراع السياسي مع الجزائر منذ الاستقلال بسبب الخلاف الحدودي، وتقول وجهة النظر المغربية في موقع "الصحراء" الحكومي: "بعد نجاح المسيرة الخضراء، وتمكن المغرب من إبرام اتفاقية مدريد مع إسبانيا، التي أقرت بحق المغرب في صحرائه، عملت الجزائر على خلق حركة البوليساريو، وتمكنت من استضافتها بأراضي تيندوف، مستغلة بذلك خلافاتها مع المغرب حول الحدود المشتركة، فقامت باقتياد قسم من ساكنة الصحراء المغربية إلى مخيمات تيندوف التي سمتها مخيمات اللاجئين الصحراويين".

إقرأ أيضاً: أزمة البوليساريو والمغرب تنتقل إلى اليابان... تفاصيل

وخاضت الجبهة معارك عديدة ضدّ القوات المغربية حتى توقيع وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة عام 1991، والذي ظل صامداً حتى إعلان الجبهة إنتهاء العمل به في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، والذي شهد عدّة هجمات وقصفاً من الجبهة على المعبر الحدودي مع موريتانيا، وكانت القوات المغربية أقدمت على فرض الأمن في الشريط الضيق العازل بين الصحراء وموريتانيا لتأمين الطرق الدولية، بعد تهديدها من قبل العصابات والجبهة.

شهد العام 1975 قيادة العاهل المغربي، الملك الحسن الثاني لمسيرة شعبية جارفة، عُرفت باسم "المسيرة الخضراء" والتي نجحت في طرد الاستعمار الإسباني من الصحراء الغربية

وترى المغرب أنّ اللاجئين في مخيمات تندوف في الجزائر هم مواطنون مغاربة، ممنوعون بالقوة من العودة إلى بلادهم، وتتهم البوليساريو بارتكاب انتهاكات إنسانية داخل المخيمات، والحجز الإجباري للاجئين للمتاجرة بهم دولياً.

وفي عام 1976 تشكلت ما يُعرف باسم الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في مخيمات تندوف، وبدعم جزائري تمّ قبول عضويتها في الاتحاد الأفريقي عام 1982، ورداً على ذلك انسحب المغرب من الاتحاد حتى عودته عام 2007، ويترأس الجبهة وما يُسمى بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، إبراهيم غالي، والذي يواجه دعاوى قضائية بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان وقضية اغتصاب أمام المحاكم الإسبانية.

إقرأ أيضاً: إدارة بايدن تحدد موقفها من الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.. تفاصيل

وفي آيار (مايو) الماضي تسبب استقبال إسبانيا لغالي للعلاج على أراضيها، في أزمة دبلوماسية مع المغرب، وكانت الاستخبارات المغربية كشفت عن دخول غالي بهوية مزورة إلى البلاد، ونجحت الضغوط المغربية في إجبار الحكومة الإسبانية على تقديم غالي للاستجواب القضائي، وقامت الحكومة الإسبانية بإعادة غالي إلى الجزائر لتخفيف حدة الأزمة.

وتُصنف المغرب جبهة البوليساريو كمنظمة إرهابية، وتطالب المجتمع الدولي بإنقاذ اللاجئين في مخيمات تندوف من الانتهاكات التي ترتكبها الجبهة بحقّ السكان من الأقاليم الجنوبية.

الوضعية القانونية

وتُصنف الصحراء وفق الأمم المتحدة ضمن البلدان والشعوب المستعمرة التي يجب أن تتمتع بحقها في تقرير المصير والاستقلال منذ عام  1963، وبعد جولات وقرارات دولية عديدة، ذكرت وجود روابط تاريخية بين المغرب وموريتانيا والصحراء، صدر قرار مجلس الأمن رقم (690) القاضي بإنشاء بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (المينورسو) من أجل مراقبة وقف إطلاق النار وتنظيم الاستفتاء عام 1991.

افتتاح القنصلية الإماراتية في مدينة العيون بالصحراء

وتقول الحكومة المغربية عبر الصفحة الرسمية للصحراء: "في 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1975، ذكر الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية حول الصحراء الغربية (ريو دي أورو والساقية الحمراء) لم تكن أرضاً بلا سيد غداة الاستعمار الإسباني، بل كانت هناك روابط البيعة بين سلطان المغرب وقبائل الصحراء الغربية".

ولا تعترف الأمم المتحدة بما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، ولكنّها تعترف بجبهة البوليساريو كممثل شرعي للصحراويين في المفاوضات الدولية، وكذلك لا تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وتلتزم معظم دول العالم بموقف الأمم المتحدة، بينما تعترف عدّة دول بالجمهورية الصحراوية، وأخرى تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، وعلى رأس هذه الدول الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجد في مدينتي العيون والداخلة في الصحراء (الأقاليم الجنوبية) 25 قنصلية لدول أجنبية وعربية، منها: الإمارات، والبحرين، والأردن، والولايات المتحدة، وعدد من الدول الأفريقية.

إقرأ أيضاً: الإمارات أةل دولة عربية تفتتح قنصلية في الصحراء الغربية.. وهذا رد المغرب

وكان الخلاف على إحصاء السكان الذي سيجرى بموجبه الاستفتاء على حقّ تقرير المصير سبباً في إخفاق الجهود الدولية لتنظيم الاستفتاء، على الرغم من موافقة المغرب على تنظيمه، وطرح المغرب حل "الحكم الذاتي" للصحراء، كحلّ للنزاع، وكجزء من خطة المملكة لتوسيع الحكم المحلي في عموم التراب المغربي.

وفي 31 من الشهر الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم (2602)، بتمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة عام، تنتهي في 31  تشرين الأول (أكتوبر) لعام 2022، ورحبت المغرب بالقرار، بينما أبدت الجزائر أسفها بشأنه، وارتباطاً بذلك رأى مراقبون أنّ قرار إيقاف الجزائر ضخ الغاز عبر الخط الأوروبي الذي يمر بالمغرب جاء رداً على القرار الدولي.

وكان منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء الغربية ظل شاغراً منذ استقالة المبعوث السابق في 2019، حتى نجاح مجلس الأمن الدولي في التوافق على المبعوث الجديد، ستيفان دي ميستورا في الشهر الماضي.

الصفحة الرئيسية