"قوارب الموت" التونسية تجتاح أوروبا

"قوارب الموت" التونسية تجتاح أوروبا


15/07/2021

يلقي الارتباك السياسي للحكومات المتعاقبة بتونس في التعاطي مع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المتنامية، بظلاله على المجتمع، خاصّة في ظل الصراع السياسي في البلاد منذ صعود حركة النهضة الإسلامية للحكم، حيث بات آلاف الشباب يركبون "قوارب الموت"  في محاولة للوصول إلى شواطئ أوروبا بصورة غير قانونية.

البطالة وهشاشة آليات التشغيل في تونس، فضلاً عن تدهور الأوضاع الاجتماعية، تعدّ من أبرز الأسباب التي تدفع الشباب التونسي إلى المخاطرة بحياتهم للعبور نحو أوروبا بحراً

هذا الأمر أعاد الجدل، مرةً أخرى، بشأن الهجرة غير الشرعية في تونس (الحرقة)، لكنّ اللاعبين هذه المرة مختلفون، هم أطفال قصّر وطلبة في الصفوف الأولى وعائلات بأكملها، وهو ما جعل المنظمات المهتمة بالهجرة تدق ناقوس الخطر، لأنّ الظاهرة أخذت أبعاداً أخرى وباتت تسير في منعرج قد يلقي بظلاله على المجتمع بأكمله.

ناقوس الخطر قُرع مؤخراً بعد أن كشفت جمعية "الأرض للجميع" التي تُعنى بمتابعة الهجرة السرية، وصول 600 تونسي إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، بداية الشهر الحالي، من بينهم 170 طفلاً وطفلة، وعدد من النساء الحوامل، ونشرت الجمعية، مقطع فيديو يظهر فيه عدد من القصّر الذين وصلوا عبر مراكب الهجرة السرية إلى الجزيرة.

وتحدّث عدد من الفتيان في الفيديو عن أسباب هجرتهم، وطرق مغادرتهم تونس، حيث قال أحد الأطفال إنّه يريد تعلّم مهنة، وإنّه لو كان هناك مستقبل في بلاده لما غادرها.

"الحرقة" واللاعبون الجدد

ووفقا لآخر إحصائيات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإنّ عدد التونسيين الذين وصلوا إلى إيطاليا خلال الأشهر الستة الأولى من سنة 2021  إلى حدود حزيران (يونيو) المنقضي بلغ 2962 شخصاً، من بينهم 702 قاصراً.

وقال المتحدث باسم المنتدى رمضان بن عمر لـ"حفريات"، إنّ ظاهرة الهجرة غير الشرعية كانت تقتصر فقط على المنقطعين عن الدراسة وليس لهم حظ في التكوين، لكن منذ 2010 تغير المهاجرون وصارت الظاهرة تشمل أيضاً العاطلين عن العمل، وخريجي الجامعات، وكذلك العاملين بوضعيات شغلية هشة، ومنذ 2018 و2019، سجل المنتدى مشاركة المرأة في عمليات الهجرة.

المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر

وأضاف بن عمر أنّ المنتدى سحل تحولات جديدة منذ العام الماضي، بهجرة أكثر من 300 عائلة وصلت السواحل الإيطالية، مؤكداً أنّ اللافت في الهجرة هو دخول القصر على الخط منذ عام 2017، وعرفت أوجها خلال هذا العام حيث تجاوزت نسبة القصّر 23 % من مجموع المهاجرين الذين بلغوا السواحل الإيطالية، لافتاً إلى أنّ تحسن المناخ من العوامل المساعدة على تزايد نسق الهجرة السرية.

المتحدث باسم المنتدى تحدّث أيضاً عن وجود أطراف تشارك بعمليات الهجرة ليس بهدف العمل أو تحسين الوضعية، بل لأغراض الصحية بحثاً عن الدواء أو إجراء عمليات.

من جانبه، أكد رئيس جمعية "الأرض للجميع"، عماد السلطاني، في تصريح لـ"حفريات"، أنّ عدداً من عمليات الهجرة شاركت فيها حوامل، وبعضهن في مراحل متقدمة من الحمل، وأنّ إحداهنّ وضعت مولودها خلال محاولة هجرتها، وهناك أيضاً سيدة في شهرها التاسع، وأخرى في الشهر السابع، وأغلبهنّ يطالبن بإخراجهن من مراكز الإيواء إلى المستشفيات".

الناشط التونسي رمضان بن عمر لـ"حفريات": "الهجرة غير الشرعية عرفت أوجها خلال هذا العام حيث تجاوزت نسبة القصّر 23% من مجموع المهاجرين الذين بلغوا السواحل الإيطالية

واعتبر السلطاني أنّ وصول 600 مهاجر خلال 24 ساعة إلى لامبيدوزا يُعدّ رقماً مفزعاً، في ظل وجود عدد كبير للقصّر بينهم، ومن بينهم من لا يتجاوز 14 سنة، مبدياً استغرابه من علم الأمهات بهجرة أطفالهنّ، ومن دفع بعضهنّ أطفالهنّ إلى الهجرة.

السلطاني شدّد في تصريحه على الغياب الكلي  للدولة في التعامل مع الظاهرة، التي لم تعد مقتصرة على الشباب، بل باتت هجرة جماعية تشمل الأطفال والحوامل، مشيراً إلى وجود أسر تونسية كاملة تهاجر.

أسباب اقتصادية واجتماعية

رئيس جمعية "الأرض للجميع" أكد أيضاً أنّ الوضع الاجتماعي والاقتصادي ساهم بشكل كبير في تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وهو ما يفسر تواتر هجرة القصّر، لأنّ الأسر لم تعد قادرة على توفير المستلزمات، فتدفع بالأبناء إلى الهجرة من أجل حياة أفضل، ولأنّهم يعرفون أنّه لن يتم ترحيل القصّر، وعادة ما تتبناهم جمعيات وتساعدهم على الدراسة والتكوين، لافتاً إلى أنّ أغلب المهاجرين ليس لديهم أقرباء، وبعضهم يقبل البقاء في مراكز الإيواء أو الاحتجاز على العودة"، متوقعاً "ارتفاع نسق الهجرة السرية في قادم الأيام".

ويحذر أغلب المختصين في الشأن الاجتماعي من أنّ الهجرة السرية، هي في الحقيقة نتيجة مباشرة لانعكاس السياسات الاقتصادية والاجتماعية الخاطئة، بسبب ارتفاع نسبة الفقر والبطالة ونتيجة الإقصاء والتهميش في المناطق الداخلية، مشيرين إلى أنّ الحل لا يحتاج إلى مقاربات أمنية وحراسة الحدود والممرات البحرية فقط، بقدر ما يحتاج  إلى حلول اقتصادية وتنمية اجتماعية ونزع عوامل الإحباط .

اقرأ أيضاً: قوارب الموت تعود إلى المتوسط... أول حادثة في عام 2021

وارتفع معدل البطالة في تونس من 13.7 بالمائة قبل 2011 إلى 19 بالمائة في 2020، فيما ارتفعت نسبة الفقر من 15 بالمائة في بداية 2020 إلى 19 بالمائة بداية العام الجاري، أي أنّ 475 ألف تونسي جديد أصبحوا يعيشون تحت خط الفقر، في المقابل تجاوز الدين العام 90 بالمائة من إجمالي الناتج الوطني، وفقاً لبيانات رسمية.

تسونامي اجتماعي

مآسي قوارب الموت في تونس، تواترت كثيراً خلال الفترة الأخيرة، دون أن تتضح لها نهاية، وسجلت أغلب عمليات الهجرة ذروتها خلال فترات معيّنة، تنشغل فيها البلاد بالانتخابات مثلاً، أو بالأعياد والمناسبات الرسمية، وكانت أبرز أسبابها تدهور الأوضاع الاجتماعية، وهو ما أكده الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، الذي شدّد على أنّ البطالة وهشاشة آليات التشغيل في تونس، فضلاً عن تدهور الأوضاع الاجتماعية، تعدّ من أبرز الأسباب التي تدفع الشباب التونسي إلى المخاطرة بحياتهم للعبور نحو أوروبا بحراً.

اقرأ أيضاً: أتراك يركبون قوارب الموت هرباً من جحيم أردوغان

من جانبه، قال الباحث في علم الاجتماع السياسي سامي نصر، إنّ الظاهرة باتت ملفتة مؤخراً، بعد أن مرت بعدة مراحل، ففي البداية تونس كانت منطقة عبور، أي أنّ أغلب من يخاطرون بحياتهم ليسوا تونسيين، وشيئاً فشيئاً أصبحت الظاهرة تونسية بامتياز، لكنّها تقتصر فقط على فئة الشباب الذين يفتقدون لسند (شهائد جامعية أو عمل أو مستوى معيشي مقبول).

الباحث في علم الاجتماع سامي نصر

وأضاف أنّ الظاهرة باتت حالياً تشمل فئات أخرى، ولم تعد مرتبطة فقط بالمناطق الشعبية والأحياء الفقيرة، وتطورت لتشمل الأطفال القصر والنساء، وهو ما جعل هذه الظاهرة تسونامي اجتماعياً يجرف كل المجتمع.

وعن أسبابها، لفت المختص في علم الاجتماع السياسي إلى شدّة الأزمة التي تمر بها البلاد وهي أزمة واقعية نعيش مظاهرها ونتائجها، فضلاً عن الأزمة المخيالية، وهي المشاكل والصعوبات التي يصنعها التونسيون في خيالهم، تتمثل في ظهور ثقافات مدمرة اجتماعياً، كثقافة اليأس والإحباط والفشل وهو ما قتل الأمل لدى الحالمين بالهجرة غير النظامية، معتبراً أنّ هذا النوع من الأزمات يصعب معالجتها.

 وبحسب المختص في علم الاجتماع، فإنّ الصورة المعروفة عن التونسيين بالمهجر، والتي غالباً ما تكون إيجابية للغاية، بأنّ مستوى عيشهم جيد وأنّهم نالوا حظهم، وحققوا أحلامهم، تمثّل أحد أبرز الأسباب التي شجّعت التونسيين على مغادرة البلاد، خصوصاً أنّهم باتوا يرون الحياة في قوارب الموت.

كما انتقد نصر غياب الدولة التي لم تبادر بأي خطوة لمقاومة هذه الظاهرة، وغياب الإجراءات والعمل الميداني حول المهاجرين وظروفه والأسباب التي دفعتهم لذلك.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية