كيف استعادت مصر دورها الإقليمي عبر بوابة فلسطين؟

كيف استعادت مصر دورها الإقليمي عبر بوابة فلسطين؟


19/05/2021

ألقت مصر بثقلها الرسمي خلال الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على القدس وغزة، في ظل تغيرات إقليمية عدة داخلية وخارجية، أتاحت لمصر لعب ذلك الدور، مستعيدة به مكانتها الإقليمية كرمّانة للميزان وكمحرّك رئيسي للأحداث في الشرق الأوسط، وهو الدور الذي طمحت إليه قوى عدة خلال الأعوام الماضية.

والثقل الرسمي برز منذ اليوم الأول ببيانات شديدة اللهجة، أبرزها بيان وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال اجتماع الجامعة العربية بالتزامن مع محاولات تهجير قوات الاحتلال لأهالي حي الشيخ جراح، مروراً بالوساطة المصرية عبر إرسال وفد بهدنة مقترحة تقوم على وقف إطلاق النار وتوقف الهجمات الإسرائيلية على المقدسيين، وصولاً إلى تتابع المساعدات وإرسال الوفود الطبية.

وقد مثل قرار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تخصيص 500 مليون دولار لعملية إعادة الإعمار في غزة بمشاركة شركات مصرية، الدعم الأكبر الذي يتجاوز خلفياته المادية إلى أخرى معنوية، سواء داخل مصر أو خارجها.

وزير الخارجية المصري سامح شكري

فداخل مصر، عكس القرار اطمئناناً بقدرة الدولة على تأمين سبل الحفاظ على أمنها الإقليمي، والتواجد بشكل فعلي في غزة، ومدّ الدور التنموي الذي لطالما لعبته مصر في أماكن عدّة وكسبت به نفوذاً وشعبية، وبخصوص غزة فهي تمثل عمقاً استراتيجياً لمصر، في ظل متاخمتها للحدود الشرقية، التي شهدت على مدار أعوام تمركزات إرهابية ومحاولات للسيطرة قوضتها القاهرة. 

ويعكس أيضاً تحسناً ملحوظاً في العلاقة مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، ما يعني ضمان الحفاظ على إتمام المصالحة الفلسطينية وتتويجها بالانتخابات المقرر عقدها في غضون شهور، والتي لعبت القاهرة دور الوساطة الرئيسي فيها على مدار أعوام. 

 

يعكس دور القاهرة تحسناً ملحوظاً في العلاقة مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة، ما يعني ضمان الحفاظ على إتمام المصالحة الفلسطينية وتتويجها بالانتخابات 

 

وعلى الرغم من أنّ الدور الإقليمي البارز لمصر مؤخراً لم ينطلق من فلسطين، فقد شهدت حضوراً وفاعلية في ليبيا أيضاً، إلا أنّ صدى موقفها في فلسطين هو الأقوى، إذ يدعم المكانة التاريخية للقاهرة في القضية.

في غضون ذلك، ثمّن السفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح، الموقف المصري الرسمي والبرلماني والنقابي والشعبي. 

وقد أكد السفير خلال استقباله وفداً برلمانياً أمس، بحسب وسائل إعلام مصرية، أنّ الموقف المصري أثبت كالعادة أنّ مصر هي السند والمدافع الأول عن حقوق الشعب الفلسطيني، مشدداً على محورية الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، التي تعتبرها مصر امتداداً لأمنها القومي، وتحرص دوماً على رفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني.

 السفير الفلسطيني في القاهرة، دياب اللوح

وعلى المستوى الشعبي، جاء الرد الرسمي كلحاق به، وفي ظل منع التظاهرات في مصر، ما انعكس في الحرمان من تنظيم تظاهرات دعم في القاهرة كما شهدت عواصم عربية أخرى، غير أنّ تسجيل 1200 طبيب مصري رغبتهم في السفر إلى غزة لإسعاف الجرحى، خلال ساعات من فتح باب التسجيل، بحسب نقابة الأطباء المصرية، هو مؤشر على ما تمثله القضية الفلسطينية في الوجدان الشعبي المصري. 

وقد تحوّل المصريون إلى لجان دعم للقضية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقوا قرار الرئيس المصري بتخصيص 500 مليون دولار لإعادة أعمار غزة بحفاوة كبيرة، على الرغم من العجز في الموازنة الذي تشهده مصر. 

 

 الدور الإقليمي البارز لمصر مؤخراً لم ينطلق من فلسطين، فقد شهد حضوراً وفاعلية في ليبيا أيضاً، إلا أنّ صدى موقفها في فلسطين هو الأقوى، إذ يدعم المكانة التاريخية للقاهرة في القضية

 

وقد عدّد أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة مصطفى كامل السيد التغيير في السياسة المصرية الخارجية خلال عهد السيسي تجاه فلسطين بـ: "فتح المعبر (المنفذ الحدودي مع غزة) مثلاً، ونقل المصابين الفلسطينيين للعلاج في المستشفيات المصرية، والمساعدات المصرية التي تصل إلى الجانب الفلسطيني، والسعي الحثيث لمصر، والمدعوم أمريكياً للوصول إلى وقف لإطلاق النار".

وأضاف السيد: إنّ الخطاب المصري تجاه الأحداث يُعدّ جديداً في عهد الرئيس السيسي، من حيث الإصرار على أنّ المخرج (لحل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي)، هو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، بحسب تصريحات لوكالة "سبوتنيك".

وأشار أستاذ العلوم السياسية إلى عدم التحفظ في مساعدة الفلسطينيين في كافة أنحاء فلسطين التاريخية، خاصة في غزة، رغم التحفظات السابقة المتعلقة بالموقف من حماس.

1200 طبيب مصري أعلنوا رغبتهم في السفر إلى غزة لإسعاف الجرحى، خلال ساعات من فتح باب التسجيل

وتابع: رغم أنّ إسرائيل تحاول دائماً أن تظهر الأمر كما لو كان مواجهة مع حماس، تأخذ الحكومة المصرية الجانب الفلسطيني الذي يشمل حماس، كما أنّ إعلان الرئيس تقديم 500 مليون دولار أمريكي لإعادة إعمار غزة، هو خطوة مهمّة وتغير واضح في الموقف المصري.

ويفسّر السيد ذلك التغير بالعلاقة مع حماس، حيث إنّ "هناك علاقة جديدة نشأت بين حماس ومؤسسات الدولة المصرية، وفي مقدمتها طبعاً المخابرات (جهاز المخابرات العامة المصري)، وقد كان ممثلو حماس يأتون إلى القاهرة لبحث ملف المصالحة بين حماس والسلطة الفلسطينية، برعاية مصرية".

وأضاف: "توصلت بالفعل للمصالحة وإجراء الانتخابات الفلسطينية، وأعتقد أنّ الحكومة المصرية كانت مستاءة لتأجيل القيادة الفلسطينية الانتخابات، وهذه العلاقة ساهمت في بناء الثقة مجدداً بين الجانبين".

 

مصطفى السيد: هناك الكثير من الشكوك لدى القاهرة حول الدور الذي تقوم به إسرائيل في مشروع "سد النهضة" الإثيوبي

 

وتابع قائلاً: "هناك نقطة أخرى حيوية للغاية بالنسبة إلى مصر، وهي أنّ العمليات الإرهابية في سيناء توقفت تقريباً، وكان تلك العمليات أكثر ما يزعج مصر، أعتقد أنّ السلطات المصرية تأكدت أنّ من كان يقوم بهذه العمليات الإرهابية لم يكونوا فلسطينيين من حماس، ولا مدعومين من الحركة، بل كانوا كلهم من المصريين، وهو ما أسهم في إزالة الحساسية بين حماس والحكومة المصرية".

ورأى الأكاديمي المصري أنّ هناك الكثير من الشكوك لدى القاهرة حول الدور الذي تقوم به إسرائيل في مشروع "سد النهضة" الإثيوبي، وهي القضية الأهم لمصر في الفترة الحالية، بما تعنيه لأمنها المائي.

وختم بالقول: "لكل هذه الأسباب أعتقد أنّ هناك إدراكاً بأنّ إسرائيل تمثل خطراً على مصر؛ وهو ما يفسّر ظهور الموقف المصري الأخير، بالإضافة إلى أنّ هذا الموقف يزيد شعبية الرئيس السيسي، ويضيف إلى رصيد مصر عربياً وإقليمياً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية