كيف تشرذم السنغال "الكرسي الرسولي للديمقراطية في أفريقيا"؟

كيف تشرذم السنغال "الكرسي الرسولي للديمقراطية في أفريقيا"؟


كاتب ومترجم جزائري
22/03/2021

ترجمة: مدني قصري

شهدت صورةُ البلاد التي كانت دوماً أنموذجاً للاستقرار في أفريقيا، تشويهاً وانكساراً، بعد مشاهد أعمال الشغب التاريخية.

شبابٌ يرمون المقذوفات على الشرطة، والشرطة بدورها تردّ بالذخيرة الحية، وهجومٌ على المحاكم، وحرقُ العلامات التجارية الفرنسية، مثل "توتال" أو "أوشان" أو "إيفيدج"، باعتبارها داعمة للرئيس ماكي سال.

هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو التحدي للأشهر المقبلة في البلاد، حتى هذه الساعة لم يرفع الرئيس الغموضَ حول هذا الموضوع الحساس

 في الأسبوع الأول من آذار (مارس)، اكتشف العالم كلّه مشاهد تعلن القطيعة مع صورة السنغال، الذي كثيراً ما يوصَف بـ "جزيرة استقرار"، بل حتى بـ "الكرسي الرسولي للديمقراطية في أفريقيا".

"فوجئ أكثر من شخص بما حدث، بالطبع، كانت هناك مظاهرات شعبية، عام 2012، ضدّ الرئيس السابق عبد الله واد الذي كان يطمح إلى ولاية ثالثة، لكن في السنغال، لم نشهد أبداً أحداثاً عنيفة بهذا الحجم. ما حدث هو حقاً غير مسبوق"، هكذا حلل باباكار ندياي، مراقب الحياة السياسية السنغالية لعدة سنوات، والباحث في واثي Wathi، وهي مؤسسة فكرية مقرها داكار.

تراجع الديمقراطية

الرجل الذي جرت من خلاله هذه الأحداث غير المسبوقة هو عثمان سونكو، وهو مناهض للنظام معترف به. زعيم حزب الوطنيين السنغالي للعمل والأخلاق والأخوة (باستيف Pastef )، وهو اليوم الخصم الأول للرئيس ماكي سال. تخرج السنغالي من المدرسة العليا للإدارة ENA، وهو المفتش المالي السابق، وكان عضواً في الجمعية الوطنية، منذ عام 2017. كما حصل على المركز الثالث في انتخابات 2019 الرئاسية.

خلال مظاهرة في داكاروا 8 مارس 2021

في شباط (فبراير)؛ اتهِم بالاغتصاب والتهديد بالقتل من قبل موظفة في صالون للتدليك، ليتمّ استدعاؤه في 3 آذار (مارس) إلى محكمة داكار للاستماع إليه، وتم اعتقال عثمان سونكو أخيراً بتهمة الإخلال بالنظام العام، وهو في طريقه إلى المحكمة برفقة جيش من أنصاره. تبريرات السلطات: رفضه السير على الطريق الذي أمِر به، إنّها مؤامرة من تدبير السلطة لإسقاط خصم سياسي، بحسب عثمان سونكو.

عندئذ أشعل هذا الاعتقالُ نارَ التمرد وأثار غضب جزء من الشباب السنغالي، الذي يرى في عثمان سونكو مدافعاً عن الديمقراطية، والخصم الوحيد القادر على تحدي ماكي سال، المتهم بمناشدة شيطان القارة الأفريقية القديم: الدكتاتورية.

اقرأ أيضاً: أيادي الخير الإماراتية تمتدّ حتى السنغال

ففيما كان بعض الشباب يتدافعون مع الشرطة في الشارع،  وعلى الرغم من تباطؤ الإنترنت، فقد تم خوض جزء من المعركة على الشبكات الاجتماعية لجذب انتباه المجتمع الدولي من خلال هاشتاغ #FreeSenegal.

أصبح هذا الهاشتاغ، الذي استخدم على نطاق واسع للتنديد باعتقال عثمان سونكو وقمع الشرطة، الجمعة 5 آذار (مارس)، أحد أشهر الهاشتاغات على تويتر، في السنغال، وفي فرنسا أيضاً؛ إذ شارك المغتربون وتفاعلوا مع المعركة، وراء إنشاء #FreeSenegal، الذي تمّ تداوله منذ ذلك الحين أكثر من مليوني مرة على الشبكة الاجتماعية ، يقف بابي ديمبا، شاب من سكان داكاروا.

اقرأ أيضاً: الصوفية في السنغال.. روحية افترست التطرف

يقول هذا الشاب النشط: "كان إنشاء الهاشتاغ تلقائياً للغاية. أطلق عليها اسم "FreeSenegal"؛ لأنّ الناس لم يعودوا يشعرون بالحرية في المنازل؛ حُظرت التظاهرات، وهناك اعتقالات تعسفية، إنّه هاشتاغ من الشعب ومن أجل الشعب".

بابي ديمبا هو أيضاً صاحب الهاشتاغ SenegalEnDeuil# (السنغال في حداد)؛ ففي تشرين الأول (أكتوبر) 2020، لقي 500 شاب مهاجر سنغالي حتفهم في البحر خلال أسبوع، في محاولة للوصول إلى أوروبا، وهي الدراما التي صدمت البلاد وأثارت الغضب ضدّ السلطات التي قلّلت من الخسائر المميتة لغرق السفينة.

عثمان سونكو ، 8 مارس ، يخاطب وسائل الإعلام بعد إطلاق سراحه ، في مقر حزبه في داكاروا

"الديمقراطية السنغالية آخذة في التراجع، احتجّ بابي ديمبا، الذي استنكر الاعتقالات على هامش التظاهرات، هناك ما لا يقل عن 400 متظاهر وناشط في السجن، نطالب بالإفراج عنهم. بالنسبة إليّ، هم رهائن، لأنّهم لم يفعلوا شيئاً، تمّ القبض عليهم بشكل تعسفي، لم يفعلوا شيئاً سوى التظاهر".

المشكلة الرئيسة الأخرى التي تعيق اليوم سير الديمقراطية في السنغال، والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وفق العديد من المحللين السياسيين، هي ظاهرة التفاوتات الاجتماعية

يرى مراقبو الحياة السياسية السنغالية؛ أنّ "قضية سونكو هي القشة التي قصمت ظهر البعير"، وفق محمدو فاضل ديوب، الباحث في مركز أبحاث "واثي" Wathi؛ فقد كان هناك تهديد طويل الأمد للديمقراطية في البلاد: "خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2019 قمنا بتحليل برامج المرشحين، وفي برنامج "ماكي سال"، كان هناك غياب مقترحات بشأن الحوكمة، كان يقدّر أنه عزّز الديمقراطية، والحال أنّ الجهود المبذولة لم تكن كافية، والأحداث الأخيرة تُظهر ذلك".

يشاطره الرأي زميله بابكر ندياي: "لدينا انطباع بتقلص المساحة العامة، لقد أصبح من الصعب الحصول على أذونات للتظاهر، ويتمّ تبرير ذلك بجائحة "Covid-19". إنّ ما هو غير عادي في جميع الديمقراطيات أصبح أمراً طبيعياً في السنغال".

مسار من الديمقراطية

والدليل الصارخ على هذا التدهور والتراجع في الديمقراطية، وفق هذين الباحثَين؛ هو تتابع الشؤون السياسية والقضائية منذ وصول ماكي سال إلى السلطة، عام 2012؛ "كانت هناك قضية كريم واد، نجل الرئيس السابق عبد الله واد، الذي حُكم عليه بالسجن 6 سنوات، في آذار (مارس) 2015، بتهمة "الثراء غير المشروع" في سياق ملاحقة الثراء غير المشروع، قبل أن يصدر الرئيس عفواً عنه، عام 2016"، وهكذا فقد اتُهم العديد من الوزراء بالفساد لكنّ المحاكم لم تحرّك ساكناً.

اقرأ أيضاً: كيف تحارب السنغال التطرف بالغناء؟

يرسم عثمان ندياي، وهو فرنسي سنغالي، رئيس تحرير قناة TV5 Monde، الصورة نفسها للعدالة السنغالية في عهد ماكي سال: "العدل تابع للسلطة التنفيذية، إنّها استمرارية الوادية (إشارة إلى الرئيس السابق عبد الله واد)، يجب ألا ننسى أنّ ماكي سال كان وزير داخلية واد.

إنّ ما رفضه الناس، عام 2012، هو الاستمرارية، إذ لم تحدث قطيعة، كلّ شيء ساء، لقد فوّت ماكي سال فرصةً لإصلاح نظام العدالة، العدالة ليست مستقلة، فعندما يواجه الناس مشكلة هم لا يثقون في نظام العدالة لحلّها".

ومع ذلك، يرفض عثمان ندياي، مصطلح "الديكتاتورية"، الذي يستخدمه العديد من المعارضين لوصف سلطة الرئيس الحالي؛ "إني أسمع المعارضين يقولون إنّ السنغال ديكتاتورية، هذه مبالغة، الوضع أكثر تعقيداً بكثير، السنغال أيضاً لا نستطيع مقارنتها ببعض البلدان الاستبدادية للغاية التي نعرفها في أفريقيا، إنّها دولة بها أمراض مثل العديد من الدول الديمقراطية، علاوة على ذلك؛ لم أتحدث أبداً عن السنغال كدولة ديمقراطية. بالنسبة إليّ، إنّه مسار للديمقراطية".

نخبة منقطعة عن السكان

المشكلة الرئيسة الأخرى التي تعيق اليوم سير الديمقراطية في السنغال، والتي تفاقمت في السنوات الأخيرة، وفق العديد من المحللين السياسيين، هي ظاهرة التفاوتات الاجتماعية "السنغال لم تكن بهذا الثراء من قبل، ومع ذلك، فإنّ السكان لا يستفيدون منه"، يلاحظ الصحفي عثمان ندياي؛ "عندما تذهب إلى مناطق معيّنة في داكار، تشعر وكأنك في نيويورك أو باريس، ومع ذلك فالناس جائعون/ هناك فجوة كبيرة بين النخبة والشعب".

اقرأ أيضاً: أمريكا تصنف ذراعين لداعش في أفريقيا على لائحة المنظمات الإرهابية... تفاصيل

بالنسبة إلى العديد من السنغاليين؛ فإنّ مدينة ديامينياديو (Diamniadio) الجديدة هي رمز هذه التفاوتات الاجتماعية، تمّ بناؤها بالقرب من داكار من قبل السلطات، ومن المفترض أن تخفف انسدادات العاصمة، وتعزز اقتصاد البلاد، لكن بالقرب من هذه المدينة الملتهبة، لا تصل الكهرباء في بعض القرى.

هذه الفجوة بين النخبة والسكان يمكن أن تُفسِّر جزئياً نهبَ المتاجر الكبرى أثناء المظاهرات، وفق باباكار ندياي: "الأشخاص الذين كانوا محرومين من الوصول إلى هذه الأماكن استغلوا الوضع، كثير من الشباب الذين يعيشون على أعمال بسيطة في الليل لم يعد لديهم ما يفعلونه منذ تطبيق حظر التجوّل من الساعة 9 مساءً".

اقرأ أيضاً: هل ستكون أفريقيا ساحة الجهاد العالمية؟... مؤشرات جديدة تجيب

في 8 آذار ( مارس)، في محاولة لتهدئة غضب الشباب، كسر الرئيس ماكي سال صمته، وطالب بتجنّب "منطق المواجهة الذي يؤدي إلى الأسوأ"، وأعلن خفض ساعات حظر التجوال في منطقتين، من بينهما داكار، ولم يلقَ إعلانه قبولاً جيداً من قبل العديد من الشباب، الذين كانوا ينتظرون بشكل خاص إعلاناً عن حلول هيكلية، لا ظرفية.

موضوع حسّاس

هل سيترشح ماكي سال لولاية ثالثة؟ هذا هو التحدي للأشهر المقبلة في البلاد، حتى هذه الساعة لم يرفع رئيس الدولة السنغالية الغموضَ حول هذا الموضوع الحساس، سُئل عدة مرات من قبل الصحفيين حول هذا الترشح، فكان في كلّ مرة يرفض تقديم إجابة دقيقة، وهو ما يوحي بأنه قد يرشح نفسه مرة أخرى، على الرغم من وعده السابق بأنّه سيقتصر على فترتين، كما يُذكّر بذلك العديدُ من المراقبين السياسيين السنغاليين.

ماكي سال خلال منتدى باريس للسلام 12 نوفمبر 2020

وهو موقف يُذكرنا بموقف رؤساء دول أفريقية آخرين، مثل رئيسَي كوت ديفوار وغينيا، اللذين ترشحا لولاية ثالثة، ومع ذلك اعتبره المعارضون غير دستوري.

لتجنّب هذا السيناريو في السنغال، طلبت المعارضة من ماكي سال أن يعلن علناً أنّه لن يكون مرشحاً في عام  2024 "لن يمنحه السنغاليون ما رفضوا منحه لعبدولاي واد، في عام  2012"، ويحذّر المحلل السياسي باباكار ندياي، قائلاً: "فإن أصرّ ورشّح نفسه، ستحدث أزمة عميقة، مع مظاهرات أكبر بكثير مما رأيناه مؤخراً". 

اقرأ أيضاً: أفريقيا الوسطى: هل الإمبريالية الروسية خير من الأمريكية والأوروبية؟

من ناحيته، حثّ المعارض عثمان سونكو أنصاره على مواصلة "الثورة التي انطلقت بالفعل"، "لا شيء ولا أحد يستطيع إيقافها، يجب أن نحافظ على هذه التعبئة، يجب أن تكون أكثر أهمية، لكن قبل كلّ شيء يجب أن تكون سلمية"، هكذا هتف المُعارض خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد إطلاق سراحه تحت إشراف قضائي، ما يزال عثمان سونكو، المتهم في قضية اغتصاب، ينفي الحقائق ويتهم السلطات بتدبير مؤامرة لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2024، وهو الطرح الذي يؤمن به جزء كبير من مؤيديه، وقد رفض ماكي سال هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، ودعا العدالة إلى مواصلة عملها "بشكل مستقل".

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

slate.fr/story



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية