كيف تنظر الصحافة الغربية إلى هزيمة الإسلاميين في المغرب؟

كيف تنظر الصحافة الغربية إلى هزيمة الإسلاميين في المغرب؟


كاتب ومترجم جزائري
02/10/2021

ترجمة: مدني قصري

إنّها لهزيمةٌ مروّعة تلك التي مُنِي بها حزبُ العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية المغربية، في أيلول (سبتمبر) 2021، وهزيمته تشير إلى إدانة سياسة التسوية التي ينتهجها مع القصر، لا سيما تأييده للتطبيع مع إسرائيل، حتى لو كانت هناك عمليات دُبرت ساهمت في مدى انحداره.

يمكن أن تلخص نسبتان مئويتان الانتخابات التشريعية المغربية، التي أجريت في 8 أيلول (سبتمبر) 2021: 90٪ و24%؛ تمثّل نسبة 90٪ انخفاضاً في عدد أعضاء حزب العدالة والتنمية المنتخبين في البرلمان، و24٪ هي نسبة الإقبال في واحدة من أكبر الدوائر الانتخابية في البلاد، الدار البيضاء / أنفا.

دلالة النسبة المئوية الأولى هي الجانب الأكثر تعليقاً في الاقتراع؛ فإذ لم تكن هزيمة الحزب، الذي يتزعمه رئيس الوزراء سعد الدين العثماني، مفاجأة، فإنّ حجمه يثير تساؤلات.

لفهم هذا المسار، يجب أن نضع في الاعتبار سِمتَين مهمّتين من سمات حزب العدالة والتنمية؛ الأولى أنّه جاء إلى الحكومة وليس إلى السلطة، بفعل رياح الربيع العربي وتجسّده المغربي، حركة 20 شباط (فبراير). الثانية: أنّ التغيير من داخل النظام أمر ممكن، وأنّ التحالف مع النظام الملكي ضدّ المخزن "الدولة العميقة"، أمر ضروري.

اقرأ أيضاً: ماذا يجري داخل حزب العدالة والتنمية المغربي؟

عام 2007، ترك ثاني أقوى شخصية في النظام، فؤاد علي الهمة، منصبه كمستشار للملك، وأنشأ حزب الأصالة والمعاصرة (بام)، الهدف المعترف به: وقف تقدم "الإسلاميين" لحزب العدالة والتنمية، أحداث عام 2011 أجهضت هذه الإستراتيجية، باعتماد اللهجة المناهضة للمخزن لحركة 20 شباط (فبراير)، مع إظهار دعمٍ ثابت للنظام الملكي، فاز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات، في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه، وقاد الحكومة.

عندما أدرك قادة العدالة والتنمية أنّ بنكيران أصبح غير مرغوب فيه، استبدلوه بسعد الدين العثماني. وكما لو كان الأمر بفعل سحر ساحر، أعطى رافضو الأمس أغلبيةً للمرشح الجديد

يعود الفضل في نجاحه إلى أصوات المواطنين الذين آمنوا بمصداقية الإصلاح الدستوري، في تموز (يوليو) 2011، أولئك الذين اعتقدوا أنّ المخزن كان في تراجع، كما اعتقد قادة حزب العدالة والتنمية أنّ النظام الملكي سيكون ممتناً لهم، لرفضهم المطلب الرئيسي لحركة 20 شباط (فبراير): الانتقال إلى ملكية برلمانية؛ لذلك فهو رقم موازنة يقوم به حزب العدالة والتنمية، يعتمد نجاحه على قدرته على إقناع الناخبين للمطالبة بإصلاحات جادة، ومن هنا انتصاراته الانتخابية، في عامي 2011 و2016، كما أنّه اعتمد على قدرته على طمأنة الملك على تمسكه بأولوية المملكة في إدارة شؤون البلاد.

اقرأ أيضاً: كيف منع المغرب تغوّل تنظيمات الإسلام السياسي المؤدلج؟

في النهاية، انهزم حزب العدالة والتنمية في كلا الأمرين؛ أوّلاً: أساء الحكم، أو كذب بشأن نوايا النظام الملكي تجاهه، لا جدال في أنّ جهاز الدولة والقوى السياسية الموالية مباشرة للنظام الملكي قد عملت باستمرار على منع استكمال الإصلاحات بنجاح، لا سيما خلال الدورة التشريعية الأولى لحزب العدالة والتنمية.

إصلاحات مستحيلة

أبرز مثال على ذلك؛ إصلاحُ صندوق التعويضات؛ فهو باهظ الثمن للغاية (5مليارات يورو) وغير فعّال، وأضحى هذا النظام الخاص بمساعدة الأكثر حرماناً، والذي كان من المفترض أن يكون هو صندوق التعويضات، انحرافاً مدمّراً، كان الحلّ معروفاً منذ زمن طويل، لكن لم يجرؤ أحد على معالجته، كانت المرحلة الأولى تتمثل في إلغاء أو خفض الدعم بشكل كبير على المنتجات الاستهلاكية الأساسية، خاصة المنتجات البترولية، وكانت المرحلة الأكثر مخاطرة من الناحية السياسية، وكانت المرحلة الثانية تتمثل في تحويل هذه المساعدة مباشرة إلى السكان الأكثر حرماناً.

خفّضت حكومة عبد الإله بنكيران، الدعم، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار لجميع المواطنين، بمن فيهم الفقراء، وعندما حاول تنفيذ المرحلة الثانية من خلال توجيه المساعدات لمن هم في أمسّ الحاجة إليها، عارضته الأحزاب القريبة من القصر، خاصة حزب التجمع الوطني للأحرار بزعامة عزيز أخنوش، وكان الأمر بالنسبة للمراقبين متوقّعاً ومفروغًا منه: لم يكن القصر ليسمح أبداً، لأيّ حزب سياسي، لا سيما حزب وصل إلى الحكومة بفضل أنفاس الربيع العربي، بأن يكون له الفضل في إصلاح شعبي واسع، مثل منح المساعدة المباشرة للمواطنين الأكثر حرماناً.

تحوّلت التوافقات بالنسبة لناخبي حزب العدالة والتنمية في النهاية إلى تواطؤات، لا سيما التواطؤ المرتبط بالتطبيع مع إسرائيل، خاصة أنه جاء بعد تنازلين رئيسيين آخرّين يمُسّان مواضيع أساسية

وهناك مثال آخر، وهو إصلاح العدالة، لقد حاول حزب العدالة والتنمية إحباط القبضة الخانقة للمؤسسة القضائية التي تخضع مباشرة لوصاية النظام الملكي، لكن بلا طائل، ثم جاءت حلقة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لعام 2016، وقد بذل المعسكر المناهض لحزب العدالة والتنمية كلّ طاقاته لمنع إعادة تعيين عبد الإله بنكيران كرئيس للوزراء، ومع ذلك، فقد حقق حزب العدالة والتنمية انتصاراً أوسع من انتصار 2011، وقررت هيئاته تجديد بنكيران كمرشح لمنصب رئيس الوزراء، وبقيادة حزب التجمع الوطني الجديد مرّة أخرى، رفضت الأحزاب المقربة من القصر، والتي بدونها لم يكن يمكن تحقيق أغلبية حكومية، التحالف مع بنكيران، حتى من دون تبرير موقفها.

اقرأ أيضاً: "العدالة والتنمية" يستند إلى "أدبيات الإخوان" لتفسير هزيمته في المغرب

عندما أدرك قادة حزب العدالة والتنمية أنّ بنكيران أصبح غير مرغوب فيه، استبدلوه بسعد الدين العثماني. وكما لو كان الأمر بفعل سحر ساحر، أعطى رافضو الأمس أغلبيةً للمرشح الجديد، وقد أثبت العثماني أنّه رئيس الوزراء الأكثر ملاءمة، والذي لم تظهر تحت قيادته أية محاولات إصلاح جادة، والأسوأ من ذلك؛ أنّه في نسخة طبق الأصل من أحداث عام 2011، اندلع حراك الريف في صيف عام 2017، تمّ قمعه بشدة، بموافقة أعضاء حزب العدالة والتنمية في الحكومة، وعندما اضطرت المملكة للاعتراف بإخفاقات نموذجها التنموي، وقف حزب العدالة والتنمية ووزراؤه متفرّجين، كما حدث لاحقاً خلال أزمة كوفيد 19.

عادت تجاوزات النظام الأمني مع ​قمع الصحافة، وفضيحة بيغاسوس، وعودة حالات التعذيب، إلى الظهور من دون أن يعارضه حزب العدالة والتنمية ومكوّنه الحكومي، لكنّ حرصه على عدم مواجهة المؤسسة الملكية، كان حزب العدالة والتنمية دائماً ضحية راضية، بل وأحياناً حتى شريكاً، ومع ذلك، تحوّلت التوافقات بالنسبة لناخبي حزب العدالة والتنمية في النهاية إلى تواطؤات، لا سيما التواطؤ المرتبط بالتطبيع مع إسرائيل، خاصة أنه جاء بعد تنازلين رئيسيين آخرّين يمُسّان مواضيع أساسية للحزب: عودة تدريس المواد العلمية بلغة أجنبية، وبالتالي التراجع عن التعريب، وإضفاء الشرعية على الاستخدام العلاجي للقنب، اللافت للنظر، للمرة الأولى، في تاريخها، لم تطالب حركة الوحدة والإصلاح (MUR)، المنظمة التبشيرية التّوأَم لحزب العدالة والتنمية، بالتصويت له، وهي طريقة لحماية الحركة التي تمثل الرحِم الأيديولوجي للحزب، من أخطاء هذا الأخير.

مقاطعة منتخبي المدن

هناك رقم آخر لا يخلو من أهميته الكاملة: نسبة المشاركة البالغة 24٪ في واحدة من أهم الدوائر الحضرية في البلاد، وهي أنفا، في العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء، بانخفاض 10 نقاط عن انتخابات عام 2016، من الواضح أنّها تدعم أطروحة مقاطعة فئة من الناخبين في المناطق الحضرية الذين كانوا يؤمنون بإستراتيجية مشاركة حزب العدالة والتنمية، هذا الرقم خبرٌ سيء لحزب العدالة والتنمية، بالطبع، لكن للنظام أيضاً؛ فهو يعني أنّ هؤلاء الناخبين لا ينسجمون مع عرض وفرة الأحزاب التابعة للنظام الملكي، يمكن أن يكون الأمر جيشاً احتياطياً لعرضٍ سياسي يتحدى طبيعة النظام ذاتها، إلى جانب الأرقام الخاصة ببطالة الشباب في المناطق الحضرية، فإنّ هذا يعني أيضاً أنّ الاحتجاجات الحضرية، مثل حركة 20 فبراير، أو حراك الريف، أمامها مستقبلٌ مشرق.

اقرأ أيضاً: بعد الزلزال الانتخابي الذي ضرب إخوان المغرب.. ما السيناريوهات المستقبلية؟

لم تخطِئ في ذلك حركة الوحدة والإصلاح (MUR)، وعبد الإله بنكيران. لقد أصرّ قادة حركة الوعظ في مقالات متعددة نُشرت على موقع الحركة على الإنترنت قبل الانتخابات، ورئيسُ الوزراء السابق في شريط فيديو نُشر قبل أيام من الاقتراع، على ضرورة التصويت، كان هدفهم ألا يتركوا المكان فارغاً لخصمهم السياسي الآخر، حركة العدل والإحسان، لطالما رفضت هذه الحركة الإسلامية المشاركة السياسية، زاعمة أنّ النظام الملكي في شكله الحالي لا يسمح للفاعلين السياسيين بإجراء الإصلاحات اللازمة؛ فالمقاطعة التي تلوح في المراكز الحضرية الكبيرة تثبت صحّة نهجها على حساب حزب العدالة والتنمية والنظام.

اقرأ أيضاً: ردود فعل الإخوان على سقوط "العدالة والتنمية" في المغرب: هل يتعظون؟

مع ذلك يثير مدى هزيمة حزب العدالة والتنمية تساؤلات كثيرة؛ الحياد السلبي للدولة أمام استخدام المال وشراء الأصوات ليس بالأمر الجديد وعدم وجود مراقبين موثوقين ليس بالأمر الجديد أيضاً. يُذكر أنّ مركز كارتر، المعروف بمهنيته، لم يُسمَح له بالفعل بتغطية انتخابات 2016، وتشير مؤشرات أخرى إلى مشاركة مباشرة، أكثر فعالية، من قبل أجهزة الدولة في هزيمة حزب العدالة والتنمية، وهو ما أكده عُطلٌ مشتبَه به في آلات التصوير في مراكز الاقتراع المركزية في الرباط.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

orientxxi.info/magazine



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية