كيف حال أفغانستان بعد حكم طالبان؟

كيف حال أفغانستان بعد حكم طالبان؟


01/12/2021

ترجمة: علي نوار

أكثر من ثلاثة أشهر مرّت منذ سيطرة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان، وما كان يبدو ضرباً من المستحيل قبل 15 آب (أغسطس) الماضي، وفق تقارير أجهزة الاستخبارات الدولية، صار اليوم أمراً واقعاً؛ فقد عادت أفغانستان إلى أيدي الحركة.

اقرأ أيضاً: مقاتلو طالبان يغيّرون أزياءهم، فهل يتغير تفكيرهم؟

عانى البلد الآسيوي من أمراض قديمة أصبحت متوطّنة وأخرى جديدة-بالية عادت مرة أخرى من الماضي، تحديداً من حقبة ما بين عامَي 1996 و2001، التي كانت فيها أفغانستان تحت سطوة طالبان، وفي مُقدّمتها إلغاء العلم الوطني، وخلال الفترة الحالية تعاني إمارة أفغانستان الإسلامية (الاسم الرسمي للبلاد بالنسبة للحركة) من عدّة أزمات في الوقت نفسه؛ إنسانية واقتصادية وأمنية والتمثيل والشرعية.

22 مليون سيعرفون قسوة الجوع

تعدّ الأولى، هي أخطر الأزمات بالطبع؛ فقد وصلت الدولة إلى حافّة الكارثة الأخطر على مستوى العالم، طبقاً لتحذيرات منظّمة الأمم المتحدة التي تؤكّد أنّ نصف سكّان أفغانستان على الأقل يعانون نقصاً "حاداً" في المواد الغذائية، ومن المُتوقّع أن يختبر 22 مليون من إجمالي تعداد مواطني أفغانستان البالغ 38 مليون نسمة، انعدام الأمن الغذائي هذا الشتاء، نتيجة لموجة جفاف سببها التغيّر المناخي، إضافة إلى الفوضى الناجمة عن سيطرة حركة طالبان على الحُكم.

الرقم المخيف الآخر فيما يتعلّق بالصحافة؛ أنّ 70% من العاملين بهذا المجال اضّطروا لترك هذا المجال، ولم تعد هناك ولو صحيفة ورقية واحدة، بحسب تحذير الاتحاد الوطني للصحفيين الأفغان

وكشف المدير التنفيذي للصندوق العالمي للأغذية، ديفيد بيسلي؛ "سيضطر ملايين الأفغان هذا الشتاء للاختيار بين النزوح أو الموت جوعاً، إلّا إذا تمكنّا من زيادة حجم مساعداتنا"، خلال بيان مشترك مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو".

وبات من الواضح أنّ الأزمة في أفغانستان تفوق بمراحل تلك التي تخوضها اليمن أو سوريا، وهي أفدح من أيّة أزمة غذائية طائرة أخرى، باستثناء تلك التي تشهدها جمهورية الكونغو الديمقراطية، بحسب مقارنة أعدّتها وكالة الصحافة الفرنسية "أ ف ب"، وعن أزمة أفغانستان يعود بيسلي ليبرز "بدأ بالفعل العدّ التنازلي نحو الكارثة وإذا لم نتحرّك الآن فسنكون أمام كارثة جسيمة عمّا قريب".

اقرأ أيضاً: حركة طالبان تمهد أفغانستان وآسيا الوسطى أمام تركيا

ويشير بيان صندوق الغذاء ومنظمة "فاو" إلى أنّ واحداً من كلّ أفغانييَّن اثنين دخل فعلاً المرحلة الثالثة أو الرابعة من أزمة غذائية طارئة.

وجدير بالذكر؛ أنّ المرحلة الرابعة تكاد تقارب وبفارق طفيف درجة المجاعة، بالتالي؛ فإنّ أفغانستان، التي تناضل للخروج من وحل حرب أهلية طالت لمدّة 20 عاماً، مطالبة أيضاً بالتعامل مع أسوأ شتاء منذ عقد كامل.

انهيار النظام الصحي

كما أنّ النظام الصحي في أفغانستان اقترب من نقطة الانهيار؛ فقد أدّى وصول طالبان إلى سُدّة الحُكم لسقوط منظومة صحيّة هشّة بالأساس، علاوة على المجاعة التي تهدّد حياة الصغار؛ ففي هرات، على سبيل المثال، تقطع بعض العائلات مسافة تفوق 100 كلم من أجل الوصول إلى مستشفى يستطيع إنقاذ حياة أطفالهم.

من جانبها، حذرت منظّمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" من تزايد حالات بيع الفتيات القاصرات واللواتي ينتهي الأمر بهنّ في براثن الزواج القسري، ووصل الأمر إلى حالة موثّقة لطفل رضيع عمره 20 شهراً بالكاد باعته أسرته، وقد أشارت المديرة التنفيذية لليونيسيف "هنرييتا فوري": "حتى قبل انعدام الاستقرار السياسي مؤخراً، سجّل شركاء المنظمة 183 زيجة لفتيات و10 حالات لبيع أطفال وطفلات، بين عامَي 2018 و2019، وذلك في ولايات هرات وبادغيس فقط. كان عمر القاصرين يتراوح بين ستة أشهر و17 عاماً"، ووفق الوكالة الأممية فقد "تزوجت ربع النساء بين 15 و49 عاماً قبل بلوغهنّ سنّ الـ 18".

اقرأ أيضاً: بلدانُ آسيا الوسطى في عصر دولة طالبان

وتطفو على السطح عوامل أخرى كذلك تزيد من سوء الوضع؛ نظراً لأنّه لا الولايات المتحدة ولا الدول الأخرى عملت على إحلال الاستقرار والديمقراطية والازدهار في أفغانستان، ومن بين تلك العوامل تظهر أيضاً العقوبات الدولية المفروضة على حركة طالبان، والتي ما يزال الغموض يلفّ مسألة رفعها من عدمه.

اقرأ أيضاً: مقتل ناشطة عن حقوق المرأة في أفغانستان.. ما علاقة طالبان؟

بالتالي، أصبحت أفغانستان في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فبدون المساعدات الخارجية السخية التي كانت تتدفّق في السابق ومع أموال البلاد المُجمّدة في مصارف أجنبية، لا يمكن لحركة طالبان سداد الرواتب أو استيراد السلع الأساسية؛ ما يعني أنّ ملايين الأشخاص سيواجهون الجوع وحدهم.

هجمات الإرهابيين

ولم يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ؛ بل جاءت الهجمات الدامية التي يشنّها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي، والذي يبدو أنّه دخل في حالة عداء مع طالبان، لتدفع الأشخاص الذين لم ينزحوا عن منازلهم متّجهين نحو دول مجاورة مثل باكستان وإيران لاتّخاذ هذه الخطوة عنوة، سواء بسبب شعورهم بالخطر أو نتيجة للتغيّر المناخي الذي أدّى لتعرّض أفغانستان لموجات جفاف متكرّرة وعنيفة؛ لذا اضطّرت آلاف العائلات، غرب البلاد، لبيع ماشيتها والارتحال بحثاً عن ملاذ ومساعدة في المخيمات المؤقّتة وقرب المدن الكبرى.

ويتسبّب خطر الإرهاب بموجات نزوح وسقوط قتلى، في ظلّ سعي تنظيم الدولة الإسلامية لتقويض ركائز حُكم طالبان عبر تنفيذ هجمات تستهدف المساجد والأسواق؛ في العاصمة كابول، أو قندوز، أو قندهار، والتي يروح ضحيّتها مئات القتلى، وقد تعهّدت طالبان باستعمال يد من حديد لضرب الإرهاب على الأراضي الافغانية، لكنّ هذا الوعد يبدو زائفاً؛ لأنّها كانت تقصد على الأرجح تنظيم الدولة الإسلامية وليس تنظيم القاعدة، الذي تربطها به علاقات قويّة ولا يهاجمان بعضهما.

اقرأ أيضاً: أمراء الحرب الأفغان.. كلمة السر وراء عودة طالبان

وأبلغت السلطات المحلّية عن 300 حالة اعتقال لعناصر تنظيم الدولة الإسلامية على مدار الأشهر الثلاثة الأخيرة، وقد نكّلت بهم كي يكونوا عِبرة لأقرانهم، وهو عمل تقدم عليه طالبان بحقّ من تصنّفهم ككفّار. وقد نفّذت الحركة عدة حملات خاصّة في منطقة قندهار وهي تأتي بثمارها فيما يبدو؛ حيث تؤكّد طالبان أنّها "تطبّق سياستها من أجل إحلال الاستقرار في البلاد"، لكنّها على الناحية الأخرى لا تذكر السجون المفتوحة والتي خلت من الإسلامويين المنتمين لجماعات أخرى موالية لها.

النساء.. في مرمى النيران

ندّدت منظّمة "هيومن رايتس ووتش" بمنع نظام طالبان النساء من العمل، وهو ما يتّضح من غياب السيدات عن حكومة الحركة، وامتدّ الأمر ليشمل التضييق على العاملات في المنظّمة أثناء تأدية عملهن وهنّ جزء رئيس من "هيومن رايتس ووتش".

هذا مثال واحد فقط على الملاحقة التي تتعرض لها النساء الأفغانيات منذ ثلاثة أشهر؛ فبعد استيلاء طالبان على الحُكم، في 15 آب (أغسطس) الماضي، خسرت السيدات الأفغانيات أغلب الحقوق التي اكتسبنها على مدار العقدين الماضيين، وفقدت قاضيات ونائبات عامات وأستاذات جامعيات وضابطات بالقوات المسلحة والشرطة، أو حتى موظفات حكوميات، وظائفهنّ، وجاء ذلك بعد أن أكّد المتطرّفون لهنّ أنّ لا مكان بوسعهنّ شغله في الإدارة الجديدة، رغم الضغط الدولي.

لكن تطبيق سياسات طالبان لا يحدث بالدرجة نفسها في جميع المناطق؛ حيث ما يزال بوسع النساء في بعض الأقاليم الخروج وارتياد الجامعة حتى لو في قاعات منفصلة أو مختلفة، بينما لا تستطيع الفتيات الصغيرات، حتى في أقاليم أخرى، الالتحاق بالتعليم الابتدائي، أما المدارس الثانوية فلم تعد إليها لا الطالبات ولا المعلّمات، وإزاء المخاوف من انهيار المنظومة الصحيّة، اضطّرت طالبان للسماح بعودة الطبيبات والممرضات، وهو ما حاول الإسلامويون الترويج له بهدف الترويج لأنفسهم، وكيف أنّ هناك طاقماً من السيدات يعملن بمطار كابول لتفتيش النساء.

اقرأ أيضاً: أول ظهور لزعيم حركة طالبان

في هذا المناخ، خرجت النساء الأفغانيات إلى الشوارع للتظاهر بشجاعة منقطعة النظير، ولم يرضخن لما تفرضه طالبان، وسط هتافات: "انزعن عنكن الخوف، نحن يد واحدة"، وتعرّضت بعض المسيرات للفضّ في التوّ والحال، بينما صمدت بعض السيدات لعدّة ساعات، خاصة في هرات، والحقيقة أنّ هذه الفعاليات إنّما تؤكّد أنّ المجتمع الأفغاني لا يخضع للوصاية أو التبعية مثلما حاول بعض القادة العسكريين الغربيين الادّعاء.

أما الصحافة؛ فهي، بلا شكّ، ثاني أهداف طالبان التي فرضت 11 قانوناً لإجبار وسائل الإعلام على منع نشر أيّ محتوى مخالف للإسلام أو ينطوي على نقد للسلطات الحالية أو ينتهك الخصوصية. "هذه القوانين مهولة؛ لأنّها تتضمّن إجراءات قمعيّة يمكن استغلالها وتشي بمستقبل مظلم بالنسبة لاستقلال وتعدّدية الصحافة في أفغانستان"، على حدّ وصف كريستوف ديلوار، الأمين العام لمنظّمة "مراسلون بلا حدود"، التي صنّفت أفغانستان في المرتبة رقم 122 من 180 دولة في حرية الصحافة.

رقم مخيف

الرقم المخيف الآخر فيما يتعلّق بالصحافة؛ أنّ 70% من العاملين بهذا المجال اضّطروا لترك هذا المجال، ولم تعد هناك ولو صحيفة ورقية واحدة، بحسب تحذير الاتحاد الوطني للصحفيين الأفغان.

اقرأ أيضاً: هل طالبان قادرة على القضاء على داعش؟

وفي مجال القضاء، لا تبدو الأمور أفضل حالاً، وتنعقد محاكمات سريعة بمجرّد المطالبة بها بدون حضور قاضٍ أو محامٍ للدفاع عن المتهمين، وتتكفّل طالبان بتشكيل كامل أركان العملية، سواء القاضي أو هيئة المحكمة أو النيابة العامة أو جهة تنفيذ الأحكام، بحسب ما كشفت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" ووكالة الصحافة الفرنسية "أ ف ب" من على الأرض.

 كلّ ذلك إضافة إلى السجون التي تعجّ بمعتقلين لم يُعرضوا على قاضٍ قبل الزجّ بهم في غياهب المعتقلات، في ظلّ تطبيق الشريعة الإسلامية، كما كان متوقّعاً.

وبالطبع لم تكن الموسيقى بمنأى عن ملاحقة طالبان التي ينهي عناصرها حياة من يقوم بتشغيلها في حفل زفاف أو ما شابه، ثم يتجوّلون بين الشوارع في نوع من استعراض عسكري للقوّة.

الاعتراف ما يزال غائباً

ما تزال حركة طالبان فاقدة للاعتراف الدولي. أبقى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وبريطانيا على الاتصالات مع الحركة، لكن فقط بغرض إخراج مواطنيهم من الأراضي الأفغانية وإنشاء ممرّات للمساعدات الإنسانية، لكنّ الجدل الحقيقي الذي يمسّ جوهر المسألة هو؛ إلى أي مدى يمكن التباحث مع حكومة إجرامية بهذه المواصفات.

اقرأ أيضاً: حكومة طالبان تعلن بدء تشكيل الجيش الأفغاني... هذه مهامه

ولقد تعهّدت بروكسل والدول الأعضاء في مجموعة "جي 20" بالاستثمار في أفغانستان، إلّا أنّ وزارة الخزانة الأمريكية رفضت الإفراج عن تسعة مليار دولار من أموال المصرف المركزي الأفغاني، ومن شأن ذلك أن يولّد لدى طالبان نوعاً من الإحباط قد يدفعها للبحث عن شركاء أكثر احتراماً لنظام حُكمها، وهنا تظهر المجموعة الثانية من الدول، مثل إيران وباكستان المجاورتين، وبالطبع الصين وروسيا.

وتبدي بكين اهتماماً متعاظماً بالموارد الطبيعية التي تمتلكها أفغانستان، لا سيما النحاس والليثيوم، وهي معادن لا غنى عنها في صناعة التقنيات، وتسعى لإدماج أفغانستان في مشروعها "طريق الحرير" الذي تعمل عليه في صمت.

وفي جميع الأحوال، ستظهر أطراف تتحرّك بدافع العمليّة السياسية وتنحي الأفكار والقيم جانباً، وينتهي بها الحال وهي تقدّم المساعدة بصورة أو بأخرى لنظام طالبان.

مصدر الترجمة عن الإسبانية:

https://bit.ly/3pa171G




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية