كيف ستتعامل أمريكا مع ملفات حقوق الإنسان في تركيا؟

كيف ستتعامل أمريكا مع ملفات حقوق الإنسان في تركيا؟


06/02/2021

تتعدّد الملفات التي يمكن أن تطرحها الإدارة الأمريكية الجديدة على طاولة "محاسبة" القيادة التركية على سياساتها خلال الأعوام الـ4 الماضية، بما فيها من تناقضات جرت تحت عناوين إعادة إنتاج العثمانية الجديدة، والإسلام السياسي، والتعاون مع الإرهاب، وتبنّي خطاب كراهية ظهرت ترجماته في الدول الأوروبية، وممارسة أدوار في مناطق الصراع بالمنطقة بصورة تتعاكس مع كون تركيا حليفاً للغرب وأمريكا، وعضواً فاعلاً في حلف شمال الأطلسي، والذهاب بعيداً بتحويل تركيا إلى حليف لروسيا والصين.

أشارت تقارير حديثة إلى قيام تركيا باختطاف سوريين من داخل الأراضي التي تحتلها في سوريا ونقلهم إلى تركيا تمهيداً لمحاكمتهم هناك وفقاً للقانون التركي

بيد أنّ أخطر الملفات التي يمكن أن تطرحها الإدارة الأمريكية الجديدة مع القيادة التركية هي ملفات حقوق الإنسان في تركيا، خاصّة أنّ أمريكا تحتفظ بملف متكامل حول حقوق الإنسان وفقاً للمنظمات الدولية الحقوقية، ومن بينها أمنستي التي تصف حالة حقوق الإنسان في أحد تقاريرها لعام 2019 بالقول: "استمرّت حملة القمع ضدّ المعارضين الحقيقيين والمفترضين؛ على الرغم من أنّ حالة الطوارئ في البلاد التي استمرّت عامين انتهت في تموز (يوليو) 2018، وقد احتُجز آلاف الأشخاص رهن الاعتقال المطوّل والعقابي السابق للمحاكمة، غالباً بدون أيّ أدلة موثوق بها، على ارتكابهم أيّ جرائم معترف بها بموجب القانون الدولي. وقد فُرضت قيود شديدة على حقّي حرّية التعبير والتجمع السلمي، وتعرّض الأشخاص الذين عُدّوا منتقدين للحكومة الحالية، وخاصّة الصحفيين والنشطاء السياسيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، للاعتقال أو واجهوا تهماً جنائية ملفقة، وواصلت السلطات حظر المظاهرات بصورة تعسفية، واستخدام القوة غير الضرورية والمفرطة لتفريق الاحتجاجات السلمية، وقد وردت أنباء تتسم بالمصداقية حول التعذيب والاختفاء القسري، وأعادت تركيا قسراً لاجئين سوريين، في حين ظلت تستضيف عدداً من اللاجئين يفوق ما تستضيفه أيّ دولة أخرى".

اقرأ أيضاً: أردوغان يتحدّث عن التمسّك بحرية الصحافة ويقمع الصحفيين

وأشارت تقارير حديثة إلى قيام تركيا باختطاف سوريين من داخل الأراضي التي تحتلها في سوريا، ونقلهم إلى تركيا تمهيداً لمحاكمتهم هناك وفقاً للقانون التركي، وقامت تركيا بنقل مقاتلين مرتزقة من سوريا إلى ليبيا وأذربيجان، على غرار ما تفعله إيران في سوريا واليمن.

ملف حقوق الإنسان في تركيا أحد الملفات التي ستواجهها القيادة التركية بأسلحة ودفاعات ضعيفة، قد لا تنفع معها براغماتية الرئيس أردوغان المعتادة وقدراته على الانقلاب على مواقفه وسياساته، فهذه الملفات تستند للعديد من المرجعيات التي لا تصبّ في صالح تركيا، أبرزها غياب الرئيس ترامب الذي تجاهل هذا الملف مع كلّ حلفائه، وقد تتطلب سياسات بايدن بعض البراغماتية تجاه تركيا، إلّا أنّ حقوق الإنسان لن تكون مشمولة بذلك، خاصة أنّ بايدن سيكون تحت ضغوطات المؤسسات الأمريكية، وخلافاً لكثير من القوى الإقليمية في المنطقة، فإنّ محاسبة تركيا تشكّل قاسماً مشتركاً ومحطّ إجماع بين الجمهوريين والديمقراطيين، بالإضافة إلى أنّ الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون على توافق تام مع الأوروبيين بخصوص هذا الملف، بما في ذلك تبنّي تركيا لخطاب الكراهية تجاه أوروبا، وعلاقات تركيا بما يجري في أوروبا بهذا الخصوص، وخاصّة في فرنسا وألمانيا وبعض دول البلقان.

ملف حقوق الإنسان أحد الملفات التي ستواجهها القيادة التركية بأسلحة ودفاعات ضعيفة، قد لا تنفع معها براغماتية أردوغان المعتادة وقدراته على الانقلاب على مواقفه وسياساته

القيادة التركية من جانبها تدرك جيداً ما يمكن أن تواجهه من "محاسبة" وضغوط أمريكية، ومن غير الواضح ملامح خططها الدفاعية، إلّا أنّ قيام تركيا، بعد فوز بايدن، بانتهاج سياسات جديدة عنوانها "تبريد" الملفات الخلافية في شرق المتوسط، ومغازلة أوروبا بخطاب جديد، ينسف مفردات القاموس السياسي والعسكري التركي "الصدامي" تجاه أوروبا وفي ليبيا وسوريا، وما يتردّد عن نوايا بفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع السعودية ومصر والإمارات، كلها تشي باستعدادات لتحوّلات تركية، ربما لا يغيب عنها حسابات الصفقة الإيرانية- الأمريكية المحتملة، التي ينطلق الأمريكيون في التعامل معها على أساس أنّ إيران عدو، وأمّا تركيا، فهي حليف تمرّد ولا بدّ من محاسبته.

هوامش المناورة أمام تركيا تزداد ضيقاً مع الإدارة الأمريكية الجديدة، وربما ينقذها دورها في سوريا مؤقتاً في تنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية بمواجهة روسيا وتصعيب مهمتها في سوريا، لكنّ أوساطاً في الإدارة الأمريكية لن تقبل صفقة صواريخ "S 400" بين أنقرة وموسكو، وهو ما سيضع العلاقات التركية الروسية أمام تحدٍّ خطير، ربما تنكشف بعده تركيا في مواقع أخرى، منها العلاقة مع إسرائيل، وتخلّيها عن الإسلام السياسي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية