كيف نفكّك رسائل المتطرّفين عبر التّسجيلات المرئيّة؟

كيف نفكّك رسائل المتطرّفين عبر التّسجيلات المرئيّة؟


15/03/2021

منير أديب

يمثل موقع يوتيوب سوقاً ترويجياً كبيراً، تنشر من خلاله جماعات العنف والتطرف محتوى مرئياً يروّج لأفكارها ويعمل على استقطاب أتباع ومقاتلين جدد، ولعل هذه الوسيلة على شبكة المعلومات الدولية الإنترنت هي الأخطر، وهذا السلاح الاستراتيجي هو السبب في الحفاظ على حياة هذه التنظيمات، برغم المواجهة الأمنية والعسكرية، فهي ما زالت قادرة على الوصول إلى أي مكان وأي شخص عبر الفضاء الإلكتروني. 

ساعد موقع اليوتيوب في نقل رسائل هؤلاء المتطرفين، أو استخدامهم لهذا الموقع الذي يحدّ من فكرة الرقابة على المواد المنشوره عليه، ولعله يستجيب ولكن بعد فترة ربما تمكن هذه التنظيمات من نشر أفكارها وضمان وصول رسالتها الى قطاع كبير من المستهدفين، وهو ما يُشكل خطراً حقيقياً لم يتم الوصول إلى حل بخصوصه. 

أصبحت التنظيمات المتطرفة مهيضة الجناح، على الأقل في الفترة الحالية، ومن هنا بدأت تستغل الصور المتحركة في إيصال رسائلها إلى خلاياها المنتشرة في كل مكان، ومن المهم هنا تفكيك خطاب هذه التنظيمات عبر تسجيلات مرئية مقابلة، ومحاولة منع تداول التسجيلات المرئية المروجه للأفكار المتطرفة عبر الموقع الأشهر على الشبكة العنكبوتية. 

من المهم أيضاً قراءة خطاب هذه التنظيمات عبر هذه التسجيلات التي تمثل كنزاً مهماً؛ فمن خلال هذه التسجيلات يمكن أن نقرأ هذه التنظيمات قراءة صحيحة ودقيقة، فكم المعلومات المتاح عن هذه التنظيمات ضئيل في ظل هامش المواجهة الأمنية والعسكرية، بخاصة تنظيمات العنف والتطرف العابر للحدود والقارات. 

وهو ما يفرض وضعاً جديداً ويدفعها للاختباء، ما يُصعّب من فكرة المواجهة الأمنية، فلا يمكن لهذه المواجهة أن تكون ذات أثر إلا إذا تقدمتها المواجهة العسكرية، القائمة على جلب المعلومات الاستخبارية واستخدامها، وهنا تبدو أهمية الصور المتحركة والتسجيلات المرئية التي يمكن أن نستقي منها المعلومات، إذا أحسنا ذلك. 

في ظل الظرف الأمني الذي تمر به هذه التنظيمات في دول كثيرة، تبدو هذه التسجيلات أداة اتصال، صحيح أنها مشفرة ولا يمكن فكها بسهوله، لكنها تكاد تكون الوسيلة الوحيدة للحصول على المعلومات عن هذه التنظيمات، أو على الأقل رافد المعلومات الأهم؛ فمن خلالها يمكن توقع سلوك هذه التنظيمات ودور قياداتها ومعرفة هذه القيادات، بخاصة الذين يعملون في ساحة العمل العسكري، كما يمكن من خلالها فهم التحولات التي تجري داخل هذه التنظيمات. 

ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن التنظيمات المتطرفة في مصر تستخدم هذه التسجيلات في الاتصال والتواصل معاً، فإذا كنّا نتحدث عن التنظيمات المتطرفة ذات البعد الدولي، أي التي لها امتدادات خارج الحدود، مثل "داعش" و"الإخوان المسلمين"، فإن معظم التسجيلات الخاصة بها مليئة بالرسائل ومحمّلة بمعلومات يمكن الحصول عليها مجاناً من أصحابها من دون قصد. 

ولذلك ما زلنا نفتقد دوراً بحثياً مهماً في هذا الشأن، يهتم بقراءة الصورة المتحركة أو التسجيل الصوتي أو المرئي لهذه التنظيمات، كما لا يوجد مركز بحثي واحد في وطننا العربي يُعطي أولوية في القراءة والتحليل للمحتوي الذي تنشره هذه التنظيمات، وبالتالي لا بد من وجود باحثين مؤهلين لهذا الدور.  

كثير من التسجيلات المرئية للتنظيمات المتطرفة يتم إنتاجها خارج الحدود، وغالباً تكون في أوكار وجبال ومناطق الصراع في بعض الدول الهشة والتي تستطيع هذه التنظيمات أن تتمتع فيها بحرية، وهي بطبيعة الحال ذات دلالة ومغزى، وهنا معارك كثيرة يتم وضع خططها أيضاً خارج الحدود، ويبقى تحديد ساعة الصفر لمهام هؤلاء المتطرفين من خلال التسجيلات الصوتية أو المرئية وعبر نشر بعض الصور الصامتة.  

إذا كنّا نتحدث عن الحالة في مصر كمثال، يتم نشر بعض هذه التسجيلات في الخارج، حتى يهرب المتطرفون في الداخل من فكرة المراقبة أو الوصول إليهم، وفي  الوقت نفسه تبقى دلالة النشر ونوعية المادة في الغالب مرتبطة بطبيعة تنفيذ العمليات الإرهابية، وهنا يمكن أن نتوقع تحركات هذه التنظيمات من خلال التسجيلات المرئية نفسها. 

من اللافت أن معظم الفيديوات المنشورة لجماعات العنف والتطرف، سواء المحلية أم الإقليمية أم حتى عابرة الحدود والقارات، وهي التي تُصنف على أنها الأكثر عنفاً، هدفها الأساسي بث الرعب في قلوب مشاهديها، وقد يكون تحريض الشعوب على الحكام في المرتبة الثانية، تليها فكرة الدعوة الى الإيمان بالفكر المتطرف الذي يروج له هؤلاء المتطرفون. 

الغرض الأساسي من وراء نشر هذه الفيديوات هو نشر ثقافة العنف وإرهاب الخصوم، وخصوم هؤلاء هم الحكام وأعوانهم ومن لا يؤمن بأفكار هذه التنظيمات بطبيعة الحال، في المقابل قد تكون هناك وسائل أخرى تستخدمها هذه التنظيمات للتحريض أو للدعوة الى أفكارها، ولكن الرساله الأهم تبدو في زلزلة هؤلاء الخصوم من خلال بث مشاهد العنف. 

تنظيمات العنف والتطرف قد تشعر أنها ضعيفة وأن إرادتها على تغيير الواقع أقل من طموحها لذلك، وهنا تُريد أن تَظهر بخلاف هذه الحقيقة، قوية، مؤثره وقادرة على إنزال الرعب بخصمها، فكثير من هذه التنظيمات مشتت، وهو أضعف من الحكومات التي تواجهها أو أجهزة الأمن التي تقف لها بالمرصاد، وبالتالي فكرة إيصال الرسالة مهمة لدى هذه التنظيمات، وقد تكون مقدمة على نشر الفكرة أو استمالة الآخرين لصفها، وهو ما تحققه هذه التسجيلات. 

عملية الثأر واستحضاره لمواجهة الخصوم أمر في غاية الأهمية بالنسبة الى تنظيمات العنف والتطرف، ولذلك تسعى من وراء ذلك لبث المزيد من مشاهد العنف عبر الكثير من الفيديوات، حتى تشعر بحالة من الارتياح جراء هذه المواجهة التي تنقلها عبر الصورة المتحركة، كما أنها تعتقد أن مشاهد العنف هذه أكبر دعاية لها، وهذا في حد ذاته دعوة الى الإيمان بالتنظيم، كما أنه يحمل في طياته التحريض ضد الدول التي يعيشون فيها. 

فكلما كانت هذه التنظيمات أكثر عنفاً، وصلت برسالتها الى كل من يؤمنون بأفكارها، فضلاً عن أنها ترى أن مشاهد الرعب هذه قد تدفع الآخرين لتكرارها، وهو ما يُشجع أتباعها أو من يؤمنون بمسار التغيير المسلح بانتهاج السياسة نفسها، من خلال الشرح الوافي لطريقة ممارسة العنف وبث مشاهده. 

من الطبيعي والمنطقي أن تحتوي هذه الفيديوات على نصوص شرعية تستند إليها في تبرير السلوكيات الوحشية، وإقناع الآخرين بهذا السلوك، ودعوة من يرى هذه الفيديوات إلى انتهاج السلوك نفسه، وهنا تبدو النصوص الشرعية أهم بكثير من مجرد الخطاب المتجرد لمحاربة الأنظمة السياسية، فهذه التنظيمات تكفّر هذه الأنظمة وتدعو الى الخروج عليها، وهذا لن يتأتى إلا بنص مقدس دائماً يأخذ الأولوية في الطرح ويُقدم على غيره من المبررات. 

وبما أن النص القرآني له شرعية التقديس، وبعيد عن جدال من يختلف مع التنظيم، فدائماً ما يُصدّره في مضامين الصور المتحركه بهدف إقناع المتلقي، وإثبات أنه يسير على نهج "قويم" يستند إلى القرآن، وبالتالي لا جدال في النص ولا في التنظيم الذي يستخدمه! 

من فحص معظم الفيديوات التي تقوم هذه التنظيمات بنشرها، تبين لنا أنها تستدل على قضيتها بالآيات القرآنية، ثم يأتي الاستدلال بالمواقف المعاصرة، ثم يأتي الاستدلال بالأحاديث النبوية في المرتبة الثالثة؛ ولعله يلجأ إلى القرآن باعتبار أنه نص مقدس يجمع المختلفين ولا يجرؤ أحد على الطعن فيه، بخلاف المواقف المعاصرة أو الشواهد الحياتية عموماً، ويكون التصديق عليها من خلال الأحاديث النبوية. 

من تتبع التسجيلات المرئية للتنظيمات المتطرفة، تتفاجأ بأن الهدف الإستراتيجي الأول لها يتمثل في الحشد والتعبئة كهدف أولي من وراء المضمون، ثم يأتي الهدف الثاني في التهديد والوعيد كوسيلة لإخافة المتلقي، ثم تبرير سلوكها، وكأن هؤلاء معنيّون أساساً بتجنيد أتباع جدد وتعبئتهم في المعركة ضد الخصوم قبل أي أهداف أخرى قد تأتي في المرتبة التالية. 

ما نريد التشديد عليه، أن يلتفت المهتمون والباحثون إلى خطر الإرهاب "المتحرك"، وأن يُخضعوا التسجيلات المرئية والمسموعة والصور وأي محتوى للتنظيمات المتطرفة لقراءة مهتمة، فالتسجيلات المرئية بمثابة كنز معلومات مدفون قد يدق لنا ناقوس الخطر بالنسبة الى الأماكن الجديدة التي يستهدفها هؤلاء المتطرفون والى التحولات التي تشهدها هذه التنظيمات.

عن "النهار" 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية