كيف نقرأ اعتزال الحريري الحياة السياسية؟ وماذا عن إطلاق يد حزب الله في لبنان؟

كيف نقرأ اعتزال الحريري الحياة السياسية؟ وماذا عن إطلاق يد حزب الله في لبنان؟


25/01/2022

بعد سلسلة من الانتكاسات على المستوى السياسي والاقتصادي، أعلن رئيس الوزراء اللبناني الأسبق سعد الحريري اعتزاله الحياة السياسية وعدم الترشح للانتخابات النيابية المقبلة أو تقديم أي ترشيحات من "تيار المستقبل"، الذي يتزعمه، ما أثار العديد من التكهنات التي أتى بعضها متفائلاً فيما كان بعضها الآخر متشائماً من هذه الخطوة.

وأعرب الحريري، خلال مؤتمر صحفي، أمس، عن اقتناعه "أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".

وقال الحريري في كلمته "من باب تحمل المسؤولية أيضاً، ولأنني مقتنع أن لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي، والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة، أعلن التالي: أولاً، تعليق عملي بالحياة السياسية ودعوة عائلتي في تيار المستقبل لاتخاذ الخطوة نفسها. ثانياً: عدم الترشح للانتخابات النيابية وعدم التقدم بأي ترشيحات من تيار المستقبل أو باسم التيار".

 

يأتي إعلان الحريري اعتزال الحياة السياسية في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أشد الأزمات التي سجلها العالم على الإطلاق

 

وبدا على الحريري التأثر خلال تلاوته الخطاب مباشرة على التلفزيون وخلفه صورة والده رفيق الحريري، الذي ورث عباءته السياسية بعد اغتياله عام 2005.

اقرأ أيضاً: هل يرضى "حزب الله" بخسارة أغلبيته النيابية؟

ويأتي إعلان الحريري اعتزال العمل السياسي في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة مالية وصفها البنك الدولي بأنها واحدة من أشد الأزمات التي سجلها العالم على الإطلاق. وفشلت النخبة الطائفية في اتخاذ خطوات لمعالجة الأزمة حتى مع سقوط غالبية السكان في براثن الفقر، وفق ما أورده موقع "دويتشه فيله".

مستقبل ضبابي

 وأثارت هذه الخطوة مخاوف حول مستقبل البلاد السياسي، ويبقى السؤال الأبرز عن شكل مرحلة ما بعد الحريري، ويحاول كثيرون طرح سيناريوهات مختلفة عن هذه المرحلة، ففي حين يرى البعض أن ما أقدم عليه الحريري، يمكن تحويله إلى فرصة، بملء هذا الفراغ بشخصية أكثرة قدرة على التعاطي مع المشهد السياسي والاقتصادي المُعقد في لبنان، يطرح البعض الآخر سيناريوهات متشائمة تحذر من ملء الإرهاب والتطرف لهذا الفراغ.

واعتبر زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط، أنّ قرار سعد الحريري تعليق عمله بالحياة السياسية "يعني إطلاق يد حزب الله والإيرانيين في لبنان".

واعتبر جنبلاط في تصريح أنّ "قرار الحريري محزن ونفقد به ركيزة للاستقرار والاعتدال".

ويأتي قرار الحريري قبل أشهر من الانتخابات البرلمانية المحدد تاريخ إجراؤها في أيار (مايو) المقبل، والتي ينظر إليها البعض كفرصة لإحداث تغيير في المشهد السياسي، لاسيما بعد اندلاع الثورة والنقمة الشعبية على الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى الانهيار على كل الأصعدة.

تأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الانتكاسات التي مني بها الحريري ماليّاً وسياسياً في السنوات القليلة الماضية، خاصة ما تعلق بخسارته لثقة السعودية

 

وفي حال عدم انخراط الحريري وتياره في الانتخابات المقبلة، فهذا يعني وفق خبراء، أنّ اللبنانيين سيختارون ممثليهم، لكن نسبة المشاركة في الانتخابات ستنخفض.

وشدد المحلل السياسي جوني منير في حديث لموقع "الحرة"، أنّ الاستقالة من الحياة السياسية "سفتح الباب إما أمام أصحاب المال أو المتطرفين أو جماعة حزب الله للأخذ أكثر فأكثر من ساحة تيار المستقبل".

اقرأ أيضاً: حزب الله وحركة أمل يشاركان في جلسات الحكومة... هل فشل التصعيد؟

لكنه أضاف، "يجب مراقبة من سيملأ الفراغ في الساحة السنية أولاً، لكن من المؤكد أنه سيرفع من منسوب الاحتقان، كما أنه من الواضح أنّ هناك اتجاهاً للضغط على حزب الله في لبنان".

حزب الله وتسويات الحريري

وتأتي هذه الخطوة بعد سلسلة من الانتكاسات التي مني بها الحريري ماليّاً وسياسياً في السنوات القليلة الماضية، خاصة ما تعلق بخسارته لثقة السعودية، وفشل التسويات التي عقدها مع الحزب وفي ظل أزمة سياسية واقتصادية ومالية حادة تشلّ لبنان منذ عامين.

وفي كلمته عرض الحريري، بإيجاز، لأبرز المحطات التي أوصلته إلى اليأس، فتحدّث عن نقطتين رئيسيتين: التسويات ونظرة اللبنانيين.

وتكمن مشكلة الحريري فعلاً في التسويات التي أبرمها وكانت تحتوي في فهم مجتزأ، طوعي أو عفوي، لمفهوم التسوية، فهو لم يتعاطَ مع الخصم على قاعدة حقيقة هذا الخصم، بل على أساس تمنياته في ما يجب أن يكون عليه هذا الخصم، بمعنى آخر لم يضع الحريري، وهو يعقد التسوية، عقل الخصم في رأسه، بل وضع عقله هو في رأس الخصم، وهذا خطأ منهجي استراتيجي، وفق ما يراه الكاتب فارس خشان في مقالته المنشورة على موقع "النهار".

اقرأ أيضاً: ظروف نشأة حزب الله وعلاقته بالشيعة

فلم يتعاط َ الحريري، وفق خشان، مع "حزب الله"، عندما "ربط النزاع" معه، على قاعدة أنّه جزء من مشروع إيراني يهدف الى الهيمنة على المنطقة، ولم يأخذ في عين الاعتبار أنّ "حزب الله" مستعد، من أجل توفير مصلحة المحور الذي ينتمي إليه، أن يحرق لبنان ومصالحه، من دون أن يرفّ له جفن، الأمر الذي ترجمه بتوريط لبنان، رغماً عنه، في مواجهة مفتوحة مع دول الخليج عموماً ومع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة خصوصاً، من أجل "حوثيي اليمن".

اقرأ أيضاً: سلسلة انفجارات تهز قرى جنوب لبنان... ما علاقة حزب الله؟

ويتابع الكاتب: كان الحريري يتطلّع أن يُعيد "حزب الله" إلى لبنان، من خلال رفد "ربط النزاع" بإيصال واحد من صفوف حلفاء هذا الحزب الى رئاسة الجمهورية: سليمان فرنجية أو ميشال عون، لكنه لم يأخذ في الاعتبار أنّ من يمكن أن يصل من بينهما الى رئاسة الجمهورية، عليه أن يتعهّد بتشكيل غطاء قوي لهذا الحزب، في مساره نحو تحقيق أهدافه.

وحين فضّل "حزب الله" عون على فرنجية لم يفعل ذلك على أساس أنّه "وفي لوعوده"، فهو عند انتخاب الرئيس ميشال سليمان، لم يتردّد في الإخلال بوعوده، بل على أساس ثقته بأن عون أصبح موثوقاً بشكل مطلق، وتالياً يمكن أن يُنفّذ أخطر صفقة على الإطلاق عقدها معه: الجمهورية مقابل الرئاسة، وفق خشان.

 

خشان: "حزب الله" مستعد، من أجل توفير مصلحة إيران أن يحرق لبنان ومصالحه، من دون أن يرفّ له جفن، الأمر الذي ترجمه بتوريط لبنان في مواجهة مفتوحة مع دول الخليج

 

ويضيف خشان: وعليه، فإنّ التسوية التي عقدها الحريري مع عون لم تنتج ما رغب به، فعون، لم يساعده في "لبننة حزب الله"، بل ساعد الحزب في "أيْرنة" لبنان. ويتابع خشان: هذه نقطة جوهرية وقفت، وراء خسارة الحريري لـ"بعض صداقاتي الخارجية"، وفق ما قال في كلمة "التعليق والإنكفاء"، وليس سرّاً أبداً أنّ أهم خساراته وأبرزها وأخطرها وأكثرها كلفة مالية ومعنوية، تجسّدت في خسارته للمملكة العربية السعودية.

ويردف خشان: هذه الطريقة في تعاطي الحريري مع التسويات أخسرته "الكثير من تحالفاتي الوطنية"؛ لأنّ اندفاع الحريري نحو احترام ما تعهّد به، في ظل عدم تنازل الأطراف الأخرى عن فاصلة واحدة من خططها، جعله يصطدم بالجميع، قبل أن يوصله الى نقطة اليأس من المشاركة في الحياة السياسية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية