كيف يواجه العراق مأزق سيادته المستباحة من تركيا؟

كيف يواجه العراق مأزق سيادته المستباحة من تركيا؟


10/06/2021

شنّ برلمانيون عراقيون، وآخرون من النخب المحلية، انتقادات لاذعة لحكومة مصطفى الكاظمي؛ لاكتفائها بالمواجهة الدبلوماسية ضدّ السلطات التركية التي تخترق قواتها سيادة البلاد لمرات عديدة، ومواصلة الرئيس رجب طيب أردوغان تهديدات اجتياح العراق بحجة مقاتلة حزب العمّال الكردستاني التركي، شمال البلاد.

اقرأ أيضاً: أكثر من مجرد انتهاكات حدودية: تركيا تسرق زيتون سوريا وأخشاب العراق

تواصل التدخلات التركية، يعزى إلى نية أردوغان أن يكون لاعباً على الساحة العراقية "المستباحة" إقليمياً وتحديداً من قبل إيران، وكما يرى خبراء فإنّ هذه التدخلات بمثابة محاولة لاستعادة "العمق الإستراتيجي الداخلي" لتركيا، مشيرين إلى أنّ ثمة تحالفاً بين أنقرة وطهران لإضعاف ردّ الفعل العراقي تجاه الاجتياح المتكرر لسيادته.

اقرأ أيضاً: العراق يكشف انخفاض تدفق المياه إليه 50%... ما علاقة تركيا؟

وطالب نواب في البرلمان الاتحادي بعقد جلسة طارئة للرئاسات الثلاث (الجمهورية والحكومة والبرلمان) لمناقشة آخر التطورات الأخيرة في إقليم كردستان العراق، التي شهد مقتل وإصابة مدنيين في مخيم المخمور للاجئين الأتراك في محافظة نينوى (465 كم شمال العاصمة بغداد).

مقاتلون في حزب العمال الكردستاني التركي في جبال إقليم كردستان العراق

وإثر المواجهات بين قوات "العمّال الكردستاني" والقوات التركية، قتل خمسة عناصر من قوات الأمن الكردي العراقي (البيشمركة)، مطلع الأسبوع الجاري، في كمين نصبته المعارضة التركية، وذلك قرب إحدى الجبال في محافظة دهوك، أبرز معاقل مسلحي المعارضة منذ أكثر من 30 عاماً.
آخر التطورات الميدانية
وشهد إقليم كردستان العراق، الثلاثاء، تطورات جديدة على صعيدهِ الأمني، إذ أُختطفَ ضابطان من قوات البيشمركة التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود بارزاني)، في قضاء سنجار غرب محافظة نينوى، وذلك بعد أيام من مقتل خمسة أفراد من القوات الكردية العراقية.

نواب عراقيون ينتقدون الموقف الرسمي لحكومتهم إزاء خرق سيادة بلادهم ويطالبون باللجوء لمجلس الأمن.. وحكومة كردستان تعلن نزوح 1500 مواطن وتهجير 22 قرية

مصدر أمني مطلع، كشف لـ "حفريات"، أنّ "العمال الكردستاني التركي يحاول ضرب الحزب الديمقراطي الكردستاني العراقي، لأنّه في تحالف عملي مع السلطات التركية التي تهاجم معارضيها ضمن منطقة إقليم كردستان العراق"، مبيناً أنّ "المتمردين الأتراك يخوضون قتالاً موازياً مع الداخل الكردستاني والخارج التركي".

وأكّد أنّ "آخر تطورات الواقع الأمني في محافظة نينوى، هو اختطاف ضابطين من قوات البيشمركة التابعة لحزب مسعود بارزاني، بقضاء سنجار غرب المحافظة"، لافتاً إلى أنّ "للعمّال الكردستاني التركي سلطة نافذة في القضاء ذات الغالبية من أبناء المكون الأيزيدي".

ويقدَّر وجود 4 آلاف مسلح تابع "للعمال الكردستاني" في مناطق كردستان وسنجار، وهي أكثر المناطق التي تقلق أنقرة، ويدير الحزب المعارض لتركيا السلطة في سنجار منذ أكثر من عامين، فيما أبرمت حكومتا بغداد وأربيل، العام الماضي، اتفاقية لإخلاء المدينة من المسلحين ومنهم حزب العمّال.

كردستان  تتهم طرفي الصراع

توتر مناطق إقليم كردستان العراق، نتيجة الحرب القائمة بين تركيا ومعارضيها داخل الإقليم،  أثّرَ في حركة السكان الخاضعين تحت مرمى نيران الجانبين، إذ راحت السلطات الكردية إلى اتهامهما بزعزعة استقرار الإقليم والمنطقة.

مخيم مخمور للاجئي أكراد تركيا داخل إقليم كردستان العراق والذي تعده السلطات التركية مغذياً للمتمردين عليها

وقال منسق التوصيات الدولية في حكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري، بمؤتمر صحفي، أمس الثلاثاء؛ إنّ "مئات الأشخاص نزحوا من المناطق الحدودية في الإقليم جراء القتال الدائر بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، الذي ارتفعت وتيرتهُ مؤخراً". وأضاف: "هناك محاولات لزعزعة استقرار المنطقة".

وأكد زيباري؛ أنّ "مسلحي حزب العمّال الكردستاني فرضوا قيوداً على حركة 169 قرية، كما أنّ الاشتباكات الأخيرة أدّت إلى نزوح 1500 مواطن وتهجير 22 قرية".

اقرأ أيضاً: هكذا علقت أمريكا على قصف تركيا مخيم مخمور للاجئين في العراق

وحول اتهامات وجهت إلى الإقليم بخصوص الحدّ من تنقلات النازحين، أكّد المسؤول الحكومي الكردي؛ أنّ "للجميع حقّ التنقل في الإقليم، حتى اللاجئين السوريين لهم الحقّ في ذلك"، وأوضح أنّ "كردستان مع العودة الطوعية للنازحين واللاجئين"، منوّهاً إلى أنّ "هناك ما يقارب المليون نازح موجودين في الإقليم، و35 مخيماً يضمّ نازحين ولاجئين أيضاً".
أنقرة : تمّ تحييد أكثر من ألف كردي
وأعلنت الحكومة التركية أرقام المعارضين لنظامها في العراق وسوريا، التي قالت إنّها حيّدتهم، دون الإشارة إلى القصد من مفردة "تحييد"؛ هل قتلهم أم أسرهم أم تقييد حركتهم؟

اقرأ أيضاً: أردوغان ينفذ تهديداته... قتلى في قصف لمخيم مخمور للاجئين في العراق

وقال وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، خلال لقائه بعسكريين أتراك في مقاطعة (موغلا الجنوبية الغربية)؛ إنّه "تمّ تحييد 352 فرداً في العراق وسوريا خلال الأسابيع الستة الماضية، في عمليتَي؛ "بنس - شيمشك" و"بنس يلدريم"، اللتين انطلقتا في 23 نيسان (أبريل)".

وأضاف: "القوات التركية حيّدت 1212 شخصاً الآن، خلال هذا العام"، مشيراً إلى أنّ "العمليات العسكرية شمال العراق مستمرة بنجاح كما هو مخطط لها"، لافتاً إلى "مواصلة تدمير ملاجئ حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقية".

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار خلال تفقده لوحدات الجيش داخل الأراضي العراقية

وسبق لوزارة الدفاع التركية، أن أعلنت، نهاية الأسبوع الماضي، مقتل اثنين من عناصر الـ "PKK" في إطار عملية "مخلب البرق"، شمال العراق، وفي 23 نيسان الماضي، أطلقت تركيا عمليتَي "مخلب البرق" و"مخلب الصاعقة"، ضدّ معارضيها في مناطق "متينا" و"أفشين ـ باسيان"، داخل إقليم كردستان.
انتقادات نيابية للأداء الحكومي
إلى ذلك، انتقد نوابٌ في البرلمان العراقي أداء الحكومة تجاه تصرفات تركيا وعملياتها العسكرية المستمرة داخل البلاد، مطالبين إياها باللجوء إلى مجلس الأمن الدولي لوقف تلك التدخلات.
عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، سعران الأعاجيبي، أكّد أنّ اللجنة "طلبت من الحكومة، مراراً وتكراراً، بأن تضع حدّاً للانتهاكات والخروقات التركية"، مستدركاً بالقول: "لكنّنا لم نتلقَّ أيّ ردّ".

 


د. رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة  لـ"حفريات": التوغل العسكري على حساب الأراضي العراقية يمثل محاولة لإعادة إحياء العمق الإستراتيجي التركي

ويضيف الأعاجيبي: "الخروقات التركية لا تمثّل انتهاك سيادة العراق فقط، إنّما تمثّل خطورة على الشعب أيضاً".

ويبلغ تعداد القوات التركية المتواجدة على الأراضي العراقية نحو 3 آلاف عسكري، وهو رقم قابل للزيادة مع احتمالية شنّ عمليات برية واسعة.

ويرى النائب العراقي أنّ "المسألة تحتاج إلى اجتماع بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية وتشكيل وفد للذهاب إلى أنقرة لوضع حدّ لما يحدث من صراع وفوضى".

اقرأ أيضاً: العمليات العسكرية التركية شمال العراق.. دواعٍ أمنية أم أحقاد عثمانية؟

ويستغرب عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية من ضعف "الدبلوماسية العراقية التي من المفترض أن تلعب دوراً عن طريق تقديم شكاوى إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية"، مشيراً إلى أنّ "الورقة الاقتصادية تستطيع أن تلعب دوراً في صدّ تحركات تركيا، وأن تفرض عليها وضع اتفاقية واضحة".
مطالبات بفرض عقوبات اقتصادية على تركيا

من جانبٍ آخر، طالبَ نوابٌ آخرون بضرورة عقد اجتماع "عاجل" للرئاسات الثلاث، من أجل الخروج بنتائج توقف ما أسموه "التمادي التركي" على البلاد، داعين إلى فرض العقوبات الاقتصادية على أنقرة.
وقال النائب فاضل الفتلاوي؛ إنّ "الاستهتار التركي وصمت الحكومة العراقية، جعل أنقرة تتمادى على العراق"، مشدداً على ضرورة "عقد اجتماع عاجل من قبل الرئاسات الثلاث لبحث الأزمة وإيجاد الحلول السريعة لها".

مدرعات تابعة للجيش التركي داخل أراضي إقليم كردستان العراق لمهاجمة حزب العمال الكردستاني

وأضاف: "الحكومة العراقية سيكون لها موقف حازم باستدعاء السفير التركي لدى بغداد، وفرض العقوبات الاقتصادية على تركيا"، مطالباً مجلس النواب العراقي "بتوجيه رسالة تؤكد على العلاقات الطبية والتعايش السلمي مع الجانب التركي، لكن ليس على حساب السيادة".

اقرأ أيضاً: ناشطو كردستان العراق: هذه نوايا تركيا الحقيقية من التوغل شمال العراق
أما النائب محمد رضا آل حيدر، فقد أكّد أنّ "تركيا أنشأت قاعدة بعمق 15 كيلومتراً على الأراضي العراقية، باتجاه ناحية بعشيقة في محافظة نينوى"، مبيناً أنّه "لا توجد تفاهمات مع العراق تتيح لها إنشاء قواعد عسكرية".

وتابع قوله: "سنزور قرى زاخو والعمادية للاطلاع على القصف الأخير"، داعياً "بغداد وأربيل للتباحث والاتفاق على آلية لمنع التوغلات التركية".

محاولات تركية لإحياء عمقها الإستراتيجي

و في مطلع حزيران (يونيو) الجاري، توعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالتصعيد ضدّ حزب العمّال الكردستاني، مهدداً بقصف مخيم مخمور للاجئين، عاداً إياه "المنتج للإرهابيين".

وأعرب باحثون عراقيون عن مخاوفهم من إنشاء تركيا لقاعدة عسكرية كبيرة لقواتها في محافظة دهوك العراقية، مرجّحين أنّ التحالف القائم بين أنقرة وطهران، أضعف ردّ الفعل في بغداد.

وأكّد الدكتور رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، أنّ "التوغل العسكري على حساب الأراضي العراقية يمثل محاولة لإعادة إحياء العمق الإستراتيجي التركي"، موضحاً أنّ "الأسلوب العسكري التركي المتبع في الداخل العراقي هو قبض الأرض والاندفاع باتجاه هدف رئيس وهو وجود أكثر من 35 موقعاً عسكرياً بين قاعدة ونقاط تمركز تهدد سيادة العراق".

اقرأ أيضاً: العراق ينتقد أعمالاً تركية معادية للطبيعة... فما هي؟

العزاوي أبلغ "حفريات"  أنّ "التحالف الإقليمي بين تركيا و إيران يؤدي إلى إضعاف ردّ الفعل العراقي"، مبيناً أنّ "تركيا تحتلّ الأرض ميدانياً، ومع ذلك لا تتخذ الفصائل المسلحة أيَّة مواقف تذكر، مقابل استهدافها المتكرر للقوات الأمريكية، التي جاءت بطلب رسمي لمواجهة تنظيم داعش".

وأشار إلى أنّ "مواصلة  تركيا توغلها في الداخل العراقي وتنفيذ هجماتها العسكرية بذريعة ملاحقة مسلحي حزب العمال الكردستاني، أسفر عن مقتل عشرات الضحايا من المدنيين في القرى الحدودية بمحافظات إقليم كردستان"، مضيفاً أنّه "رغم التحركات الدبلوماسية للسلطات العراقية وموجات الاستياء الشعبي من التدخل التركي في البلاد، إلا أنّ أنقرة تواصل عمليات خرق السيادة للبلد المجاور".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية