لا حباً في السلطة ولكن خوفاً من الفوضى

لا حباً في السلطة ولكن خوفاً من الفوضى


03/06/2021

فاروق يوسف

في كل الأزمات التي مر بها الشعب الفلسطيني عبر الثلاثين سنة الماضية أكدت السلطة الفلسطينية أو ما يسميها المعارضون بـ"سلطة أوسلو" فشلها في اثبات وجودها باعتبارها ممثلة لنظام سياسي قادر على إدارة ما تبقى من القضية التي يعتقد المعارضون أنفسهم أنه قد تمت تصفيتها على مذبح أوسلو.

ولا أعتقد أن الرئيس محمود عباس وهو عراب أوسلو يميل إلى تعزيز نظرية نجاح السلطة في أن تشكل تطورا ايجابيا لافتا في حياة الشعب الفلسطيني بقدر ما يتمترس وراء نظرية الضرورة التاريخية التي انتجت السلطة باعتبارها واحدا من خيارين، كان الضياع ثانيهما. بمعنى الذهاب إلى العدم في ظل ضعف عربي كان أبرز صفات مرحلة ما بعد غزو الكويت وتحريرها وتخل عالمي عن الشعب الفلسطيني.

غير أن التركيز على تلك الضرورة باعتبارها المخرج الوحيد لنجاة السلطة من منتقديها والدفاع عن أخطائها أو حتى فسادها وانكار عجزها البنيوي عن انتاج نظام سياسي حديث هو أمر غير مقبول ولا يمكن أن يُقابل إلا بالاستهجان من قبل القوى المدنية التي تشعر أن السلطة بقدر ما تذيب وقتا فلسطينيا عزيزا في حوامض مصالحها بقدر ما تسمح للحركات والتنظيمات الأصولية المتشددة في اختطاف الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني ودفعه إلى أن يصطف معها وهي تسعى إلى أن تهيمن على القرار الفلسطيني. قرار الحرب والسلام.

بعد ذلك تشعر السلطة بالحرج.

لم تجرؤ السلطة على تأنيب حركة حماس على حربها التي دمرت غزة وفي المقابل فإن حماس التي أعلنت الحرب من غير العودة إلى مرجعية وطنية فلسطينية لا تضع أي اعتبار لوجود السلطة.

وهي إذ تمد جسورا إلى الخارج تتجاوز من خلالها السلطة فإنها تفعل ذلك متماهية مع منطلقاتها النظرية التي تصب في عدم الاعتراف لا بالسلطة وحدها بل وأيضا بكل الكيانات المادية والمعنوية الفلسطينية الأخرى. كما أن حركة حماس لا تنظر إلى الظواهر الرمزية المتوارثة بشيء من التقدير وهو ما لا يمكن الاعتراض عليه لو أنه شمل ظواهر صارت تسوقها باعتبارها رموزا نضالية لا يمكن التشكيك بنزاهتها.

بالنسبة لحماس فإن السلطة بكل الفصائل التي تقف وراءها وليس حركة فتح وحدها ليست موجودة. وهي كذلك في غزة منذ عام 2007. ولكن حماس في حقيقة موقفها ترغب في اقتلاع السلطة من جذورها لتحل محلها. تستحق السلطة أن يُفعل بها ذلك لأسباب كثيرة ولكن السبب الرئيس يكمن في أنها لم تكن بمستوى ثقة الشعب الفلسطيني بها بل أنها فرطت بتلك الثقة وصارت تستضعف حالها أمام الاحتلال حتى صارت كما لو أنها جهاز أمني ملحق به. وفي ذلك يكون الشامتون على حق كما أن اختراق الشعب صار ممكنا وبيسر غير متوقع.

لقد اكتسبت حركة حماس شعبيتها لا لأنها فصيل وطني فلسطيني تميز بقدرته على الحفاظ على الحقوق الفلسطينية بل لأن السلطة فرطت بتلك الحقوق وجعلت من اليسير أن يسقط الشعب في فخ الحركات الدينية التي تنادي بالدفاع عن الأرض والعرض.   

ولو عدنا إلى موقف السلطة من امتعاض واشمئزاز الشعب منها وقبوله على مضض بما صارت حركة حماس تفرضه على الواقع من خيارات انتحارية فسنُصدم بسلبيته التي لا يمكن تفسيرها إلا من جهة ما تعبر عنه من يأس السلطة من وجودها. ستُلام هنا إسرائيل. فهي السبب في فشل السلطة في الانتقال بالشعب الفلسطيني إلى مرحلة الحل اليقيني الثابت لقضيته وأبقته أسير التوقعات التي لم تجد لها طريقا إلى الواقع. كانت السلطة الفلسطينية هي سلطة الأمر الواقع ولكنها لم تكن سلطة واقعية أبداً.

ولكن ما يُخيف في الراهن الفلسطيني أن حماس التي تطرح نفسها بديلا عن السلطة هي حركة دينية استعملت السياسة أسلوباً كانت فلسطين واجهته وهي في الحقيقة ليست حركة وطنية ولا يعنيها في شيء أن يقيم الفلسطينيون دولة مستقلة لهم. تلك فكرة هي اقرب إلى حكايات الأطفال من أن تدخل في مذهب حماس السياسي.

في كل الأحوال لا يمكن الدفاع عن السلطة في وضعها الحالي ولكن حماس تمثل مصيرا قاتلا لفلسطين وشعبها. فالفوضى هي عنوانها. علينا أن نتذكر هنا جماعة الاخوان وما فعلته بمصر، حزب الله وما فعله بلبنان، الحوثيين وما فعلوه باليمن، الميليشيات الموالية لإيران وما فعلته بالعراق وحركة النهضة وما تفعله بتونس. 

ليس لدى حماس سوى الفوضى.

لذلك سيكون على الفلسطينيين أن يستعيدوا قضيتهم داخل الإطار القانوني الذي حُظي بدعم المجتمع الدولي وأن لا يفقدوا الأمل الأخير في اقامة دولتهم المستقلة على تراب فلسطين متحاشين الضياع وسط المحاور التي لا يمت أحد منها إلى القضية الفلسطينية بصلة. قضية فلسطين هي مُلك شعبها وينبغي عدم السماح بأن تتحول إلى واحدة من مفردات الصراع الاقليمي والدولي.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية