لماذا رفض مجلس النواب الليبي اعتماد ميزانية حكومة الدبيبة؟

لماذا رفض مجلس النواب الليبي اعتماد ميزانية حكومة الدبيبة؟


04/05/2021

أعلن مجلس النواب الليبي، رفض الموازنة التي قدمتها حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبدالحميد الدبيية، مطالباً بتعديلها، وصوت البرلمان الليبي بالأغلبية، على إعادة مشروع قانون الموازنة إلى الحكومة للتعديل، وفقاً لملاحظات النواب، وتقرير لجنة التخطيط والموازنة العامة والمالية بالمجلس.

اقرأ أيضاً: ليبيا: ما خفايا تأجيل زيارة الدبيبة إلى بنغازي؟

جاء ذلك عبر جلستين لمجلس النواب الليبي، تم فيهما مناقشة مشروع قانون الميزانية؛ حيث بحث المجلس برئاسة المستشار عقيلة صالح، في جلسته الرسمية الأولى بمقره في مدينة طبرق، بحضور أكثر من سبعة وتسعين نائباً، مشروع قانون الموازنة العامة، حيث تم الاستماع للتقرير المفصل، الذي أعدته لجنة التخطيط والمالية والموازنة العامة بمجلس النواب، والذي تضمن ملاحظات متعددة، ونحو ثلاثين توصية، من قبل لجنة الموازنة.

فتحي المريمي: يصر رئيس، وبعض أعضاء مجلس النواب، على تغيير المناصب السيادية، بسبب سيطرة الإخوان على أهم المؤسسات المالية والرقابية في الدولة الليبية

وأوصت لجنة المالية بمجلس النواب الليبي، في تقريرها، بإعادة مشروع الميزانية إلى حكومة الوحدة الوطنية؛ لمراجعته وإصلاحه، موضحة أنّ الأرقام المطروحة تضر باحتياطات الدولة من العملة الصعبة، وتؤثر سلباً على الاقتصاد الوطني، وكذا طالبت بالبحث عن مصادر تمويل أخرى، تكون بديلة عن النفط، والعمل حثيثاً نحو ترجمة الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها، في شكل برامج ومشاريع واضحة، سيما مع تخصيص مبالغ كبيرة.

فتحي المريمي

 في سياق ذلك صرح المستشار الاعلامي لرئاسة مجلس النواب، فتحي المريمي، بأنّ مشروع إعداد الميزانية الآن، في ملعب حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، لتنظر في ملاحظات اللجنة المالية بمجلس النواب، وكذلك ملاحظات أعضاء مجلس النواب على الميزانية، في الجلسة التي انعقدت بالخصوص، وينتظر مجلس النواب إعادتها إليه مرة أخرى من الحكومة، حال الأخذ بملاحظات المجلس، والذي بدوره بعد ذلك سيعتمدها، ويصدر قانون ميزانية بخصوصها.

البرلمان يرفض هيمنة الإخوان

ولفت فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لمجلس النواب، في تصريحاته التي خص بها "حفريات"، أنّ مجلس النواب ناقش أيضاً، مسألة المناصب السيادية في الدولة الليبية، حيث انتهت اللجنة المكونة من أعضاء مجلس النواب من عملها، في إطار ذلك، وأحيلت إلى المجلس الأعلى للدولة؛ ليقوم باختصاصه نحو ذلك، ثم يحيلها إلى مجلس النواب، الذي بدوره سيحدد جلسة، يقوم من خلالها بانتخاب من يتقلد هذه المناصب السيادية في ليبيا.

أحمد جمعة بوعرقوب: ثمة خاسر وحيد، من جراء هذا الصراع السياسي والعسكري، يتمثل في المواطن

 وتلقى المجلس الأعلى للدولة، في السابع والعشرين من شهر نيسان (أبريل) الماضي، رسالة من مجلس النواب، حول أسماء المرشحين للمناصب السيادية، وفقاً للمادة 15 من الاتفاق السياسي، والتي تنص على تعيين المناصب السبع، المتمثلة في: محافظ المصرف المركزي، رئيس ديوان المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا، والنائب العام.

أحمد جمعة بوعرقوب

وحول دلالة الملاحظات التي قدمها مجلس النواب الليبي، حول مشروع ميزانية حكومة الوحدة الوطنية، في ظل ضيق الوقت المتاح أمام الحكومة، يشير الكاتب والمحلل السياسي الليبي، أحمد جمعة بوعرقوب، إلى أنّ حكومة الوحدة الوطنية، هي حكومة مؤقتة، بمهام واختصاصات محددة، وفق خريطة الطريق، التي أقرّها ملتقي الحوار السياسي، وبالتالي فإنّ رفض مجلس النواب اعتماد الميزانية، المقدمة من حكومة الوحدة الوطنية، مبرر ومنطقي، وذلك نظراً للمبالغة في حجم الميزانية المقترحة، وشمولها لمخصصات مالية، لا تتماهى وطبيعة الحكومة الموقتة، فضلاً عن إصرار رئيس، وبعض أعضاء مجلس النواب، على تغيير المناصب السيادية، بسبب سيطرة الإخوان المسلمون، على أهم المؤسسات المالية والرقابية، في الدولة الليبية (مصرف ليبيا المركزي، وديوان المحاسبة )، وأيضاً تمسك رئيس وأعضاء مجلس النواب، بتسمية وكلاء الوزارات قبل اعتماد الميزانية.

ملف المرتزقة مركب وشائك

 ويلفت الكاتب الليبي، في تصريحاته لـ"حفريات"، أنّه وفقاً لمتطلبات المرحلة، كان الأجدر بعبد الحميد الدبيبة، أن يشكل حكومة مصغرة، تكنوقراط، بميزانية طوارئ، وأن يعمل على توحيد مؤسسات الدولة، ورفع مستوى الخدمات، ومعالجة ملف المهجرين والنازحين، وأيضاً العمل على التحشيد الدولي؛ للمساعدة في إخراج المرتزقة والقوات الأجنبية، بالإضافة إلي التجهيز للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي تمثل الهدف الأسمى لحكومة الوحدة الوطنية، كما نصت خريطة الطريق.

محمد شوبار: أبدى العديد من أعضاء مجلس النواب، مخاوفهم من اعتماد هذا الحجم من الميزانية، في وعاء زمني قصير، وعدم وجود جهات رقابية فاعلة لمراقبة عملية إنفاق الميزانية

أما فيما يتعلق بمسألة خروج الميليشيات، وطرد المرتزقة من ليبيا، باعتبارها أمراً تتنازع عليه أطراف في الداخل والخارج، يرى بوعرقوب، أنّ ملف المرتزقة والقوات الأجنبية مركب وشائك، وخروجهم من ليبيا يحتاج إلى توحيد المؤسسة العسكرية، بحيث تكون تحت قيادة وطنية حكيمة، وللأسف كل القيادات العسكرية المتصدرة للمشهد ضعيفة، وساهمت بشكل مباشر في جلب المرتزقة، وليس صدفة أن يكون لروسيا وتركيا تواجد عسكري في ليبيا، فالدولتان بينهما تناغم كبير، ومصالح مشتركة، ويجمعهما نفس الطموح، القاضي بإعادة رسم الخريطة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، ومنافسة فرنسا في منطقة الساحل الأفريقي، ووسط القارة السمراء، وبالتالي فإنّ التحدي الكبير أمام القيادة السياسية في ليبيا، يتمثل في إدراك الأدوات التي يمكن استخدامها، لكبح طموح كل من أنقرة وموسكو، ما يؤثر إيجاباً على ملف المرتزقة والقوات الأجنبية.

ويستطرد الكاتب والمحلل السياسي، بوعرقوب، حول قضية تسمية المناصب السيادية؛ إذ يرى أنّ ذلك اختصاص أصيل لمجلس النواب، بيد أنّ انقلاب الإخوان المسلمين على نتائج الانتخابات البرلمانية، في العام 2014 بعد فوزهم بسبعة عشر مقعداً، من أصل 200 مقعداً، وبالتالي فقدوا كتلة الأغلبية داخل البرلمان، الأمر الذي أنتج صراعاً سياسياً حول الشرعية، وخلق صراعاً مسلحاً بدا معه شبح تقسم البلاد قريباً، ما أدى إلي إفراز شرعية سياسية جديدة، ترضي جميع الأطراف المتصارعة، وهذه الشرعية السياسية، يمكن وصفها بالديمقراطية التوافقية، وبالتالي أصبح ما يسمي بــ "مجلس الدولة" شريكاً لمجلس النواب في بعض اختصاصاته، ومنها تسمية المناصب السيادية؛ بحيث يضمن كل طرف تمثيلاً يرضي طموحاته الأيديولوجية، والشخصية، ويمكن إرجاع سبب تعقيد مسألة تسمية المناصب السياسية، لمبدأ تعارض المصالح. ويختتم بوعرقوب، حديثه بالتأكيد على أنّ "ثمة خاسراً وحيداً، من جراء هذا الصراع السياسي والعسكري، يتمثل في المواطن".

اقرأ أيضاً: ما الذي تحمله زيارة عبد الحميد الدبيبة إلى تركيا؟

من جانبه يذهب المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار، في حديثه لــ "حفريات"، إلى أنّه منذ استلام السلطة التنفيذية الجديدة مقاليد الحكم، تعثرت في وضع مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، موضع التنفيذ، ومن أهم المخرجات، اتفاق جنيف المبرم في 23 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وهذا الاتفاق معني بفرض الأمن، على كامل التراب الليبي، ولعل مسألة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وجمع السلاح، وإخلاء القواعد الأجنبية، تعد عموداً فقرياً للانطلاق نحو تطبيق خريطة الطريق السياسية، التي تهدف للانتخابات في 24 كانون الأول (ديسمبر) 2021.

محمد شوبار

بالإضافة إلى ذلك فإنّ مجلس النواب الليبي، لم يضمن خريطة الطريق، ومخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، بالإعلان الدستوري، وهذا سيجعل من إصدار أيّ قوانين، عرضة للطعن أمام سلطة القضاء، وبذلك يمكن القول، إنّ السند التشريعي لإصدار أيّ قانون من مجلس النواب، غير متوفر حتى اللحظة، باعتبار شرعية الأجسام الحالية، سواء كان مجلس النواب، أو مجلس الدولة، أو السلطة التنفيذية الجديدة، تستوجب تضمين مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، في الإعلان الدستوري . ومن جانب آخر أبدى العديد من أعضاء مجلس النواب، مخاوفهم من اعتماد هذا الحجم من الميزانية، في وعاء زمني قصير، وعدم وجود جهات رقابية فاعلة؛ لمراقبة عملية إنفاق الميزانية، وعدم اعتماد الميزانية؛ سيجعل الحكومة في موقف العاجز عن تحسين الخدمات التي ينتظرها الشعب.

اقرأ أيضاً: ليبيا: هل فتح الدبيبة الباب على مصراعيه أمام الأتراك؟

وعلى صعيد متصل بالأزمة الليبية، يلفت شوبار إلى أنّ معضلة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، وجمع السلاح، تحولت من شأن محلي، بإبرام اتفاق جنيف المشار إليه، إلى شأن دولي، بعد إصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 في 15 نيسان (أبريل) 2021، وهو قرار يهدف لاسترجاع سيادة الدولة الليبية، ووحدة أراضيها.

ويستطرد المتحدث باسم مبادرة القوى الوطنية الليبية، محمد شوبار، مؤكداً أنّ الاتفاق على المناصب السيادية، أصبح يواجه خلافات، بعد اتفاق نسبي تم الوصول إليه في محادثات بوزنيقة المغربية، وظهر هذا واضحاً، في الخطاب الذي وجهه رئيس مجلس الدولة، إلى رئيس مجلس النواب، ويبدو أنّ الأمر سيرجع للتفاوض من جديد.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية