لماذا لا يثق الصوماليون بنزاهة الانتخابات؟

لماذا لا يثق الصوماليون بنزاهة الانتخابات؟


02/09/2021

تمحورت أزمة الانتخابات في الصومال حول أطماع الرئيس المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، في البقاء في السلطة بأية طريقة ممكنة.

البداية تمثلت في محاولة تغيير نظام الانتخاب العشائري إلى نظام الانتخاب المباشر، وحين أخفق عاد لتأمين نجاحه لولاية ثانية عبر السيطرة على اللجان الانتخابية الفيدرالية، وعدد من الولايات، وتوظيف المال السياسي لضمان فوز أغلبية موالية في غرفتي البرلمان، لتأمين فوزه عبر البرلمان.

وكان من المتوقع أن تنتهي الأزمة بعد تنحّي فرماجو عن السلطة، عقب إخفاقه في التمديد لولايته، لكن دخلت الانتخابات أزمة جديدة، بعد انفراط عقد التحالف المعارض لفرماجو، المكوّن من رؤساء عدد من الولايات الإقليمية واتحاد المرشحين الرئاسيين، لتأخذ الأزمة وجهاً جديداً؛ يتمثّل في صراع القائم بأعمال رئيس الوزراء ورؤساء الولايات من جانب، واتحاد مرشحي الرئاسة وشيوخ العشائر من جانب آخر.

اجتماعات لا تنتهي

وتكاد الاجتماعات المتكررة التي تجمع الفرقاء والحلفاء أن تكون المظهر الأهم لأزمة الانتخابات في الصومال، منذ العام الماضي؛ فلا يكاد يمضي شهر دون اجتماعات مفصلية، تنتج عنها اتفاقيات وجداول انتخابية، سرعان ما يرفضها أحد الفرقاء، أو يضع فريق آخر العراقيل أمامها، لتمدّ بذلك في عمر الأزمة، وكان آخر اجتماع مفصلي عقده المجلس الاستشاري الوطني، الذي يضمّ القائم بأعمال رئيس الوزراء، محمد حسين روبلي، ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، في 27 أيار (مايو) الماضي، ونتج عنه اتفاق حول عقد الانتخابات.

القائم بأعمال رئيس الوزراء متوسطاً أعضاء المجلس الاستشاري الوطني

وتبع ذلك إجراء  اجتماعات عديدة للمجلس الاستشاري الوطني لمتابعة تنفيذ الاتفاق، وكذلك بين القائم بأعمال رئيس الوزراء واتحاد المرشحين الرئاسيين، ولحلّ أزمة اعتراض مرشحي الرئاسة، اتُّفق على تشكيل لجنة مكونة من ستة أعضاء، مناصفةً بين المجلس الاستشاري ومرشحي الرئاسة.

وبعد تأجيل عدّة مرات، أشرفت الولايات على الانتهاء من إجراء انتخابات أعضائها في مجلس الشيوخ، بدايةً من ولاية جوبالاند، التي افتتحت الانتخابات في 29 تموز (يوليو) الماضي، والتي عدّها المجتمع الدولي والمدني خطوة كبيرة نحو الالتزام بإجراء الانتخابات، على الرغم من الانتقادات الكبيرة التي وُجهت لرؤساء الولايات بسبب التدخل في الانتخابات، وعدم الاتفاق حول اللجنة الانتخابية الخاصة بانتخابات ممثلي أرض الصومال في المجلس، وتأخّر ولاية هيرشبيلي حتى الآن في عقد الانتخابات، بعد خلافات بين الولاية والمجلس الاستشاري الوطني.

 

تحالف القائم بأعمال رئيس الوزراء مع رؤساء الولايات ما يزال لغزاً وعليه ضبابية كثيرة، وربما يحاول الرجل أن يلعب بورقته الخاصة في الانتخابات

 

ويقر المحلل السياسي الصومالي، نور الدين روبو؛ بحدوث تجاوزات بالجملة في انتخابات مجلس الشيوخ، وجميع من فازوا تم اختيارهم شخصياً من رؤساء الولايات، وكلّ رئيس استبعد من لا يتفقون مع خطه السياسي؛ فمن يؤيد فرماجو استبعد المعارضين، ومن يعارض فرماجو استبعد المقرّبين منه.

وعقد روبلي أحدث اجتماعاته بشأن الانتخابات في نهاية آب (أغسطس) الماضي، مع أعضاء اللجان الانتخابية الفيدرالية والإقليمية ولجنة تسوية المنازعات، لبحث التعجيل بإجراءات العملية الانتخابية، فيما يتعلق تحديداً باختيار مندوبي العشائر المخوّل لهم انتخاب أعضاء مجلس الشعب، وشدّد على ضمان نزاهة الانتخابات.

سلطة رؤساء الولايات 

ووفق نظام الانتخاب العشائري (4.5) يختار البرلمان بغرفتيه؛ مجلس الشيوخ ومجلس الشعب، رئيس الجمهورية، ولهذا تسعى كلّ أطراف العملية السياسية إلى ضمان فوز الموالين لهم في البرلمان، وكانت اليد العليا لرؤساء الولايات في فوز أعضاء مجلس الشيوخ، الأمر الذي سيتكرر في انتخابات مجلس الشعب.

لقاء قيادات صومالية بأعضاء في المجتمع الدولي في الصومال

وتجرى انتخابات الشيوخ عبر ترشيح رئيس كلّ ولاية لعدد من المرشحين، ينتخب برلمان الولاية، من بينهم العدد الذي يمثّل الولاية في المجلس.

 وفي انتخابات مجلس الشعب، كان المتفق عليه أن يختار زعماء العشائر المعترف بهم من الحكومة، وعددهم 135، المندوبين الذين سينتخبون النواب، بواقع 101 مندوب لكلّ مقعد، لكنّ ما تسبّب في الخلاف هو اتفاق المجلس الاستشاري الوطني على منح اللجان الانتخابية الإقليمية سلطة اختيار المندوبين، بدلاً من زعماء العشائر، وبما أنّ الهيمنة لرؤساء الولايات في تشكيل هذه اللجان، فبالتالي لهم اليد العليا في الانتخابات.

اقرأ أيضاً: الصومال: اتحاد مرشحي الرئاسة يرفض إقامة الانتخابات وفق هذه الإجراءات

ويقول الباحث في القضايا الأمنية والسياسية في القرن الأفريقي، عبد الرحمن سهل يوسف إنّ "المشكلة في مشاركة رؤساء الولايات مع شيوخ العشائر والمجتمع المدني في اختيار المندوبين، والخوف من هيمنة رؤساء الولايات على عملية اختيار المندوبين، بالتالي، التحكم في الانتخابات، ولهذا اجتمع القائم بأعمال رئيس الوزراء بأعضاء اللجان الفيدرالية والإقليمية، ليؤكّد أنّ اختيار المندوبين من سلطتهم، وليس رؤساء الولايات، وضرورة التعاون مع شيوخ العشائر والمجتمع المدني.

لكن، يتابع يوسف في تصريح لـ "حفريات"، إن عدنا لكيفية تشكيل اللجان الإقليمية، سنجد أنّ كلّ لجنة مكوّنة من 11 عضواً؛ 8 يعينهم رئيس الولاية، وثلاثة يعينهم رئيس الوزراء، ما يعني أنّ اللجنة ذاتها بيد رئيس كلّ ولاية، ولهذا لن تكون انتخابات مجلس الشعب نزيهة، وستكون مصادرة من رؤساء الولايات، مثلما حدث في انتخابات مجلس الشيوخ.

وكان المعمول به سابقاً في نظام الانتخاب العشائري (4.5) أن يعيّن شيوخ العشائر المعتمدين لجنة الانتخابات التي ستختار المندوبين، وكذلك مشاركة اللجان الفيدرالية مع شيوخ العشائر في تحديد منظمات المجتمع المدني، التي تشارك في عملية اختيار المندوبين، وهو الدور المنوط برؤساء الولايات في التعديلات الجديدة.

أزمة لجنة صومالي لاند

علاوةً على ما سبق؛ هناك نقاط خلافية أخرى، ييحدث عنها الناشط الصومالي، محمد ضاهر الزيلعي، قائلاً؛ "في التعديل الجديد جرى تخفيض النسبة الملزمة لحضور أعضاء اللجنة الانتخابية يوم الانتخاب من 80% إلى 66%، وهذا يمنح سلطة أكبر للولايات في التحكم في الانتخابات".

الباحث الصومالي د. عبد الرحمن سهل يوسف

وأضاف الزيلعي لـ "حفريات"؛ هناك شروط معرقلة أمام المرشحين والناخبين، مثل إحضار شهادة حسن سيرة وسلوك، دون توضيح أسس منح هذه الشهادة، التي ستصدر عن السلطات الأمنية الخاصة بكل ولاية، ما يعني أنّها زيادة سلطة بيد الولايات.

وفي سياق متصل، ما تزال أزمة تشكيل اللجنة الانتخابية الخاصة بانتخابات صومالي لاند في مجلس الشيوخ متأزمة، وكانت اللجنة التي تشكلت قد شهدت انقساماً بين جناح رئيس مجلس الشيوخ المنتهية ولايته، عبدي حاشي، والقائم بأعمال نائب رئيس الوزراء المسؤول عن اللجنة، مهدي غوليد، ما دفع القائم بأعمال رئيس الوزراء للتدخل، دون حلّ الخلاف بعد، وتأتي أهمية اللجنة كونها المسؤولة عن انتخاب 11 عضواً في مجلس الشيوخ.

 

الباحث الصومالي عبد الرحمن يوسف لـ "حفريات": لن تكون انتخابات مجلس الشعب نزيهة، وسيصادرها رؤساء الولايات، مثلما حدث في انتخابات مجلس الشيوخ

 

وأثار التحالف بين روبلي ورؤساء الولايات غموضاً، ويقول نور الدين روبو لـ "حفريات"؛ تحالف القائم بأعمال رئيس الوزراء مع رؤساء الولايات ما يزال لغزاً وعليه ضبابية كثيرة، وربما يحاول الرجل أن يلعب بورقته الخاصة في الانتخابات عبر إرضاء رؤساء الولايات، ومنحهم تأثيراً كبيراً في الانتخابات، مقابل دعمه هو أو شخص من طرفه لرئاسة الدولة، وهذه مجرد فرضية بُنيت على التغيرات الجديدة وسوء العلاقة بين فرماجو وروبلي.

وحول احتمالات تصعيد شيوخ العشائر، قلّل عبد الرحمن سهل يوسف، من ذلك، وقال؛ لن يكون لهم دور، لأنّ رئيس كلّ ولاية يعقد تحالفات مع رؤساء العشائر، ويقنعهم مقابل تحقيق مصالحهم الخاصة، وهذا ما سيقود إلى تهميش دور الشيوخ.

ومن المتوقع أن تستكمل انتخابات مجلس الشيوخ، وتُعقد انتخابات مجلس الشعب خلال الأشهر المتبقية من العام الجاري، على أن ينتخب البرلمان الجديد رئيس الدولة قبل بداية العام الجديد، ولا يمكن الجزم بمواعيد محددة لإنهاء الانتخابات، بسبب الخلافات القائمة بين الفاعلين السياسيين.

أجبر الرفض الدولي والمحلي الرئيس السابق فرماجو على تسليم السلطة

وكانت السفيرة البريطانية قد تناولت في حديثها ما جرى من تدخل رؤساء الولايات في انتخابات مجلس الشيوخ، ودعت إلى التزام الشفافية في انتخابات مجلس النواب، مشيرة إلى أنّ الدعم الدولي والغربي للانتخابات مرتبط بتحقيق انتخابات توافقية نزيهة.

اقرأ أيضاً: أردوغان يدعم الصومال مجدداً.. ماذا عن كوارث بلاده؟

وبدأ العمل بمبدأ المحاصصة العشائرية في البلاد في مؤتمر المصالحة الصومالية بمنطقة عرتا في جيبوتي، عام 2000، والذي أسس لاستعادة الصومال مؤسساته الدستورية، لتمثيله في المحافل الدولية والإقليمية، وينصّ النظام، المعروف بقاعدة (4.5)، على منح الكتل العشائرية الكبيرة المهيمنة على البلاد، وهي: در ودارود وهوية ودغل ومرفلي، حصة واحدة لكل منها، والنصف المتبقي للأقليات الأخرى غير المنتمية للتجمعات الكبرى، وتتطبق هذه التقسيمة على أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 275 نائباً، وتحصل كل كتلة من الأربعة على حصة 61 عضواً، ويتبقى 31 عضواً للأقليات القبلية.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية