لماذا منع "الإخوان" نصر حامد أبو زيد من دخول ماليزيا؟

لماذا منع "الإخوان" نصر حامد أبو زيد من دخول ماليزيا؟

لماذا منع "الإخوان" نصر حامد أبو زيد من دخول ماليزيا؟


02/08/2023

التطرّف هو الوجه الآخر القبيح لنهضة ماليزيا الاقتصاديّة، وهو الوجه المخفي، عن عمد، من قبل المبشّرين بنهضة عربية على النسق الماليزي، الذي بات مع نموذج تركيا بمثابة حصان طروادة الإخوانيّ لاختراق المجتمعات العربية، على الرغم من فشل تجربة الإخوان السابقة، في بلاد عربية مثل السودان، في إحداث تنمية وفق أيّ من النموذجين.

وكان للأكاديمي المصري الراحل، نصر حامد أبو زيد (1943 - 2010)، تجربة شخصية مع التطرف الإخواني في ماليزيا؛ حين منع الإخوان المسلمون مشاركته في مؤتمر دولي، عام 1995، بتدخل مباشر من وزير التعليم العالي، الذي خير الجامعة المُنظمة للمؤتمر؛ بين إلغاء المؤتمر، أو إلغاء مشاركة أبو زيد.

اقرأ أيضاً: فصول مجهولة من قضية نصر حامد أبو زيد

وحتى اليوم، تستمرّ هيمنة فرع الإخوان المسلمين في ماليزيا على مؤسسات التعليم، عبر التغلغل المخطط له داخل الأكاديمية الماليزية، والمشاركة في صنع القرار السياسي.

ومرة أخرى كشف إخوان ماليزيا عن نفوذ كبير لهم في وزارة التعليم العالي، عبر منح جامعة "العالمية للتجديد"، التي أسّسها الإخوان المصريون الهاربون في تركيا، اعتماد الوزارة الماليزية، دون مساءلة عن أحقية هذا الكيان المثير للريبة في الحصول على الاعتماد.

شهادة نصر حامد أبو زيد

في كتابه "التجديد والتحريم والتأويل – بين المعرفة العلمية والخوف من التكفير"؛ ذكر أبو زيد قصته مع التطرف الإخواني خلال زيارته إلى ماليزيا، لحضور مؤتمر بعنوان "تحدّي الأصولية: ضدّ التبسيطات السياسية والمدرسية"، عام 1995، بناءً على دعوة من مؤسسة فريدريك هيومان الألمانية، المُنظِمة للمؤتمر بالتعاون مع جامعة ماليزيا الإسلامية.

غلاف الكتاب

ويسرد أبو زيد، أنّه فوجئ حين وصوله إلى مقرّ المؤتمر بقرار منعه من المشاركة، وعلم من إحدى المشرفات على التنظيم أنّ الأساتذة المتشددين في الجماعة اعترضوا على مشاركته، وسعوا إلى إلغاء تأشيرة وصوله إلى ماليزيا، لكنّهم تأخروا في ذلك، وكان نصر قد دخل البلاد للتوّ.

الترصد الإخواني للمفكرين العرب المناوئين لأيديولوجيتهم لم يقتصر على أبو زيد، وإلى جانبه كان من المقرّر مشاركة المفكر السوري، صادق جلال العظم، والمفكّر السوداني أحمد عبد الله النعيم، في المؤتمر.

يعود وجود الإخوان في ماليزيا إلى 1951، عندما أُسّس فرع الجماعة، ممثلاً في الحزب الإسلامي الماليزي (باس)، الذي تبنى دعوة الإخوان، ومنهجهم التربوي والحركي

وكان النعيم اعتذر عن المشاركة، لظروف خاصة، بينما رفضت السلطات الماليزية منح العظم تأشيرة الدخول، بناءً على طلب الإخوان المسلمين.

وبخلاف العظم، دخل أبو زيد البلاد قبيل صدور قرار بإلغاء تأشيرته، فتدخل وزير التعليم العالي، ووضع الجماعة أمام خيارين؛ إلغاء المؤتمر إذا تمسك المنظمون بمشاركة نصر، أو شطب مشاركة نصر لإنقاذ المؤتمر.

واضطر المُنظِمون إلى شطب اسمَي "نصر والعظم"، بالحبر الأسود، من قوائم الجلسات، لإنقاذ المؤتمر، ووجدوا مخرجاً ليسمع الحضور صوت نصر، تمثّل في إتاحة الوقت الكافي له للمشاركة من بين الجمهور في جميع الجلسات، ووافق نصر على هذا الاقتراح تضامناً مع القلة التنويرية في الجامعة، في مواجهة سطوة التطرف الإخواني المدعوم من حكومة مهاتير محمد.

وقارن نصر، في كتابه، بين القمع الإخواني للأصوات المستنيرة في الجامعات الماليزية، والانفتاح على الآخر الذي وجده خلال زيارته لأندونيسيا.

ويكشف ما جرى مع أبو زيد هيمنة الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، على التعليم في البلاد، وهو الأمر الذي يمثّل خطراً على تماسك المجتمع الماليزي، متعدد الأعراق والثقافات والديانات.

الإخوان واختراق التعليم

وتعدّ السيطرة على المنظومة التربوية والتعليمية هدفاً لجميع فروع جماعة الإخوان في دول العالم الإسلامي، بشكل خاص، وكذلك بين المجتمعات المسلمة في الدول الغربية. وتنشط عشرات المنظمات الدينية والحزبية، التي تعتنق أيديولوجيا التطرف الإخواني في ماليزيا، وتضع السيطرة على التربية والتعليم ضمن أولوياتها، كأداة لتكوين جيل موالٍ لها، ويتخذ ذلك خطوات عديدة، من بينها: تأسيس كيانات تعليمية موازية، واختراق الكيانات التعليمية القائمة، وتوظيف القرار السياسي المركزي في ذلك.

هنية في لقاء مع زعيم الحزب الإسلامي الماليزي عبد الهادي أوانج

وكان للتعليم نصيب الأسد من الاختراق الإخواني؛ إذ لا يخلو برنامج لأيّ جماعة تستلهم فكر الإخوان في ماليزيا، من بند يتحدث عن إعادة صياغة السياسات التربوية والتعليمية، بما يتوافق مع النهج الإسلامي، الذي يخدم أهداف الجماعة.

وفي دراسة بعنوان "الحركة الإسلامية في ماليزيا: نشأتها، منهجها، وتطورها"، صدرت في كتاب بالاسم نفسه، عام 2000، يستعرض الباحث الماليزي المنتمي للإخوان، ومدرّس الحضارة الإسلامية في جامعة التكنولوجيا (بتروناس)، محمد نوري الأمين بن إندوت، مسيرة الإسلام السياسي في بلاده.

اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد كما عرفته

 وكتب رئيس الحزب الإسلامي الماليزي، فرع الإخوان، عبد الهادي أوانج، مقدمة الكتاب، الذي كشف عن الهيمنة الإخوانية على التعليم الجامعي في ماليزيا.

وأشار المؤلف إلى "انتماء عدد كبير من أساتذة الجامعات إلى جماعات الإسلام السياسي، وعلى رأسها فرع الإخوان المسلمين، إلى جانب الحضور الإيجابي لأفكار التطرف في الدرس الأكاديمي".

دخل نصر أبو زيد ماليزيا قبيل صدور قرار إلغاء تأشيرته، فتدخل وزير التعليم العالي، ووضع جماعة الإخوان أمام خيارين؛ إلغاء المؤتمر أو شطب مشاركته

ويتكشف من خلال الدراسة الآتي؛ سيادة توجه أيديولوجي إخواني على العملية التعليمية في ماليزيا، وحضور الإخوان المسلمين في عملية وضع سياسات التعليم، والتي تعبّر عن نفسها في الحضور الأكاديمي لمؤلفات أقطاب التطرف والتكفير، وعلى رأسهم حسن البنا وسيد قطب.

ومن جانب آخر؛ ذكرت الدراسة أنّ جميع الحركات الإسلامية، ومن بينها الحزب الإسلامي، لديها اهتمام كبير بالسيطرة على العملية التعليمية في ماليزيا، وخلق تعليم موازٍ في المراحل ما قبل الجامعية.

ومكّن التعليم الموازي الجماعة من السيطرة على الجامعات، من خلال أعضائها من الطلاب الذين أصبحوا ضمن الكادر التعليمي، عقب تخرجهم من هذه الجامعات.

ويقول الباحث إندوت: "أما المنهج التربوي للحزب الإسلامي فقد تضمن إستراتيجيَّتين، مباشرة وغير مباشرة، وتعتمد الإستراتيجية المباشرة على؛ ممارسة التربية الإسلامية الحركية، وتأهيل الكوادر والعاملين خاصة من بين الشباب والطلاب، عبر البرامج الدعوية والحركية التي تشمل؛ نظام الأسر، والتمرينات، والندوات، والمحاضرات العامة والمعسكرات، التي تنفذ في المساجد والمراكز المخصصة للتربية".

اقرأ أيضاً: بعد ربع قرن على مناظرة أبو زيد وعمارة.. هل اختلف خطاب الإسلامويين؟

ويردف إندوت في كتابه: "كما يستعين الحزب بالعلماء الذين لديهم مدارس ومعاهد في تنفيذ برامجه. وبالإضافة إلى ذلك يقوم نقباء الحزب بالعمل على إعداد البرامج التربوية وتنفيذها وسط الأعضاء والطلاب في الجامعات والمعاهد العليا".

زعماء؛ ماليزيا، تركيا، إيران، قطر في اجتماع ماليزيا

وعلى صعيد الإستراتيجية غير المباشرة؛ يعمل الحزب على استخدام العناصر والأشخاص الآخرين لتنفيذ خطط الحزب الإسلامي وبرامجه، وتشمل هذه العناصر؛ الأئمة في المساجد الحكومية، والمحاضرين في الجامعات.

وأنشأ الحزب الإسلامي مدارسه التمهيدية (رياض الأطفال) والابتدائية والثانوية، وشهد هذا الجانب تطوراً ملحوظاً في الولايات التي توجد فيها كثافة سكانية عالية من المسلمين، وحتى عام 2000؛ أنشأ الحزب 1000 روضة للأطفال، يتولّى التدريس فيها 5000 معلمة تابعات لجماعة الإخوان المسلمين، وأسّس الحزب مدارس لجميع المراحل التعليمية، ومعاهد عليا للدراسات الإسلامية.

اقرأ أيضاً: نصر أبو زيد مشتبكاً مع ابن عربي: تصالح العقل والتصوف

ومن بين المعاهد العليا التابعة للإخوان في ماليزيا: المعهد العالمي للفكر الإسلامي والحضارة، ومعهد التعليم العالمي المعروف باسم (أكاديمية الإصلاح).

ويتمتع الإخوان بنفوذ قوي داخل وزارة التعليم العالي في ماليزيا، ويتضح ذلك من خلال موافقتهم على اعتماد جامعة "التجديد"، التي أنشأها الإخوان المصريون الهاربون إلى تركيا عام 2017، كما وافقت جامعة العلوم الإسلامية في ماليزيا على اعتماد شهادات جامعة الإخوان.

الإخوان في الحكم

وللإخوان المسلمين جذور قديمة في ماليزيا، تعود إلى عام 1951، عندما أُسس فرع جماعة الإخوان المسلمين، ممثلاً في الحزب الإسلامي الماليزي (باس)، الذي تبنى دعوة الإخوان، ومنهجهم التربوي والحركي.

ويشارك الحزب الإسلامي في الائتلاف الحاكم الذي جاء بمهاتير محمد إلى السلطة في الفترة الثانية، قبيل استقالته، مطلع العام الجاري. ويشوب الغموض والتعقيد المشهد الماليزي؛ إذ تتعدّد الأحزاب السياسية التي تتبنى نهج الإخوان المسلمين، وتوجد هذه الأحزاب في صفوف المعارضة والحكومة، على السواء.

اقرأ أيضاً: نصر حامد أبو زيد غرّد خارج السرب فأزهرت كلماته ومات غريباً

وتسبّب حضور الإخوان في الحياة السياسية، في مزايدة الحكومات الماليزية على الجماعات الإسلامية في تبنّي التطرف، حتى صارت البلد واجهةً لتطبيق أفكار الإخوان الإقصائية بحقّ المخالفين، والتميزية بحقّ غير المسلمين.

ويتيح نظام الحكم المحلي اللامركزي فرصة كبيرة للإخوان والأحزاب الإسلامية للسيطرة على التعليم، في الولايات ذات الأغلبية المسلمة، وذلك من خلال وصولهم إلى مراكز صنع القرار فيها، ونجح الحزب الإسلامي في حكم عدة ولايات، لفترات متعددة.

وترأّس رئيس الحزب الإسلامي، عبد الهادي أوانج، رئاسة مجلس وزراء ولاية ترغكانو، الغنية بالنفط، لمدة خمسة أعوام (1999 – 2004)، وعادت الولاية للحزب مرة أخرى، مع تولّي أحمد سامسوري مختار، منصب رئاسة الوزراء، منذ عام 2018.

وفي ولاية كِلنتن؛ تولّى الشيخ نك عبد العزيز نك مات، القياديّ بالحزب الإسلاميّ حكم هذه الولاية، منذ عام 1990، حتى وفاته عام 2015، وخلفه في حكمها القيادي الإخواني، أحمد يعقوب.

وترأس القيادي الإخواني، عزيزان عبد الرازق، مجلس وزراء ولاية كيدا، بين أعوام (2008 - 2013)، كما شارك الحزب في حكم ولايات أخرى لفترات متقطعة، من بينها؛ قداح، وفيرق، سلاغور، ويحوز الحزب تمثيلاً كبيراً في مجلس مدينة كوالالمبور.

وعلى مستوى الدولة؛ يشارك الحزب الإسلامي، ذراع الإخوان المسلمين، في تحالف الأمل الحاكم الذي أوصل مهاتير محمد إلى سدة الحكم، من خلال دخوله تحت مظلة حزب عدالة الشعب، بزعامة أنور إبراهيم، وحصل الحزب على 18 مقعداً في مجلس النواب، وتمكّن الحزب، من خلال مشاركته في السلطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، من تمرير تشريعات عديدة لخدمة رؤيته الدينية المتطرفة، خصوصاً في السياسات التربوية والتعليمية.

وأصبحت ماليزيا ملاذاً أمناً لقيادات وعناصر جماعة الإخوان المسلمين، الفارين من الدول العربية، التي حظرت نشاط الجماعة وصنّفتها جماعة إرهابية.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية