لهذه الأسباب يلجأ أردوغان إلى قناة إسطنبول

لهذه الأسباب يلجأ أردوغان إلى قناة إسطنبول


12/04/2021

استأنف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإعلان عن مشروع الممر المائي لقناة إسطنبول، في وقت وصل الدعم له ولحزبه الحاكم إلى أدنى مستوياته على الإطلاق وسط جائحة فيروس كورونا والاقتصاد المضطرب، بحسب ما كتب الصحافي كارلوتا غال مدير مكتب صحيفة نيويورك تايمز في إسطنبول في مقال نُشر يوم السبت.

وأشار المقال إلى أن أردوغان وعد بأن خطة القناة التي تبلغ تكلفتها عدة مليارات من الدولارات ستخلق طفرة في البناء والعقارات، بالإضافة إلى عائدات من حركة الشحن المتزايدة، وأشار إلى أنه قد يتخلص من اتفاقية مونترو.

في الشهر الماضي، وافقت تركيا على خطط لتطوير مشروع القناة، الذي فتح النقاش حول اتفاقية مونترو لعام 1936 التي تضمن المرور الحر عبر مضيق البوسفور والدردنيل للسفن المدنية في أوقات السلم والحرب.

وفي وقت سابق من هذا الشهر، احتجزت الشرطة التركية 10 أميرالات متقاعدين بعد أن حذرت رسالة موقعة من 104 منهم من تهديد محتمل للمعاهدة بعد تصريحات رئيس البرلمان مصطفى شنطوب، الذي قال إن أردوغان لديه سلطة الانسحاب من الاتفاقية.

وقال مقال صحيفة نيويورك تايمز: "العلمانيون، وكذلك معظم الدبلوماسيين وخبراء السياسة الخارجية الأتراك، يرون في اتفاقية مونترو انتصارًا لتركيا وأساسيًا لاستقلال تركيا والاستقرار في المنطقة".

وأضاف أن أردوغان ومستشاريه كانوا يدركون جيدًا استحالة تغيير اتفاقية مونترو، لكن الرجل القوي في تركيا يستخدم الأمر "لإثارة عاصفة".

وفي الوقت الذي ترتفع فيه الإصابات بكوفيد-19 في تركيا إلى أكثر من 55000 حالة يوميًا ويحذر المستثمرون والمحللون على حد سواء من أن الدولة قد تقترب من أزمة العملة مرة أخرى.

ونقل المقال عن المحللة أسلي أيدين تاشباش قولها إنّ العاصفة السياسية التي أحدثتها اتفاقية مونترو ومشروع القناة، هي طريقة الحكومة للضغط من أجل القناة.

وقالت أيدين تاشباش: "أردوغان يصر على بناء قناة موازية لمضيق البوسفور، ومن المرجح أن تكون إحدى حجج الحكومة أن هذا المضيق الجديد يسمح لتركيا بالحصول على سيادة كاملة - على عكس حرية المرور لمونترو".

وبحسب الكاتب كارلوتا غال فإنّه لم يكن من قبيل المصادفة أن تأتي هذه الحادثة بينما وجد أردوغان نفسه في خضم واحدة من أكثر المآزق السياسية ضغطاً في مشواره المهني، حيث أدى تفشي الوباء والاقتصاد المتفاقم إلى تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي حتى مع تكديسه المزيد من الصلاحيات في يده.

وقال الكاتب إنّه لتحشيد المؤمنين بحزبه، عاد أردوغان مرة أخرى ليبشر بإحدى أفكاره "العظيمة" المفضلة: حفر قناة عبر إسطنبول، من البحر الأسود إلى بحر مرمرة لفتح طريق ملاحي جديد موازٍ لمضيق البوسفور الضيق.

وفي الوقت الحالي، يخضع استخدام تلك الممرات المائية الطبيعية لاتفاقية مونترو، وهي معاهدة دولية أُبرمت في عام 1936 بين الحربين العالميتين، في محاولة للقضاء على التوترات المتقلبة حول واحدة من أكثر نقاط الاختناق البحرية حيوية في العالم.

وإلى جانب دعمه لمشروع فتح القناة، أشار أردوغان إلى أنه يمكن الاستغناء عن المعاهدة. وقال متحدث باسم حزب العدالة والتنمية لمقدم تلفزيوني الشهر الماضي إن الرئيس لديه السلطة لفعل ذلك إذا أراد ذلك.

وبموجب المعاهدة، وافقت تركيا على حرية مرور السفن المدنية والتجارية، لكنها وافقت على رقابة صارمة على السفن الحربية، وخاصة القوى الخارجية، التي حافظت على السلام في المنطقة. بينما يقول المحللون إن التراجع عن الاتفاق أمر غير مرجح وخطير على حد سواء بالنسبة لتركيا، فإن مجرد الاقتراح يهدد بإرسال موجات من القلق في جميع أنحاء المنطقة وخارجها.

وكان من بين أول من اعترضوا بشدة الأدميرالات المتقاعدون في تركيا، الذين وضعوا أسماءهم في خطاب مفتوح في نهاية الأسبوع الماضي على موقع إلكتروني قومي يحذرون فيه من أن اتفاقية مونترو كانت وثيقة تأسيسية مهمة لأمن تركيا وسيادتها ولا ينبغي طرحها للنقاش. وأكد أردوغان يوم الاثنين التزام تركيا بالمعاهدة لكنه استنكر بيان الأدميرالات.

وفي خضم الاضطرابات، تراجع حزب أردوغان إلى أقل من 30 في المئة في استطلاع رأي حديث، وانخفض حليفه السياسي، حزب الحركة القومية، إلى 6 في المئة، مما جعل إعادة انتخابه للرئاسة في يبدو عام 2023 صعباً بشكل متزايد.

وبحسب مقال نيويورك تايمز فإنّه حتى أنصار أردوغان يدركون أن معركة مؤلمة تنتظرهم، وفي هذا السياق كتب برهان الدين دوران، مدير سيتا، وهي منظمة بحثية موالية للحكومة، في عمود في صحيفة ديلي صباح الأسبوع الماضي: "لقد دخلنا في العملية الانتخابية الطويلة التي استمرت عامين، والتي أدت إلى انتخابات عام 2023". وقال مشيرًا إلى رسالة الأدميرالات: "بسبب الإعلان الأخير، هناك الآن احتمال أن تكون العملية مؤلمة". وتوقع حملة محلية ودولية مشتركة ضد حكومة أردوغان.

لكن الأدميرالات أثاروا غضبًا خاصًا من أردوغان ورفاقه الإسلاميين من خلال تضمينهم في رسالتهم انتقادات للأدميرال الحالي الذي تم تصويره في شريط فيديو وهو يحضر صلاة مع طائفة دينية. وحرص الأدميرالات المتقاعدون على إعادة تأكيد تمسكهم بالمثل العلمانية للوالد المؤسس للجمهورية التركية، مصطفى كمال أتاتورك.

ولم تأت رسالة الأدميرالات من فراغ. قبل عام، كتب 126 دبلوماسيًا تركيًا متقاعدًا رسالة مفتوحة تحذر من الانسحاب من الاتفاقية. ويكشف الجدل عن الانقسامات العميقة بين العلمانيين والإسلاميين التي تمزق تركيا منذ صعود السيد أردوغان إلى السلطة في عام 2002.

وأفاد كارلوتا غال في مقاله أنّ صحفيين استقصائيين كشفوا عن صفقات عقارية اشترى فيها المنقبون من الشرق الأوسط الكثير من الأراضي على طول القناة التي ستبنى فيها. ومع ذلك، قال أردوغان في مؤتمر إقليمي للحزب في إسطنبول في فبراير إن المشروع سيمضي قدمًا، على الرغم من المعارضة.

ونددت أحزاب المعارضة بالمشروع ووصفته بأنه مخطط فاسد لكسب المال، محذرة من أن القناة ستكون غير مستدامة ماليا وستدمر إسطنبول مع الزحف العمراني غير المنضبط. ومن أشهر المعارضين لقناة إسطنبول رئيس بلدية إسطنبول المعارض أكرم إمام أوغلو، إلى جانب دعاة حماية البيئة وعلماء البيئة ومخططي المدن.

قالت أسلي أيدين تاشباش، الزميلة البارزة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الإسلاميين، الذين وقعوا في فخ كرههم للجمهورية العلمانية التي حلت محل الإمبراطورية العثمانية، لا يثقون في اتفاقية مونترو. وأضافت أن تلك كانت قراءة خاطئة للتاريخ، لكن أردوغان يشعر أن الاتفاقية بحاجة إلى "تحديث ليلبي دور تركيا المنشود الجديد كقوة إقليمية ثقيلة".

وأضافت أيدين تاشباش: "إنها طريقة الحكومة للضغط من أجل القناة". "أردوغان يصر على بناء قناة موازية لمضيق البوسفور، ومن المرجح أن تكون إحدى حجج الحكومة هي أن هذا المضيق الجديد يسمح لتركيا بالحصول على السيادة الكاملة - على عكس المرور الحر لمونترو."

وقالت إن هذا التفسير غير دقيق وخطير. غير دقيق لأنه ما دامت مونترو موجودة، فلا توجد سفينة ملزمة باستخدام القناة الجديدة. وخطير لأنه قد يفاقم حالة الروس والمجتمع الدولي.

وقال سيرهات جوفينش، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة قادر هاس في إسطنبول، إن روسيا ستخسر أكثر من غيرها في أي تغيير في المعاهدة، على الرغم من أن أي تعديل أو تفكيك للاتفاقية يبدو غير وارد، لأنه يتطلب إجماعًا من الموقعين المتعددين.

وأضاف: روسيا سوف تستاء منه وستستفزّ. ستستفيد الولايات المتحدة والصين، حيث لا يُسمح حاليًا بنقل السفن الحربية الكبيرة أو حاملات الطائرات إلى البحر الأسود.

عن "أحوال" تركية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية